اخبار العراق الان

كيف تعاطت المعارضة التركية مع سقوط الأسد؟

كيف تعاطت المعارضة التركية مع سقوط الأسد؟
كيف تعاطت المعارضة التركية مع سقوط الأسد؟

2024-12-11 21:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


صورة مشوهة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في منشأة أمنية حكومية تعرضت للنهب في دمشق، 8 ديسمبر 2024 (أ ف ب)

قبيل ساعات قليلة من سقوط نظام الأسد، ذلك الزلزال الذي هزَّ العالم كله، كون النظام السوري متجذر منذ نحو ستة عقود، ومتهم بهدم المدن فوق رؤوس المدنيين في حال فكروا بالاعتراض عليه، على رغم ذلك كان الحد متوقعاً قبلها بأيام عندما بدأت المعارضة السورية تحرز تقدماً متسارعاً على الأرض.

قبيل السقوط بساعات، خرج زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، في تصريحات تخص الأحداث بسوريا، فقال إنه يجب فتح حوار مباشر مع بشار الأسد، لأن "الحوار مع الرئيس السوري في هذه المرحلة من مصلحة الطرفين، ويعود بالنفع على البلدين".

وأضاف أوزال: "سياسة الحكومة التركية تجاه سوريا خاطئة، هم يتهمون الأسد بأنه قاتل ومجرم حرب، وهذا سيسهم في تقسيم الأراضي السورية"، وتابع أن "أردوغان قال في 2012 إنه يريد أن يصلي في المسجد الأموي، وقام بدعم الجماعات التكفيرية، ولم يحافظ على الاستقرار في سوريا".

لم يتأخر الرد الحكومي التركي على زعيم المعارضة، بل وجاء الرد على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال: إن "المعارضة تتبنى سياسة الاستغلال حتى في القضايا التي تمس الأمن القومي التركي بشكل مباشر". وأضاف "أنتم معارضة تركية، ولستم النظام السوري، الأولى أن تنظروا إلى أنقرة وليس إلى نظام دمشق".

إعلان يحسم الجدال

بعد ساعات قليلة من المناوشات بين زعيم المعارضة التركية ورئيس البلاد، دخلت قوات المعارضة السورية إلى مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في دمشق، وأعلنت رسمياً إسقاط نظام بشار الأسد، وكان هذا الخبر هو الخط العريض لعناوين كل وسائل الإعلام التركية صباح الأحد الماضي، الأحد الطويل الذي دخل التاريخ.

مع إعلان الخبر التاريخي، توافد عشرات آلاف السوريين إلى الشوارع والطرقات وسط مدينة إسطنبول، محتفلين بالنصر، ناطقين هتافات باللغة العربية (بعد أن كانوا يتحدثون بها بحذر بسبب بعض الأصوات العنصرية)، رافعين العلم الجديد في كل الساحات والميادين بمختلف المدن التركية.

هذا المشهد الذي لم يألفه الأتراك من قبل السوريين قبل هذا اليوم، كان حديث وسائل الإعلام التركية في تغطيتها المفتوحة بعد ما سُمي بـ"انتصار السياسة التركية في سوريا"، وهذا ما وضع المعارضة التركية في مأزق، خصوصاً أن الحدث كما أسلفنا حصل بعد ساعات قليلة من دعوة كبرى شخصيات المعارضة التركية للحوار مع الأسد، وبالمقابل كان أردوغان يقول: "المعارضة السورية هدفها دمشق".

تباينت آراء المعارضة التركية بسقوط النظام في سوريا، ما بين مرحب بالحدث الكبير، وما بين ناقد له، معتبراً أن هذا قد يؤدي إلى تقسيم سوريا، وأن مصلحة تركيا كانت مع النظام السابق، وبين من وقف على الحياد، معتبراً أن ما يجري شأن سوري داخلي ولا فائدة ولا ضرر لتركيا من هذا.

أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وهو أحد أهم الشخصيات في حزب الشعب الجمهوري المعارض، قال إنه "يجب تسريع عودة المهاجرين السوريين في تركيا". وأضاف أن بلدية إسطنبول التي يديرها "يمكنها المساهمة في تطوير المدن السورية، وهي جاهزة للمشاركة في إعادة الإعمار".

تعميق الفوضى

أما حزب الحركة الديمقراطية الكردي، فأصدر بياناً يهاجم فيه "هيئة تحرير الشام" التي قادت معركة "ردع العدوان"، ووصفها بـ "التنظيم الإرهابي"، متهماً إياها بـ"ارتكاب جرائم حرب في المناطق التي سيطرت عليها خصوصاً منبج وتل رفعت بريف حلب".

وأضاف البيان بأن "الخطوات التي قام بها حزب العدالة والتنمية أخيراً في سوريا من شأنها تعميق الفوضى والاضطرابات، كما أدت هذه الأحداث في سوريا إلى تدمير أرضية الحل السياسي التي كانت موجودة في سوريا".

وزعم البيان أن "القوات المسلحة التركية نفذت عمليات جوية لدعم هذه العصابات"، مضيفاً أن السياسة التركية في سوريا، وخصوصاً في شمال شرقي سوريا "تستهدف نموذج التعايش السلمي وتقضي عليه"، داعياً الأمم المتحدة لـ "تحمل مسؤوليتها في ما يجري".

تناقض حزب الظفر

أوميت أوزداغ، زعيم حزب الظفر اليميني المتطرف في تركيا، والمعروف بمعاداته الشديدة للاجئين، وقد جعل منهم مادة رئيسية لكافة خطاباته السياسية، لم يرحب بإسقاط نظام الأسد، على رغم أن ذلك سيؤدي إلى عودة اللاجئين الذين حاربهم أوزداغ بشتى الوسائل، بل نشر تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس" قائلاً، إنه بسبب "الإطاحة ببشار الأسد أصبحت سوريا تخضع لمنظمات إرهابية مثل هيئة تحرير الشام وحزب العمال الكردستاني"، وأضاف أن "كامل الأراضي السورية باستثناء المناطق التي يتواجد بها العلويون تقع تحت هيمنة التنظيمات الإرهابية"، وفق تعبيره.

إلا أن أحمد بيرات، وهو عضو في الحزب ذاته، قال لـ "اندبندنت عربية"، إن "إسقاط نظام بشار الأسد سيسهم بشكل أو بآخر بعودة اللاجئين السوريين"، وأضاف أن "عودة السوريين إلى بلدهم ستفتح فرص عمل كثيرة لأبناء الوطن الحقيقيين الأتراك".

توصيات للنظام المقبل

زعيم حزب "المستقبل" المعارض في تركيا، البروفيسور أحمد داوود أوغلو، أصدر بياناً يرحب فيه بإسقاط النظام السوري، ومما جاء في البيان: "إنني أُحيي ذكرى المضطهدين الذين فقدوا حياتهم بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة والتعذيب والقتل الجماعي خلال فترة البعث في سوريا، وأهنئ إخواني من جميع الخلفيات العرقية والدينية والطائفية الذين ناضلوا بشدة من أجل إقامة دولة آمنة مستقلة". وأضاف رئيس الوزراء التركي السابق أن "الشعب السوري وضع اليوم حداً لهذا النظام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي تصريحات خاصة، قال داوود أوغلو، إن "سوريا بدأت حقبة جديدة، وعلى الحكومة السورية الجديدة أن تقيم نظاماً مبنياً على الكرامة الإنسانية، ونحن في تركيا من واجبنا دعم جيراننا السوريين، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة إعمار البلاد التي دمرها نظام البعث".

وأضاف أنه "ينبغي على الإدارة الجديدة دمج جميع مكونات المعارضة السورية والتنسيق معها، وإجراء مصالحة وطنية شاملة تتشارك فيها كافة الأعراق والطوائف، وأن تجري عملية الانتقال السلمي للسلطة بشكل مدني، وأن يتم إنشاء نظام قضائي عادل".

وأوضح زعيم حزب المستقبل أنه "يجب كتابة دستور جديد لسوريا ينص على وحدة الأراضي السورية، ويحفظ الحقوق والحريات، والبدء في إعادة تأهيل البلاد اقتصادياً، ومن المهم جداً ضمان عودة ثروات الشعب السوري التي هربتها عائلة الأسد خارج الأراضي السورية".

تغيير موقف

بالعودة إلى زعيم المعارضة التركية أوزغور أوزال، الذي راهن على بقاء الأسد حتى الساعات الأخيرة من عمر النظام السابق، بعد السقوط نشر بياناً خجولاً على حسابه الرسمي في منصة "إكس"، يقول فيه إنه "اعتباراً من اليوم، وصل نظام الأسد، الذي حكم سوريا بالاستبداد لسنوات، إلى نهايته، ومن الضروري الآن تشكيل حكومة انتقالية في سوريا تمثل جميع السوريين، ونحن في حزب الشعب الجمهوري نؤيد وحدة أراضي سوريا وإيجاد بيئة ديمقراطية وسلام واستقرار في سوريا".

وأضاف أوزال أن "أولويتنا في ما يتعلق بسوريا هي أمن وسلام مواطنينا، وينبغي طرح برنامج شامل يسمح بعودة السوريين الموجودين في تركيا بأوضاع مختلفة منذ سنوات إلى ديارهم على الفور، وندعو جميع أصدقاء سوريا إلى دعم إنشاء حكومة انتقالية تمثل جميع السوريين، ومن ثم نظام ديمقراطي قائم على حقوق الإنسان وسيادة القانون، لتجنب تكرار الأخطاء في العراق وليبيا".

معارضة "منغلقة"

الباحث والأكاديمي التركي المعارض أنس نزيبلي أوغلو، قال إنه يعارض "حكومة حزب العدالة والتنمية وسياستهم التي أوصلتنا لمرحلة يُرثى لها، ومعارضتنا لأردوغان لا تمنحنا الحق في السكوت عن الأمور الإيجابية التي تحدث، سياسة أردوغان في سوريا نجحت، قد كانت تبدو سيئة قبل أسبوعين، لكنها اليوم أثبتت أنها ناجحة".

وأضاف نزيبلي أوغلو لـ"اندبندنت عربية" "حان الوقت لكي يفرح السوريون، ويعودوا إلى بلدهم بكرامة وبشكل طوعي وآمن، بالنسبة لي أرى أن السوريين قد حركوا الاقتصاد في تركيا، هناك مئات الآلاف من الوظائف التي يشغلها السوريون في تركيا ولا يمكن أن يشغلها غيرهم، عندما يغادرون سوف يتركون فراغاً كبيراً".

ويستدرك: "رغبتي بأن يبقى السوريون في تركيا لا تمنعني من الفرح لانتصارهم هذا، بلدهم أولى بهم، بالتأكيد اكتسبوا الكثير من الخبرات في تركيا، وكلي ثقة أنهم سيبنون سوريا من جديد، ونحن ندعمهم ونشد على أياديهم". 

ويتابع الأكاديمي التركي: "بالنسبة لحزب العدالة والتنمية كانت لديه سياسة سيئة للغاية في تركيا، كما أنه لم يعامل اللاجئين بشكل جيد، ومنذ 2017 بدأ الاقتصاد بالتراجع، لكن أيضاً ليست هناك معارضة قوية في تركيا، خطاب المعارضة ضعيف للأسف لذلك يستطيع أردوغان التغلب عليهم على رغم كل مساوئه".

أحد كبار الصحافيين الأتراك من المعارضين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال في تصريح خاص، إن "أردوغان محظوظ بهكذا معارضة لا تفقه شيئاً خارج حدود هذه البلاد".

رهان مستمر

أما حزب "الوطن" المعارض في تركيا، والمعروف بعلاقاته الإيجابية مع نظام الأسد طوال السنوات الماضية، نشر تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس"، يقول فيها إن "الذين يحتفلون بتغيير نظام الحكم في سوريا هم من إرهابيي حزب العمال الكردستاني وأعداء تركيا".

ثم أصدر الحزب لاحقاً بياناً رسمياً طالب فيه بـ "التدخل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية والأميركية على سوريا". وطوال أيام معركة "ردع العدوان"، كانت المنصات الإعلامية الرسمية التابعة للحزب تروج لرواية النظام السوري، بدعوى ضرورة "محاربة الإرهاب".

في الضفة المقابلة، يرى المعارض التركي غوكهان كوتشوك، أن "إسقاط النظام المستبد في سوريا يفيد المنطقة كلها، حتى لو كنت ضد سياسات أردوغان، لكن ضميري لا يسمح لي بأي شكل من الأشكال دعم نظام قتل شعبه بالأسلحة الكيماوية، إن الأسد دموي، إنني كنت أعارض أردوغان عندما دعا الأسد للقاء، هذا ليس منطقياً، لا يُمكن لتركي أن يمد يده لمجرم لا يعرف العصر الحديث مثيلاً له، ومن جهة أخرى، فإن سقوط النظام في سوريا، سيسهم قطعاً في عودة ملايين اللاجئين الذين فتح أردوغان لهم تركيا، حتى باتوا عبئاً ثقيلاً علينا وعلى اقتصاد بلدنا، أرجو أن يعودوا ونحن ندعمهم، لا نريد لسوريا إلا المزيد من السلام، في نهاية المطاف يبقى السوريون جيراننا".

وشكل سقوط النظام السوري معضلتين كبيرتين أمام المعارضة التركية، الأولى أن سقوط الأسد يعد "انتصاراً" لسياسة أردوغان في سوريا، ولا يخفى على أحد العلاقة الوثيقة بين المعارضة السورية والحكومة التركية، وهذا "الانتصار" عزز من شعبية زعيم حزب العدالة والتنمية التي بدأت تتراجع على خلفية التدهور الاقتصادي، لكن بعد تحقيق هذا الإنجاز سيعيد الكثير من الأتراك تقييم سياسة أردوغان وربما يمنحونه فترة رئاسية جديدة.

المعضلة الثانية التي سببها سقوط النظام السوري بالنسبة للمعارضة التركية، هي سحب ورقة اللاجئين منهم، حيث استطاعت أحزاب المعارضة التركية استثمار ورقة اللاجئين في الانتخابات الرئاسية الماضية، مما تسببت في عدم نجاح أردوغان من الجولة الأولى، كما استخدمتها بشدة في انتخابات البلديات الماضية واستطاعت الفوز على حزب العدالة والتنمية للمرة الأولى في تاريخه، أما مستقبلاً، مع توقعات بهجرة عكسية لمئات آلاف السوريين من تركيا إلى بلدهم، الأمر الذي سيُغلق الباب أمام استخدامهم كورقة ابتزاز سياسي في المستقبل.

كيف تعاطت المعارضة التركية مع سقوط الأسد؟