الحدود والمقاتلون معضلة الأردن مع سوريا الجديدة
معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا (اندبندنت عربية - صلاح ملكاوي)
يجمع مراقبون ومحللون على وجود تحديات كثيرة تحكم تعامل الأردن مع القيادة الجديدة في سوريا، حيث يتعاظم حجم الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي ينبغي التعامل معها بعد سقوط نظام الأسد. وحتى اللحظة تقوم الاستراتيجية الأردنية على تحقيق التوازن في علاقاته مع دمشق الجديدة، عبر دعم الحلول الإقليمية والتوافق الدولي.
رسمياً عبّر الأردن عن موقفه وأولوياته من العهد الجديد في دمشق بقول وزير الخارجية أيمن الصفدي إن عمان تقف إلى جانب الشعب السوري ولا تريد لسوريا أن تغرق في الفوضى، مبدياً دعم بلاده لاستمرار عمل مؤسسات الدولة الرسمية وأن تشمل المرحلة السياسية المقبلة جميع مكونات الشعب، لأن ذلك يعني عدم عودة الإرهاب إلى سوريا خصوصاً جنوبها على الحدود مع المملكة.
وتقول مصادر سياسية لـ"اندبندنت عربية" إن عمان تلقت تطمينات من أحمد الشرع الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" عبر وسطاء، بحفظ أمن الحدود السورية مع الأردن وانتهاء عهد تهريب المخدرات، بعد أن ثبت أن هذا الملف كان برعاية رسمية من النظام السابق.
وتعزز هذه المصادر حديثها بالإشارة إلى قيام "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها الجولاني بتحريك قواتها إلى الحدود مع الأردن لتأمينها.
أمن الأردن القومي
ويؤكد نقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة أن ثمة خطراً في جوار الأردن لأنه لا أحد يستطيع إلى الآن أن يحدد ما سيكون عليه شكل الدولة السورية وطبيعة نظامها السياسي. ويضيف السعايدة أن الأردن لا يملك إلا أن يكون موجوداً في المشهد السوري، لأن ما يحدث هناك يؤثر في الأردن وأمنه القومي فضلاً عن تداعيات ملف اللاجئين والمصالح الحيوية، ولذلك كان اجتماع العقبة المهم في هذا التوقيت. ويطالب السعايدة الحكومة بعدم توقف نشاطها في الملف السوري عند حدود اجتماعات العقبة وأن يتعدى ذلك إلى الاشتباك مباشرة مع الأميركي والفرنسي والتركي والروسي وكل الفاعلين الدوليين والإقليميين داخل سوريا ليضمن دوره وتأثيره.
ملفات مؤرقة
ويراقب الأردن ملف عودة اللاجئين السوريين الطوعية منذ سقوط نظام الأسد، إذ لا يزال يستضيف نحو 1.3 مليون لاجئ ومن شأن عودتهم أن تخفف الضغط الكبير على موارده الاقتصادية والبنية التحتية، لكن ذلك يرتبط وفق مراقبين بملفات أخرى وهي عودة الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتمتد الحدود الأردنية السورية على طول 375 كيلومتراً مما يبرر مخاوف الأردن من ظهور ميليشيات إيرانية أو "داعش" وعودة نفوذها مجدداً، الأمر الذي يجعل من الهاجس الأمني حاضراً حتى بعد إسقاط النظام.
أما عن ملف العلاقات الاقتصادية فشهد تراجعاً منذ بدء الثورة السورية في 2011، كما تعثر حتى بعد إعادة فتح معبر جابر - نصيب في 2018. ويسعى الأردن بقوة إلى الاستفادة من مشاريع إعادة الأعمار في سوريا على رغم وجود تحديات قد تمنعه من الانخراط في ذلك.
في السياق ذاته يعد معبر جابر - نصيب الحدودي الذي يربط الأردن بسوريا بمثابة شريان اقتصادي مهم، حيث تشير إحصائيات إلى نحو 108 ملايين دولار عائدات للأردن عبر هذا المعبر في عام 2022.
ويعوّل اقتصاديون على عودة الاستقرار لسوريا، لأن ذلك من شأنه إنعاش التبادل التجاري بين البلدين وعمليات الشحن وقطاعات السياحة والنقل والزراعة.
الحياد الإيجابي
ويتبنى المحلل السياسي حسين رواشدة نظرية الحياد الإيجابي وصفة للتعامل أردنياً مع الواقع الجديد في سوريا، وهي مقاربة برأيه "يتبناها الأردن منذ عام 2011، لكن الواقع اليوم مختلف مع وجود تنظيم مسلح لم يرتق بعد إلى صورة الدولة". ويدعو الرواشدة إلى تنشيط الدور الأردني في سوريا وتحقيق التوازن في مواقفه ليكون جزءاً من الحل وشريكاً فيه، من دون أن يصبح طرفاً في النزاع، وكذلك مساعدة السلطة الجديدة في دمشق لتصل إلى مرحلة الدولة حتى لا تسقط في احتمالات للفوضى. ويضيف "يجب على الأردن التكيف داخلياً مع ارتدادات الزلزال السوري، وتحصين الجبهة الداخلية عبر مسار التحديث السياسي والأوضاع الاقتصادية، وتحسين المزاج العام".
عبء المقاتلين الأردنيين
ومن بين المخاوف الأمنية التي يخشاها الأردنيون تلك التي تتعلق بمصير مئات المقاتلين من حاملي جنسية الأردن الذين كانوا يقاتلون في سوريا، وما إذا كانت عودتهم تشكل خطراً على الدولة.
وثمة تقديرات بانخراط مئات المقاتلين الأردنيين ممن يحملون الفكر المتشدد في الصراع السوري، وذلك ضمن صفوف "داعش" والتنظيمات الأخرى. وتقول مصادر إن السلطات الأردنية لديها قوائم بأسماء هؤلاء المقاتلين الذين قد يتسللون عبر الحدود، وتمثل عودتهم تهديداً أمنياً، خصوصاً أن لديهم خبرات قتالية. وتتناقل تقارير يؤكدها محللون أن ثمة العشرات من الأردنيين ضمن الهيئات القيادية في "هيئة تحرير الشام" والفصائل الأخرى، في حين كانت تقارير رسمية سابقة قدرت عدد المقاتلين في سوريا ببداية الحرب بنحو 2000 شخص.
ويقارن الكاتب خالد عياصرة بين مرحلة اندفاع كثير من الشباب الأردني للقتال في أفغانستان بالثمانينيات، وما تلا ذلك من توالد للتنظيمات التي شكلت عبئاً على الدولة الأردنية لاحقاً، وظهرت تجليات ذلك في زعامة أبومصعب الزرقاوي لتنظيم "داعش" وحادثة تفجير الفنادق في عمان عام 2005. ويقول العياصرة، إن الدولة الأردنية حاولت إعادة تأهيل هؤلاء المقاتلين، لكنها لم تنجح بذلك، الأمر الذي قاد كثيراً منهم للخروج إلى العراق وسوريا والالتحاق بالتنظيمات هناك بحيث أصبحوا معضلة حقيقية للدولة.