اخبار العراق الان

عاجل

سقوط الأسد: بداية تغيرات كبرى أم تهديدات جديدة؟

سقوط الأسد: بداية تغيرات كبرى أم تهديدات جديدة؟
سقوط الأسد: بداية تغيرات كبرى أم تهديدات جديدة؟

2024-12-17 17:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


إسقاط الأسد يمثل هزيمة كبيرة أخرى للنظام الحاكم في إيران (اندبندنت عربية)

يتسارع دوران عجلة التاريخ في الشرق الأوسط، حاملاً معه احتمالات لتغيرات جذرية في المنطقة، قد تكون نحو الأفضل أو الأسوأ. جاء انهيار ديكتاتورية عائلة الأسد في سوريا كصدمة مدوية للجميع، بدءاً ببشار الأسد نفسه، ومروراً بحلفائه في روسيا وإيران. حتى أجهزة الاستخبارات العربية والغربية عجزت عن كشف هشاشة النظام، بخاصة ضعف وعدم ولاء مؤسساته العسكرية والأمنية.

سقط الحكم الديكتاتوري الوحشي، ولكن ما الذي سيأتي بعد ذلك؟ الأهم هو أن إسقاط الأسد يمثل هزيمة كبيرة أخرى لحكم الملالي في إيران. فبعد الضربات القوية التي تلقتها ميليشيات "حزب الله" من إسرائيل، والتفكيك شبه الكامل لـ"حماس"، تعد هذه ثالث كارثة كبرى تواجه استراتيجية "طوق النار" المناهضة لإسرائيل التي تتبناها طهران. وعلى رغم أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافق على وقف إطلاق النار مع "حزب الله"، فقد أوضح أن مدته لا تتجاوز 60 يوماً، وتنتهي مباشرة بعد مغادرة جو بايدن منصبه. سيواجه "حزب الله" مزيداً من المصاعب إذا تم قطع خط إمداده البري عبر العراق وسوريا بشكل دائم. ولا يوجد وقف إطلاق نار مع "حماس"، مما يعني أن كلا الوكيلين الإرهابيين قد يواجه مزيداً من الضربات الإسرائيلية.

أما بالنسبة إلى إيران نفسها، فلا يمكن لأوضاعها أن تكون أسوأ من ذلك. فمع سقوط ثلاث ركائز رئيسة لقوتها الإقليمية، أو قرب سقوطها، أصبح الملالي في خطر كبير على المستويين الدولي والداخلي. وقد انتشرت الاتهامات المتبادلة وإلقاء اللوم بين كبار قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني النظامي بالفعل على نطاق واسع بين صفوف الشعب.

التفكك والانقسام في صفوف القيادات العليا للأنظمة الاستبدادية غالباً ما يكونان من أولى علامات انهيار النظام. في إيران، كان الاستياء الشعبي واسع النطاق بالفعل نتيجة للتدهور الاقتصادي المزمن، ومعارضة الشباب والنساء عموماً، فضلاً عن التوترات العرقية وغيرها. وإذا بدأ الحرس الثوري والقيادة العسكرية النظامية في الانهيار، فإن احتمالات اندلاع صراع مسلح داخلي تزداد. وقد أظهر انهيار نظام الأسد أن مظاهر القوة قد تخفي ضعفاً عميقاً، وأن الانهيار يمكن أن يحدث بشكل مفاجئ وسريع.

خارجياً، لم يكن نظام إيران أبداً بهذا القدر من الهشاشة منذ ثورة 1979. فقد تمكنت إسرائيل من تدمير أنظمة الدفاع الجوي S-300 التي زودت بها روسيا إيران، وإلحاق أضرار جسيمة بقدراتها الصاروخية الباليستية، وتدمير أجزاء من برنامجها للأسلحة النووية. لم يحظ نتنياهو بفرصة أفضل من الآن للقضاء على كامل البرنامج النووي الإيراني أو أجزاء كبيرة منه. إن تحقيق ذلك سيجعل إسرائيل والدول المجاورة والعالم بأسره أكثر أماناً من تهديد الانتشار النووي الإيراني الذي استمر لعقود، في انتهاك طويل الأمد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

على إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة إن كان في ذلك حاجة، السعي إلى تحقيق النصر في قضية البرنامج النووي. لن يقضي ذلك فقط على تهديد طهران بهولوكوست نووي، بل سيوجه أيضاً ضربة سياسية أخرى للملالي على الصعيد الداخلي. فضلاً عن عشرات المليارات من الدولارات التي أهدرت في دعم وكلاء إيران الإرهابيين الذين تعرضوا الآن للتدمير، فإن المليارات التي أنفقت على تطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية ستعد أيضاً أموالاً مهدورة. وسيكون من حق المواطنين الإيرانيين تماماً أن يستنتجوا أن الملالي لم يكونوا أبداً حريصين على مصالحهم، وأن إطاحتهم أصبحت الآن مبررة تماماً.

روسيا هي ثاني أكبر الخاسرين. فإضافة إلى انشغالها وانهماكها جراء عدوانها غير المبرر ضد أوكرانيا، الذي يوشك على دخول عامه الثالث، افتقر الكرملين إلى الموارد لإنقاذ عميلها في دمشق. إذ إن إهانة فلاديمير بوتين تتردد أصداؤها عالمياً، وستترك أيضاً تأثيراً مدمراً داخل روسيا، ربما تحفز أخيراً معارضة أكثر فاعلية للأعباء المستمرة التي تفرضها حرب أوكرانيا على مواطني روسيا واقتصادها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حتى إن روسيا قد تواجه خسائر أكبر في المستقبل. فالمصالح الرئيسة للكرملين في سوريا هي في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة اللاذقية الجوية، وهما المنشآتان العسكريتان الوحيدتان لروسيا خارج أراضي الاتحاد السوفياتي السابق. هاتان القاعدتان حيويتان لموقع روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. وإذا ما اضطرت روسيا إلى إخلاء هاتين القاعدتين، فإن قدرتها على تعزيز قوتها خارج البحر الأسود ستتقلص بصورة كبيرة، كما سيتراجع تهديدها لحلف الناتو عبر البحر الأبيض المتوسط. وعلى رغم أن هناك مؤشرات أولية على أن روسيا قد تحاول الاحتفاظ بالقاعدتين، تشير صور فضائية تجارية حديثة إلى أنها قد تكون تستعد لسحب بعض أو كل قواتها. لا يزال الوضع غير مستقر.

من دون شك، تعد تركيا، وتنظيم "هيئة تحرير الشام" HTS، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا هم الرابحون الكبار حتى الآن. ومع ذلك، فإن الوضع الداخلي في سوريا أبعد ما يكون عن الاستقرار. لا يزال الجنود الأميركيون موجودين في شمال شرقي سوريا، إذ تقدم الدعم لقوات الدفاع السورية التي تضم بشكل رئيس الأكراد في حملة مكافحة "داعش"، وكذلك في منطقة التنف. لا ينبغي التخلي عن الأكراد، بخاصة في ظل الطموحات "العثمانية الجديدة" للرئيس رجب طيب أردوغان لتوسيع نفوذ تركيا في الأراضي العربية. سيكون من الخطأ، في هذه المرحلة، إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في واشنطن، على رغم أن إدارة بايدن تفكر في اتخاذ هذه الخطوة بشكل غير حكيم.

في وقت يعد فيه إطاحة الأسد مساهمة حاسمة في تقليص التهديد الإيراني، إلا أنه لا مصلحة لإسرائيل ولا للحكومات العربية المجاورة ولا للولايات المتحدة في رؤية دولة إرهابية أخرى تنشأ، وهذه المرة على البحر الأبيض المتوسط. أمامنا دبلوماسية حساسة في الفترة المقبلة. وفي هذه الأثناء، كان بايدن على صواب عندما قصف مستودعات أسلحة "داعش" في شرق سوريا لحرمان "هيئة تحرير الشام" من تلك الموارد، كما أن إسرائيل مبررة في تدمير الأصول العسكرية لحكومة الأسد للسبب نفسه.

من المهم بالنسبة إلى المنطقة والعالم أن تبذل جهود عاجلة لتحديد وتأمين جميع جوانب برامج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية للأسد. فقد استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في عامي 2017 و2018، لذا لا شك في أن هذه القدرات موجودة.

لذا وعلى رغم أن هناك كثيراً من الأخبار الإيجابية في شأن إطاحة الأسد ونفيه إلى موسكو، فإن الظروف في سوريا لا تزال تشكل تهديداً خطراً للسلام والأمن في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم. ليس هذا وقت التراخي أو التراجع، بخاصة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية المقبلة برئاسة ترمب.

سقوط الأسد: بداية تغيرات كبرى أم تهديدات جديدة؟