اخبار العراق الان

عاجل

نقاش المهزومين في معركة سوريا

نقاش المهزومين في معركة سوريا
نقاش المهزومين في معركة سوريا

2024-12-23 03:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية


أكراد سوريون فارون من مناطق شمال حلب (أ ف ب)

فتح سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد الباب أمام مشهد جديد في سوريا والشرق العربي أو "غرب آسيا" كما يحلو لقادة إيران تسميته، لدى طرح خططهم لتدمير إسرائيل وإخراج الأميركيين منه.

أول معالم المشهد الجديد كان عكس ما حلم به الملالي وعملوا من أجله عقوداً، فقد خرجت إيران من سوريا وانطلق حوار المهزومين بين حلفاء أستانا فيما عاد الأميركيون إلى دمشق وتوغل "الكيان المزيف" (في التعبيرات الإيرانية) إلى ضواحي دمشق، وثبت أن تكتيكات إيران في المشرق العربي لم تكن قائمة على قاعدة صلبة هدفها دعم معركة التحرير الفلسطينية العربية، بقدر ما كانت محاولة لبسط النفوذ من خلال استغلال ما تيسر من إثارة مذهبية ودينية و"قومية".

اشتغل الإيرانيون على شيعة لبنان وسوريا ورفعوا شعارات حماية مقامات الشيعة في دمشق، وفعلوا ذلك في العراق وحرضوا في البحرين واجتهدوا في اليمن، لكن ذلك لم يخدم استراتيجية تدعيها طهران وهدفها تحرير القدس.

في سوريا كان الهدف حماية نظام دموي يوفر للملالي مساحة نفوذ. وفي لبنان، لم يكن تسليح "حزب الله" بهدف تحرير مزارع شبعا ولا لاقتحام الجليل أو المساس بمنصة كاريش، بل جعل البلد متراساً أمامياً على البحر المتوسط للإمبراطورية الفارسية. وفي اليمن صار الحوثي عنواناً قيد الاستعمال في كل شيء إلا ما يتصل بالسلام الداخلي وإعادة البناء، مثله مثل الحشد العراقي الذي لا مهمة له غير منع قيام الدولة العراقية السيدة.

اتبعت إيران تكتيكات متشابهة في المشرق العربي في إخضاع شعارات تحرير فلسطين إلى مقاييس المصلحة الإيرانية البحتة، ومكاييل الزمان والمكان المناسبة لأهل النظام في طهران، وصح في توقع نتائج هذه التكتيكات ما قاله الجنرال الصيني صن تزو قبل الميلاد بخمسة قرون، من أن "التكتيكات من دون استراتيجية هي صخب ما قبل الهزيمة".

وشهدنا فعلاً صخب الهزيمة الإيرانية في غزة وفي لبنان على يد "الكيان الغاصب" وفي سوريا على يد الشعب السوري، وبات النظام الإيراني يخشى الآن أن يكون هو التالي على لائحة المهددين بالزوال.

مع ذلك لا تريد القيادة الإيرانية الخروج من روايتها الانتصارية. فإسرائيل هاجمت "حزب الله" وانهزمت لأنها مهزومة في غزة، والثورة السورية قضت على الأسد كرد على الهزيمة الإسرائيلية في غزة ولبنان وبتخطيط أميركي- إسرائيلي- تركي، وبحسب المرشد علي خامنئي فإن الشباب السوريين سيستعيدون بلادهم، أي إنهم سيقضون على الثورة ويعيدون سوريا إلى إيران و"محورها المقاوم".

لم يكن لروسيا شريك إيران في ضبط الوضع السوري لمصلحة الأسد، النظرة الإيرانية نفسها ولا الاستنتاجات الخامنئية المماثلة لما جرى في سوريا. بدا الرئيس فلاديمير بوتين في مؤتمره الصحافي السنوي الأسبوع الماضي أكثر عقلانية واستيعاباً للدرس السوري من جهة، وأكثر انتقاداً واستخفافاً بالروايات الإيرانية من جهة ثانية. وكشف بوتين أن عدد الثوار الذين هاجموا حلب كان نحو 350 مسلحاً فيما كان يوجد في المدينة لحمايتها 30 ألفاً من عناصر الجيش السوري والميليشيات الإيرانية، وهرب هؤلاء وسلموا المدينة السورية الكبرى. وقال بوتين "بعد أن كان الإيرانيون يطالبوننا بالدخول إلى سوريا باتوا يطلبون مساعدتنا لإخراجهم منها". وكشف الرئيس الروسي أن روسيا أسهمت في إخراج أربعة آلاف إيراني عبر قاعدة حميميم، عدا الذين فروا إلى لبنان والعراق كما قال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يشر الإيرانيون سابقاً إلى هذه الواقعة ولا تحدثوا عن آلاف من عسكرييهم في سوريا. وكانوا يكتفون بالإشارة إلى إرسالهم مستشارين قبل أن يكشف نائب إيراني عن مقتل ستة آلاف عسكري إيراني في هذه البلاد.

واقعية الشريك الروسي جعلته يعترف ضمناً بالهزيمة بتحديد أهداف تدخله في الأساس وهي مكافحة الإرهاب وليس الإمساك بسوريا كحصن لـ"المقاومة" على الطريقة الإيرانية، وهذه صيغة قد تجعله مؤهلاً في أي وقت لملاقاة الولايات المتحدة في متابعة الحرب على "داعش"، وفي الوقت نفسه تعزيز خطوط التواصل مع "هيئة تحرير الشام"، التي يبدو أنها استؤنفت بقوة غداة وربما قبل ترحيل الأسد إلى موسكو. وقد يعزز ذلك حظوظ بقاء القاعدتين الروسيتين في سوريا وهذه رغبة لم يخفها بوتين، ويبدو أن سلطات دمشق الجديدة لا تناهضها.

حاول بوتين هضم الهزيمة السورية في سياق لهجة تصالحية مع العالم ومع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب. تركيزه على أوكرانيا جعله يربط بين انتصار معركته فيها وإعلاء شأن الوطنية والسيادة الروسية، وفي المناسبة سينتظر بوتين نظيره الأميركي ويطمئنه سلفاً أن مجموعة البريكس لا تهدف إلى تحدي أميركا أو الدولار الأميركي... وحكماً أن ذلك ليس هدف روسيا.

في المقابل حرصت القيادة الإيرانية على عدم تفويت فرصة الرد على بوتين وكانت ردودها مرتبكة ومتناقضة. بعد خامنئي الذي وعد باسترداد سوريا إلى "جبهة المقاومة"، حسم الأمين العام لمجلس الأمن القومي علي أحمديان أنه "لم نكن في سوريا أصلاً حتى ننسحب منها".

في الصحف الإيرانية اتخذ النقاش عن الحضور الإيراني في سوريا صورة أوضح. صحيفة "أرمان أمروز" قالت إن "سوريا كانت خط إمداد لـ’حزب الله‘ و’حماس‘، لكن بعد إضعافهما ومنع العراق الحشد الشعبي من التدخل أصبح حضور إيران في سوريا غير مبرر استراتيجياً"، ثم يقول المتحدث باسم الخارجية إسماعيل بقائي إن "انسحابنا هو إجراء مسؤول" مع أننا "لسنا موجودين" على قول أحمديان!

النقاش في طهران سيذهب أبعد من ذلك. صحيفة "اعتماد" أثارت أمس السبت إعادة النظر في نظرية العمق الاستراتيجي الإيراني. كان القادة والجنرالات في إيران يفخرون بإنجازهم في السيطرة على العواصم العربية الأربع وتمدد نفوذهم إلى ساحل المتوسط في سوريا ولبنان. الآن بات في إيران من يرى أن "العمق الاستراتيجي لإيران ليس في العراق أو سوريا أو لبنان أو في أي مكان آخر، وإنما يكمن في الداخل، وتحديداً في تلبية مطالب الشعب الإيراني".

يصعب الجزم في تأثيرات الحدث السوري في الأوضاع الداخلية في إيران. فالنظام لم يصب بضربة قوية بسبب طرده من سوريا فحسب، وإنما بسبب اختلال وانكشاف تحالفاته الهشة، ليس مع روسيا فحسب بل مع تركيا خصوصاً. فرداً على اتهام خامنئي أنقرة بالإسهام في تنفيذ خطة أميركية - إسرائيلية في سوريا، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان "لقد ناقشنا هذا الأمر (الوضع السوري) مع أصدقائنا الإيرانيين، ربما ألف مرة... وعلى أي حال فإن وجودهم في سوريا لم يمنع وقوع إبادة جماعية في غزة". فيدان وجه لكمة مباشرة لجوهر الادعاءات الإيرانية. فحديثه هذا ينسف جوهر النظرية الإيرانية عن حشد القوى للدفاع عن غزة وفلسطين. والجواب الإيراني تولته صحيفة المرشد "كيهان" على الفور عندما وصفت تصريحات المسؤول التركي بـ"الثرثرة".

لا يقتصر "نقاش المهزومين" على روسيا وإيران، وإيران وتركيا، فموسكو وأنقرة تتحسبان بتوجس لمستقبل علاقتهما ودورهما في المنطقة. بحسب بوتين ستسعى بلاده إلى الاحتفاظ بقواعدها في سوريا وهذا يحتاج ضمناً إلى موافقة تركية يبدو أنها متوافرة حتى الآن. ويحرص بوتين على علاقته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأن تركيا في نظره شريك فعلي في الاقتصاد وسياسات المنطقة المتوترة، ودورها يزداد أهمية بنتيجة التطورات السورية والحاجة الملحة لعلاج المشكلات الناتجة منها.

في منتدى فالداي قبل 16 عاماً سُئل بوتين عن أولويات علاقات بلاده الإقليمية في الشرق الأوسط فحدد بلدين تعول روسيا على تمرين الصلات معهما هما تركيا وإسرائيل، لجملة من المبررات السياسية والاقتصادية والجيوبوليتيكية. ولم يتحدث عن إيران أو غيرها. بالتأكيد يمكن ملاحظة تطوير لهذه الأولويات في السلوك الروسي، لكن إيران بالذات ليست في أعلى مستويات الاهتمام، وتهكم بوتين في إطلالته الأخيرة على إيران مؤشر مهم لما يمكن أن نتوقعه لثلاثي أستانا الذي دفنه انهيار نظام الأسد، ولمستقبل التحولات التي دشنها ذلك الانهيار.

نقاش المهزومين في معركة سوريا