إلى أي مدى تراهن تل أبيب على واشنطن في استهداف الحوثيين؟
آثار لضربات إسرائيلية على محطة كهرباء رأس كتائب في الحديدة (أ ف ب)
بعد تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحملة أوسع نطاقاً ضد الحوثيين في اليمن، وشن الطائرات الأميركية ضربات جديدة ضد مراكز عسكرية للحوثيين، تثار أسئلة حول ما إذا كانت إسرائيل قادرة على النجاح في ما فشلت فيه أميركا وبريطانيا، أم أنها ستضطر إلى التنسيق مع الولايات المتحدة لتنفيذ استراتيجية مختلفة لإضعاف الحوثيين والقضاء على هجماتهم، وهل يتحمس ترمب لهذه المقاربة ويعمل على تشجيع قوات الحكومة الشرعية للتصدي للحوثيين وإنهاء سيطرتهم على صنعاء والموانئ اليمنية؟
فصل مختلف من الصراع
مع تصعيد الهجمات المتبادلة بين الحوثيين وإسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين بإطلاق الجماعة صواريخ باليستية على إسرائيل وتمكن أحدها من اختراق منظومة الدفاعات وإصابة أشخاص عدة، وشن إسرائيل ضربات جوية بعشرات الطائرات لمنشآت البنية التحتية اليمنية من مطارات وموانئ ومحطات طاقة، دخل الصراع بين الطرفين فصلاً جديداً يشكل نوعاً خاصاً من التحدي يختلف عما واجهته إسرائيل من قبل في معاركها ضد أطراف محور المقاومة الآخرين، وهو ما تراقبه واشنطن من كثب بعد فشلها مع بريطانيا في وقف هجمات الحوثيين على طرق الشحن البحري على مدى أكثر من عام كامل.
يتمثل الاختلاف بحسب محللين عسكريين أميركيين في أن الجيش الإسرائيلي سيجد صعوبة أكبر في ملاحقة عدو بعيد مثل الحوثيين، إذ استغرق الأمر وقتاً طويلاً للعثور على زعماء "حماس" في غزة على بعد ساعتين بالسيارة من إسرائيل، كما استغرق جمع المعلومات الاستخباراتية بصورة منهجية أعواماً عدة من أجل تنفيذ اغتيالات كبار قادة "حزب الله"، ولهذا فإن اغتيال قادة حوثيين يعرفون كيف يختبئون في بلد جبلي على بعد نحو 2000 كيلومتر من إسرائيل ليس بالأمر السهل.
لماذا لم يرتدع الحوثيون؟
منذ هجوم "حماس" على إسرائيل، ورد تل أبيب المدمر على قطاع غزة، أطلق الحوثيون أكثر من 200 صاروخ باليستي و170 مسيرة على إسرائيل لدعم الفلسطينيين في غزة بحسب ما يقولون، لكن على رغم شن إسرائيل ثلاث جولات من الغارات الجوية ضد الحوثيين، كانت الأولى في الصيف، والثانية في الخريف، والأخيرة قبل أيام مصحوبة بتهديدات من نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس برد عنيف وباستهداف زعماء الحوثيين، والتذكير بمصير "حزب الله" و"حماس" وإيران، إلا أن الحوثيين لم يرتدعوا بهذه الكلمات، وكلما أدلى المسؤولون الإسرائيليون بتصريحات جريئة للتباهي بإنجازاتهم العسكرية، أطلق الحوثيون مزيداً من الصواريخ لإظهار عدم تأثيرها فيهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن الحوثيين يدركون الصورة الاستراتيجية والتكتيكية على الأرض، فقد هاجموا سفن الشحن البحري لمدة عام ونجحوا في تقليص قدرة عديد من الشركات على الشحن عبر البحر الأحمر، ولم يتلقوا سوى رد متواضع للغاية من القوات البحرية الأميركية التي نُشرت كجزء من عملية مصممة لحماية طرق الشحن البحري، كما تحصن الحوثيون على قمم مرتفعة في جبال اليمن، وكانوا يتمتعون بدعم ومشورة إيرانية لأعوام حول بناء الأنفاق لإخفاء الصواريخ وكيفية نشرها بسرعة، وفي الوقت نفسه طوروا خلال الأعوام القليلة الماضية برنامجاً للصواريخ وطائرات الدرون أكثر تطوراً من "حماس" و"حزب الله".
وإذا كانت "حماس" و"حزب الله" لم يتمكنا من إخفاء صواريخهما لقربهما الشديد من إسرائيل وسهولة استهدافهما بسرعة من الجيش الإسرائيلي، فإن الحوثيين يبعدون عنها 2000 كيلومتر، مما يتطلب تخطيطاً معقداً لضربهم، فضلاً عن أن الضربات الجوية الدقيقة ليست عصا سحرية يمكن أن تسهل لإسرائيل كسب الحرب بالطائرات الحربية وحدها، بخاصة أن الحوثيين يخرجون الصواريخ من الأنفاق في الجبال، ومن الصعب للغاية استباقها أو التنبؤ بها، وقد يكون العثور على المخزونات والقضاء على قيادة الحوثيين أكثر صعوبة.
أسباب داخلية
إضافة إلى ذلك، هناك أيضاً أسباب داخلية ملحة تدفع الحوثيين إلى إطلاق الصواريخ على إسرائيل، منها أن الصراع الخارجي من شأنه أن يقلص من التهديد الداخلي المتولد عن الاحتقان الشعبي نتيجة الفساد وسوء الإدارة الحكومية التي جعلت البلاد الآن موطناً لأكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يعتمد 80 في المئة من السكان على المساعدات، وفقاً للأمم المتحدة، ويعاني ما يقارب نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة التقزم، وكما يقول كبير الباحثين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وولف كريستيان بايس، فإن الصراع المستمر يعزز تماسك اليمنيين، لأن الناس لا يسألون كثيراً عن تقديم الخدمات والاقتصاد عندما تكون البلاد في حالة حرب.
كما تعمل الهجمات على رفع مكانة الحوثيين داخل المحور الإيراني بعدما توقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، وامتنعت الميليشيات العراقية أيضاً عن استهداف إسرائيل ويتردد الإيرانيون في الرد، بينما الحوثيون هم الوحيدون الذين يستمرون في المقاومة، مما يجعل قياداتهم تعتقد أنهم يتمتعون الآن بشعبية غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم الإسلامي من خلال قيادة القتال ضد إسرائيل.
قلق مستقبلي
وما يثير قلق الولايات المتحدة وإسرائيل أنه بعد إضعاف محور إيران تظهر جماعة الحوثي كحركة أكثر استقلالية وحزماً، وأنه إذا حدث قريباً تغيير للنظام في طهران أو قررت الحكومة في طهران وقف الصراع مع إسرائيل، فهذا لا يعني بالضرورة أنهم سيتوقفون عن مهاجمة إسرائيل، وعلى رغم أن عداءهم لإسرائيل والغرب يتماشى تماماً مع نظرة إيران للعالم، فإن الحوثيين ليسوا وكلاء مباشرين لطهران على غرار "حزب الله" أو الميليشيات الشيعية في العراق، لأنهم وإن كانوا يعتبرون أنفسهم جزءاً من محور المقاومة، إلا أن هذا لا يعني أنهم يتلقون أوامرهم من إيران كما يقول بايس.
وعلى عكس عديد من الوكلاء فإنهم لا يعتمدون على إيران للحصول على المال، بل يجمعون الأموال من الضرائب وشبكات التهريب، كما يمارس الحوثيون مذهب إحدى الفرق الزيدية التي تختلف عن فكر الشيعة الإمامية في إيران، ويتخذون القرارات بصورة مستقلة عن القيادة الإيرانية وحرسها الثوري.
لماذا فشل الأميركيون؟
في مواجهة خصوم أقوياء، أثبت الحوثيون قدرتهم على الصمود، إذ تعلموا كيفية التكيف مع الضربات الجوية وساعدتهم في ذلك التضاريس الجبلية، ومنذ عام كامل حينما أطلقت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية بوسيدون آرتشر لضرب الحوثيين لم تحقق التدابير غير المكتملة تأثيرات حاسمة أو تتسبب في تدهور ملموس للقدرات العسكرية الحوثية كما يقول بريان كارتر الباحث في معهد "أميركان إنتربرايز"، الذي يشير إلى أن الحوثيين جمعوا معلومات مهمة حول تشغيل الدفاعات الأميركية ضد أنظمة هجومهم.
ومنذ البداية توقع الرئيس بايدن أن الغارات الأميركية البريطانية لن توقف الحوثيين الذين نقلوا أماكن تصنيع الأسلحة إلى مخابئ تحت الأرض، وما زالوا يتمتعون بالقدرة على الوصول إلى الموانئ وشحنات الأسلحة، بينما لم تستهدف الهجمات القيادة الحوثية على الإطلاق أو الإيرانيين في اليمن أو أياً من كبار المسؤولين.
هل تستطيع إسرائيل أن تفعل أفضل؟
إذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا فشلتا في إيقاف هجمات الحوثيين لمدة عام على رغم وجود حاملة طائرات أميركية قرب اليمن بصورة روتينية فضلاً عن مدمرات وفرقاطات وقطع حربية أخرى، فإنه من الصعب توقع أن إسرائيل التي تقبع على مسافة 2000 كيلومتر يمكن أن تحقق نتائج أفضل.
وعلى رغم أن القادة الإسرائيليين يتباهون بصور ميناء الحديدة وقد اشتعلت به النيران بعد العمليات الإسرائيلية الأخيرة، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية المتقطعة لن تخيف الحوثيين، ولهذا يراهن الإسرائيليون على دور إيجابي أكثر من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب حينما يصل إلى البيت الأبيض بعد نحو ثلاثة أسابيع، بخاصة أنه ليس من المرجح أن تتخذ إدارة جو بايدن أي خطوات ذات مغزى بينما تحزم حقائبها استعداداً لمغادرة السلطة.
وبينما أحبطت الإسرائيليين تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بأنه ينبغي عليهم توخي الحذر حين استهداف المنشآت المدنية اليمنية، تتوقع حكومة نتنياهو الذي يرتبط بعلاقات وثيقة للغاية مع ترمب، تنسيقاً وشراكة أفضل بمراحل مع الولايات المتحدة كهدف استراتيجي كي تنجح إسرائيل في مهمتها لأنه لا يمكن لها أن تذهب بمفردها، كما فعلت في غزة المجاورة ولبنان.
رهانات إسرائيل
ومن خلال هذا التحالف، يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة تنفيذ حملة قصف مستمرة ومكثفة، على غرار ما فعلته تل أبيب مع "حزب الله"، مع محاولة ملاحقة قادة الحوثيين، وتعطيل نظم القيادة والسيطرة الخاصة بهم، فضلاً عن عرقلة قدراتهم من خلال فرض حصار لوقف تدفق الأسلحة الإيرانية إليهم.
وتتوقع إسرائيل من ترمب الضغط من أجل إزالة البنوك التي يسيطر عليها الحوثيون من نظام سويفت الدولي، مما يجعل من الصعب على المجموعة الحصول على الدعم المالي ودفع رواتب الموظفين، كما ستعمل تل أبيب على إقناع ترمب وفريقه الجديد المؤيد تاريخياً لإسرائيل بمن فيهم مرشحاه لوزير الخارجية ماركو روبيو ولمستشار الأمن القومي مايك والتز بدعم القوات الحكومية اليمنية، لإنشاء تهديد على الأرض موثوق به لاسترجاع العاصمة والموانئ من الحوثيين، بخاصة بعدما أعلنت القوات المشتركة التابعة للحكومة اليمنية الشرعية إحباط تسلسل جديد لميليشيات الحوثي في محافظة الحديدة على وقع خروق متواصلة لاتفاق الهدنة الأممية.
ومع ذلك ليس من الواضح ما إذا كان ترمب الذي ينفر تقليدياً من توريط القوات الأميركية في مزيد من الحروب وانتقد بايدن مراراً على إشعال الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا وتعهد في حملاته الانتخابية بإنهاء الحروب، سيستجيب للمطالب الإسرائيلية بخاصة أن غالبية الشعب الأميركي لا يؤيد انتظام الولايات المتحدة في حروب جديدة.
تحد كبير
وعلى رغم التحدي الذي يمثله الحوثيون من خلال إجبار ملايين الإسرائيليين على الاحتماء بالملاجئ كل ليلتين تقريباً خلال الأيام الأخيرة بسبب إطلاق الصواريخ، مما يصعب العيش على المدنيين ويزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو، فإن هذا لا يعني للإسرائيليين والأميركيين التخاذل عن محاولة هزيمة الحوثيين، لكن توخي الحذر من عدم تعلم الدروس الخاطئة من غزة ولبنان وسوريا وإيران، فقد استمرت حرب إسرائيل في غزة لمدة عام وشهرين، ولم تهزم "حماس" بعد، بل لا تزال تسيطر على معظم غزة باعتراف القادة العسكريين الإسرائيليين، وتحتجز 100 رهينة، وتشتبك مع الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، وتستمر في إملاء الشروط بمحادثات المحتجزين.
وفي لبنان، ضعف "حزب الله" كثيراً وفقد غالبية قياداته ومخزوناته من الصواريخ والطائرات المسيرة، لكنه لا يزال موجوداً، وفي سوريا ادعى المسؤولون الإسرائيليون أنهم السبب وراء سقوط بشار الأسد، لكن الأسد سقط بسبب عوامل أهم مثل نظامه الفارغ وقدرة المعارضة على التعبئة والاستفادة من ضعف "حزب الله".
ربما لا تكون الحقائق من جبهات محور المقاومة الأخرى مع إسرائيل قابلة للتطبيق في اليمن،
لكن لا شك أن الحوثيين يشكلون تحدياً، والمعركة معهم ستستغرق مساراً طويلاً لأنهم سيخضعون على الأرجح لاختبار تحمل ضربات أكثر خطورة عما كانت عليه الحال في الأشهر الماضية.