مسيحيو سوريا "ملح الأرض" الذائب بين البقاء واللجوء
ملامح انتظار المجهول تبدو على وجوه مسيحيين في إحدى الكنائس السورية (أ ف ب)
طالب بطاركة ورؤساء الكنائس في سوريا بضرورة إطلاق حوار وطني شامل يضم كل الأطياف والمكونات، ويعزز الثقة والتماسك المجتمعي، ويعالج جذور النزاع، ويعيد صياغة الهوية الوطنية السورية على أساس القيم المشتركة منها المواطنة والكرامة والحرية والعيش المشترك.
دعوة وطنية حملها بيان مشترك للكنائس من العاصمة دمشق، أمس الأحد، هدفها ترسيخ السلم الأهلي والعمل على تعزيز الثقة بين السوريين من خلال مشاريع مجتمعية تنموية تسهم في إعادة بناء النسيج الاجتماعي.
واستبق رؤساء الطوائف المسيحية الحديث عن مؤتمر وطني مزمع عقده في يناير (كانون الثاني) 2025، بالتنويه بضرورة المشاركة في صياغة الدستور الجديد للبلاد بهدف أن يمثل طموحات السوريين، وأن يكون مفتاحاً لبناء دولة ديمقراطية حديثة بعملية شاملة وجامعة تشارك فيها جميع مكونات المجتمع من مختلف الأعراق والطوائف رجالاً ونساءً، شباباً وشيوخاً.
طفلة تقف مع بالون خارج كاتدرائية القديس جورج جنوب سوريا (أ ف ب)
وفي حين لم يصدر عن إدارة العمليات العسكرية التي تسلمت سدة الحكم في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري بعد هرب بشار الأسد أية قرارات تخص التعامل مع الطوائف والأقليات الدينية والمذهبية، وسط تطمينات من قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع بالحفاظ على النسيج الوطني بكل مكوناته، يتداول السوريون أخباراً ومقاطع مصورة عن انتهاكات تحصل في مدن عدة منها حرق شجرة عيد الميلاد في بلدة السقيلبية بريف حماة أو فرض الجزية من قبل إسلاميين متطرفين في بلدة معلولا في ريف العاصمة دمشق وسط انتهاكات تهجير في حق القاطنين.
قصة الجزية
بالمقابل نفى رئيس دير مار تقلا في معلولا الأرشمندريت متى رزق في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، صحة ما يتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي وما يروج له من انتهاكات في حق المواطنين في البلدة، مؤكداً عدم فرض أية صورة من صور الهيمنة من قبل إدارة العمليات العسكرية أو فرض (الجزية) كما يشاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووصف رزق التواصل مع قيادات الإدارة الجديدة بـ"الإيجابي" مع ترك حرية ممارسة الشعائر الدينية، مؤكداً ضرورة التأكد من صحة الأخبار والتوقف عن بث الأخبار التي تدفع إلى إشعال الفتنة.
تحرك أوروبي
في هذه الأثناء تدحرج خلال الأيام الماضية الحديث عن حرب ضد الأقليات والمسيحيين ككرة ثلج وصلت إلى دول في الاتحاد الأوروبي. وتحدثت مصادر خاصة عن نية البرلمان الهولندي مناقشة إعطاء الأقليات حق اللجوء بسبب ما يتعرضون له من انتهاكات بذرائع مختلفة منها الملاحقة بحجة "الانتماء إلى فلول النظام".
وحذرت حركة الحقوق الآرامية من التصعيد الأخير في معلولا، ووصفت ما يدور في البلدة من تهديد جماعات مسلحة مرتبطة بـ"هيئة تحرير الشام"، بالمؤثر في المجتمع المسيحي الآرامي، وسيسبب تهجيراً قسرياً ومصادرة الممتلكات. وتساءلت الحركة في بيان مقدم عبر الأقنية الدبلوماسية الهولندية عن وضع مسيحيي معلولا وحمايتهم "لضمان وجود مكان لجميع سكان سوريا ومنعها من التحول إلى دولة طائفية مليئة بالعنف الذي يمكن أن يؤدي إلى موجات جديدة من اللاجئين".
وتشتهر بلدة معلولا - تبعد عن العاصمة دمشق من الجهة الشرقية نحو 55 كيلومتراً - بمعالمها المسيحية القديمة والمهمة، التي تعود إلى القرن الـ10 قبل الميلاد. وصنفت منظمة اليونيسكو آثارها من أهم الآثار المسيحية في العالم وأقدمها، بينما لا يزال سكانها من المسيحيين والمسلمين يتكلمون باللغة الآرامية وهي لغة السيد المسيح إضافة إلى اللغة العربية.
وأدرجت حركة الحقوق الآرامية في بيان صحافي لها 14 سؤالاً موجهاً للخارجية الهولندية في شأن التهجير القسري الوشيك للمسيحيين الآراميين من معلولا من قبل من وصفتهم بـ"مجموعة إرهابية مرتبطة بهيئة تحرير الشام". وطلبت في الوقت ذاته توضيحاً حول ما يفعله المجتمع الدولي لضمان احترام الإدارة الجديدة حقوق الأقليات في سوريا بما في ذلك المسيحيون.
تصرفات فردية
وكانت "هيئة تحرير الشام" المكونة من تحالف عسكري يضم تنظيمات متشددة تمركزت في إدلب شمال غربي سوريا تحركت عبر عملية واسعة باسم "ردع العدوان" في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ودخلت حلب ثم العاصمة دمشق بعد معارك في حماة وحمص وسط البلاد.
وقبل أعوام، جرى إدراج "هيئة تحرير الشام" منظمة إرهابية من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن بعد تسلم أبو محمد الجولاني وهو لقب زعيم الحركة أحمد الشرع مقاليد الإدارة في سوريا نجح في إزالة اسمه من قوائم المطلوبين بالولايات المتحدة، بعد لقاء وفد أميركي رفيع المستوى في دمشق، بالتوازي مع نشاط دبلوماسي ولقاءات واسعة مع أوساط سياسية بهدف مباركة خطوة تنصيبه رئيساً للإدارة الجديدة، في انتظار انتخابات رئاسية جديدة ومن جهة ثانية رفع العقوبات عن سوريا.
يقف شماس شاب مع شمعة بينما يقرأ الكاهن من القداس خلال قداس صباح عيد الميلاد (أ ف ب)
في غضون ذلك، جزم عضو مجلس إدارة المؤتمر المسيحي العربي، أيمن عبدالنور، في تصريح خاص، بعدم وجود قرار مركزي أو عمل ممنهج من قبل الإدارة الجديدة لملاحقة أو تدمير كنائس أو معابد أو مساجد لغير السنة أو عمليات تصفية وقتل أو تخريب ممنهج، علاوة على عدم صدور أي قرار بفرض لباس محدد على أي شخص غير سني سواء أقليات عددية أو عرقية ودينية.
وعلى رغم ذلك، لم ينكر عبدالنور وجود "تصرفات فردية من قبل أشخاص غير سوريين نسبتهم من خمسة إلى 10 في المئة بعيدين كل البعد من ثقافاتنا وعاداتنا وأخلاقنا وحتى فهمهم للقرآن مختلف، وفق رأيه".
وأضاف، "لدينا أشخاص من السوريين كانوا يقاتلون في العراق وعادوا لكنهم ما زالوا يحملون أفكاراً بعيدة من أفكار المجتمع السوري، وهناك من تعرض لعوامل نفسية ممن تعرضوا للقتل والتهجير والاغتصاب والتجويع، ومنهم من يصعب ضبطه ومنعه من أن يهجم على أشخاص مارسوا الانتهاكات في حقه أو في حق زوجته أو أسرته، وفي حال وصلت هذه الانتهاكات إلى الإدارة فهي تعمل على إصلاحها والمعالجة عندما تصل لقياداتهم العليا".
وحذر عضو المؤتمر المسيحي من عمليات تضخيم واستغلال لقضايا الأقليات، موضحاً أنه من الأجدى التعاطف مع من دمرت الحرب بيوتهم بالكامل ومع أصحاب ما يقارب مليوني بيت بلا سقف.
وختم حديثه بالقول، "على رغم ذلك هناك من يأتي ليقول لك حُرقت شجرة عيد ميلاد، ويصل هذا الخبر إلى كل دول العالم، هناك ماكينة إعلامية للنظام البائد وإيران وروسيا، ومع بعض المسيحيين في دول العالم تكبر وتضخم الأمور وتنتشر، وهذه حقيقة لا بد من معرفتها".