اخبار العراق الان

"الإعجاب والمشاركة" أمور ممنوعة على الموظف الحكومي بالعراق

"الإعجاب والمشاركة" أمور ممنوعة على الموظف الحكومي بالعراق

2025-01-02 15:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


وفقاً للتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى بالعراق، لا يمكن للموظف الحكومي أن ينتقد على حسابه الشخصي أداء مؤسسته أو أي قضية لها طبيعة مؤثرة على الرأي العام (أ ف ب)

إن كنت موظفاً حكومياً في العراق فعليك الانتباه، ليس لما تكتبه في حسابك الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي من آراء فحسب، بل عليك أن تحذر أيضاً من التفاعل على منشورات الآخرين مثل الضغط على خاصية الإعجاب Like ومشاركة المنشور Share أو وضع رموز الدهشة أو الحزن أو الغضب المتاحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد يؤدي الضغط عليها لأن تحاسب من المؤسسة الحكومية التي تعمل بها.
ستة من العاملين في شركة غاز الشمال التابعة لوزارة النفط وجِهت بحقهم عقوبة التنبيه لتفاعلهم بخاصية (الذهول والإعجاب) مع منشور أحد الأشخاص الذي وجدت الشركة بأنه أساء لإدارتها. وتصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة متابعة أراء الموظف الحكومي وتتبّع ما يكتب وما يتفاعل به على وسائل التواصل الاجتماعي، وفُرضت عقوبات وصلت إلى الفصل من الوظيفة بسبب رأي  ناقد للحكومة أدلى به الموظف في حسابه الشخصي.
ولم تمض أيام على العقوبة التي وجهت للعاملين في شركة غاز الشمال حتى أصدر مجلس القضاء الأعلى تعميماً لكل مؤسسات الدولة يضع ضوابط للاستخدام الشخصي لمنصات التواصل الاجتماعي، إذ جاء فيه أنه "تنطبق عمليات إعادة النشر والتفاعل أو المتابعة أو عند ضغط زر الإعجاب أو التعليقات أو ما ينطبق على عملية النشر فأي تصرف على منصات التواصل الاجتماعي يجب أن يراعي واجبات الموظف والقوانين التي تحكم تصرفاته". ومنعت التعليمات الموظف الحكومي من "الإدلاء بتصاريح سياسة قد تضر الحكومة العراقية مع الجهات الخارجية".

تابع للحكومة

ووفقاً للتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى، لا يمكن للموظف الحكومي أن ينتقد على حسابه الشخصي أداء مؤسسته أو أي قضية لها طبيعة مؤثرة على الرأي العام، في ما يهدف إلى إسكات أي راي مخالف للآراء المساندة للحكومة. في هذا السياق يرى الكاتب الصحافي أحمد الشيخ ماجد أن "النظام السياسي في العراق، كنظام ريعي يعتقد أن الراتب الذي يقدمه للموظف هو صدقة أو رشوة، فسياق التوظيف في العراق هو سياق انتخابي أصلاً. ويعتقد القائمون على النظام أنه ليس من حق الموظف أن ينتقد الأداء الحكومي، طالما أنه يتلقى راتباً كما يعتقد النظام السياسي أن الموظف يجب أن يتبع الخيارات الحكومية، هو لا يتعامل مع الموظف أصلاً كموظف دولة أو تابع لمؤسسة دولة، إنما كتابع للحكومة".

محاربة الآراء

وعلى رغم وجود المواد القانونية في الدستور العراقي التي تضمن حرية التعبير، إلا أن هناك وسائل تستعملها الجهات الرسمية لقمع هذه الحريات، فقد منعت "هيئة الإعلام والاتصالات" خلال العام الماضي 2024 أكثر من سبعة أشخاص من الظهور في وسائل الإعلام بحجة مخالفتهم قواعد البث الإعلامي، كما حجبت موقع "ألترا عراق" المختص بنشر تقارير وأخبار تخص الشأن العراقي. ويُعتبر منع الموظفين الحكوميين من الإدلاء بآرائهم، ومعاقبتهم، إجراءات انتقائية، فهناك من يظهر في القنوات المحلية ويثير الطائفية والكراهية ويحرض على تعكير السلم الأهلي ولا توجد أي إجراءات رادعة ضدهم.
في السياق، يوضح الباحث المختص في القضايا السياسية والتغيرات الاجتماعية، علي المكدام، أن "المجتمع المدني في العراق يتعرض لحملة ممنهجة وشرسة لكبته وكسر صوته، لا سيما بعد احتجاجات تشرين واعتراض المجتمع على طيف واسع من القوانين". وأضاف المكدام أن "الحكومة على سبيل المثال اتبعت وسائل عدة لكبح الأصوات التي طالبت برفض تعديل قانون الأحوال الشخصية، ومحاولة منع ظهور أي شخصية على وسائل الإعلام تطالب برفض هذا التعديل. وفي سبتمبر (أيلول) 2014 طالب النائب هادي السلامي نقابة المحامين بشطب اسم محامٍ من جدول المحامين لمجرد اعتراضه على التعديل المقترح لقانون الأحوال الشخصية كما رشحت نقابة المحامين 19 محامياً للظهور الإعلامي في محاولة منها لمنع محامين آخرين من ممارسة حقهم في التعبير عن رأيهم الشخصي".

حرية التعبير

ويرى المكدام أن "الإطار التنسيقي يحاول أن يجهض الحراك المدني ويكمم الأفواه من خلال نشر سياسة الخوف حتى في مؤسسات الدولة وهو يحاول فرض رؤية واحدة ولون واحد على المجتمع كله". فقد وجهت وزارة التعليم العالي تعميماً لكافة الجامعات بمنع الكوادر التدريسية وأساتذة القانون من الظهور الإعلامي أو الحديث في القنوات، وبحال المخالفة يحال الأستاذ إلى التحقيق ولجان الانضباط".
كما أبعدت هيئة الإعلام والاتصالات أي شخص لا ينتمي لمؤسسة حكومية من الظهور على وسائل الإعلام للحديث عن قانون الأحوال الشخصية مما يعني إبعاد الحقوقيين والنشطاء والقضاة المتقاعدين والمحامين، كونهم ليسوا بجهات رسمية وبالتالي منع بث أي حوار يكون معارضاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لجم الأقلام محاولة يائسة

من جانب آخر، يشير الصحافي العراقي رسلي المالكي إلى أن "هناك أزمة ثقة بين السلطة والمواطن تتمثل بعدم الرضا والغضب من أداء الحكومة وفشلها في محاربة الفساد وعدم وجود سيادة في القرار العراقي". ويرى المالكي أن "هذه الأزمة تدفع بالسلطة إلى محاربة أي رأي مخالف لها. الحكومة العراقية تعاني من ضغط دولي، بسبب الأوضاع في الشرق الأوسط والتغيير المقبل، وما حدث في سوريا ولبنان والضغط الكبير الذي تتعرض له الفصائل الموالية لإيران، فالحكومة تعتقد أن هذه الإجراءات ومحاولات تقيد حرية الرأي هي لحماية النظام".
وقال المالكي إن "الوسائل التي تنتهجها الحكومة توضح وعلى نحو جلي أن السلطة لم تتعلم من أخطاء التاريخ، ومن التجارب الأخرى وتعيد الخطأ نفسه وتنتظر نتائج مغايرة. كان يجب على الحكومة أن تسمح للناس بالحديث من أجل قياس حجم الخطر في الداخل، والخطر يتمثل بعدم الرضا فإن كتم الأصوات يعني إضاعة الفرصة لمعرفة حجم الخطر وقياس مدى عدم الرضا عن الأداء الحكومي".
ويختم المالكي قائلاً "إن أي محاولة لقمع الآراء وتكميم الأفواه ولجم الأقلام هي محاولة فاشلة بسبب وجود مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك وجود كتاب ومدونين يعيشون خارج يد السلطة وربما يختفون وراء حسابات وهمية وينشرون آراءهم على نحو حر".

القانون العراقي

تكفل المادة (38) من الدستور العراقي حرية التعبير ويدخل ضمن هذه المادة ما يُكتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتخضع هذه الحرية لبعض القيود القانونية التي تهدف إلى حماية النظام العام والآداب العامة وحقوق الآخرين، فمثلاً يجب ألا يتضمن المنشور أو التغريدة تحريضاً على العنف أو الكراهية أو المساس بكرامة الآخرين أو أن يحتوي على ما يعتبر سباً وقذفاً بحقهم.
ويوضح القانوني أحمد الزيادي أن "القانون العراقي أعطى حيزاً كبيراً للموظف المدني للتعبير عن رأيه باستثناء العسكري حيث وضع القانون قيوداً على ما يصدر منه من آراء". ويرى الزيادي أن "الحرية التي منحها القانون للموظف المدني واسعة، وتتيح له ممارسة حتى النقد البنّاء لمؤسسات الدولة التي ينتمي إليها، لكن هذا النقد يجب أن يكون نقداً مؤسساتياً يتعلق بعمل المؤسسة والقرارات الصادرة عنها، وليس نقداً شخصياً يتعلق بالأفراد العاملين فيها. إذا تحول النقد إلى هجوم شخصي أو تشهير يتعلق بأشخاص حكوميين، فإنه يخرج من إطار النقد البنّاء ويدخل في خانة التهجم والتشهير. في هذه الحالة، يحق لمن تعرض للتهجم إقامة دعوى شخصية ضد المهاجم، ويكون القضاء هو صاحب الكلمة الفصل".

محاسبة الموظف

ويتمتع الموظف الحكومي بحقوقه الدستورية في حرية التعبير، شرط ألا تتعارض مع واجبات وظيفته أو تتسبب في الإضرار بالمصلحة العامة، في هذا السياق يشير القانوني أحمد الزيادي إلى أن "للحكومة العراقية الحق بمحاسبة الموظف الحكومي على ما يكتبه على حسابه الخاص، إذا كان المحتوى المنشور يتعارض مع القوانين واللوائح المعمول بها. ويحدد قانون الخدمة المدنية رقم 24 لعام 1960 واجب الموظف الحكومي، بما في ذلك الالتزام بالسلوك الذي يحافظ على كرامة الوظيفة العامة وأن أي تصرف يُعتبر مسيئاً لسمعة الوظيفة أو يتعارض مع واجباتها قد يؤدي إلى مساءلة الموظف. وقد تصدر الوزارات والدوائر الحكومية تعليمات إضافية تُحدد السلوك المتوقع من الموظفين، بما في ذلك ما يتعلق بالنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي".

ويرى الزيادي أن "محاسبة الموظف تكون مبررة إذا نشر معلومات سرية تخص عمله أو مؤسسته، فإن ذلك يُعد انتهاكاً لواجبات الوظيفة، أو نشر تعليقات أو آراء تسيء إلى سمعة المؤسسة أو تتضمن تشهيراً بزملاء العمل أو المسؤولين. كما يحق للمؤسسة الحكومية محاسبة الموظف إذا نشر محتوى يحرض على العنف أو الكراهية أو يخل بالنظام العام فهذا يُعد مخالفة تستوجب المحاسبة".