تونس تتحرك استباقا لعودة "متشدديها" من سوريا
انضم آلاف التونسيين إلى الجماعات المسلحة والإرهابية في سوريا (أ ف ب)
حولت شركة الخطوط التونسية الجوية المملوكة للدولة استقبال المسافرين القادمين من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الدولي الرئيس، في خطوة ربطها كثر باستباق السلطات العودة المحتملة لمتشددين قاتلوا في وقت سابق في صفوف تنظيمات إرهابية في سوريا.
وتصاعدت أخيراً تحذيرات أطلقتها منظمات غير حكومية في تونس من خطر عودة المئات من المقاتلين الذين انضموا إلى جماعات إرهابية أو فصائل المعارضة في سوريا، خصوصاً بعد فرار الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد إلى روسيا في وقت سابق.
وقالت الشركة، في بيان مقتضب نشرته عبر صفحتها على "فيسبوك"، إنه "سيجري استقبال هذه الرحلات في المحطة الثانية المحاذية للمطار الرئيس المخصصة عادة لرحلات الحجيج والمعتمرين إلى البقاع المقدسة"، لذا سيخضع هؤلاء المسافرون لإجراءات تفتيش.
وأقرت الشركة هذه الخطوة بقرار من السلطات التونسية، وفقاً لبيانها المذكور.
على رغم تطبيع العلاقات مع سوريا فلا تزال تونس تفتقر إلى قاعدة بيانات حول مواطنيها الذين انضموا إلى جماعات مسلحة هناك (أ ف ب)
لا توضيحات
ويأتي هذا الإجراء في وقت يلف فيه الغموض مصير المئات من المقاتلين التونسيين الذين انضووا تحت لواء جماعات مسلحة أو متشددة، بعدما انزلقت سوريا نحو حرب أهلية على احتجاجات شعبية على حكم الرئيس الأسد في عام 2011.
وتسعى تونس، منذ أشهر، إلى فك لغز عمليات تسفير هؤلاء نحو سوريا، في وقت تتهم أطراف سياسية "حركة النهضة الإسلامية" التي قادت الترويكا التي حكمت البلاد بين 2011 و2013 بتسهيل هذا الأمر، لكن الحركة كثيراً ما نفت ذلك. وفي تلك الفترة شهدت تونس انتشاراً منقطع النظير للأئمة الذين دعوا علناً عبر المساجد وفي اجتماعات عامة وغير ذلك إلى "الجهاد" في سوريا والعراق.
وفي وقت سابق كشف تقرير أممي عن أن عدد التونسيين الذين انضموا إلى جماعات إرهابية في العراق وسوريا يقارب 5 آلاف.
وفي سبتمبر (أيلول) عام 2022 أمرت النيابة العامة في تونس بفتح تحقيقات في ملف التسفير نحو بؤر التوتر، وقد شملت الأبحاث الأولية نحو 100 شخصية من بينها القيادي في "حركة النهضة الإسلامية" علي العريض الذي تولى في تلك الفترة منصب وزير الداخلية.
وقال الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي "للأسف البيان الذي نشرته السلطات التونسية لا يتضمن أي توضيح، مما يدفع بجملة من القراءات التي قد تصيب وقد تخطئ، لكن في مجمل الأحوال تخصيص الرحلات المقبلة من تركيا في محطة استقبال منفصلة يعطي الانطباع بأن السلطات الأمنية على وجه التحديد هي التي اتخذت هذا القرار على خلفية التطورات التي حصلت في سوريا"، وتابع القاسمي أن "هناك أعداداً كبيرة من التونسيين شاركوا، وما زالوا يشاركون في الأعمال القتالية والإرهابية التي تعرفها سوريا والعراق، وعلى ضوء الحديث المتزايد لتمكين هؤلاء من العودة إلى البلاد لجأت السلطات الأمنية إلى هذا القرار".
يلف الغموض مصير المئات من المقاتلين التونسيين الذين انضووا تحت لواء جماعات مسلحة أو متشددة بعدما انزلقت سوريا نحو حرب أهلية (رويترز)
إجراء استباقي وقائي
ومن غير المؤكد ما إذا كانت السلطات الانتقالية في سوريا قد أطلقت سراح تونسيين من السجون السورية، ولم تتحقق السلطات التونسية من ذلك على رغم تطبيع العلاقات مع دمشق قبل أشهر.
وقال القاسمي إنه "من دون شك، الإجراء الأخير هو استباقي ووقائي للحيلولة دون تسلل هؤلاء المقاتلين إلى التراب التونسي، لكنه يبقى منقوصاً ما لم يرفق بإجراءات أخرى تأخذ بالاعتبار عينه الأخطار التي يشكلها هؤلاء"، ولفت إلى أن "مسألة عودة المسلحين نوقشت كثيراً، لكن في اعتقادي، في هذا الظرف، أصبحت تكتسي أهمية أمنية بالغة تستدعي مقاربات حقيقية واقعية، لذلك هذا الإجراء وقائي ونأمل في أن ترفقه إجراءات أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إجراء غير كاف
وتفيد تقارير محلية في تونس بأن السلطات أوقفت كثيراً من العناصر التي انضمت إلى جماعات مسلحة أو إرهابية في سوريا بعد عودتها، لكن يصعب حصر عدد هؤلاء أو المتبقين منهم في السجون السورية.
وكان تنظيم "داعش" واحداً من أكبر التنظيمات الإرهابية التي نجحت في استقطاب تونسيين للقتال في صفوفه في سوريا عندما سيطر على مساحات واسعة على غرار الرقة.
وقال المؤرخ والباحث السياسي محمد ذويب إن من المؤكد أن تركيا ستكون طريق العودة الأولى للتونسيين الموجودين في سوريا، الذين بلغ عددهم 12 ألف مسلح تقريباً، "ومن المرجح أن عدد الأحياء منهم يبلغ النصف، الذين سيبدأ عدد منهم بالعودة إلى تونس، ويبدو أن السلطات التونسية قد شرعت في اتخاذ التدابير اللازمة لاستقبالهم".
أضاف ذويب أن من هؤلاء "من سيحاول العودة بانتحال صفات أخرى على غرار الطلبة أو العاملين في تركيا، ومنهم من سيحاول السفر من تركيا إلى ليبيا ثم سيحاول الدخول عبر الحدود الجنوبية - الشرقية مع ليبيا"، وختم ذويب حديثه قائلاً "لذلك، فإن هذا الإجراء الوقائي مهم، وعلى الدولة مراقبة حدودها البرية، أيضاً، خشية تسلل العائدين بخاصة مع ليبيا التي ما زالت تشكو ضعف أجهزة الدولة هناك".