"حزب الله" وتحدي ترميم قدراته العسكرية
صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية في بيروت (د ب أ)
مع التحولات الكبرى والمتسارعة في الشرق الأوسط، وتشابك الأحداث السياسية والعسكرية على الساحة اللبنانية، يعود "حزب الله" إلى دائرة الضوء الدولية، محاطاً بأسئلة جوهرية حول قدرته على النهوض من جديد بعد الضربات الإسرائيلية التي هزت قوته، وسقوط حليفه نظام الأسد في سوريا الذي شكل العمق الاستراتيجي لإمداداته العسكرية واللوجيستية والمالية، وتثار تساؤلات حول خططه لإعادة بناء ترسانته العسكرية.
ومع تصاعد المخاوف الدولية، يطالب المجتمع الدولي الحكومة اللبنانية بتحمل مسؤوليتها في منع أنشطة إعادة تسلح "حزب الله"، وتعزيز رقابة الجيش اللبناني على المنافذ الحدودية الجوية والبرية والبحرية لمنع تهريب أسلحة أو وسائل قتالية للحزب بعد تراجع قدراته بشدة بسبب الضربات الإسرائيلية. تتزامن هذه المخاوف مع تأكيد مسؤولي الحزب السعي إلى إعادة بناء مخزوناته وقواته وهيكليته التنظيمية، وضمنهم الأمين العام نعيم قاسم، الذي قال إن الحزب سيستمر في البحث عن وسائل لضمان وصول السلاح إلى لبنان.
وفي هذا السياق، يشير محللون عسكريون إلى إمكانية لجوء "حزب الله" إلى تصنيع الصواريخ محلياً كبديل للإمدادات الخارجية، من خلال تهريب المواد الأولية التي تشمل المواد الكيماوية لتصنيع الوقود الصاروخي والمعادن اللازمة لصناعة الهياكل والمكونات الإلكترونية الدقيقة، وإنشاء ورش صغيرة محمية في مناطق نائية أو تحت الأرض لتصنيع الأجزاء وتجميع الصواريخ، وكذلك عبر تطوير الطائرات المسيرة عبر استيراد مكونات تجارية مثل المحركات الصغيرة وأجهزة الاستشعار.
الأسواق السوداء العالمية
وقال مصدر عسكري لبناني (طلب عدم كشف اسمه)، إن "حزب الله" قد يتجه نحو الأسواق السوداء العالمية لتأمين المواد الأولية والمكونات التكنولوجية، في آسيا الوسطى وأفريقيا، إذ تنتشر شبكات التهريب التي توفر المعدات والمواد الكيماوية التي يمكن استخدامها في التصنيع العسكري، كما تعد بعض دول أوروبا الشرقية نقاطاً ساخنة لتجارة الأسلحة وقطع الغيار، إذ يمكن تهريب مكونات مزدوجة الاستخدام مثل الإلكترونيات والتقنيات العسكرية، أو ربما عبر حلفائه في العراق واليمن، إذ يمكن للحوثيين المساهمة في تهريب المعدات عبر البحر الأحمر.
ولفت الانتباه إلى أن الشركات الوهمية تعد إحدى أدوات التحايل التي قد يلجأ إليها الحزب لاستيراد مكونات مدنية ذات استخدام مزدوج، إذ تعمل إيران والصين كمحطات محتملة لهذا النوع من العمليات، ويمكن استغلال الثغرات في التجارة الدولية لاستيراد تقنيات مدنية تستخدم لاحقاً لأغراض عسكرية، عبر استخدام السفن التجارية للتهرب من المراقبة الشديدة التي تفرضها إسرائيل والدول الغربية على الأنشطة البحرية في المنطقة.
ونوه بأنه في ظل القيود المالية المفروضة على إيران و"حزب الله"، قد يتم استخدام العملات المشفرة كوسيلة لتحويل الأموال ودفع كلف شراء المعدات أو وسطاء محايدين لتسهيل عمليات الشراء، مشدداً على أن إيران قد تفضل نقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية إلى "حزب الله" بدلاً من نقل المعدات الجاهزة لتقليل اعتماده على خطوط الإمداد الخارجية.
الأموال عبر الطيران
وفي السياق أكد المحلل السياسي علي حمادة أن إغلاق الحدود البرية مع سوريا شكل ضربة قوية لـ"حزب الله"، ويمثل تقويضاً جوهرياً وعميقاً لقدراته العسكرية، لا سيما بعد تكبده خسائر فادحة في حربه مع إسرائيل، لافتاً إلى أن الإيرانيين يحاولون إعادة بناء قدراته. ونفى صحة ما يتردد عن تمكن "حزب الله" من ترميم قدراته، بعد خسارته "الممر الإيراني" الممتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.
وأوضح أن سوريا تعتبر العنصر الأساس في دعم "حزب الله"، كونها نقطة عبور للموارد العسكرية والمالية، ومن خلالها كان يمرر الذخائر ومكونات الصواريخ والطائرات المسيرة، فضلاً عن التمويل اللازم لاستمرار نشاطاته العسكرية، وتمثل أيضاً العمق الاستراتيجي وضمان استقرار الحزب وقدرته على تنفيذ عملياته، لافتاً إلى أن فقدان هذا الدعم الحيوي يعني فقدانه أحد أهم مصادره اللوجيستية والتكتيكية، مما يجعل إعادة بناء قدراته العسكرية أمراً شبه مستحيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف عن أن إيران تحاول دعم "حزب الله" من طريق إرسال ملايين الدولارات على متن رحلات جوية قادمة إلى بيروت، في حين هناك تعقيدات في محاولات مده بالسلاح، وعلى رغم أن الحزب لا يزال يملك كثيراً من المخازن العسكرية في شمال الليطاني، التي تحوي أنواعاً مختلفة من الأسلحة، فلا يزال الحديث عن إدخال أسلحة جديدة موضوعاً معقداً وغير واضح في الوقت الحالي.
ووفقاً لتحليل حمادة، فإن هذا لا يعني أن "حزب الله" سيكون منزوع السلاح بالكامل، إلا أن سلاحه لن يعود بالقوة نفسها والنفوذ الذي كان يتمتع به خلال الأعوام الماضية، موضحاً أن الحزب قد يسعى إلى تهريب وسائل قتالية بأساليب مختلفة لضمان استمرار عمليات الدعم والتمويل، لذا قد يلجأ إلى استغلال الحدود اللبنانية - السورية التي تمتد على مسافات واسعة واستخدام شبكات تهريب نشطة.
وفي رأيه، فإن التوجه الجديد في السياسة اللبنانية، التي تراهن على دعم المجتمع الدولي والعربي، يضع تحديات أمام "حزب الله"، إذ تعهدت بيروت ضبط المرافئ الجوية والبحرية والبرية، مما يجعل من الصعب عليه استخدام المنافذ الحدودية لإدخال الأسلحة أو أي نوع من الإمدادات، بما في ذلك الأدوات التكنولوجية البسيطة مثل الهواتف المحمولة التي شكلت وسيلة لتمويل نشاطاته، إذا طُبقت هذه الإجراءات بصورة فعالة سيواجه صعوبة بالغة في تأمين التمويل اللازم لعملياته، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية في قدراته العسكرية واللوجيستية.
ولفت إلى أن إيران تسعى جاهدة إلى رفع معنويات "حزب الله" وجمهوره عبر تصريحات متواصلة من المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي يتحدث عن استمرار "المقاومة" في كل من اليمن ولبنان، تزامناً مع تصريحات الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي يصر على أن "المقاومة" ستظل قائمة، فيما بات واضحاً أن الحزب فقد شرعيته داخل البلاد بصورة كاملة.
صناعة لبنانية
من جانبه أوضح المحلل العسكري اللبناني العميد سعيد القزح أن الأسلوب الذي يعتمده "حزب الله" للتزود بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات هو الطريق البري الممتد من إيران عبر العراق وسوريا، وصولاً إلى معبر "البوكمال" ثم منطقة "القصير" على الحدود اللبنانية - السورية، إذ تنقل الأسلحة والذخيرة إلى مناطق البقاع والهرمل في لبنان، ثم تُخزن وتُستخدم في العمليات العسكرية.
وكشف عن أن "حزب الله" يعتمد أيضاً على شحنات بحرية عبر مرافئ طرطوس واللاذقية في سوريا، من خلال بواخر قادمة من إيران تفرغ شحناتها، ومنها تُنقل الأسلحة إلى "القصير" ومن ثم إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، إلا أن إحكام السيطرة على هذه المرافئ وقطع الإمدادات البحرية والبرية سيجعلان الحزب يواجه تحديات كبيرة في إعادة بناء مخزونه العسكري.
وفي ما يتعلق بإمكانية تصنيع "حزب الله" الأسلحة داخلياً، شدد القزح على دور الدولة اللبنانية في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار والقرار 1701، متخوفاً من ضعف الدولة وغض الطرف، مما سيعطيه إمكانية للتحرك في مناطق معينة مما يتيح له بناء مصانع للأسلحة، إذ من الممكن أن يُدخل بطرق شتى المواد الأولية اللازمة لإنتاج الوسائل القتالية ولا سيما قاذفات الصواريخ، مشيراً إلى أن غالب منصات إطلاق الصواريخ التي يستخدمها من تصنيع محلي وكذلك الصواريخ البدائية.
وأضاف أن "صواريخ (فاتح) وغيرها، كانت تصنع في إيران ثم تشحن إلى لبنان، ومن الممكن أيضاً أن تكون قد صُنعت في مدينة مصياف السورية، التي تعرضت للقصف من قبل إسرائيل في عملية إنزال وتدمير استهدفتها، وهي تضم مراكز صناعة وتجميع الصواريخ ومصانع للطائرات المسيرة".
وفي حال تمكن "حزب الله" من بناء مصانع للأسلحة، فإن غض الطرف من قبل الدولة قد يمكنه من ممارسة هذا النشاط بصورة سرية أو بدائية، مما يشير إلى قدرة الحزب على تصنيع أسلحته بمساعدة الممارسات المحلية والتسهيلات التي قد تتاح له في ظل غياب الرقابة أو التقاعس عن تطبيق القرارات الدولية، بحسب العميد سعيد القزح.
وشدد على أن النقل الجوي يعد من أخطر وسائل نقل المتفجرات والذخائر، إذ يتجنب الطيارون نقل المواد المتفجرة أو الذخيرة داخل طائراتهم، خوفاً من تعرضها للانفجار أثناء الرحلة. وعلى رغم إمكانية نقل الأسلحة عبر الطائرات الخاصة أو التجارية، فإن هذا يتوقف على مدى جدية الدولة اللبنانية في مراقبة المطار، وتحديداً في تفتيش جميع الطائرات التي تهبط في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، سواء كانت إيرانية أو عراقية أو لبنانية.
وأشار إلى أن النقل البحري يعتبر أكثر أماناً مقارنة بنظيره الجوي، بخاصة عند نقل الأسلحة والمتفجرات، إلا أنه ليس خالياً من الرقابة، إذ يمكن لوسائل النقل البحري أن تنقل كميات ضخمة من الأسلحة التي تعوض عن القصور في النقل البري والجوي، موضحاً أن الشاطئ اللبناني خاضع للمراقبة بموجب القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة، خصوصاً من قبل القوات البحرية الألمانية. وأشار إلى أن إسرائيل ستظل تراقب البحر والبواخر التي تدخل إلى لبنان، وإذا شكت في أي سفينة، فإنها ستبلغ الأمم المتحدة بهدف تفتيشها بالتعاون مع الجيش اللبناني.
وكشف عن أسلوب قد يعتمده الحزب عبر إنشاء مرافئ صغيرة في أي منطقة على الساحل مثل مرفأ الأوزاعي أو الزهراني ويمكن أن تنطلق زوارق سريعة وصغيرة الحجم من هذه الموانئ لملاقاة السفن المحملة بالأسلحة، ثم تفريغ حمولتها خارج المياه الإقليمية اللبنانية.
الانتقام الإيراني
في إطار تطبيق القرار 1701، الذي يهدف إلى استقرار المنطقة وضمان الأمن على الحدود اللبنانية، أشار المحلل العسكري والاستراتيجي العميد خالد حمادة، إلى أهمية إمساك الدولة اللبنانية الفعال للحدود، معتبراً أن القرار الدولي 1680 يُلزم لبنان السيطرة على حدوده مع سوريا لمنع تهريب الأسلحة والمسلحين، ضمن استراتيجيات حماية الأمن الوطني.
وأوضح أن إسرائيل نفذت عمليات قصف عدة للمعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، التي تستخدم لتهريب الأسلحة، محذراً من أن استمرار سيطرة "حزب الله" على الحدود سيكون ذريعة لحكومة بنيامين نتنياهو لتوسيع هجماتها المستمرة في الجنوب نحو حدود سوريا على رغم اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي ما يتعلق بموقف إيران، أوضح أن طهران كانت تستخدم الأراضي السورية كمنصة تهديد ضد الدول العربية، لكنها قد تجد نفسها في موقف محرج مع الإدارة الجديدة في دمشق. وعلى رغم ذلك، يعتقد حمادة أن إيران قد تسعى إلى استغلال الحدود السورية - اللبنانية كطريق للعمليات الثأرية ضد الحكام الجدد في سوريا، بخاصة بعد التصريحات الأخيرة من قيادات إيرانية، بما في ذلك المرشد علي خامنئي، الذي دعا إلى تقويض سياسة سوريا الجديدة.
ورأى أن إيران قد تراهن على الميليشيات الموالية لها في سوريا ولبنان لتنفيذ عمليات عدائية ضد دمشق، مما قد يؤدي إلى مزيد من العنف في المنطقة، مما قد يهدد الاستقرار الأمني على الحدود وداخل البلاد، مشيراً إلى أن عدم تحكم الدولة اللبنانية بالحدود قد يفتح الباب على مصراعيه أمام هذه الأخطار.
أسرار التسلح
في المقابل اعتبر مصدر مقرب من "حزب الله" أن "الحديث عن ضعف قدرات الحزب أو تراجعه نتيجة الضغوط الإسرائيلية والدولية هو مجرد تهويل إعلامي يهدف إلى زعزعة ثقة جمهور المقاومة"، مؤكداً أن الحزب يمتلك إرادة صلبة وخططاً استراتيجية تضمن استمرار جهوزيته الدفاعية، بغض النظر عن التحديات.
ورأى أن الادعاءات حول تصنيع محلي للصواريخ أو تهريب الأسلحة عبر الحدود هي محاولة لتبرير الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للسيادة اللبنانية، نافياً أن تكون إسرائيل نجحت في تدمير ترسانة الحزب. وأكد أنه لا يزال يمتلك ترسانة كبيرة جداً وتطويرها أو زيادتها هو شأن يتعلق بـ"المقاومة" وهو أمر سري وشأن تقرره قيادة "حزب الله".
أما في ما يتعلق بمراقبة الحدود والمرافئ فأشار إلى أن الحزب يدعم كل ما يعزز سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، مع تأكيد أهمية الحفاظ على حق لبنان في الدفاع عن نفسه في مواجهة أي تهديد خارجي.