هجوم نيو أورلينز يسلط الضوء على محاولات تنظيم "داعش" للعودة
عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي بالقرب من مكان الهجوم في نيو أورلينز (رويترز)
أظهر جندي أميركي رفع راية تنظيم "داعش" على شاحنة صدم بها محتفلين برأس السنة الجديدة في نيو أورلينز الأميركية كيف أن الجماعة المتطرفة ما زالت قادرة على نقل أفكار العنف على الرغم من تكبدها لخسائر لسنوات أمام التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة.
في ذروة قوتها بين عامي 2014 و2017، فرضت "خلافة" تنظيم "داعش" الموت والتعذيب على طوائف ومجتمعات في مساحات شاسعة من العراق وسوريا، وامتدت أذرعها لدول في الشرق الأوسط.
وبرز زعيم التنظيم آنذاك أبو بكر البغدادي، الذي قُتل عام 2019 على يد قوات خاصة أميركية في شمال غرب سوريا، من الظل ليقود التنظيم المتشدد ويعلن نفسه "خليفة" لجميع المسلمين.
وانهار التنظيم في عام 2017 في العراق حيث كان له قاعدة على بعد 30 دقيقة فقط بالسيارة من بغداد، وفي سوريا في عام 2019 بعد حملة عسكرية متواصلة للتحالف بقيادة الولايات المتحدة.
ورد تنظيم "داعش" على ذلك بالانتشار في خلايا مستقلة، وقيادة سرية. ومن الصعب تحديد قوامه الآن. وتقدر الأمم المتحدة عدد عناصره بنحو 10 آلاف في معاقله.
ويواصل التحالف بقيادة الولايات المتحدة، والذي يضم نحو أربعة آلاف جندي أميركي في سوريا والعراق، استهداف المتشددين بغارات جوية وهجمات يقول الجيش الأميركي إنها أدت إلى مقتل وأسر المئات من المسلحين والقادة.
ومع ذلك، نجح تنظيم "داعش" في تنفيذ بعض العمليات الكبرى في أثناء سعيه إلى إعادة بناء قدراته. ويواصل إلهام آخرين بتنفيذ هجمات منفردة مثل الهجوم الذي وقع في نيو أورلينز وحصد أرواح 14 شخصاً.
وتشمل هذه الاعتداءات هجوماً شنه مسلحون على قاعة حفلات موسيقية روسية في مارس (آذار) 2024 أودى بحياة 143 شخصاً على الأقل.
وحذر القائم بأعمال مدير المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب بريت هولمغرين في أكتوبر (تشرين الأول) من إعادة الجماعة تنظيم صفوفها "وإصلاح عملياتها الإعلامية واستئناف التخطيط لمؤامرات خارجية"، على الرغم من ضغوط مكافحة الإرهاب.
وساعدت العوامل الجيوسياسية تنظيم "داعش". فقد تسببت حرب إسرائيل ضد "حماس" في غزة في إثارة غضب واسع النطاق يستغله المتشددون لتجنيد مقاتلين. كما أن المخاطر التي بواجهها الأكراد السوريون الذين يحتجزون الآلاف من عناصر تنظيم "داعش" قد تخلق فرصة أمام التنظيم.
ولم يعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم نيو أورلينز أو يشيد به على حساباته الخاصة إلا أن وكالات إنفاذ القانون الأميركية قالت إن أنصاره فعلوا ذلك.
وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، إن هناك قلقاً متزايداً بشأن زيادة تجنيد تنظيم "داعش" لعناصر وظهوره من جديد في سوريا.
"لحظات واعدة"
حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن تنظيم "داعش" سيحاول استغلال هذه الفترة من عدم اليقين لإعادة بناء قدراته في سوريا، لكنه قال إن الولايات المتحدة عازمة على عدم السماح بحدوث ذلك.
وأضاف "يظهر التاريخ مدى السرعة التي قد تتحول بها اللحظات الواعدة إلى صراع وعنف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال فريق للأمم المتحدة يراقب أنشطة تنظيم "داعش" لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو (تموز) إن "خطر عودة قيام" التنظيم في الشرق الأوسط قائم، وعبروا عن مخاوف متزايدة من قدرة فرع التنظيم في أفغانستان، "داعش - ولاية خراسان"، على شن هجمات في الخارج.
وأضاف التقرير أن الحكومات الأوروبية تعتبر فرع ولاية خراسان "أكبر تهديد إرهابي خارجي لأوروبا".
وقال فريق الأمم المتحدة "بالإضافة إلى الهجمات التي تم تنفيذها، هناك عدد مذهل من المخططات التي تم إحباطها أو تعقبها امتدت من إيران وبلاد الشام وآسيا وأوروبا، وربما حتى إلى أميركا الشمالية".
هجمات الذئاب المنفردة
وقال جيم جيفري، السفير الأميركي السابق في العراق وتركيا، والمبعوث الخاص في "التحالف الدولي ضد داعش"، إن التنظيم لطالما سعى للحث على هجمات الذئاب المنفردة مثل هجوم نيو أورلينز.
وأضاف أن التهديد الذي يشكله التنظيم لا يزال يتمثل في الجهود التي يبذلها فرع ولاية خراسان لشن هجمات كبيرة تؤدي إلى ضحايا بالجملة مثل تلك التي شهدتها موسكو، وأوروبا في عامي 2015 و2016.
تركيز على أفريقيا
وما زال تنظيم "داعش" يركز أيضاً على أفريقيا.
وقال التنظيم هذا الأسبوع إن 12 من مسلحي "داعش" استخدموا سيارات ملغومة وهاجموا قاعدة عسكرية يوم الثلاثاء في منطقة بونتلاند بشمال شرق الصومال، مما أسفر عن مقتل نحو 22 جندياً وإصابة عشرات.
ووصف الهجوم بأنه "ضربة العام. هجوم معقد هو الأول من نوعه".
ويقول محللون أمنيون إن قوة تنظيم "داعش" في الصومال تزايدت بسبب تدفق المسلحين الأجانب وزيادة العائدات من ابتزاز الشركات المحلية، حتى أصبح الصومال "مركز التحكم" للتنظيم في أفريقيا.
"طريق التطرف"
قال مكتب التحقيقات الفيدرالي الخميس إن شمس الدين جبار، وهو مواطن من تكساس يبلغ من العمر 42 سنة ومحارب قديم في الجيش الأميركي خدم في أفغانستان، تصرف بمفرده في هجوم نيو أورلينز.
وأعلن جبار في ما يبدو في تسجيلات رفضه للموسيقى والمخدرات والكحول، وهو سلوك يتماشى مع أسلوب تنظيم "داعش".
ويبحث المحققون في "طريق التطرف" الذي سلكه جبار، من دون معرفة أكيدة حول كيفية تحوله من محارب قديم ووكيل عقارات وموظف سابق في شركة ديلويت للضرائب والاستشارات إلى شخص "يستلهم نهج تنظيم "داعش" بنسبة 100 في المئة".
ووفقاً لنشرات استخباراتية، حذر مسؤولون في الاستخبارات والأمن الداخلي في الولايات المتحدة خلال الشهور القليلة الماضية سلطات إنفاذ القانون المحلية من احتمال قيام جماعات متطرفة أجنبية، مثل تنظيم "داعش"، باستهداف التجمعات العامة الكبيرة، وخاصة بهجمات دهس بالسيارات.
يحاول إعادة تشكيل نفسه
وقالت القيادة المركزية الأميركية في بيان عام في يونيو (حزيران) إن تنظيم "داعش" يحاول "إعادة تشكيل نفسه بعد تراجع قدراته لبضع السنوات".
وذكرت القيادة المركزية الأميركية أنها استندت في تقييمها إلى مزاعم تنظيم "داعش" بشن 153 هجوماً في العراق وسوريا في النصف الأول من عام 2024، وهو معدل من شأنه أن يضع التنظيم "على مسار شن أكثر من مثلي عدد الهجمات" التي أعلنها في العام السابق.
وقال إتش.إيه هيلير متخصص دراسات الشرق الأوسط وزميل مشارك كبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية، إن من غير المرجح أن يسيطر تنظيم "داعش" على مساحة كبيرة من الأراضي مرة أخرى.
وأضاف أن تنظيم "داعش" والجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى لا تزال تشكل خطراً، ولكن ذلك يعود بشكل أكبر إلى قدرتها على تنفيذ "أعمال عنف عشوائية" وليس لكونها كياناً إقليمياً.
وأوضح هيلير "ليس في سوريا أو العراق، ولكن هناك أماكن أخرى في أفريقيا قد يكون من الممكن فيها تحقيق قدر محدود من السيطرة على الأراضي لفترة من الوقت، لكنني لا أرى ذلك مرجحاً، وليس مقدمة لعودة حقيقية".