إسرائيل تسابق مهلة الـ60 يوما لفرض أمر واقع على الأرض اللبنانية
رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي في جولة على الحدود مع لبنان (صفحة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على إكس)
مع اقتراب انتهاء مهلة الـ60 يوماً لإنهاء انتشار الجيش الإسرائيلي في لبنان، وفق المرحلة الأولى من خطة وقف النار، يكثف الجيش نشاطاته بالتنسيق مع الاستخبارات العسكرية والمستوى السياسي في محاولة لفرض واقع على الأرض اللبنانية يتيح له استمرار الهيمنة عليها. وعشية وصول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى المنطقة وعقد جلسات عشية انتهاء فترة الـ60 يوماً، وضعت إسرائيل أكثر من خطة تحت ذريعة "ضمان أمن سكان الحدود والشمال".
وبعدما كشف مسؤول أمني إسرائيلي أن الجيش يعد لنقل الجدار على طول خط الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى "الخط الأزرق" الدولي، قرر الجيش اليوم الجمعة نصب 12 موقعاً عسكرياً على طول الحدود بحيث يكون كل موقع أمام بلدة إسرائيلية محاذية للحدود وتطل على البلدات اللبنانية، أي إن بعد بعضها عن الأخرى لا يتجاوز خمسة كيلومترات.
ووفق الخطة، توضع القواعد العسكرية والمراقبة أمام رأس الناقورة وشلومي وحانيتا والمستوطنات التابعة لمجلس "معاليه يوسيف" الإقليمي حتى نهاريا.
وهذا القرار لم يوقف الاحتجاج المتصاعد لرؤساء وسكان بلدات الشمال الذين يعدون اتفاق وقف النار خطـأ وخطراً على حياتهم، ويدعون إسرائيل إلى إقامة منطقة عازلة في عمق لبنان قبل انسحاب الجيش من هناك.
وبحسب ما نقل عن مسؤول أمني فإن المنطقة بين "الخط الأزرق" والحدود الحالية ضرورية لضمان أمن الحدود وعدم التسلل، على أن يعمل الجيش خلال ذلك على تعزيز الجدار وتكثيف العوائق على طول الحدود لمنع أية عملية تسلل، على رغم نشر القواعد العسكرية هناك.
"حزب الله" يبدي استعداداً للقتال
من جهته، أعلن الأمين العام لـ "حزب الله" نعيم قاسم السبت أن حزبه مستعد للرد على "خروقات" إسرائيل لوقف إطلاق النار.
وقال قاسم في كلمة بمناسبة الذكرى الخامسة لمقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد، "قلنا بأننا نعطي فرصة لمنع الخروقات الإسرائيلية وتطبيق الاتفاق وأننا سنصبر"، لكن "لا يعني هذا أننا سنصبر لمدة ستين يوماً".
وأكّد قاسم "لا يوجد جدول زمني يحدد أداء المقاومة لا بالاتفاق ولا بعد انتهاء مهلة الستين يوماً في الاتفاق".
وتابع "قد ينفد صبرنا قبل الستين يوماً وقد يستمر، هذا أمر تقرره القيادة، قيادة المقاومة هي التي تقرر متى تصبر ومتى تبادر ومتى ترد".
وشدد قاسم على أن "الاتفاق يعني حصراً جنوب نهر الليطاني ويلزم إسرائيل بالانسحاب"، مضيفاً أن "الدولة الآن، ونحن منها، مسؤولة عن أن تتابع مع الرعاة لتكف يد إسرائيل ويطبق الاتفاق".
وفي ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية، قال قاسم إن حزبه حريص على "انتخاب الرئيس على قاعدة أن تختاره الكتل بتعاون وتفاهم في جلسات مفتوحة"، معتبراً أن "هذا التوافق هو فرصة سانحة لنقلب صفحة باتجاه الإيجابية في لبنان".
غلاف أمني
ومن جهته كشف رئيس مجلس شلومي، غابي نوعمان أن قائد منطقة الشمال أوري غوردين عرض أمامه خريطة تشير إلى مخطط لإقامة غلاف أمني لحماية السكان، وفهم رؤساء البلدات أن الجيش ينوي إقامة منطقة عازلة تضمن أمن السكان. وقال نوعمان "جلسنا معاً وعرض أمامي غوردين بالضبط كيف سيحمي الجيش سكان شلومي وبقية البلدات، بإقامة غلاف أمني ليس فقط يراه السكان بل يشعرون به. ومن جهتنا نُصر على إقامة منطقة عازلة، فطالما إسرائيل تقيم مثل هذه المنطقة في سوريا فلماذا لا تقيمها في لبنان أيضاً؟ هناك يوجد علينا خطر وهنا يوجد خطر أكبر".
تجريف الأرض اللبنانية
ولم يطلق الجيش الإسرائيلي على أعماله تسمية "منطقة عازلة" لكنه كشف عن أنه يخوض سباقاً هندسياً مع الزمن لإنشاء منطقة مفتوحة خالية من كثافة المزروعات وما سماه "الغطاء النباتي"، وباشر بجرف مناطق لبنانية واسعة تشمل البساتين والحقول والغابات الطبيعية وحتى مناطق المراعي. ويدعي الجيش أن هذه المناطق تشكل مخبأً لنشاطات "حزب الله"، ومن هناك تسللت فرق مضادة للدبابات وفرق المراقبة وجمع المعلومات وغيرها، ونقل أسلحة أطلقت النار على إسرائيل".
ووفق خطة الجيش سيُطبق ما فعله داخل قطاع غزة في جنوب لبنان، إذ أنشأ هناك منطقة أمنية بعرض ثمانية كيلومترات خالية من المباني وما سموه "الغطاء النباتي". وفي لبنان فإن تجريد المنطقة وجعلها مفتوحة ومكشوفة سيسمح، بحسب تل أبيب، بمراقبة العمق اللبناني والرد على أية محاولة لتهريب أسلحة وتسلل واعتداء في كل وقت يتطلب الأمر ذلك.
بقاء طويل الأمد
وكلما اقترب موعد انتهاء الـ60 يوماً وفق اتفاق وقف النار يكثف الجيش الإسرائيلي استعداداته للبقاء داخل لبنان لفترة طويلة تتجاوز تلك المدة. وكانت آخر ذريعة لتبرير بقائه، عملية القصف التي نفذها أمس الخميس واستهدفت منصة قاذفات صواريخ في جنوب لبنان. وادعى الجيش الإسرائيلي أن جهاز الاستخبارات والمراقبة كشف وجود منصة قاذفات صواريخ تابعة لـ"حزب الله" وأبلغ اللجنة الدولية التي تتابع تنفيذ اتفاق وقف النار لنقل الأمر إلى الجيش اللبناني، ولكن وبحسب إسرائيل، فإن الجيش اللبناني لم ينفذ ما هو متفق عليه بتدمير منصة قاذفات الصواريخ، مما استدعى سلاح الجو الإسرائيلي إلى قصفها.
ورفض الجيش الإسرائيلي اتهامه بانتهاك الاتفاق بقصفه هذا، معلناً أنه سيكثف القصف وعملياته للقضاء على البنى التحتية والقدرات العسكرية لـ"حزب الله".
وبحسب أكثر من مسؤول أمني وعسكري، فإنه وعلى رغم أن "حزب الله" لا يطلق صواريخ على إسرائيل حالياً لكن وضعية لبنان تحتم بقاء الجيش الإسرائيلي وعدم انسحابه. ودعا نقيب احتياط يارون بوسكيلا وهو مدير عام حركة "الأمنيين" الجيش الإسرائيلي إلى عدم الخضوع للضغوط، وعدم التنازل عن قرار بقائه في لبنان بسبب الوضعية الحالية هناك وعدم ضمان أمن الحدود والسكان. وقال إن "على الجيش مواصلة عملياته في لبنان بذات الوتيرة الحالية لعدم السماح لـ’حزب الله‘ بالعودة إلى نقاط القوة التي كان عليها قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) وحتى قبل ستة أشهر عندما كثفنا القتال ضده". وأضاف "كل هذا يتم في وقت تتزايد فيه الخشية من خطر وقوع هجمات من ’حزب الله‘ أو منظمات أخرى لديها مصالح مختلفة تبذل جهوداً للعمل ضد إسرائيل، مما قد ينعكس على استقرار المنطقة".
أما خبيرة الشؤون الإيرانية في منتدى "دفورا" موران الوف فترى أن "انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان هو خطأ كبير وتهديد لأمن إسرائيل". وأضافت أن الحزب "يواصل محاولاته للتعافي بعد أن تعرض ومعه إيران لضربات كبيرة، ومع هذا لم يتخل عن فكرته ويستعد جيداً للحظة القتال، كما يبذل جهداً لإعادة تأسيس هذا المحور والعمل بطرق استراتيجية عدة لخلق فوضى في إسرائيل، وفي هذا أيضاً هدف تحويل الأضواء عن المشروع النووي الإيراني ولذلك يجب استمرار توجيه الضربات ضد ’حزب الله‘ لأنهم أيضاً سيواصلون نشاطهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إما منطقة عازلة أو القرار 1559
في هذه الأثناء تبحث الأجهزة الأمنية والمؤسسة السياسية الإسرائيلية في سبل مواجهات الوضع المتفاقم من احتجاجات ومطالب من قبل رؤساء بلدات الشمال والسكان وفي مركزها إقامة منطقة عازلة داخل العمق اللبناني. ودعا رئيس مجلس "المطلة" ديفيد أزولاي سكان الشمال إلى عدم العودة وطالب متخذي القرار بإجراء تعديلات على الاتفاق المبرم باستغلال ما سماه انتهاك "حزب الله" للاتفاق. ووضع أزولاي خيارين أمام متخذي القرار "فإما أن يكون تنفيذ القرار 1559 هو المركزي في الاتفاق، أو يجري إقامة منطقة عازلة بعمق يضمن أمن الحدود والسكان".
ويجري وزراء إسرائيليون زيارات يومية إلى منطقة الشمال حيث يروجون لجهود كبيرة، وتجهيز البنى التحتية في بلدات الشمال لضمان إعادتهم، وهو أمر عده بعض السكان الموجودين في المنطقة ورؤساء البلدات بعيداً من الحقيقة. وقالت ليئات كوهين رفيف رئيسة منتدى "متسبينيم" وهي من سكان المطلة النازحين، "إن ما نراه على الأرض من أعمال الجيش يناقض ما يُقال عن إمكانية العودة، حتى التقييمات التي تنشر والتقارير التي يصدرها مكتب رئيس الحكومة غير متوافقة مع ما يحصل على الأرض. تحدثوا عن أربع مراحل لإعادة السكان ولا نرى شيئاً منها، على العكس نحن في الشمال نعيش لغزاً غير قادرين على حله، فإذا هناك من يعرف الحقيقة فليقلها لنا".
خطة الجنرالات من شمال القطاع إلى جنوب لبنان
وفي أعقاب مطلب المنطقة العازلة، عرضت اقتراحات عدة تضمن أمن السكان تتحدث في معظمها عن ضرورة تكثيف انتشار الجيش على طول الحدود ودفع السياج الحدودي إلى العمق نحو الخط الأزرق، لكن هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك مثل الرئيس السابق لمستوطنة أرئيل الباحث يعقوب بيتلسون، الذي اختار أن يعود إلى حدود "البيت القومي لليهود"، التي طرحتها الوكالة اليهودية عشية "وعد بلفور"، ونقل خط الحدود إلى نهر الليطاني وهي مسافة تمنع وصول صواريخ غراد إذا ما أطلقت من هناك إلى بلدات الشمال وحتى حيفا، بحسب تبريره للخطة.
واقترح بيتلسون نقل "خطة الجنرالات" في غزة إلى جنوب لبنان، وهذه الخطة التي وضعها جنرال احتياط غيورا ايلاند وعدد من الضباط والجنرالات الإسرائيليين، أُجلي بموجبها سكان شمال قطاع غزة لجعل المنطقة فارغة ومعزولة للسيطرة. وبحسب ما كتب بيتلسون في اقتراحه "كحل للخطر المستمر القادم من جنوب لبنان إلى شمال إسرائيل وما وراءه منذ 46 عاماً، يمكن تنفيذ خطة مشابهة لخطة الجنرالات التي اقترحها العشرات من كبار ضباط الاحتياط في شمال غزة، وعلى رأسهم الجنرال احتياط غيورا إيلاند وتكييف هذه الخطة مع حال لبنان، بحيث يقوم الجيش الإسرائيلي بإجلاء السكان من جنوب لبنان وفرض حصار عسكري كامل على المنطقة التي تمتد من الحدود الحالية بين إسرائيل ولبنان إلى مسافة تصل إلى 45 كيلومتراً، هذا هو المدى الأقصى لصواريخ غراد والصواريخ المماثلة والتي تشكل خطراً كبيراً على شمال إسرائيل".
وأضاف بيتلسون "في الواقع، هذه المنطقة هي بين الخط الحدودي للبيت القومي اليهودي، كما اقترحه قادة الحركة الصهيونية والخط الذي أصدره البريطانيون عام 1919 (وعد بلفور)".
فكرة بيتلسون عدها بعض "ضرباً من الخيال"، ولكنه ليس الوحيد الذي يفكر في إعادة السيطرة على لبنان فهناك سياسيون وأمنيون وعسكريون مثله من أصحاب أفكار الاحتلال والهيمنة والذين لا يعدون الوضع في لبنان يختلف كثيراً عن الوضع في سوريا، ويقدرون أهمية ما يفعله الجيش الإسرائيلي هناك. وبرر رئيس مجلس شلومي مطلب المنطقة العازلة، قائلاً إنه "في سوريا يوجد إرهابيون وهنا يوجد أيضاً. وفي سوريا يوجد خطر علينا وهنا يوجد أيضاً خطر علينا، فلماذا لا نطبق هنا ما نفعله في سوريا؟".