اخبار العراق الان

أصوات في طهران: يجب الاعتراف بالهزيمة

أصوات في طهران: يجب الاعتراف بالهزيمة
أصوات في طهران: يجب الاعتراف بالهزيمة

2025-01-13 02:00:05 - المصدر: اندبندنت عربية


المرشد الإيراني علي خامنئي (أ ف ب)

منذ أكثر من نصف قرن والشرق العربي في دوله الثلاث، العراق وسوريا ولبنان، يغرق في هاوية لا قاع لها على يد أنظمة لم تقدم لشعوبه سوى الانقسام والقهر والفقر.

أمسك بالعراق وسوريا طوال هذه الحقبة حزب يدعو منذ قيامه إلى الوحدة والحرية والاشتراكية، ولم يتمكن من حفظ وحدته، فانقسم إلى حزبين عراقي وسوري، تذابحا وتناطحا فسقط ضحية لصراعهما وأوهامهما الحزب وقادته والشعب بفئاته والوطنين العراقي والسوري بسيادتهما واستقلالهما.

لم يسقط لبنان في هاوية النظامين اللذين تصادما على أرضه. ومشهورة تلك الحكاية عن استقبال ميشال عفلق مؤسس "البعث" المقيم حينها في بيروت، وفداً من مريديه اللبنانيين جاءوا لتهنئته بانقلابَي "البعث" المتتاليين في دمشق وبغداد، وطمأنته أن لبنان بات في حكم الساقط من دون انقلاب، فإذا بزوجته التي كانت تعد القهوة للضيوف تصرخ من المطبخ، "إلى أين سنذهب الآن يا ميشو؟".

بقي لبنان خارج منظومة البعثَين إلا أن الحروب التي طاولته جعلته تحت سيطرة سوريا الأسد لوقت طويل قبل أن تأتي التطورات اللاحقة التي جعلته مع شقيقيه العراق وسوريا أجراماً في الفلك الإيراني وساحات لمحورها المقاوم المزعوم.

مع نهاية نصف القرن المشؤوم مالت الرياح في الاتجاه المعاكس. سقط النظام البعثي - الإيراني في لبنان وسوريا معاً، وبدأ النقاش في العراق حول مستقبل الميليشيات الموالية لإيران. في سوريا "فر بشار الأسد، وبقي البلد" بعد انهيار شعار "الأسد إلى الأبد" الذي قاتلت من أجله إيران وميليشياتها حتى النهاية، وفي لبنان أوصلت طهران حزبها إلى نهاية مأسوية عندما زجت به في حرب مدمرة ضد إسرائيل، توقفت بعد توقيع الحزب اتفاقاً يعادل الإقرار بالهزيمة، إثر أعوام وأشهر من رفضه وتخوينه كل الأصوات التي تمثل غالبية اللبنانيين، والتي رفضت منذ البداية زج لبنان بحرب تتكرر فيها مشاهد التدمير في غزة، ولا تحقق أي مصلحة لبنانية، سوى تأكيد المؤكد من تقديم الخدمات لإيران في أوهامها وأطماعها ومفاوضاتها.

هزيمة نظام بشار الأسد في سوريا هي انتصار للشعب السوري واندحار صريح للمشروع الإيراني جعل المسؤولين العراقيين يسارعون إلى اتخاذ تدابير تضمن حدودهم وتمنع تورط ميليشيات الحشد الشعبي في مساندة طهران في دمشق، لكن إيران نفسها أخلت بلاد الشام على وجه السرعة، بمساعدة روسية كريمة، وعاجَل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الإيرانيين بزيارة طرح خلالها موضوع الحشد وضرورة التعامل الإيجابي مع الوضع السوري الجديد، لكن المرشد علي خامنئي طالبه بالحفاظ على "الحشد"، وواصل نظريته عن المؤامرة الأميركية - الإسرائيلية التي أطاحت نفوذه في دمشق وقبلها بأيام في لبنان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في بلاد الأرز سقطت النظريات الإيرانية دفعة واحدة، وكان الثمن باهظاً. أولى النتائج انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو قائد الجيش الذي سيشرف على ترتيبات جمع السلاح واستعادة حق الدولة في احتكار السلاح والدفاع عن أرض "الأمة اللبنانية". الرئيس الجديد جوزاف عون تعهد ذلك في خطاب قسمه أمام المجلس النيابي ولم يكن انتخابه أو خطابه متاحاً قبل أشهر قليلة. فقد كانت إيران تريد رئيساً "يحمي ظهر المقاومة" وينتمي إلى محورها ويلقي خطاباً جوهره الإشادة بإنجازاتها.

تأخرت إيران في الاعتراف بالوقائع السورية واللبنانية الجديدة. موقفها الرسمي لا يزال يدور حول شعارات المرشد عن انتفاضة تطيح الواقع السوري الجديد خلال عام، وحول الإشادة بقدرات "حزب الله"، ومنها القدرات البرية التي كانت محور تبجيل على لسان قادة الحرس الثوري، لكن أصواتاً أخرى في إيران بدأت ترتفع. الهجوم على الأسد وموسكو يزداد. يجري تحميلهما مسؤولية الفشل في سوريا وخروج طهران المذل منها. القيادي في الحرس الثوري بهروز اتباني الذي عمل في سوريا وصف نظام بشار بأنه "فاسد وفاسق"، وقال إن إيران تعرضت "لخديعة روسية في سوريا". وفي تصريح علني غير مسبوق ذهب المسؤول الإيراني إلى حد اتهام "موسكو (بأنها) كانت تعمل لمصلحة إسرائيل، وسمحت لها باستهداف قادة الحرس الثوري ومنعت هبوط طائرة عسكرية إيرانية ورفضت تسليم ألف رشاش للدفاع عن أحد المواقع في الأيام الأخيرة للنظام".

إيران محبطة من حلفائها ومن انهيار أذرعها في لبنان وسوريا وفلسطين، ومن انكشافها في العراق وانتهاء استغلالها اليمن مع اقتراب التوصل إلى هدنة في غزة، وهي متخوفة فوق كل ذلك على النظام نفسه في طهران. صحيح أن نظرية المرشد عن مواجهة الهزيمة في سوريا واستمرار المقاومة ومحورها لا تزال وجهة النظر الرسمية، لكن الأصوات الداخلية ترتفع لتنادي بضرورة الاعتراف بالفشل.

السبت الماضي كتبت صحيفة "جمهوري إسلامي" البارزة، "علينا قبول الأحداث المريرة في سوريا ولبنان لكي نستطيع أن نعوض الهزيمة التي حلت بمحور المقاومة". بين الأحداث المريرة في نظر الصحيفة الإيرانية "ما جرى في لبنان وسوريا" الذي "يكشف عن أن المحور قد هُزم". مظاهر الهزيمة بحسب الصحيفة تتمثل بـ"انهيار نظام الأسد وانتخاب جوزاف عون الرئيس المرحب به من قبل أميركا".

الاعتراف الإيراني بالهزيمة جيد، لكن الخطوات التي ستعقب هذا الاعتراف هي المهمة. فهل ستترك إيران سوريا تدير شؤونها بنفسها؟ وهل ستتساهل مع الرئيس اللبناني الجديد في تنفيذ المهام التي طرحها في خطابه الرئاسي؟ هذا ما ستجيب عنه الوقائع المرتقبة في كل من سوريا ولبنان، بدءاً من وقف التدخل الأمني التخريبي في سوريا، وصولاً إلى تشكيل حكومة لبنانية تستجيب لطموحات التغيير اللبنانية. وكل ذلك لن يكون سوى جزء من تغيير شامل في السياسة الإيرانية قوامه التخلي عن منطق التوسع وتخريب المجتمعات المحيطة واستعمال المذهبية لتحقيق الأوهام الإمبراطورية.

أصوات في طهران: يجب الاعتراف بالهزيمة