اخبار العراق الان

عاجل

لبنان "الخاصرة الرخوة" لسوريا عبر التاريخ

لبنان
لبنان "الخاصرة الرخوة" لسوريا عبر التاريخ

2025-01-15 22:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


تحول لبنان إلى ممر ومقر للنظام والمعارضة على حد سواء بعد فرض العقوبات الدولية على النظام السوري (رويترز)

تأثر لبنان بصورة كبيرة بضعف الرقابة على حدوده، مما جعله مسرحاً للصراعات الإقليمية والداخلية منذ منتصف القرن الـ 20.

وتسارعت التغيرات في الشارع السياسي اللبناني على نحو لم يستوعبه الناس، وهناك من صدم ولكن بطريقة إيجابية بعد انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون لسدة رئاسة الجمهورية، ومن ثم تكليف القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة. واستبشر اللبنانيون خيراً بعد خطاب القسم الذي وضع أسس الجمهورية الثالثة. ويبرز سؤال هل وضع لبنان على سكة التعافي؟ أم أنه ما زالت هناك مصاعب وألغام أمام العهد الجديد لينطلق؟.

 

تتذرع إسرائيل بأن وجود "حزب الله" على حدودها يشكل تهديداً دائماً لها (أ ف ب)

تشكيل الحكومة كمؤشر إلى انطلاق العهد

ويمثل انتخاب الرئيس جوزاف عون وتكليف الرئيس نواف سلام تشكيل الحكومة خطوة بارزة على الساحة السياسية اللبنانية، بعد أعوام من الجمود السياسي والانهيار الاقتصادي، والحرب المدمرة بين "حزب الله" وإسرائيل التي ضربت أرجاء الوطن في فترة دقيقة من تاريخه. وتحمل هذه الخطوة إشارات إيجابية وواعدة، لكنها ليست ضمانة لتحقيق التعافي الفوري لأن تحديات ما زالت ماثلة أمام رئيس الجمهورية، وأولها وليس آخرها تشكيل الحكومة، علماً أن انتخاب عون جاء نتيجة تسوية وتوافق دولي وإقليمي وداخلي، وبرعاية أطراف مؤثرة في الداخل اللبناني مثل فرنسا والسعودية والولايات المتحدة، وقد يخفف هذا التوافق من حدة التجاذبات ويتيح فرصة للبدء بمعالجات اقتصادية. وسيكون التعاون بين عون الذي يتمتع بسمعة داخل لبنان وخارجه كرجل مؤسساتي بعيد من التجاذبات السياسية المباشرة، وسلام، الشخصية المستقلة التي تحظى بدعم دولي واحترام داخلي سيعززان أيضاً من قدرته على قيادة حكومة إصلاحية، وكل ذلك مؤشر إلى عودة الحياة للمؤسسات الدستورية المعطلة ولإعادة الثقة لدى المواطنين والمجتمع الدولي. ولكن وعلى رغم التوافق الظاهر داخلياً، فإن الأحزاب والقوى السياسية التقليدية ستجهد للتمسك بنفوذها، للحفاظ على التوازن السياسي المصلحي، مما قد يعوّق الإصلاحات الجذرية.

وعلى رغم الخسائر التي مني بها "حزب الله" خلال الحرب، لكنه ما زال لاعباً رئيساً في لبنان ومن الضروري التعامل بحذر مع مطالبه، بخاصة في ظل تعقيدات إقليمية. وعلى رغم التفاؤل الذي لفّ الشارع اللبناني، فإنه لا يزال متوجساً من أي حلول سياسية، لا سيما أن كثيراً من اللبنانيين يعتبرون أن النخب السياسية تعمل لمصالحها الخاصة.

ألغام إقليمية

ومن هذه النقطة ندخل إلى حقل الألغام الإقليمية، حيث إن التوترات لم تهدأ في منطقة مشتعلة، وتاريخياً يعتبر لبنان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، سواء عبر الحدود مع إسرائيل أو في الداخل من خلال التدخلات الخارجية، أضف إلى ذلك أن ملف اللاجئين السوريين والضغط الدولي لإعادتهم، قد يولّدان أزمة جديدة إذا لم يتم التعامل مع هاتين المسألتين بحكمة. من هنا، يمكن لاستمرار التدخلات الخارجية أن ينعكس عرقلة للخطط الإصلاحية، مما سيعرض البلد لتواصل الأزمة وغياب الحلول الجذرية. إذاً، لبنان لا يزال أمام طريق مليء بالتحديات، والتغلب عليها يتوقف على الإرادة السياسية والدعم الدولي وقدرة القيادة الجديدة على تجاوز المصالح الضيقة وتنفيذ إصلاحات حقيقية، ولكن الوقت وحده سيكشف عما إذا كانت هذه الخطوة هي بداية طريق التعافي أو مجرد مرحلة جديدة من المراوحة.

 

"الجغرافيا قدر الأمم"

وكثيراً ما اعتبرت كل من إسرائيل وسوريا، لبنان الخاصرة الرخوة لأسباب تاريخية وجغرافية وسياسية ترتبط بتعقيدات موقعه وتركيبته السكانية ودوره الإقليمي منذ نشأته.

وينسب إلى القائد العسكري، وأول إمبراطور لفرنسا بعد الثورة التي أطاحت بالملكية عام 1789، قوله إن "الجغرافيا قدر الأمم"، وتقوم الجغرافيا بدور محوري في تشكيل مصائر الدول، إذ تؤثر العوامل الجغرافية في السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن، ويعرف هذا التأثير المتبادل بين الجغرافيا والسياسة بـ"الجغرافيا السياسية" أو "الجيوبوليتك". وكثيراً ما حددت جغرافيا لبنان قدره مع الحروب "المستوردة" بسبب موقعه على حدود مع إسرائيل وسوريا، بحيث يعتبر جسراً جغرافياً حيوياً وبوابة بين المشرق العربي والبحر الأبيض المتوسط، مما جعله دائماً ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية.

ويمتلك لبنان حدوداً برية مشتركة مع إسرائيل، تمتد على مسافة 79 كيلومتراً، مما يجعله ميداناً مفتوحاً للاشتباكات والتوترات العسكرية، ومع سوريا تمتد حدوده لمسافة 375 كيلومتراً وتُعتبر حدوداً طويلة جداً وتشكل منفذاً مباشراً لسوريا إلى البحر المتوسط، مما يجعل السيطرة عليها حيوية للأمن السوري. أما عجز الدولة اللبنانية عن فرض سيطرتها المطلقة على كامل الأراضي، فجعل لبنان بيئة خصبة لظهور ميليشيات مسلحة ولتدفق اللاجئين عبر حدوده، سابقاً الفلسطينيين، ولاحقاً وحتى اليوم السوريين. ولبنان من الدول التي تأثرت بصورة كبيرة بضعف الرقابة على حدودها، مما جعلها مسرحاً للصراعات الإقليمية والداخلية منذ منتصف القرن الـ 20. ولذلك عوامل عدة، أبرزها تدفق اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، في استباحة حدوده الشمالية والشرقية والجنوبية، مما أسهم في إضعاف السيادة اللبنانية وأدى إلى تداعيات اجتماعية وأمنية خطرة، وحروب متكررة مع إسرائيل.

الحدود اللبنانية قبل اللجوء الفلسطيني

منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، ظلت الحدود اللبنانية تواجه تحديات بسبب الطبيعة الجغرافية المفتوحة والتداخلات القبلية والطائفية بين لبنان وسوريا وفلسطين. وكانت الحدود اللبنانية - الفلسطينية قبل عام 1948 منطقة زراعية هادئة يشغلها سكان محليون من دون وجود عسكري كبير. أما الحدود الشمالية والشرقية، فطبيعتها الجبلية الوعرة جعلت من الصعب فرض رقابة صارمة عليها، لكنها كانت تُدار عبر التنسيق بين السلطات اللبنانية والفرنسية خلال فترة الانتداب.

النكبة واستباحة الحدود

عام 1948، عام النكبة الفلسطينية شهد لبنان تدفقاً كبيراً للاجئين الفلسطينيين، إذ عبر الآلاف من الحدود الجنوبية هرباً من الاحتلال الإسرائيلي، وأدى هذا التدفق إلى تغيير ديموغرافي كبير في جنوب لبنان، ومخيمات اللاجئين التي أُنشئت لاحقاً في مناطق مختلفة من البلاد، مما حوّل الحدود الجنوبية إلى منطقة نزاع وبؤرة توتر، ومنذ ما بعد نكسة 1967، مع تحولها إلى نقطة انطلاق لعمليات الفصائل الفلسطينية المسلحة ضد إسرائيل. وتلا ذلك توقيع "اتفاقية القاهرة" عام 1969 التي شرّعت وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان، مما أدى إلى تآكل السيطرة اللبنانية على الجنوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحروب المتكررة

هذا أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية (1975-1989) وطوال أعوام الحرب، تراجعت سلطة الدولة بصورة كبيرة، مما أدى إلى استباحة الحدود على نحو غير مسبوق، وأصبحت الحدود الشمالية والشرقية ممرات لتهريب السلاح ودخول المقاتلين، لا سيما من سوريا التي تدخلت عسكرياً في الحرب بحجة حفظ الأمن، لكنها استغلت وجودها لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، مما جعل لبنان رهينة لسياسات دمشق حتى خروج جيش النظام السوري عام 2005. ومع تصاعد المواجهات بين الفصائل الفلسطينية المسلحة التي قامت بدور كبير في زعزعة الاستقرار اللبناني، وإسرائيل، أدى ذلك إلى الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 واحتلال مناطق واسعة من الجنوب وإقامة منطقة عازلة، ولاحقاً إلى تشكيل ميليشيات "جيش لبنان الجنوبي"، وأصبحت الحدود الجنوبية منطقة منقسمة بين أطراف متعددة. ولاحقاً كان الاجتياح الإسرائيلي في يونيو (حزيران) 1982 والحروب المتكررة مع "حزب الله"، وكثيراً ما أعلنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن لبنان يمثل الخاصرة الرخوة لحدودها بسبب استخدام أراضيه من قوى معادية لها كقاعدة لاستهدافها.

اللجوء السوري واستباحة الحدود

ومع اندلاع "الثورة السورية" عام 2011، تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى لبنان، مما زاد الضغط على الحدود الشرقية والشمالية، ولم تستطِع الدولة اللبنانية ضبط هذه الحدود بسبب ضعف الإمكانات الأمنية والانقسامات السياسية الداخلية. وأصبحت تلك الحدود ممراً للتهريب غير المشروع، بما في ذلك تهريب الأشخاص والسلاح والبضائع بين لبنان وسوريا. وقامت الجماعات المسلحة مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، بدور في استغلال الحدود اللبنانية، بخاصة خلال فترة وجودها في مناطق عرسال ورأس بعلبك (شرق). ومن ثم ومع تدخل "حزب الله" في سوريا منذ عام 2012 زاد ذلك من تعقيد المشهد الحدودي، حيث أصبحت الحدود الشرقية مسرحاً للاشتباكات بين الحزب والفصائل السورية المسلحة.

وتحول لبنان إلى ممر ومقر للنظام والمعارضة على حد سواء، بعد فرض العقوبات الدولية على النظام السوري، وتحولت مرافئه ومطاره إلى معبر ومتنفس حيوي لسوريا، ومعبر ومقر لمصانع وتهريب "الكبتاغون" على وعبر الأراضي اللبنانية، مما أضرّ بالاقتصاد اللبناني وصورته الدولية. وكانت إيران سارعت لدعم النظام السوري وملء الفراغ الدولي الذي تسببت به العقوبات الدولية من انكفاء الدول العربية والغربية عن التعامل مع نظام بشار الأسد. ورأى النظام الإيراني في سوريا عمقاً إستراتيجياً وتثبيتاً لمكانته الإقليمية، ومنفذاً لإمداد الأسلحة والعتاد والدعم اللوجستي لـ "حزب الله" عبر العراق، مما يبقي حدود إيران بعيداً من الخطر.

أسباب ارتخاء الرقابة الحدودية

وتعتبر الطبيعة الجبلية الوعرة للحدود الشمالية والشرقية أحد أهم عوامل ضعف فرض رقابة أمنية شاملة، أضف إلى ذلك الانقسامات السياسية والطائفية في لبنان التي أدت إلى ضعف الإرادة السياسية لتوحيد الموقف تجاه قضايا الأمن الحدودي. ويقوم عامل ضعف الأجهزة الأمنية ونقص التجهيزات والموارد لدى الجيش اللبناني بدور أساس دون ضبط الحدود بصورة فاعلة، وكثيراً ما حثت القرارات الدولية لبنان على ضبط معابره الشرعية وغير الشرعية.

التدخلات الخارجية

ويعتبر لبنان ساحة للصراعات الإقليمية، مما جعل حدوده مستباحة لمصلحة أجندات خارجية وأدى إلى الحرب الأخيرة مع إسرائيل وتصاعد التوتر، بسبب عمليات "حزب الله" على الحدود الجنوبية لارتباطه بمشروع "وحدة الساحات" أو الجبهات الذي تقوده إيران. ودائماً ما تتذرع إسرائيل بأن وجود الحزب على حدودها يشكل تهديداً دائماً لها، وكانت وقّعت على اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع الجانب اللبناني، بشرط حرية العمل العسكري لأنها تعتبر أن "الجيش اللبناني ضعيف"، مما يسمح لها بالتدخل لحماية أمنها وحدودها.

نظام لبنان الطائفي أضعف الدولة المركزية

ومما لا شك فيه أن لبنان يعاني أزمات حكم مستمرة بسبب النظام الطائفي، مما يضعف الدولة ويجعلها عرضة للتدخلات الخارجية، وهذا النظام أدى إلى الانقسامات السياسية والطائفية وأضعف الدولة المركزية، مما سمح بتحول البلاد إلى ساحة نفوذ مفتوحة. كما أن انفتاح لبنان الثقافي جعله بيئة مميزة مقارنة بجيرانه الأكثر تحفظاً، لكن ذلك سيف ذو حدين لأنه سمح بتغلغل الأفكار السياسية والفكرية المتباينة، وهذا التناقض كان أحد أسباب الصراعات الداخلية وجعل لبنان عرضة للنفوذ الإقليمي. كما أن دوره كمنطقة عبور تاريخية للقوى الإقليمية والدولية، ونقطة وصل بين الشرق والغرب، كانت له إيجابيات عدة، لكن البلد أصبح أيضاً نقطة ضغط حساسة في أي صراع إقليمي. وربما قد يساعد التوصل إلى حلول دائمة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، بما في ذلك دعم عودتهم الآمنة لبلدانهم، في إنهاء أو تخفيف حدة الصراعات الإقليمية على الأراضي اللبنانية. ولا بد من توحيد القرار السياسي وإنهاء الانقسامات التي تعوّق تنفيذ سياسات فاعلة لضبط الحدود. وكل ذلك يحتاج إلى معالجة جذرية وشاملة تتضمن تحسين القدرات الأمنية وتعزيز التعاون الدولي ومعالجة الأزمات المرتبطة باللاجئين، وإلا سيظل لبنان يعاني ضعف سيادته وتداعيات خطرة على استقراره.

لبنان
لبنان
لبنان