اخبار العراق الان

عاجل

مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة

مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة
مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة

2025-01-16 16:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


البابا فرنسيس يزور مستشفى في بانكوك في نوفمبر 2019 (غيتي)

قُبيل أيامٍ من مغادرة منصبه، قام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن بما اعتُبر أحد آخر أعماله في المنصب ومنح وسام الحرية الرئاسي مع مرتبة الشرف للبابا فرنسيس - وهي المرة الأولى التي يمنح فيها بايدن خلال فترته الرئاسية هذا الوسام مع مرتبة "الشرف". وبحسب ما ورد في بيان البيت الأبيض فإن "البابا فرنسيس لا يشبه أي شخص من أسلافه. فهو فوق كل شيء بابا الشعب".

مما لا شك فيه أن البابا لا يشبه أياً من أسلافه، وهذا ما يبدو واضحاً في مذكراته التي تحمل عنوان "الأمل: السيرة الذاتية" Hope: The Autobiography والتي نُشرت بالأمس. حتى أن الكتاب نفسه يُعد الأول من نوعه: فلم يكتب أي بابا على قيد الحياة كتاباً كهذا أثناء وجوده في منصبه. وكان كتاب "يوميات الروح" Journal of Soul للبابا يوحنا الثالث والعشرون، الذي استوحي من مذكراته وملاحظاته، نُشر بعد وفاته عام 1963، بينما صدر كتاب للبابا يوحنا بولس الثاني بعنوان "عبور عتبة الأمل" Crossing The Threshold of Hope انطلاقاً من إجاباته المكتوبة على مقابلة مع إحدى القنوات تم إلغاؤها ولم تُعرض على الهواء.

وبالعودة إلى كتاب "الأمل" فهو كتاب يجمع بين سرد حياة البابا فرنسيس وتأملاته حول الإيمان والحب والفقر والمهاجرين والنساء والمثليين والخلافات في الكنيسة الكاثوليكية بين الليبراليين والكاثوليك التقليديين.

وخلافاً لغالبية المذكرات التي يكتبها سياسيون ونجوم سينما ومدربون في كرة القدم، لا يمكن أن يترافق الكتاب بعبارة "كنت على حق طوال الوقت". فالبابا فرنسيس يعترف ويقر بانتظام بالأخطاء التي ارتكبها ويتحدث عن الأوقات العصيبة التي مر بها. لكنه يبخل بالتفاصيل عندما يتعلق الأمر بالأخطاء التي حصلت في حياته. ومن حسن الحظ ينطوي الكتاب على بعض الاكتشافات الكبرى أيضاً، ولا سيما عن صندوق هائل ومثير للدهشة من الوثائق المرتبطة بالفضائح والتي سلمها إليه سلفه البابا بنديكتوس السادس عشر، وكيف أنقذت أجهزة الأمن البريطانية حياته في العراق.

ولكن أولاً، دعونا نتساءل عما يجعل البابا فرنسيس مختلفاً عن البابوات السابقين؟ إنها قصته الشخصية التي تُثير الإعجاب. فكما يروي في كتابه "الأمل"، ولد خورخي ماريو بيرغوليو (وهو اسمه الحقيقي) عام 1936 في الأرجنتين، وهو ابن عائلة إيطالية مهاجرة كبيرة. نشأ محباً لكرة القدم وعاشقاً للتانغو (يتمتع "بالصلابة والقوة والشخصية والحوار العاطفي والنابع من القلب الذي يتحدر من بعيد، من جذور قديمة").

بعد أن درس الكيمياء، انضم إلى الرهبنة اليسوعية، ثم سمي كاهناً، فأصبح الرئيس الإقليمي للرهبنة في سن مبكرة للغاية، قبل أن يتبوأ منصب رئيس أساقفة بوينس أيرس. وفي الوقت الذي خطط فيه بيرغوليو للتقاعد، شكل البابا بنديكتوس السادس عشر صدمة في العالم عام 2013 وأعلن استقالته - وهو أول بابا يفعل ذلك منذ القرن الخامس عشر. فسافر الكاردينال بيرغوليو آنذاك إلى روما للمشاركة في المجمع الانتخابي لانتخاب خليفة بنديكتوس – وبقية الرواية أصبحت معروفة.

ولا يذكر الكتاب أن بيرغوليو حلّ في المرتبة الثانية في المجمع الكنسي الذي انتخب بنديكتوس السادس عشر عام 2005، لكن على رغم كونه مرشحاً قوياً في عام 2005، يشير البابا في كتابه إلى أنه لم يكن يتوقع أن يتم اختياره من قبل زملائه الكرادلة لقيادة 1.4 مليار عضو في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية عام 2013 لخلافة بنديكتوس. وهذا واضح لأنه وقبل قدومه إلى روما اشترى تذكرة طيران ذهاب وإياب وترك كل متعلقاته الشخصية في بوينس أيرس.

لعله اعتقد آنذاك أن فرصته أتت وذهبت في المرة الأولى. ولكننا بعد ذلك نطّلع على تفاصيل انتخابه، والخمس جولات التي استغرقها للوصول إلى غالبية الثلثين اللازمة لتأمين انتخابه للجلوس على ما يسميه الكاثوليك عرش القديس بطرس.

 

ونقرأ في الكتاب، على لسان البابا نفسه، كيف شعر عندما أدرك أنه أصبح الآن بابا: كان هادئاً وواثقاً تماماً من أنه لا يريد كل تلك البهرجة المحيطة بمنصب البابا. لم يكن يريد ارتداء حذاء أحمر، بل كان يفضل ارتداء حذائه الأسود الطبي. أما في ما يتعلق بالسراويل البيضاء، فاعتبر أنه يبدو فيها شبيهاً ببائع مثلجات لذلك فضل ارتداء السراويل السوداء. كما أنه رفض العيش في الشقة البابوية في القصر الرسولي في الفاتيكان. وأعرب بأنه سيكتفي بغرفة في سانتا مارتا وهو مقر إقامة الضيوف في الفاتيكان. وكتب عن ذلك قائلاً: "أنا سعيد في سانتا مارتا لأن هناك أشخاصاً يحيطون بي".

وتذكر زيارته للبابا بنديكتوس بعد بضعة أيام من انتخابه وكيف سلّمه البابا الفخري صندوقاً أبيض كبيراً. في ذلك الوقت سرت تكهنات بأن الصندوق يحتوي ربما على معلومات تتعلق بفضائح مختلفة، لكن مصدراً أبلغ مراسلي الفاتيكان أن الصندوق كان مليئاً برسائل البريد الإلكتروني ومواد أخرى.

ولكن في كتاب المذكرات، يستذكر البابا فرنسيس بأن سلفه بنديكتوس قال له "كل شيء موجود هنا". ثم كتب فرنسيس بأن الصندوق كان يحتوي على "وثائق تتعلق بأصعب المواقف وأكثرها إيلاماً: حالات الإساءة والاعتداءات والفساد والصفقات المظلمة والمخالفات". لكنه يترك القارئ في حيرة من أمره من دون الكشف عن المزيد من المعلومات حول ماهية تلك الفضائح.

ولعله من المؤكد أن من بين تلك المستندات، وثائق عن الكاردينال ثيودور ماكاريك، الذي كان في فترةٍ ما يشغل منصب رئيس أساقفة واشنطن، والذي اتُهم بسوء السلوك الجنسي مع طلاب اللاهوت الشباب، ووجهت اتهامات وادعاءات إلى الفاتيكان بشأنه في عدة مناسبات. وعلى رغم ذلك، قال البابا فرنسيس إنه لم يكن على علم بسلوكه الشائن حتى عام 2018، حيث استقال ماكاريك في ذلك العام وتم تجريده من الكهنوت في عام 2019. ولكن في الكتاب، لم يأتِ البابا على ذكره إلا بشكلٍ مقتضب على رغم أنها كانت واحدة من أعظم الفضائح التي شهدتها الكنيسة في الآونة الأخيرة.

 

وفي هذا الإطار أيضاً، كانت هنالك قصص أخرى أكثر شخصية لم يتم التطرق إليها بالتفصيل أو شرحها بالكامل. فبعد تعيينه رئيساً إقليمياً للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين في سن السادسة والثلاثين، اختلف فرنسيس لاحقاً مع اليسوعيين. وكان آنذاك رجلاً متشدداً ومحافظاً إلى حد ما، فـ"نفته" القيادة العالمية للرهبنة إلى قرطبة ثاني أكبر مدينة في الأرجنتين، حيث كان مسموحاً له فقط سماع الاعترافات من دون الاحتفال بالقداس في كنيسة الرهبنة اليسوعية المحلية.

ولكن بعد عامين من "النفي" والإبعاد عاد إلى بوينس أيرس رجلاً آخر وأصبح أكثر مرونة وتفهماً وتعاطفاً. ما الذي حدث في قرطبة لإحداث هذا التحول الكبير؟ يبقى الأمر غير مذكور بالتفصيل.

وكذلك لم يتم الكشف بالتفصيل عما حدث مع اثنين من الكهنة اليسوعيين، أورلاندو يوريو وفرانز جاليكس، اللذين اعتقلتهما المجموعة العسكرية التي كانت حاكمة في الأرجنتين واحتجزتهما لمدة خمسة أشهر تقريباً. اتُهِم البابا فرنسيس في عدة مناسبات بأنه فشل في بذل ما يكفي من الجهد لمساعدتهما.  وفي هذا السياق يقول: "بذلت كل ما في وسعي وحاولت كل شيء"، ولكنه لم يوضح ما الذي كان يعنيه بكل شيء.

ومع ذلك، يمكن للمرء أن يستشعر مدى صعوبة الأوضاع في الأرجنتين في الماضي، حيث عانت إحدى معلمات البابا نفسها من انتهاكات المجلس العسكري. يكشف البابا أنه في إحدى المرات خبأ مجموعتها من الكتب الماركسية والكتب الراديكالية الأخرى في مكتبة يسوعية.

بطبيعة الحال يشكل العنف مصدر قلقٍ دائم لزعماء العالم، ويكون الأمن المحيط بالبابا مشدداً ــ خصوصاً أن البابا يوحنا بولس الثاني كان محظوظاً بالنجاة من محاولة اغتيال عام 1981.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي سياقٍ متصل، أفشى البابا فرنسيس أن أجهزة الأمن البريطانية هي التي كشفت عام 2021 عن مخطط لاغتياله خلال زيارة للعراق. حينها، أبلغت الاستخبارات البريطانية الشرطة العراقية أن امرأة ترتدي متفجرات كانت متجهة إلى الموصل وكانت تخطط لتفجير نفسها أثناء الزيارة البابوية.

وكتب بأن "شاحنة كانت متجهة إلى هناك بسرعة للغاية نفسها"، وقيل له في وقت لاحق إنه تم التعامل مع المسألتين وإحباطهما.

وإضافة إلى تسليط الضوء على الأخطار التي تكبدها البابا فرنسيس ــ إذ إنه قصد أماكن خطيرة أخرى في حياته ــ يكشف الحادث عن لحظة مهمة من التعاون بين الفاتيكان والمملكة المتحدة وهي لحظة مختلفة إلى حد كبير عن الأوقات السابقة ــ التي لم يرد ذكرها في مذكرات "الأمل" ــ عندما احتفل البابا بصفته الكاردينال خورخي بيرغوليو من بوينس أيرس بقداس الذكرى الثالثة عشرة لإحياء ذكرى نهاية حرب فوكلاند. في تلك المناسبة حث المؤمنين على "الصلاة من أجل أولئك الذين سقطوا، أبناء الوطن الذين خرجوا للدفاع عن الوطن، للمطالبة بما اغتصبه البريطانيون".

ولم يتطرق الكتاب أيضاً إلى ناقوس الخطر الذي أثاره انتخاب بيرغوليو والذي دفع الحكومة البريطانية إلى إرسال سفير المملكة المتحدة لدى الكرسي الرسولي لزيارة سكرتير دولة الفاتيكان والتأكيد على أن جزر فوكلاند ــ أو مالفيناس كما أطلق عليها البابا الأرجنتيني ــ هي بريطانية.

ويبدو أن الرسالة وصلت، على رغم أن فرنسيس ليس دبلوماسياً في أحيانٍ كثيرة. فلنتوقع إذاً بعض الرسائل القاسية بعد مغادرة بايدن ليحل دونالد ترمب مكانه في الرئاسة، ولا سيما بشأن المهاجرين والجدار الفاصل – فضلاً عن التهديد الذي يتعرض له خلق الله جراء تغير المناخ وهو الموضوع المفضل لدى البابا فرنسيس.

 

كاثرين بيبنستر هي كاتبة في مجال الدين ورئيسة تحرير مجلة "ذا تابليت"  The Tablet الكاثوليكية الأسبوعية.

مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة
مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة
مذكرات البابا فرنسيس تتجاهل أهم فضيحة ضربت الكنيسة