الساحل السوري في عين العاصفة

عناصر من قوات الأمن السورية أثناء توجهها إلى اللاذقية (رويترز)
بعد ظهر أمس الخميس، انشغلت قوات الأمن العام السورية بتتبع شخصيات عسكرية من فلول النظام السابق، وأثناء مغادرتهم تعرضت هذه القوة العسكرية من قرية بيت عانا في ريف اللاذقية، غرب سوريا، لهجوم عنيف بعد كمين محكم، أودى بحياة قرابة 16 عنصراً من القوات الأمنية، وإلى اندلاع اشتباكات واسعة امتدت إلى المناطق المحيطة.
بهذا المشهد بدأت شرارة المواجهة العسكرية بين ما يطلق عليهم "فلول النظام" السابق التي رفعت السلاح في الساحل السوري (طرطوس واللاذقية) غرب البلاد، وهي معقل رئيس النظام السابق بشار الأسد.
في الأثناء، عاشت مدينة اللاذقية ليلة دامية، ولم يغمض لأهلها عين، وهم يراقبون التطورات المخيفة التي تحدث في محافظتهم حيث يتوارى في جبالها الساحلية مجموعات واسعة من قيادات وعناصر أمنية وعسكرية سابقة مطلوبة للإدارة الجديدة على خلفية جرائم حرب ارتكبت منذ العام 2011، منذ اندلاع الثورة السورية حتى الثامن من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2024، ليلة سقوط النظام. وتقول مصادر أمنية خاصة "تضم غرفة العمليات العسكرية التي تقاتل اليوم أسماء لشخصيات أجرت عمليات تسوية، ورفعت السلاح بدعم خارجي من أبرزها إيران".
مشهد ميداني معقد
من جهة مقابلة، كشفت إدارة الأمن العام بعد هذه التطورات القبض على اللواء ورئيس إدارة المخابرات الجوية السابق في نظام الأسد، إبراهيم حويجة، وذلك في مدينة جبلة بعد رصد تحركاته، وبحسب الأمن العام فهو متهم بالإشراف على مئات الاغتيالات خلال فترة حكم حافظ الأسد (1970 ـ 2000)، ومن أبرزها اغتيال كمال جنبلاط.
إزاء هذا المشهد الميداني المعقد، ووسط غياب معلومات دقيقة تدور اشتباكات للسيطرة على الكلية البحرية، ذكر مصدر ميداني في حديث خاص عن تجمع أرتال ووصول تعزيزات في حمص المدينة القريبة من الساحل إضافة لتعزيزات من أرياف محافظة حلب وإدلب ومدينة حماة للمشاركة في العملية العسكرية التي أطلقتها غرفة العمليات العسكرية وسط قرار اتخذ بالقضاء على أفراد وقيادات الجيش والأمن في نظام الأسد ممن رفض إلقاء السلاح.
استنفار أمني واسع
بالتوازي تشير المعلومات الواردة عن استنفار أمني واسع لوحدات الحماية الشعبية في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، شمال سوريا مع نصب حواجز على دوار "الليرمون" وهي المنطقة التي تفصل مناطق قسد عن مناطق السيطرة الحكومية، مع تقاطر أرتال عسكرية من أرياف دير الزور للمشاركة في العملية العسكرية في اللاذقية، واستنفرت فصائل عسكرية لحماية الحدود الفاصلة من الجانب العراقي، مع أنباء عن تحرك تعزيزات من الجيش التركي، وأدت تطورات الأحداث المتسارعة إلى دفع قوات "جيش سوريا الحرة" بدوريات مكثفة على طول الحدود مع العراق في مناطق عملياتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالمقابل حثت وزارة الداخلية جميع المدنيين على الابتعاد عن مناطق العمليات العسكرية والأمنية، وترك المهمة للقوات المختصة من الجيش، والأمن العام، وأضافت في بيان لها "وجهنا كافة الوحدات العسكرية والأمنية بالالتزام الصارم بالإجراءات والقوانين المقررة، ونحن اليوم على أعتاب مرحلة حاسمة تتطلب وعياً وانضباطاً لا يقبلان المساومة".
يأتي ذلك بعد التصعيد الخطير من قبل المجموعات المسلحة التي توصف بـ "فلول النظام" وهجمات على مجموعات الأمن العام عبر كمائن في قرى "بيت عانا، والدالية" بمنطقة جبلة في ريف اللاذقية وسط تحليق مروحيات عسكرية لتمشيط المنطقة، وأعلن مدير أمن اللاذقية، مصطفى كنيفاتي بأن المجموعات المسلحة تتبع بشكل مباشر لما وصفه "مجرم الحرب" سهيل الحسن (عميد قائد للفرقة 25 مهام خاصة في الجيش النظام السابق قبل سقوطه).
"حرب طائفية"
في المقابل، يجزم الباحث السياسي في الشأن السوري، محمد هويدي في حديثه لـ "اندبندنت عربية" أن ما يحدث هو عبارة عن "بداية الحرب الطائفية"، والتي تأتي حسب وصفه بعد تحذيرات كثيرة من السوريين نتيجة أخطاء وانتهاكات وإعدامات ميدانية، علاوة عن عدم ضبط الحالة الأمنية، مع غياب رؤية واضحة تضم كافة السوريين لفتح صفحة جديدة ومصالحة وطنية وهذا كله ما قاد لهذا الصراع.
وأضاف: "هذا ما نراه عمل منسق ويقوده قادة من الجيش السوري السابق، وربما تتطور الأوضاع، في وقت غير قادرة الإدارة الجديدة على ضبطه".
ويعتقد هويدي أن البلاد أمام حرب طائفة وتحشيد طائفي، ومرحلة جديدة بالصراع السوري وحرب أهلية (سنية ـ علوية) وهي الحرب القادمة وفق رأيه "لا يمكن إنكار ذلك والنقطة المهمة أن مشهد الساحل والإعلان عن مجلس عسكري بالساحل، وأيضاً رفع علم إسرائيل في السويداء والتوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحماية الأقليات، تشير إلى أننا في طريقنا للتقسيم ونسير بهذا الاتجاه نحو الحرب الأهلية، وبعدها فرض حالة تقسيم، لقد قرأنا ذلك منذ اليوم الأول".
خارجياً، تتابع الدول الإقليمية والغرب هذه التطورات بقلق، حيث يرى عضو الكونغرس الأميركي، جو ويلسون، أن عودة رئيس النظام السابق، بشار الأسد، واستعادته للحكم تشكل تهديداً، واصفاً إياه بالسفاح. وأضاف أن الأسد "مختبئ حالياً في موسكو ويتلقى دعماً روسياً، بينما تحض إيران الشعب السوري على التمرد". وأشار في تصريحاته إلى أن "إيران وروسيا تعملان معاً على زعزعة أمن سوريا، ونحن بحاجة لطرد إيران وروسيا من سوريا نهائياً".
حالة استياء
كان المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا قد طلب "إعلاء صوت الحق في وجه الظلم عبر التظاهر بقوة لكن بحكمة"، ورفع الشعارات الوطنية، وعدم المساس بالممتلكات العامة في كل من طرطوس واللاذقية، اللتين يتوزع فيهما قرى وبلدات من أبناء الطائفة العلوية.
وشهدت هذه المناطق تسريحاً واسعاً للمتطوعين في الجيش والأمن، بالإضافة إلى موظفين في الدوائر الحكومية، مما أدى إلى حالة استياء واسعة بعد ثلاثة أشهر من سقوط النظام. ويقول الموظف السابق في اللاذقية، ياسر داود: "نتفهم تسريح الجنود والشرطة والأمن، على رغم أنه يمكن الإبقاء على كثير منهم ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، لكن كمية التسريحات بين الموظفين زادت على العائلات في الساحل عبئاً مادياً إضافياً فاق التصور، هناك ضائقة مادية غير مقبولة".
بروز اسم جديد
في معارك ليلة السابع من مارس (آذار)، برز اسم جديد "غيث دلة"، وهو قائد عسكري سابق في جيش النظام السابق، وتزعمه قيادة ما وصف بـ "مجلس المقاومة" في الساحل مع أسماء شخصيات عسكرية قد خدموا في الفرقة الرابعة التابعة مباشرة لماهر الأسد.
وجاء في بيان إنشاء "المجلس العسكري لتحرير سوريا" مجموعة من الأهداف، من بينها "إسقاط النظام القائم وتفكيك أجهزته القمعية الطائفية، إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس وطنية وديمقراطية، وإقامة دولة سورية موحدة ذات سيادة تحترم حقوق الإنسان، وتضمن العدالة والمساواة لجميع أبنائها".
وقفات شعبية
إلى ذلك، عمت شوارع المدن السورية ليل الخميس، وبعد ساعات من حدوث الاشتباك العسكري، وقفات شعبية في دمشق وحلب وإدلب وحماة ودير الزور ودرعا والقنيطرة، تنادي بوحدة الأراضي السورية والشعب السوري، وتدعم قوات الأمن العام.
وتأتي هذه التحركات للمجموعات التابعة للنظام السابق مع اقتراب ذكرى الثورة السورية التي اندلعت بعد حراك شعبي عام 2011، مطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد (2000 ـ 2024)، وبعد فترة حكم عائلة الأسد للبلاد لمدة نصف قرن حيث تطورت الأحداث من الاحتجاجات السلمية إلى الاشتباك المسلح، ومن ثم معارك واسعة استدعت تدخلاً أجنبياً، منها أميركا وروسيا وتركيا، فضلاً عن فصائل إسلامية متشددة.