اخبار العراق الان

عاجل

ترمب يخرس "أصوات الحرية" الأميركية

ترمب يخرس
ترمب يخرس "أصوات الحرية" الأميركية

2025-03-18 17:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


وقف تمويل إذاعة راديو أوروبا الحرة-راديو الحرية (رويترز)

في قرار عده بعضهم نهاية لقوة أميركا الناعمة، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً يستهدف تمويل "الوكالة الأميركية للإعلام العالمي" التي تدير عدداً من كبرى وسائل الإعلام الأميركية في الداخل والخارج، بما في ذلك إذاعة "صوت أميركا" و"إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية" وإذاعة "آسيا الحرة"، والتي لعبت دوراً تاريخياً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى "شبكة الشرق الأوسط للبث" والتي تدير "قناة الحرة" ومنصاتها الرقمية. 

وبدأت إدارة ترمب أمس الأحد عمليات تسريح جماعي للموظفين في إذاعة "صوت أميركا" وغيرها من وسائل الإعلام الممولة أميركياً، موضحة نيتها تقليص عدد المؤسسات الإعلامية التي كثيراً ما اُعتبرت بالغة الأهمية للنفوذ الأميركي، وبعد يوم واحد فقط من منح جميع العاملين إجازة، تلقى الموظفون الذين يعملون بموجب العقود بريداً إلكترونيا يُبلغهم بإنهاء خدماتهم بحلول نهاية مارس (آذار) الجاري. 

ويشكل المتعاقدون جزءاً كبيراً من القوى العاملة في إذاعة صوت أميركا، ويهيمنون على أعداد الموظفين في الخدمات غير الناطقة باللغة الإنجليزية، على رغم عدم توافر بيانات حديثة، إضافة إلى أن عدداً من المتعاقدين ليسوا مواطنين أميركيين، مما يعني أنهم يعتمدون على الأرجح على وظائفهم للحصول على تأشيرات الإقامة داخل الولايات المتحدة.

و تبث إذاعة "صوت أميركا" التي تأسست خلال الحرب العالمية الثانية حول العالم بـ 49 لغة بغية الوصول إلى الدول التي تفتقر إلى حرية الإعلام، وفي حين لم يُفصل موظفو "صوت أميركا" ممن هم بدوام كامل ويتمتعون بحماية قانونية أكبر، لكنهم ما زالوا في إجازة إدارية وقد طُلب منهم التوقف عن العمل.

وقد أدت هذه الخفوض الجذرية إلى تجميد "إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية"، التي تأسست خلال الحرب الباردة للوصول إلى الكتلة السوفياتية السابقة، وإذاعة "آسيا الحرة" التي أنشئت لتقديم تقارير صحافية موجهه للجماهير في الصين وكوريا الشمالية ودول آسيوية أخرى تفرض قيوداً شديدة على وسائل الإعلام.

مكافحة الشيوعية

ولعبت "إذاعة أوروبا الحرة" و"راديو الحرية" اللذان اندمجا عام 1976 دوراً حيوياً في مكافحة الشيوعية من خلال بثّ الأخبار والتقارير من ميونيخ إلى دول الستار الحديدي خلال حرب الباردة، وعلى رغم التشويش والأعمال التخريبية وحتى معارضة بعض أعضاء الكونغرس، فقد استمر بث "إذاعة أوروبا الحرة" و"راديو الحرية" لأخبار غير خاضعة للرقابة منذ أوائل خمسينيات القرن الماضي، ومع تولي الحكومات الشيوعية زمام الأمور في أوروبا الشرقية أدركت حكومة الولايات المتحدة أن آلاف النازحين نحو أوروبا الغربية يمثلون قوة ضاربة ضد أوطانهم الخاضعة لسيطرة الشيوعيين، فقامت بتجنيدهم ككتاب ومتحدثين وفي مناصب أخرى لتسهيل عودة الحكومات الديمقراطية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق "معهد هوفر للأبحاث" في واشنطن فقد طلب الدبلوماسي الأميركي المسؤول عن سياسة الاحتواء جورج كينان تجنيد مدنيين مرموقين لقيادة منظمة مناهضة للشيوعية تعمل على إعادة الديمقراطية إلى أوروبا الشرقية، عبر الاستفادة من مواهب اللاجئين، وتأسست هذه المنظمة باسم "اللجنة الوطنية لأوروبا الحرة" (NCFE) والتي سُميت لاحقاً عام 1949"لجنة أوروبا الحرة" لتحقيق أهداف عدة، ومنها توفير فرص عمل للمهاجرين الديمقراطيين من أوروبا الشرقية وبث أصوات المهاجرين بلغاتهم الأصلية ونقل مقالاتهم وتصريحاتهم إلى أوطانهم عبر الصحافة، ​​وقد تحققت هذه الأهداف من خلال إنشاء قسم للنشر باسم "صحافة أوروبا الحرة"، وقسم للبث الإذاعي باسم "إذاعة أوروبا الحرة".

"الحملة الصليبية من أجل الحرية"

بدأت إذاعة أوروبا الحرة بثها إلى بلغاريا وتشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا ورومانيا، وفي عام 1953 بدأت "إذاعة الحرية" البث إلى الاتحاد السوفياتي باللغة الروسية و17 لغة وطنية أخرى، وتولى الكونغرس تمويل الإذاعتين عبر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) حتى عام 1972، كما تلقت "إذاعة أوروبا الحرة" تبرعات خاصة إضافية من خلال "الحملة الصليبية من أجل الحرية" والتي قادها الرئيس الأميركي هاري ترومان وجمع خلالها نحو 1.3 مليون دولار. 

وقد وفرت "إذاعة أوروبا الحرة" و"إذاعة الحرية" ما عُرف لاحقاً باسم "البث البديل"، وهو ما تصفه الإذاعة على موقعها الإلكتروني بأنه "بديل محايد ومهني لوسائل الإعلام الحرة التي افتقرت إليها دول ما وراء الستار الحديدي"، فأنتجت الإذاعات برامج تركز على الأخبار المحلية التي لا تغطيها وسائل الإعلام الحكومية، إضافة إلى الدين والعلوم والرياضة والأدب والموسيقى، وأُنتجت البرامج بصورة رئيسة داخل مقر الإذاعات في ميونيخ، وبُثت على أجهزة إرسال الموجات القصيرة والموجات الإعلامية من ألمانيا وإسبانيا والبرتغال، وحتى أوائل سبعينيات القرن الماضي من تايوان.

ومع اقتراب انهيار الشيوعية خلال الثمانينيات ظن بعضهم أن "إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية" قد أنجزت مهمتها ويمكن حلها، لكن المسؤولين في جميع أنحاء أوروبا وروسيا رأوا حاجة مستمرة إلى البث الموضوعي الذي قدمته الإذاعة خلال فترات التحول الديمقراطي، وابتداء من عام 1989 أنشأت "إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية" مكاتب محلية في جميع أنحاء منطقة تغطيتها لدعم الدول المستقلة حديثاً، ووفق الموقع الإلكتروني للإذاعة فقد أسهم صحافيو "إذاعة أوروبا الحرة" في تدريب جيل جديد من الصحافيين المحليين داخل تلك الدول. 

ضربة قاصمة

ويقول مراقبون إ ن قرار غلق تلك المنافذ الإعلامية يُمثل ضربة قاصمة لركيزة أساس من ركائز نظام ما بعد الحرب الباردة، والتي حظيت بدعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لفترة طويلة، وقال الرئيس والمدير التنفيذي لإذاعة "راديو أوروبا الحرة" ستيفن كابيوس في بيان "إن إلغاء اتفاق منحة 'إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية' سيكون بمثابة هدية عظيمة لأعداء أميركا".

أما الرئيس التنفيذي السابق لـ "إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية" والمستشار الدولي في أخلاقيات الإعلام، توماس كينت، فقال إن نيات ترمب تجاه الوكالات لا تزال غامضة، مضيفاً أنه "من دون هذه المصادر الإخبارية فسيكون من الصعب بكثير على البلاد إيصال رسائلها إلى العالم، ومن دون البث الدولي فستكون صورة الولايات المتحدة وإدارة ترمب في أيدي الآخرين، بمن فيهم معارضو الإدارة والدول والأشخاص الذين يعتبرون الولايات المتحدة عدواً".

وأشار آخرون إلى أن قرار ترمب يأتي في وقت تستثمر الصين وروسيا بكثافة في وسائل الإعلام الحكومية لمنافسة الروايات الغربية، فغالباً ما تقدم الصين محتوى مجانياً لوسائل الإعلام في العالم النامي، وفي افتتاحيتها حول إغلاق إذاعة "صوت أميركا" قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الحكومية إن "احتكار بعض وسائل الإعلام الغربية التقليدية للمعلومات يتحطم"، مضيفة أنه "مع بدء مزيد من الأميركيين في الخروج من شرانقهم المعلوماتية ورؤية عالم حقيقي وصين متعددة الأبعاد، فإن الروايات الشيطانية التي تروجها 'إذاعة صوت أميركا' ستصبح في نهاية المطاف مادة للسخرية في ذلك العصر".

صوت الحرية لمن يعيشون في استبداد

وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن جمهورية التشيك تسعى إلى الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي لاستمرار عمل "إذاعة أوروبا الحرة - راديو الحرية" بعد أن خفضت إدارة ترمب تمويلها للمحطة العالمية، وصرح وزير الخارجية يان ليبافسكي بأن إذاعة أوروبا الحرة" ومقرها براغ من المصادر القليلة الموثوقة في الأنظمة الديكتاتورية، مثل إيران وبيلاروسيا وأفغانستان.

ويشمل الإغلاق أيضاً "راديو فردا"، وهي محطة إذاعية ناطقة بالفارسية حظرتها الحكومة الإيرانية، و"قناة الحرة" وهي شبكة ناطقة بالعربية تأسست بعد غزو العراق، وقال البيت الأبيض في بيان أول من أمس السبت إن "دافعي الضرائب لم يعودوا مسؤولين عن الدعاية المتطرفة"، فكثيراً ما أثار ترمب الانتقادات والاتهامات لوسائل الإعلام الأميركية باعتبارها مناوئة له، وقد شكك في جدوى تمويل إذاعة "صوت أميركا" في ظل وجود جدار حماية يضمن استقلاليتها التحريرية.

أما مدير إذاعة "صوت أميركا" مايكل أبراموفيتز فكتب في بيان أنه "للمرة الأولى منذ 83 عاماً تُسكت إذاعة صوت أميركا العريقة"، مضيفاً أن "إذاعة 'صوت أميركا' تعزز الحرية والديمقراطية حول العالم من خلال نقل قصة أميركا وتقديم أخبار ومعلومات موضوعية ومتوازنة، ولا سيما لمن يعيشون في ظل الاستبداد"، ومشيراً إلى أن جميع موظفي الإذاعة البالغ عددهم 1300 موظف أُوقفوا عن العمل.

من جهتها أعلنت منظمة "مراسلون بلا حدود" المدافعة عن الصحافة أنها "تدين هذا القرار باعتباره خروجاً عن دور الولايات المتحدة التاريخي كمدافع عن حرية الإعلام، وتدعو الحكومة الأميركية إلى إعادة 'إذاعة صوت أميركا'، وتحث الكونغرس والمجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضد هذه الخطوة غير المسبوقة".

وحتى السنة المالية 2023 كان لدى الوكالة الأميركية للإعلام العالمي 3384 موظفاً، وقد طلبت 950 مليون دولار كتمويل للسنة المالية الحالية، ويشمل أمر ترمب خفض التمويل أيضاً عدداً من الوكالات الحكومية الأخرى، مثل "مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين" و"المجلس الأميركي المشترك بين الوكالات" المعني بالتشرد، و"صندوق المؤسسات المالية لتنمية المجتمع".

ترمب يخرس
ترمب يخرس