اخبار العراق الان

عاجل

لعبة الشرق الأوسط في حرب غزة

لعبة الشرق الأوسط في حرب غزة
لعبة الشرق الأوسط في حرب غزة

2025-03-22 03:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


فلسطينيون أثناء فرارهم من شمال قطاع غزة باتجاه الجنوب، في 20 مارس 2025 (أ ف ب)

حرب إسرائيل مستمرة في غزة ولبنان والضفة الغربية وسوريا، بصرف النظر عن اتفاقات وقف النار وأوسلو وسقوط نظام الأسد. ليس استئناف الحرب الإبادية على غزة في رمضان مجرد رد على التعثر في المفاوضات الدائرة بوساطة أميركية ومصرية وقطرية. فلا هي فقط حرب نتنياهو انطلاقاً من أهدافه الشخصية والسياسية بل أيضاً حرب اليمين الإسرائيلي المتطرف جداً، الذي يرى "فرصة تاريخية" لتحقيق حلم جابوتنسكي وشطب المسألة الفلسطينية. ولا هي حرب إسرائيل وحدها، إذ اللعبة في يد أميركا برئاسة دونالد ترمب. وإذا كانت الصواريخ تسقط على أهل غزة، فإن ما على المحك في الميدان هو اللعبة الكبيرة في الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط الذي "لم يعد العالم العربي وإسرائيل وتركيا وإيران كما هو على خرائط الجامعات والخارجية الأميركية والعواصم الأوروبية"، كما كتب البروفيسور مارك لينش المتخصص في مجال العلوم السياسية والقضايا الدولية في جامعة جورج واشنطن، في مقال تحت عنوان "نهاية الشرق الأوسط". فـ"خريطة القيادة المركزية أكبر من خريطة الخارجية، إذ تشمل أيضاً أفغانستان وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وباكستان والصومال".

وهذه بالطبع أكبر من طموحات إسرائيل وأقل من طموحات أميركا، وفي الحالين أكبر بكثير من قدرات واشنطن وتل أبيب على التحقيق والعبور إلى الشاطئ الآخر، ذلك أن نتنياهو يجدد في "ملحق" حرب غزة الأهداف التي حددها في بداية الحرب "تحرير الرهائن والقضاء على ’حماس‘ وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل"، وهي أهداف لم يحققها الجيش الإسرائيلي كلية على مدى 15 شهراً من الحرب.

والفشل الكبير في غزة ولبنان هو لاستراتيجية "الردع" ثم ما سمي "الردع التراكمي"، بحيث لجأ الجيش إلى "العمل الاستباقي". وهذا ما يفعله في غزة والضفة ولبنان وسوريا لجهة توسيع مناطق الاحتلال واختراع "مناطق عازلة" لتجنب تكرار الزلزال الذي أحدثته في إسرائيل عملية "طوفان الأقصى"، لكن هذا ليس سوى جزء من الأهداف التي تتمثل في إقامة إسرائيل الكبرى الشريكة مع أميركا في الهيمنة على الشرق الأوسط، الذي قال نتنياهو عنه بعد حرب غزة ولبنان وانحسار النفوذ الإيراني وسقوط النظام السوري "غيرنا الشرق الأوسط"، ولكن السؤال هو أي تغيير وإلى أين بين الخيارات الخطرة؟

وما أكثر المحاولات التي حملت طموحاً إلى "شرق أوسط جديد"، وكلما ظهرت طبعة من شرق أوسط جديد بدا الشرق الأوسط القديم أطول عمراً وأكثر ثباتاً. شمعون بيريس دعا في أواخر القرن الماضي إلى "شرق أوسط جديد" يتشارك فيه "المال العربي والعقل الإسرائيلي" لكنه كان حلماً سوريالياً.

الرئيس جورج بوش الأب تحدث بعد حرب "عاصفة الصحراء" عن "نظام عالمي جديد"، وفتح الباب في مؤتمر مدريد للمفاوضات على تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. الرئيس بوش الابن اندفع مع المحافظين الجدد في غزو أفغانستان والعراق، ثم جاءت على ساعته حرب 2006 بين إسرائيل و"حزب الله"، فتحدثت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عن "الشرق الأوسط الواسع" المبني على استخدام القوة، وهو ما فشل بالطبع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الرئيس باراك أوباما حاول توظيف ثورات ما سمي "الربيع العربي" في تخفيف أحماله داخل الشرق الأوسط ليتفرع إلى "المحور" في الشرق الأقصى حيث الثروة والقوة، فدعم الإسلام السياسي الممثل بجماعة "الإخوان المسلمين" للوصول إلى السلطة في ليبيا وتونس ومصر، ولمحاولة ذلك في سوريا على أن يكون قائد السنة هو الرئيس رجب طيب أردوغان. وكان تصوره للشرق الأوسط هو دعم التوازن في القوى بين قوة سنية بقيادة تركيا وقوة شيعية بقيادة إيران. لا بل تحدث بصراحة عن تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بين طهران وعواصم عربية، والنتيجة فشل وكارثة.

الرئيس جو بايدن حاول إمساك العصا من وسطها، فلم يمنع نتنياهو من التوحش في حرب غزة ولا فتح ملف التسوية بين سوريا وإسرائيل، ولا تمكن من دفع "حل الدولتين" إلى الأمام. والرئيس دونالد ترمب في الولاية الأولى ركز على شرق أوسط اقتصادي، عبر "صفقة القرن" التي ولدت ميتة، ثم من خلال "اتفاقات أبراهام" بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية والبحرين والمغرب والسودان. أما في الولاية الثانية الحالية، فإنه يرى إسرائيل ضيقة جغرافياً وتحتاج إلى أرض في سوريا إلى جانب الجولان وفي الجنوب اللبناني، كما في الضفة الغربية وغزة. أما الدولة الفلسطينية فلم تعد على أجندته، ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون دولة فلسطينية.

في المقابل، فإن المرشد الإيراني علي خامنئي تحدث عن "شرق أوسط إسلامي" بقيادة إيران بالطبع. وهو كسب مزيداً من النفوذ عبر قيام أميركا بإسقاط نظام عدوه صدام حسين، كما عبر الفصائل الأيديولوجية المسلحة التي أسسها في العراق وسوريا ولبنان ودعمها في غزة واليمن، لكن المشروع الإقليمي الإيراني انتقل من حال المد إلى حال الجزر والسؤال في أميركا وإسرائيل ليس عن ضرب الفصائل المرتبطة بالحرس الثوري، فهذا أمر اليوم، بل عن مصير النظام الإيراني نفسه.

وليس من السهل على أردوغان الذي ربح "الحرب" في سوريا أن يمد ظله على شرق أوسط "عثماني جديد". أما ترمب الذي يريد تغيير الشرق الأوسط ومناطق أخرى وضم كندا وقناة بنما وجزيرة غرينلاند بالقوة، فإن الدرس مكتوب أمامه على الجدار منذ بوش الابن وغزو العراق ودعوة المحافظين الجدد إلى إسقاط ستة أنظمة عربية، وما انتهت إليه المغامرة. وأما السباق إلى الشرق الأوسط أو الصراع فيه وعليه، فإنه لعبة أميركا وروسيا والصين من على القمة، وتركيا وإيران وإسرائيل على السفح، لكن العرب هم أصحاب الأرض والمال والقوة الجديدة والقدرة على الانفتاح.

"وفي أي حرب طويلة تتطور أهداف طرفي الحرب" كما تقول المؤرخة الكندية مارغريت ماكيملان.

لعبة الشرق الأوسط في حرب غزة