اخبار العراق الان

بين التمرد المدعوم والفرص الضائعة... 4 حقائق تاريخية عن بلوشستان

بين التمرد المدعوم والفرص الضائعة... 4 حقائق تاريخية عن بلوشستان
بين التمرد المدعوم والفرص الضائعة... 4 حقائق تاريخية عن بلوشستان

2025-03-27 09:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


ضابط في الجيش الباكستاني أمام المخبأ الجبلي المنهار الذي قتل فيه زعيم القبائل المتمردة أكبر بوغتي ورفاقه إثر غارة جوية عسكرية (أ ف ب)

تعد منطقة "مهر غره" على ضفاف نهر بولان مصدر الحضارة السندية قبل تسعة آلاف عام، وهي أقدم حضارات الهند وباكستان. ومن المثير للدهشة أن حركات التمرد البلوشية بعد استقلال باكستان تمركزت أيضاً حول هذه المنطقة، وتنتمي قبائل "المري" و"البوغتي" التي تتصدر هذه الحركات إلى "مهر غره".

موجة التمرد الحالية التي تستمر منذ عام 2004 هي الخامسة خلال 78 عاماً، ويمكن وصفها بأنها الأطول والأعنف في تاريخ بلوشستان، لكن المفارقة أن قيادات التمرد التي تشرف على العمليات المسلحة ضد الحكومة ومسؤولي الحكومة ينتمون عادة إلى القبيلة نفسها، وتعود جذور هذا التناقض إلى تاريخ المجتمع القبلي البلوشي.

ومنذ استقلال باكستان مرت بلوشستان بمراحل عدة من انضمامها لباكستان إلى وجود مصالح أجنبية في الإقليم، وتدخل القوى الخارجية فيه شكل معالم الصراع مما زاد من تعقيد القضية، لتنعكس أعمال عنف دامية نراها اليوم.

أفغانستان تؤوي أول متمرد ضد باكستان

عندما قدمت بريطانيا خطة تقسيم الهند وحددت المناطق التي ستشكل كلاً من الهند وباكستان خلال الثالث من يونيو (حزيران) 1947، اعترض وزير الخارجية الأفغاني عليها وادعى أحقية أفغانستان في بعض مناطق خيبر بختونخوا وبلوشستان، مطالباً بأن هذه المناطق ينبغي أن تنضم لأفغانستان كما كانت قبل الحرب الإنجليزية الأفغانية، إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض ليس من بريطانيا وحسب، بل من القيادات الهندية أيضاً. وانضمت بلوشستان إلى باكستان بعد توقيع والي قلات على وثيقة الانضمام، لكن أخاه الأمير عبدالكريم والي مكران خالف قرار أخيه وفر إلى أفغانستان خلال يوليو (تموز) 1948 ليشن من هناك عمليات عسكرية ضد باكستان.

 


وبعد التقسيم وإنشاء دولة باكستان، كانت أفغانستان الدولة الوحيدة التي صوتت ضد عضوية باكستان في الأمم المتحدة لتكون شرارة التنافر التي لا يزال شعبا البلدين يعانيان عواقبها إلى اليوم.

ومنذ لجوء الأمير عبدالكريم إلى أفغانستان تدعم الحكومات الأفغانية الانفصاليين البلوش والبشتون، مما دفع باكستان لتصبح طرفاً في الصراع الأفغاني عام 1979 وتبدأ في دعم الأفغان في قتالهم ضد كابول.

ويمكن فهم قوة الدعم الأفغاني للتمرد البلوشي ضد باكستان بأن القوات الروسية عندما دخلت أفغانستان كان هناك نحو 40 ألفاً من المتمردين البلوش مع عائلاتهم، حيث كانوا يحصلون أيضاً على أحدث الأسلحة لشن غارات في باكستان، ويشير بعض التقارير إلى أن هذه العناصر كانت تحظى بدعم من الهند لتحقيق أهدافها.

السوفيات يضعون أعينهم على غوادر

الدعم الأفغاني للتمرد لم يكن السبب الوحيد لتدخل باكستان في المواجهة الأفغانية ضد الروس، إذ كانت السلطات الباكستانية تعتقد أن روسيا تسعى للوصول إلى المياه الدافئة على ميناء غوادر في بلوشستان، وأن الزحف الروسي سيصل إلى باكستان إذا لم يوقف في أفغانستان. وعلى رغم وجود معارضين لهذه النظرية الذين يقولون إن النخبة العسكرية في باكستان خلقت هذه المخاوف لتبرير تدخلها في التمرد الأفغاني، وأن روسيا بمساحاتها الواسعة وسواحلها لا تحتاج إلى ميناء غوادر، إلا أن كتاباً صدر قبل عام عن حياة مير هزار خان مري أحد قادة التمرد البلوشي، يكشف علاقة روسيا بالقادة البلوش من المتمردين ويوحي أن روسيا كانت تضع عينها على بلوشستان.

ويساعد الكتاب الذي شارك في تأليفه عمار مسعود وخالد فريد على فهم قضية بلوشستان من وجهة نظر المتمردين، إذ ينقل أن مير هزار خان مري كان أحد أبرز زعماء المتمردين البلوش إلى جانب نواب خير بخش مري وشير محمد مري، وكان قائداً للقوات المسلحة المتمردة ضد باكستان لفترة طويلة.

يضيف الكتاب "عندما غزت روسيا أفغانستان لم تقم فقط بتوفير الأسلحة الحديثة للمتمردين البلوش، الذين يعيشون في أفغانستان، بل قامت أيضاً بتوفير المنح الدراسية لأبنائهم في روسيا، وزُوج أبناء عدد من زعماء البلوش من نساء تابعات لوكالة الاستخبارات الروسية أثناء الدراسة في روسيا، وزودت روسيا مير هزار خان مري ونواب خير بخش مري وشير محمد ماري، الذي أصبح يعرف باسم شيروف ماري، بطائرة خاصة وطائرتين مروحيتين لتسهيل نقلهم واجتماعهم مع كبار المسؤولين العسكريين والاستخباريين الروس بصورة دورية، والتقوا خلال اجتماعاتهم بالرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف أيضاً".

وينقل الكتاب قصة مثيرة للاهتمام عن خطة الاستيلاء على مطار كويتا عندما عرض الروس على مير هزار خان مري بأن يستولي على مطار كويتا بمساعدة 2000 جندي مسلح منشقين لتتدخل بعدها القوات الروسية إلى باكستان وتستولي على غوادر، لكن عندما عرض مير هزار خان مري هذا الاقتراح على نواب خير بخش ماري رفض الأخير الخطة، قائلاً "سنحصل على الاستقلال من باكستان لو فعلنا ذلك، لكن كيف سنحصل على الاستقلال من روسيا بعدها؟".

العراق تدخل على الخط

وينقل الكتاب عن مير هزار خان مري قوله إن العراق، أثناء حربه مع إيران، سعى إلى دعم التمرد البلوشي وتوسيعه إلى إيران بعد أن رأى أنشطة المتمردين في بلوشستان الباكستانية. وتنقسم بلوشستان تاريخياً بين ثلاث دول، باكستان وإيران وأفغانستان. ودفعت المصالح الجيوسياسية قادة التمرد البلوشي نواب خير بخش مري وشير باز مري، إلى التوجه إلى العراق ولقاء الرئيس العراقي الذي أكد لهما تقديم الأسلحة والمتفجرات والمساعدة المالية للبلوش من خلال السفارة العراقية لدى باكستان.

وسُربت تفاصيل اللقاء إلى وكالات الاستخبارات الباكستانية، مما أدى إلى وضع السفارة العراقية لدى باكستان تحت مراقبة شديدة من الاستخبارات الباكستانية، وخلال الـ10 من فبراير (شباط) عام 1973 دهمت القوات الباكستانية السفارة العراقية بناء على معلومات استخباراتية، واستولت على شحنة كبيرة من الأسلحة الروسية بما في ذلك 350 مدفعاً رشاشاً روسي الصنع وأكثر من 900 مخزن و40 قنبلة يدوية وأجهزة اتصال لا سلكية بعيدة المدى ومعدات أخرى.

علاوة على ذلك، عثرت القوات الباكستانية على شحنة أسلحة على متن طائرة عراقية متجهة إلى كراتشي. واعترفت الحكومة العراقية آنذاك بوجود الأسلحة، وقالت إنها كانت مخصصة لبلوشستان الإيرانية، في حين اتهمت الحكومة الباكستانية "حزب الوطني الشعبي" الحاكم في بلوشستان آنذاك بالتورط في المؤامرة، واستخدمت ذلك كمبرر لإلغاء الحكومة الإقليمية وحظر الحزب، واتخذت الحكومة الباكستانية موقفاً مفاده بأن الأسلحة كانت مخصصة لحكومة الحزب، وألقت اللوم عليها بقتل أحد الساسة البشتون الكبار في بيشاور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العفو العام للبلوش

إحدى المحطات الرئيسة في تاريخ بلوشستان إعلان العفو العام للبلوش المحاربين الموجودين في أفغانستان والهند ومختلف أنحاء العالم من قبل بينظير بوتو، عندما أصبحت رئيسة للوزراء حتى يتمكنوا من العودة والاندماج في التيار الوطني الرئيس.

ويقول مير هزار خان مري في هذا الصدد إن الرئيس الأفغاني محمد نجيب الله منعه من الاستجابة لطلب بينظير بالعودة إلى باكستان، مؤكداً أن مساعداته ستستمر "لكنني كنت أعلم أن حكومة نجيب الله ستسقط بعد رحيل روسيا، لذلك ذهبت إلى الهند مع زملائي". ويضيف مير "حاولت الهند جاهدة أن تجعلنا نقاتل أكثر لكنني رفضت القتال، وكان للانسحاب الروسي من أفغانستان تأثير عميق في مقاومة بلوشستان، حيث كنا نحلم أثناء وجودها ببلوشستان الكبرى، كمكون جديد يضم المناطق البلوشية في باكستان وإيران وأفغانستان، لكن هذه الخطط ذهبت أدراج الرياح مع رحيل روسيا. وهذا التغيير، رحيل روسيا، كان مفاجئاً لدرجة أننا لم نكن مستعدين له عملياً مما أدى إلى اختلافات بين المتمردين القدامى، وأصبح الحلفاء أمثال نواب خير بخش مري وشروف مري وهزار خان مري الذين أقسموا على الحياة والموت معاً، يشككون في بعضهم بعضاً. وأدرك أولئك الذين قاتلوا ضد باكستان معتمدين على المساعدات الروسية أنهم الآن مضطرون إلى الاستفادة من عرض العفو والعودة إلى وطنهم، والنضال من أجل الحقوق بدلاً من القتال من أجل الاستقلال".

ويقول مير هزار إن قائد الجيش الروسي التقانا على رغم هذه الظروف المريرة وعرض علينا مختلف الأسلحة التي كان يستخدمها الروس في أفغانستان باستثناء السفن الحربية والدبابات، لأنه كان يعلم أن هذه الأسلحة ستقع بعد انسحاب الروس في أيدي المجاهدين، لكن عندما انسحبت قوافل "المري" البلوش من أفغانستان لم تسلب أسلحتهم وحسب، بل حتى مجوهرات نسائهم عند الحدود الباكستانية.

هذه الحقائق المهمة عن بلوشستان يرويها رجل حارب ضد دولة باكستان لمدة نصف قرن تقريباً، إذ أمضى مير هزار خان حياته في الجبال الوعرة داخل بلوشستان، وبعد نضال طويل أدرك أنه يجب أن يناضل ويطالب بحقوقه من داخل الدولة بدلاً من التمرد على النظام.

ألقى مير هزار خان مري سلاحه واتخذ طريق المصالحة مع الدولة قبل أن يتوفى خلال أغسطس (آب) 2021 عن عمر يناهز 80 سنة. ويبقى السؤال كيف ضيعت باكستان هذه الفرصة عندما ألقى الانفصاليون البلوش أسلحتهم ليصبحوا جزءاً من التيار الوطني الرئيس، ولم تحاول استغلالها في حل قضية بلوشستان وتأهيل الإقليم الذي يشتكي الحرمان؟

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

بين التمرد المدعوم والفرص الضائعة... 4 حقائق تاريخية عن بلوشستان
بين التمرد المدعوم والفرص الضائعة... 4 حقائق تاريخية عن بلوشستان