وزراء خارجية "الناتو" يلتقون في بروكسل وسط شكوك حول مستقبل الحلف

تمثل اجتماعات وزراء خارجية دول الناتو الحالية أول فرصة للتشاور الجماعي بين الإدارة الأميركية والحلفاء الأخرين (أ ف ب)
وسط شكوك تحوم حول مستقبل حلف شمال الأطلسي "الناتو" وتصدر ملفات الحرب الروسية- الأوكرانية ونهج الإدارة الأميركية الجديدة مع موسكو، فضلاً عن مطالبة واشنطن الدول الأعضاء لزيادة انفاقها الدفاعي، يلتقي وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي اليوم وغداً (الخميس والجمعة) في العاصمة البلجيكية بروكسل، في أول فرصة للتشاور الجماعي بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظرائه في الحلف.
وستمهد الاجتماعات التي تأتي "في وقت حرج للأمن المشترك حيث تواجه الدول الأعضاء تحديات تفوق قدرة أي دولة على التعامل معها بمفردها"، وفق تعبير الأمين العام للحلف مارك روته، بشكل رئيسي لقمة "الناتو" المرتقبة في مدينة لاهاي الهولندية في نهاية يونيو (حزيران) المقبل "التي ستركز على تعزيز الدفاع الجماعي، مرتكز الحلف الرئيسي وأولويته القصوى"، بحسب تصريحات مسؤولين من "الناتو" ممن تحدثوا للصحافيين.
ويشمل جدول أعمال اجتماعات وزراء خارجية دول الناتو، والذي اطلعت عليه "اندبندنت عربية"، أربعة جلسات رئيسية، تتناول الأولى التي ستقتصر على دول الحلف الـ32 "مواضيع الدفاع الجماعي وتقاسم الأعباء وزيادة النفقات العسكرية وتعزيز البني التحتية للصناعات الدفاعية للدول الأعضاء"، أما الثانية ستشهد اجتماع لوزراء الناتو مع ممثلين عن شركاء الحلف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان ونيوزيلندا)، لمناقشة التهديد المشترك الذي تشكله الصين، بينما تتضمن الجلسة الثالثة اجتماعاً لمجلس "الناتو-أوكرانيا"، بمشاركة وزير خارجية أوكرانيا، أندريه سيبيها، والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، كايا كالاس، واجتماع أخير تقدم خلاله كالاس إحاطة لوزراء الخارجية حول المبادرات التي أطلقها الاتحاد الأوروبي أخيراً في مجالي الأمن والدفاع.
"لا بديل عن الناتو"
خلال حديثه عشية الاجتماعات، شدد الأمين العام للحلف مارك روته، على مركزية الناتو بالنسبة لدوله الأعضاء "والأمن والاستقرار الدوليين"، لا سيما في وقت يعيش الناتو في "عالم ملئ بالمخاطر مما يستدعي بناء حلف أقوى وأكثر عدالة وفتكاً"، معرباً عن أن "هذا هو سبب اجتماع وزراء الخارجية هذا الأسبوع؛ لضمان توافقنا والعمل بفاعلية نحو هدفنا المشترك".
وقال روته خلال مؤتمر صحافي حضرته "اندبندنت عربية"، إن "الحلف يسير نحو بناء تحالف أكثر قدرة من خلال استثمارات كبيرة في مواجهة التهديدات"، موضحاً أن "العديد من الدول الأعضاء زادت إنفاقها الدفاعي بمعدلات غير مسبوقة منذ عقود"، متوقعاً "مزيداً من الإعلانات بهذا الشأن خلال الفترة المقبلة"، وتابع: "سيناقش الوزراء كيفية ضمان استمرار هذا التوجه، إضافة إلى السبل الكفيلة بزيادة الإنتاج الدفاعي على جانبي المحيط الأطلسي، وتسهيل التعاون في مجالات الابتكار والشراكات".
وبشأن الحرب الروسية- الأوكرانية، شدد روته على أن "التهديد الروسي لا يزال قائماً، حيث تعزز موسكو تعاونها مع الصين وإيران وكوريا الشمالية، مما لا يؤثر فقط على أوكرانيا، بل يشكل خطراً على الحلف والعالم أجمع"، وأضاف أن "بعض الأطراف تحاول زعزعة استقرار المجتمعات من خلال هجمات إلكترونية، وتخريب للبنية التحتية تحت سطح البحر، ومحاولات اغتيال". مشيداً في الوقت ذاته، بالرئيس الأميركي دونالد ترمب لدوره في كسر الجمود السياسي، بشأن الحرب الروسية- الأوكرانية، معرباً عن دعمه للجهود الأميركية الرامية لإنهاء الحرب بـ"شكل عادل ودائم"، وبجهود المملكة المتحدة وفرنسا ودول أخرى في المساهمة لضمان تحقيق سلام مستدام عندما يحين الوقت، على حد وصفه.
وكشف روته أن دول الناتو تعهدت بتقديم أكثر من 20 مليار يورو كمساعدات أمنية لأوكرانيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، مؤكداً أن القيادة المركزية للحلف تواصل تنسيق عمليات تسليم المعدات الأمنية وبرامج التدريب للقوات الأوكرانية.
وحول الانفاق الدفاعي للدول الأعضاء، ذكر روته أنه "بالأخذ في الاعتبار الأهداف التي حددها حلف شمال الأطلسي لزيادة قدراته العسكرية، فيمكن الافتراض أن الدول الأعضاء سوف تضطر إلى إنفاق "أعلى بكثير من 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي"، وتابع: "عندما نعمل على تحقيق هذا الهدف، سنرى الأموال الأميركية للدفاع ستأتي، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة للناتو".
واعتبر الأمين العام للأطلسي إن "جميع هذه الجهود ستشكل جزءاً من الفصل الجديد الذي سيبدأه الحلف في قمة لاهاي بشهر حزيران (يونيو) المقبل، مشدداًعلى أن "أولوياتنا واضحة: نحن نبني تحالفاً أقوى وأكثر عدالة وهذا هو ما نحتاجه لضمان مستقبلنا"، على حد وصفه.
وأوضح روته أن هذه القضايا ليست حكراً على الحلفاء في الناتو، بل سيتم التباحث فيها مع الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأوكرانيا، والممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، التي ستشارك في الاجتماعات على مدار يومين. مضيفاً "شركاؤنا يقدمون مساهمة أساسية لأمننا المشترك من خلال تبادل الرؤى والخبرات والمعرفة".
وكان مسؤول رفيع المستوي في الحلف، أخبر الصحافيين على هامش الاجتماعات إن "سيتم بحث كيفية الحفاظ على الزخم في زيادة الإنفاق الدفاعي، وكيفية تعزيز الإنتاج الصناعي الدفاعي، كما يتوقع أن يناقش المجتمعون دعمنا المستمر لأوكرانيا، وكيفية تعزيز تعاوننا الراسخ في قضايا ذات اهتمام مشترك وفي عدة مجالات مع شركائنا من منطقة المحيطين الهندي والهادئ (أستراليا، اليابان، نيوزيلندا، وجمهورية كوريا)". ويركز لقاء الناتو مع شركاء منطقة المحيطين الهندي والهادي فرصة لمناقشة "التهديد المشترك الذي تشكله الصين على التحالف الأوروبي الأطلسي وتحالف منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
زخم الحضور الأميركي والتوتر مع كوبنهاغن
بجانب المسائل الدفاعية والأمنية والموقف من روسيا والصين التي تهيمن على اجتماعات وزراء الخارجية لدول الناتو في بروكسل، خيمت مسألة أخرى "غير معتادة الحدوث" وهي التوترات واحتمالات الصدام السياسي بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة والدنمارك وكندا وجميعهم حلفاء في الناتو، وذلك على وقع إعلان الرئيس ترمب المستمر لسعيه الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التي تتمتع بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي داخل مملكة الدنمارك، فضلاً عن تلويحه بضم كندا إلى بلاده لتكون الولاية الـ51.
فعلى صعيد المسألة الأميركية- الدنماركية، تتجه الأنظار في بروكسل، إلى أول لقاء مرتقب بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الدنماركي لارس لوك راسموسن، على هامش اجتماعات الحلف، وذلك في وقت تصاعدت التوترات بين كوبنهاغن وواشنطن، خصوصاً بعد زيارة أجراها نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس إلى قاعدة عسكرية أميركية في إقليم غرينلاند، معلناً منها إن كوبنهاغن "لم تفعل ما هو صالح لشعب غرينلاند"، واتهمها بأنها لم تستثمر بشكل كاف في الجزيرة الشاسعة الواقعة في المنطقة القطبية الشمالية.
ومع ترقب اللقاء بين راسموسن وروبيو، بدا التضارب واضحا بشأن احتمالية عقده، إذ خلال الساعات الماضية، وبعد تأكيد وزارة الخارجية الدنماركية عقد اللقاء، عادت لتتحدث مرة أخرى أن الاجتماع "محتمل" ولا يزال العمل جارياً بشأنه، مشيرة في بيان لها إلى إنه "ليس من المقرّر مناقشة (مسألة) غرينلاند أو المنطقة القطبية الشمالية"، وأن جدول الأعمال في حال عقد الاجتماع، سيتضمن أوكرانيا وأمن أوروبا.
وتعليقاً على أزمة "غرينلاند" أكد الأمين العام للحلف مارك روته للصحافيين، أن الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي "جزء من مملكة الدنمارك"، مقراً في الوقت ذاته بأن الأزمة حولها "تعكس التحديات التي نواجهها في منطقة مياه الشمال الباردة". وذكر روته أنه يتعين "معالجة قضية كيفية الدفاع بالقطب الشمالي وأهمية عمل الحلفاء بشأنها"، متهماً الصين بـ"استغلال الممرات البحرية، وتعزيز روسيا تسليحها هناك".
وكان وزير الخارجية الدنماركي راسموسن، رد قبل أيام على اتهامات نائب الرئيس الأميركي لبلاده بعدم "فعل ما هو صالح لشعب غرينلاند"، قائلاً "نحن نتقبل النقد، ولكن لأكن صريحاً جداً، لا نستسيغ النبرة التي تم من خلالها توجيه لنا"، مضيفاً في مقطع فيديو نشره عبر صفحته على منصة "إكس": "هذه ليست الطريقة التي تخاطب بها حلفاءك المقرّبين، وما زلت أعتبر أن الدنمارك والولايات المتحدة حليفان مقربان".
وفي إشارة إلى النص الذي ينظّم الوجود الأميركي في غرينلاند، قال الوزير الدنماركي إن "اتفاق الدفاع الذي وقع في عام 1951 يتيح للولايات المتحدة فرصاً عدة لتعزيز وجودها العسكري في غرينلاند. إذا كان هذا ما تريدونه، فلنناقش الأمر".
أمن دول الجنوب "رئيسي"
من بين الموضوعات الأخرى الهامة على هامش اجتماعات الناتو، كانت الشراكة مع دول الجنوب، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة وتعزيز القدرات الأمنية والعسكرية لتلك الدول، والتي "لديها تأثير مباشر لانعدام الاستقرار في هذه المناطق في أمن جميع الحلفاء في الناتو".
وبحسب ما أخبرنا به، مسؤول رفيع المستوى من الحلف، خلال مائدة مستديرة حضرها عدد محدود من الصحافيين، فإن "الشراكة مع دول الجنوب (منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) استراتيجية بالنسبة للناتو وتتضمن بشكل رئيسي التعاون الأمني والتدريب وتعزيز وبناء القدرات إضافة لمواجهة التهديدات المشتركة"، موضحاً "يدرك الحلفاء تأثير عدم الاستقرار والصراع في الجوار الجنوبي على أمنهم. ومن خلال شراكاتنا في الجوار الجنوبي، يهدف الناتو إلى تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، ما يسهم في تحقيق السلام والازدهار".
وعن مكتب ارتباط الناتو في الأردن، الذي أعلن الحلف سابقاً عزمه فتحه، قال المسؤول: "سنفتحه قريباً، وسنواصل تعزيز الحوار والتواصل والأدوات القائمة للتعاون، مثل مبادرة بناء القدرات الدفاعية، ومركز الجنوب، والمركز الإقليمي للناتو-مبادرة إسطنبول للتعاون في الكويت"، مشيراً إلى حرص الحلف على تعزيز تعاونه واتصالاته في تلك الدول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن موقف بعثة الناتو في العراق، ذكر المسؤول رفيع المستوي أنها "غير قتالية وتهدف فقط إلى تقديم المشورة وبناء القدرات، لمساعدة العراق في بناء مؤسسات أمنية وقوات مسلحة أكثر استدامة وشفافية وشمولية وفعالية، وذلك لتحقيق الاستقرار في البلاد، ومكافحة الإرهاب، ومنع عودة تنظيم داعش"، على حد قوله، مشيراً إلى أنه "بناءً على طلب السلطات العراقية، نقوم بتوسيع نطاق مهام بعثة الناتو هناك لدعم وزارة الداخلية العراقية وقيادة الشرطة الاتحادية بأنشطة استشارية وبناء القدرات".
وخلال قمته عام 2004 تأسست "مبادرة إسطنبول للتعاون" لتعزيز التعاون الأمني على أساس ثنائي بين "الناتو" والدول الشريكة في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، بهدف الإسهام في الأمن العالمي والإقليمي على المدى الطويل، وتشارك في المبادرة كل من: الإمارات والبحرين والكويت وقطر حالياً، بينما تشارك عمان والسعودية في أنشطة مختارة في إطار المبادرة.
وفي ختام القمة التي عقدت في مقر الحلف بالعاصمة البلجيكية بروكسل عام 2018، أعلن "الناتو" تخصيص حزمة مبادرات خاصة بدول الجنوب (التي تمتد من موريتانيا إلى الخليج وإسرائيل) تتضمن مبادرات تعاون سياسية وعملية نحو نهج استراتيجي أكثر تماسكاً وتركيزاً على الشرق الأوسط وأفريقيا، باعتبار أن هذه المنطقة تواجه عدداً من التهديدات المعقدة والتحديات، التي تؤثر في أمن الدول عبر الأطلسي.
ووردت الإشارة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا في المفهوم الاستراتيجي الجديد للناتو ضمن التهديدات التي تواجه الحلف وشركاءه، التي ذكرت أن الجوار الجنوبي لا سيما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الساحل، يواجه تحديات أمنية وديموغرافية واقتصادية وسياسية مترابطة. وتتفاقم هذه المشكلات بسبب تأثير تغير المناخ والمؤسسات الهشة وحالات الطوارئ الصحية وانعدام الأمن الغذائي، ما يمثل أرضاً خصبة لانتشار الجماعات المسلحة من غير الدول، بما في ذلك المنظمات الإرهابية، مشيرة إلى أن هذا الوضع يمكّن "المنافسين الاستراتيجيين" من "التدخل المزعزع الاستقرار".