اخبار العراق الان

عاجل

سوريا أمام مهمة عاجلة لاحتواء المقاتلين الأجانب

سوريا أمام مهمة عاجلة لاحتواء المقاتلين الأجانب
سوريا أمام مهمة عاجلة لاحتواء المقاتلين الأجانب

2025-04-04 02:00:06 - المصدر: اندبندنت عربية


لا تزال قوى مسلحة تعمل خارج سلطة القيادة في الشمال والجنوب (أ ف ب)

تواجه السلطات الجديدة في سوريا سلسلة من التحديات التي عليها حلها بسرعة لتقصير فترة المرحلة الانتقالية وجعلها معبراً فعلياً نحو سوريا الموحدة المستقلة، وطناً يتسع لكل أبنائه الذين هبّوا طوال أكثر من 14 عاماً للخلاص من نظام ديكتاتوري فئوي.

وعلى رغم الخطوات الكبيرة التي خطتها القيادة الجديدة المنتصرة نتيجة معارك نهاية العام الماضي، فإن انقسامات بارزة لا تزال قائمة في الجسم السوري، حيث لا تزال قوى مسلحة تعمل خارج سلطة القيادة في الشمال والجنوب وحيث يحتاج الاتفاق المبدئي الموقع مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى مزيد من الجهود لترجمته على أرض الواقع، فيما تطرح المشكلة الدموية مع العلويين ضرورة بتّ مسألة علاقة السلطة بالأقليات، وهي مشكلة قابلة للحل بقدر ما يمكن أن تتحول إلى صاعق يفجر المجتمع السوري ويطيح بأحلام قيام الدولة السورية الموحدة .

لقد أدت صدامات الساحل في مارس (آذار) الماضي إلى مقتل المئات، أكثرهم في مجازر ذات طابع طائفي، وقيل إن مرتكبي المجازر هم في أكثريتهم ممن لا ينتمون إلى قوات الشرعية الجديدة، بل إن بينهم كثيراً من الأجانب "المهاجرين" المنضوين في تنظيمات مصنفة إرهابية على المستوى الدولي، وأدى سلوكهم الدموي إلى موجة تهجير جديدة طاولت الآلاف من أبناء الطائفة العلوية الذين قصدوا لبنان، حيث سبقهم إليه مئات آلاف السوريين السنّة هرباً من بطش نظام بشار الأسد الذي ينتمي إلى تلك الفئة المكلومة الآن.

كان نظام الأسد سباقاً إلى الاستعانة بمقاتلين أجانب عندما لجأ في وقت مبكر إلى إيران لقمع احتجاجات السوريين، وأرسلت طهران من سمّتهم "مستشاريها" على رأس ميليشيات مذهبية من دول عدة أسهمت في تعميق إضفاء الطابع الديني- المذهبي على الصراع.

أتت هذه التركيبة بـ"حزب الله" من لبنان و"فاطميون" من أفغانستان و"زينبيون" من باكستان وغيرهم من بقاع النفوذ الإيراني، وقاتل هؤلاء تحت شعارات مذهبية أبرزها "حماية المراقد المقدسة" لدى الشيعة وشمل قتالهم مناطق سورية واسعة، مما أدى إلى تشتيت أهلها داخل البلاد وخارجها.

وخرجت إيران ومستشاروها ومعها ميليشياتها من سوريا مع فرار الأسد إلى موسكو، وعاد "حزب الله" منهكاً تحت الضربات الإسرائيلية للبنان، وفرّ ما يزيد على الفي مقاتل من الأفغان والباكستانيين بسلاحهم إلى العراق حيث يدور نقاش حول مصيرهم يتناول نزع سلاحهم إلى جانب نزع سلاح الميليشيات العراقية أو ترحيلهم إلى إيران، حيث الجهة التي تديرهم، الحرس الثوري الإيراني.

وفازت "هيئة تحرير الشام" في المعركة وكانت التنظيم الرئيس الذي أعد للحظة الفوز تلك، لكن كثيراً من المنظمات الأخرى كانت موجودة لمشاركتها النصر، وهناك مقاتلون جاؤوا على مدى الأعوام الماضية إلى سوريا يحملون أفكاراً تراوحت ما بين فكر تنظيم "القاعدة" ومشروع تنظيم "داعش" المهزوم خلال معركته الأخيرة في العراق وبعد ذلك في سوريا، وأتى هؤلاء من أكثر من 18 دولة، فبعضهم انضوى تحت لواء "الهيئة" مثل "أجناد القوقاز" (في أرياف حلب وإدلب وجبال الساحل) و"عصائب الإيغور" و"حراس الدين" الذي يضم أردنيين وأتراكاً ومغاربة ومصريين وتونسيين .

التنظيم الأخير تأسس عام 2018 كأحدث فروع "القاعدة" في بلاد الشام وحاول أن يخلف "جبهة النصرة" التي خرجت من "القاعدة" وتحولت إلى "هيئة تحرير الشام"، فاصطدم معها إلى أن أعلن حلّ نفسه في الـ28 من ديسمبر (كانون الثاني) عام 2024 لأن "المهمة في سوريا انتهت بعد تحرير أرض الشام من الطاغية"، على ما جاء في بيان التنظيم.

وكان الرئيس أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً) لاحق "حراس الدين" في مناطق نفوذه، وواصلت الولايات المتحدة اصطياد قادته بعدما اعتبرت أن إجراءات حلّه بقيت شكلية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحاولت السلطات الجديدة احتواء المقاتلين الأجانب الذين ساعدوا في تأمين انتصارها على النظام، ولم يكُن في الأمر ما يفاجئ، فالأسد، على ما قيل وزّع جنسيات ومكاسب على عناصر في الميليشيات التي قاتلت إلى جانبه، وفي التاريخ شواهد وأمثلة عن مقاتلين أجانب جرى احتضانهم في بلدان خاضوا معارك من أجلها.

"الفيلق الأجنبي" الفرنسي الذي تأسس عام 1830 مثال على ذلك، وفي التاريخ الأقرب نال مقاتلون إلى جانب المقاومة الفرنسية ضد الألمان الجنسية الفرنسية، والنموذج الأبرز والأقرب ربما يكون الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا الذي قاتل إلى جانب فيديل كاسترو، فحاز الجنسية الكوبية ثم أصبح وزيراً في هذه الدولة.

وتختلف الظروف والتوجهات بين بلد وآخر أو حال وأخرى، لكن الثابت أن المقاتلين الأجانب لم يتحولوا يوماً إلى صناع قرار في البلدان التي عملوا فيها، وتجربة "الدولة الإسلامية في العراق وسوريا" مثال بارز.

في سوريا كان توجه السلطة الجديدة احتضان الأجانب الذين ساعدوا في فوزها ومحاولة ضبطهم، وهذا ما كان يعنيه المرسوم الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع نهاية العام الماضي والذي تضمن ترقية ستة جهاديين أجانب من بين 49 رفّعوا إلى مناصب عليا في الجيش الجديد، وبين هؤلاء ألباني وأردني وطاجيكي وآخرين من بينهم إيغوري وتركستاني وتركي.

وكانت هذه الترقية خطوة تنسجم مع ما يعتبره الشرع احترام "تضحيات" الأجانب والإصرار على احتوائهم مع جماعاتهم في أطر وزارة الدفاع الجديدة، وما على هؤلاء في حال رفضهم الاندماج سوى البحث عن حلول أخرى تراوح ما بين العودة لبلدانهم واللجوء إلى دول أخرى أو "الهجرة" إلى ساحات قتال جديدة تستجيب لأفكارهم ومصالحهم، مما كانت مجموعة شيشانية فعلته عام 2023 ("أجناد القوقاز") عندما انتقل 170 عنصراً منها إلى أوكرانيا للقتال ضد الروس، خصوصاً ضد قوات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ذراع موسكو في معارك أوكرانيا.

لكن الاحتواء ليس عملية سهلة إزاء جماعات تقودها أفكار دينية لا تعترف بالأوطان ويسهل اختراقها من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية كافة، فأثناء اشتباكات الساحل السوري ظهر أن قسماً من المقاتلين الأجانب، فضلاً عن مجموعات تتبع الأجهزة التركية في الشمال، قاما بدور أساس في ارتكابات تخطت حدود عملية ضبط النظام.

وتحدثت تقارير إعلامية عن قيام "جهاديين" قرغيز وأوزبك وشيشان، كانوا طردوا من الساحل مطلع العام، بارتكاب مجازر إثر تلبيتهم "النفير العام"، وإلى جانبهم برز دور فصائل موالية لتركيا في فرقة "سليمان شاه" المعروفة بـ"العمشات" وفرقة "الحمزة" (الحمزات) وهما جزء من "الجيش الوطني" الذي تدعمه تركيا لخوض معاركها ضد الأكراد.

وأظهرت تلك الاشتباكات أخطار الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها "الأجانب" في السياسات الداخلية لسوريا، خصوصاً مع حتمية التوصل إلى حلول سلمية للانقسامات القائمة، ولم تلغِ مخاوف قوى دولية وإقليمية من إعادة تنشيط هؤلاء على جبهات عدة، ولذلك اختارت أميركا والاتحاد الأوروبي وقبلهما المجموعة العربية دعم حكومة الشرع، فهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن إعادة بناء بلادها ومنع تحولها إلى بؤرة للفوضى والإرهاب.

سوريا أمام مهمة عاجلة لاحتواء المقاتلين الأجانب