استمرار أزمة الجفاف قد يجبر النظام الإيراني على تقنين المياه

الأمطار التي هطلت في الأيام الأخيرة فشلت في إعادة هذه السدود إلى المستوى المتوسط المحدد (أ ف ب)
فشلت الأمطار الربيعية التي هطلت في النصف الأول من الشهر الأول للعام الإيراني الجديد (الذي بدأ في الـ21 من مارس "آذار" الماضي) في تعويض انخفاض منسوب مياه السدود في إيران.
وأشارت الإحصاءات الصادرة حتى الرابع من أبريل (نيسان) الجاري، إلى أن تدفق المياه إلى خزانات السدود في العام المائي الحالي انخفض بنسبة وصلت إلى 38 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إذ انخفض تدفق حجم المياه إلى خزانات السدود الذي بلغ 21.2 مليار متر مكعب في العام الماضي، إلى 13.15 مليار متر مكعب هذا العام.
وفي هذا الخصوص أعلن المدير العام للمعلومات والبيانات المائية في إيران أن حجم المياه في خزانات السدود انخفض بنسبة 17 في المئة مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 48 في المئة فقط من إجمال الطاقة الاستيعابية.
إن هذا الوضع مثير للقلق في كل أنحاء إيران، ولكنه يبدو أكثر خطورة في العاصمة طهران، إذ بلغ امتلاء سد "أمير كبير" 13 في المئة وسد "لار" اثنين في المئة وسدي "لتيان" و"ماملو" 16 في المئة فقط، وهذا الوضع هو الذي جعل احتمالات توفير مياه الشرب في طهران قاتمة خلال أشهر الصيف من هذا العام.
توترات بين المواطنين في محافظتي أصفهان ويزد بسبب أزمة المياه خلال أيام النوروز (أ ف ب)
توترات مائية
طبعاً الوضع العام في البلاد ليس أفضل من العاصمة طهران، إذ شهدت السدود على نهر "زاينده رود" في أصفهان، و"الدز" والكرخة" و"الكارون" في الأحواز، و"سردشت" في أذربيجان الغربية، و"جاجين" في هرمزكان، و"علي دلوري" في بوشهر، و"كينه فارس" في زنجان، و"آزاد" في كردستان، و"وشمغير" و"كلستان" و"بوستان" في كلستان، و"بيشين" و"كهير" في سيستان وبلوشستان، و"سيد كمال صالح" في مركزي، انخفاضاً في مستوى الامتلاء بنسب تراوح ما بين 25 و75 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
والنقطة الجديرة بالذكر في ما يتعلق بوضع أزمة المياه في إيران أنه في الوقت الذي نشرت فيه صور المياه التي تدخل سد كرج، أظهرت الإحصاءات الرسمية أن الأمطار التي هطلت في الأيام الأخيرة فشلت في إعادة هذه السدود إلى المستوى المتوسط المحدد. وعلى رغم أن سد "رود بار" في علي كودرز قد فاض، وسدي "ميجران رامسر" و"آية الله صالحي" في شمال سواد كوه قد وصلا إلى أقصى طاقتهما الاستيعابية، فإنها حالات تعتبر استثناء.
ومن نتائج أزمة المياه والجفاف في بداية هذا العام هي التوترات المائية التي حصلت بين المواطنين في محافظتي أصفهان ويزد خلال أيام النوروز، كذلك فإن انقطاع مياه الشرب في يزد أياماً عدة وفتح منافذ سد "زاينده رود" لتخفيف التوتر الاجتماعي في محافظة أصفهان، واجه انتقادات من قبل الخبراء والمتخصصين، إذ يعتقدون أن هذا الإجراء لن يؤدي إلا إلى تفاقم الاستهلاك غير المخطط له للمياه واستنزاف مخزون المياه بصورة كبيرة قبل فصل الصيف.
حجم المياه في خزانات السدود انخفض بنسبة 17 في المئة مقارنة بالعام الماضي (أ ف ب)
الحفر العشوائي
ومن بين العوامل الرئيسة الأخرى في أزمة المياه، بخاصة في وسط إيران، حصر الصناعات ذات الاستهلاك العالي والزراعة التقليدية في المناطق القاحلة. إن الحفر العشوائي للآبار العميقة في سهول المحافظات الوسطى في البلاد لم يؤد إلى استنزاف موارد المياه الجوفية وحسب، بل أيضاً أدى إلى هبوط التربة في مناطق مثل أصفهان، والملفت أن مسؤولي وزارة الطاقة لا يزالون يواصلون إلقاء اللوم على المواطنين.
وقال محافظ طهران محمد صادق معتمديان إن 63 في المئة من السكان يستهلكون أكثر من ضعف الكمية القياسية من المياه (250 ليتراً يومياً)، وأضاف معتمديان أن 87 في المئة من استهلاك المياه في طهران تذهب للاستخدام المنزلي، ومن أجل السيطرة على هذا الاستخدام يجب تنفيذ قوانين مثل المادة 16 من اللوائح الوطنية للبناء، التي تشترط فصل مياه الأمطار عن مياه الصرف الصحي.
في حين تصدر انقطاع وانخفاض ضغط المياه في طهران عناوين الصحف خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، أعلنت وزارة الطاقة أنها خفضت ضغط المياه للتعويض عن الاستهلاك العالي في ساعات متقدمة من الليل.
ويرى المتخصصون أن الأمطار التي هطلت في الأيام والأسابيع الأخيرة لا تكفي لإنقاذ السدود، ومع استمرار الجفاف للعام الخامس على التوالي أصبحت طهران أكثر عرضة للتقنين من أي وقت مضى، وبحسب بعض المسؤولين فإن الطريقة الوحيدة للتغلب على الأزمة هي تنفيذ برنامج خفض الاستهلاك، وهو البرنامج الذي أدى تنفيذه إلى تأجيج التوترات في المحافظات. ويعد نقل المياه بواسطة الصهاريج من المحافظات المجاورة إلى يزد مثالاً على هذه الأزمة، التي قد تمتد إلى المحافظات الأخرى في قادم الأيام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إصلاح أنماط استهلاك المياه
ومن ناحية أخرى، يقول المتخصصون رداً على تصريحات المسؤولين مثل محافظ طهران، الذين أشاروا إلى ضرورة إصلاح أنماط استهلاك المواطنين للمياه، إن جزءاً كبيراً من المياه في طهران يستخدم في الزراعة، وإن زراعة المحاصيل العالية الاستهلاك مثل الذرة والبطاطس والبرسيم والخضراوات فضلاً عن استمرار الأساليب التقليدية مثل الري بالغمر، يؤديان إلى هدر موارد المياه.
في الأعوام الأخيرة فشلت الحكومة في تغيير نمط الزراعة واستهلاك المياه من قبل الشركات الصناعية الكبرى في إيران. إن تغيير الأساليب التقليدية يتطلب استثمارات كبيرة لم يجر القيام بها حتى الآن، ومن ثم فقد ألقى المسؤولون عبء خفض استهلاك المياه على عاتق الشعب، في حين تلعب الإدارة السيئة للموارد المائية دوراً أكثر بروزاً في الأزمة.
إن السدود التي كان من المفترض أن تكون أدوات لإدارة الموارد المائية، أصبحت الآن شاهداً على سوء الإدارة. خزانات المياه الفارغة والأنهار الجافة وهبوط التربة والهجرة الناجمة عن نقص المياه، تعكس ثلاثة عقود من الإهمال وسوء اتخاذ القرارات في قطاع المياه في البلاد.
إن التحدي الحالي لا يتمثل فقط في انخفاض معدلات هطول الأمطار، بل هو نتيجة لمزيج خطر من النمو السكاني والتنمية غير المستدامة والتصنيع من دون تقييم بيئي وسياسات المياه غير المنسقة، ومن ثم إذا ما لم يُتوصل إلى حل جذري فإن الصيف المقبل قد يكون من أكثر فصول السنة حرارة وجفافاً في الأعوام الأخيرة.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"