الرياض تصر على حماقاتها تجاه بغداد
عادل الجبوري
خلال خمسة وسبعين يوما من تقلده منصبه الجديد كوزير للخارجية في المملكة السعودية خلفا لسعود الفيصل، لم يسمع المتابع من عادل الجبير سوى المواقف المتشنجة والانفعالية والمتسرعة، التي تعكس في جانب منها نزعته التصعيدية وافتقاده الى الرؤية العقلانية لاعادة النظر في السياسات الخارجية السعودية، لاسيما على الصعيد الاقليمي، ومن جانب آخر، توحي مواقف الجبير بشكل واضح بأن الرياض ليست في وارد تصحيح المسارات الخاطئة والتوجهات العدوانية ضد الآخرين.
قبل أيام دعا الوزير الجبير من العاصمة الاردنية عمّان الحكومة العراقية الى الإسراع بإجراء عملية الإصلاح السياسي من أجل إعطاء السنة دورًا أكبر في إدارة شؤون البلاد، ووجَّه الجبير انتقادات واضحة للعملية السياسية في العراق، وفي المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية الاردني ناصر جودة، حذَّر وزير الخارجية السعودي من أي تدخل إيراني سلبي في المنطقة، مدعيًا أن ايران تمثل مصدر قلق واضطراب وعدم استقرار، محملا اياها ما يجري من صراعات واقتتال وحروب في غير مكان، حسب زعمه.
ومن ينظر الى تصريحات - مواقف - عميد الدبلوماسية السعودية الجديد من زاوية معينة لا يشعر بالاستغراب والدهشة منها، لعدة اسباب، من بينها، ان المملكة دأبت طيلة سنين طويلة على قلب الحقائق وتزييفها وتحميل الآخرين مسؤولية تبعات ونتائج الكثير من حماقاتها، ودأبت على انتهاج سياسات عدوانية والتدخل بشؤون جيرانها بطرق وأساليب مختلفة، ناهيك عن تقديم كل أشكال الدعم السياسي والإعلامي والمخابراتي والمالي والديني للجماعات الارهابية المسلحة.
وتبدو للبعض مفارقة مضحكة تنطوي على سخرية كبيرة، أن تدعو الرياض الحكومة العراقية الى الاسراع بعملية الاصلاح السياسي، وإعطاء دور اكبر لابناء المكون السني في إدارة شؤون البلاد.
السعودية ترمي جيرانها بالحجارة وهي صاحبة بيت الزجاج!
عن أي إصلاح سياسي تتحدث السعودية، وهي التي لم تتوقف يوما واحدا عن تصدير الانتحاريين الى العراق لتفجير أجسادهم في صفوف المدنيين الابرياء، وهي التي لم تتوقف يوما واحدًا عن ضخ الاموال وارسال الاسلحة لتدمير وتخريب العراق، وإصدار الفتوى الدينية التي تبيح القتل والذبح، ولم تكل ولم تمل وسائل إعلامها عن صب الزيت على نار الازمات العراقية، والتحريض على الفتن الطائفية، وبث اليأس والاحباط في نفوس الناس.
عن أي إصلاح سياسي تتحدث السعودية، وهي التي ما زالت غارقة في ظلام الدكتاتورية والاستبداد، وحكم العائلة الواحدة؟.. الأَولى بحكام الرياض ان يبدأوا بأصلاح انفسهم وبلدهم، والاصلاح السياسي الحقيقي ينطلق من وجود دستور يضمن حقوق كل ابناء المجتمع، ومن وجود برلمان يكون فيه تمثيل حقيقي لكافة المكونات، ومن وجود معارضة سياسية حقيقية، واعلام مسؤول لا يخضع لسطوة السلطة الحاكمة وهيمنتها واستبدادها، وينطلق الاصلاح السياسي أيضا من مشاركة المرأة في العمل السياسي والنشاط الاجتماعي لا أن يتم حرمانها حتى من قيادة السيارة!.
عن اي اصلاح سياسي تتحدث السعودية، والسلطة والنفوذ السياسي والمالي والاقتصادي منذ ان تأسست المملكة قبل اكثر من ثمانين عاما وحتى الآن بيد عائلة آل سعود بلا منازع؟.
واي دور اكبر للسنة في العراق ذلك الذي تطالب به الرياض، في الوقت الذي يشغل ابناء ذلك المكون مناصب سياسية وامنية وعسكرية عليا ومهمة في هيكلة الدولة العراقية، فمنهم رئيس البرلمان، ومنهم نائب رئيس الجمهورية، ومنهم نائب رئيس الوزراء، ومنهم اكثر من عشرة وزراء، ومئة برلماني، الى جانب القادة والضباط في مواقع مختلفة بوزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات ومكافحة الارهاب، والسفراء ووكلاء الوزارات، بتعبير اخر لايوجد مفصل معين يغيب فيه التمثيل والوجود السني.
وكان الأحرى بالجبير أن يتوقف عند الحرمان والاقصاء والتهميش الذي تعانيه فئات وشرائح اجتماعية كبيرة من المجتمع السعودي، ناهيك عن مصادرة حرية التعبير والمعتقد، وهذه من الامور التي لم تعد خافية على احد، سواء داخل المملكة او خارجها.
وكان الأحرى بالجبير، قبل ان يدعو الى الاصلاح السياسي في العراق، وقبل ان يتهم ايران بالتدخل السلبي واثارة المشاكل في المنطقة، ان يلتفت الى حقيقة وطبيعة التدخلات السعودية في سوريا والعراق واليمن وقبلها البحرين، تلك التدخلات التي وفرت فرصا كبيرة للجماعات الارهابية للتمدد والانتشار وارتكاب ابشع الجرائم، في ذات الوقت الذي لم يكن هناك هدف من وراء التدخلات الا اثارة الاضطرابات واسقاط الانظمة الحاكمة، وضرب واضعاف مكون معين انطلاقا من حسابات وأجندات طائفية ضيقة.
وهناك زاوية اخرى ينظر من خلالها الى تصريحات ومواقف وزير الخارجية السعودي الجديد، الا وهي انه يفترض بعد التغييرات الواسعة التي حصلت في قمة هرم السلطة في الرياض بعد وفاة المللك عبد الله، ان تكون هناك مراجعة واعادة نظر في مجمل السياسات الخارجية السعودية وتصحيح لمسار العلاقات السعودية مع بعض الدول، ومن بينها العراق، والتحول من تبني الادوار السلبية الى تبني الادوار الايجابية.
بيد ان مواقف الجبير، وقبل ذلك العدوان السعودي على اليمن، قطعا الطريق على الذين كانوا يأملون في ان تدخل السعودية عهدا جديدا مختلفا عن العهود السابقة، وتصحح اخطاءها، وما حصل منذ تولي سلمان مقاليد المملكة ومعه فريقه الشبابي الجديد، وحتى الآن، هو اعادة انتاج وتسويق الاخطاء والسلبيات السابقة نفسها، وكأن هناك اصرارا على السير بالطريق ذاته والتشبت بالمنهج السابق نفسه دون اي تغيير الا في الاشخاص والاسماء.
قد تكون فضيحة وثائق ويكيلكس قد اربكت صناع القرار السياسي السعودي، وجعلتهم يتخبطون يمينا وشمالا، ويتجهون الى خلط الاوراق، لتضييع ما كشفته "ويكيلكس" من اسرار وحقائق، لكن ماذا قبل "ويكيلكس"؟.. فضيحة الوثائق هي نتيجة اكثر من كونها سببا، وهي تحصيل حاصل، وتصوير لجزء من الواقع ليس الا، ولو لم تكن "ويكيلكس" قد ظهرت، لا نعتقد ان تكون تصريحات ومواقف الجبير مختلفة عن تلك التي اطلقها.