بغداد – بيروت
بقلم: حسين علي الحمداني
ما بين بغداد وبيروت تشابه كبير في النظام السياسي وبالتالي كان هنالك تطابق كبير هو الآخر في الأزمات التي يعاني منها الشعبين العراقي واللبناني. كنت أفكر في هذا مليا قبل عام وأنا أتجول في بيروت التي اكتظت ببوسترات التأييد لهذا الطرف أو ذاك وشعرت حينها أن نسبة الشبه ستقود يوما ما لأن تكون أزماتنا هي الأخرى متشابهة، لكن لم أكن أتوقع أبدا أن يكون التشابه بين العراق ولبنان بهذه الدرجة الكبيرة وفي توقيت واحد ربما أسماه البعض (ربيع العرب الثاني) رغم اننا لم نحصد من الربيع الأول سوى أزمات جديدة في البلدان التي ضربها إعصار الربيع قبل أعوام قليلة.
ولعل أزمة (القمامة المتراكمة) في لبنان أججت الرأي العام هنالك كما أججت أزمة الكهرباء الرأي العام العراقي مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بيروت تعاني من قلة الكهرباء لكنها تبحث عن نظافة شوارعها وأزقتها ولعل هذه النقطة غابت عنا نحن في العراق التي تكتظ شوارعنا بنفايات بعضها (مدور) من العام الماضي.
قمامة بيروت وأزمة الكهرباء في العراق كشفت المستور وأخذت تتسع لتطال النظام السياسي برمته وتجعلنا نوجه السؤال تلو الآخر: لماذا البلدان الديمقراطية التي فيها انتخابات دورية تعاني من أزمات متعددة؟ ألم نكن نحن من أنتج الطبقة السياسية الحاكمة؟ وإذا كان الجواب بنعم وهو كذلك لماذا إذن لا يقدمون لنا ما وعدونا به؟، هل الخلل في الشعوب أم في المسؤولين أم في الديمقراطية؟. أجد إن السبب الحقيقي يكمن في ان الديمقراطية التي مارسناها في بغداد ومن قبل في بيروت هي ديمقراطية عاطفية قائمة على الطائفة والمذهب وهو ما يجعل خياراتنا محدودة جدا تتلخص بانتخاب من يحمينا من الآخر الشريك لنا في الوطن وليس من يقدم لنا الخدمات ويوفر لنا الكهرباء وينظف الشوارع صباح كل يوم ويغسل حاويات القمامة برائحة التفاح.
انتخبنا من يمسك الأرض بغض النظر عن قدرته على توفير الخدمات لنا أم لا، لأننا في كل انتخابات نعيش أجواءً ملبدة بالطائفية وتكون أولوياتنا الأمن ومن يحمينا نمنحه صوتنا لتتشكل بعد ذلك حكومات محلية وحكومة اتحادية بأصواتنا الخائفة من الآخر الموجود في هذه الحكومة.
الخلل بالنهاية ليس فينا كشعوب ولا في الديمقراطية كخيار مطلوب لكن الخلل الحقيقي في الطبقة السياسية التي تعيد إنتاج نفسها في كل دورة انتخابية سواء في لبنان الذي منذ أن بدأنا نقرأ الصحف منذ عقود ونحن نقرأ أسماء موجودة حتى هذه اللحظة تشغل الإعلام والشارع اللبناني، وفي العراق أيضا نقولها بصراحة بأنه منذ 2003 وحتى يومنا هذا نرى المشهد ذاته والمسميات ذاتها ما يعني ان المطلوب ليس حل البرلمان أو التحول للنظام الرئاسي كما يطرح الآن بقدر ما إننا بحاجة لإنتاج طبقة سياسية جديدة تجعلنا نثق بالآخر ولا نخاف منه ونتحرر من قيودنا الكثيرة.