إلى من يهمّه الصّدر.. دعوة لضيافة الدّمع محمّد الشّاميّ وقصيدة (الفاتحة)
0000-00-00 00:00:00 - المصدر: شبكة ناس
علاء البغدادي//
من يحاول قراءة المشروع التّغييريّ للسّيّد الشّهيد الصّدر الثّاني، يستطيع أن يدرك وبوضوحٍ بأنّ من جملة الأهداف التي كان ينشها في نهضته الإصلاحيّة الكبيرة، هو تجفيف منبع الخوف والخنوع داخل المجتمع، وتحريره من أغلال الإستلاب والتّجهيل، وتربيته – أيّ المجتمع - تربية شُجاعة وواعية، تتناسب والعبقرية الكبيرة التي كان يتمتّع بها على مستوى الفكر والقيادة.لقد كان الصّدر الثّاني، حريصاً كُلّ الحُرص على إستيعاب جميع طاقات المجتمع الإبداعيّة وفي مختلف المجالات، وخلال الفترة القصيرة التي تصدى فيها لقيادة المجتمع ميدانيّاً، تمكّن من إستقطاب الكثير من شرائح المجتمع العراقيّ، ويعود هذا، لأنّ الصّدر الثّاني هو من صنف المبدعين الحقّيقيين، لذا كان شديد الإهتمام بالمبدعين، وكثيراً ما كان يُقيم المسابقات والمعارض الإبداعيّة في مختلف المجالات، مثل الرّسم والشّعر وكتابة القصة وغيرها، وكان يتابع الأعمال المشاركة بدقّةٍ متناهية، ويخصّص لها الجوائز والمكافآت.في فترة الثّمانينيات تَمكّن (صدّام حسين) من جعل الشّعر بصورةٍ عامّةٍ والشّعر الشّعبيّ بصورةٍ خاصّة، أداة من أدواته القذرة، وقد رأينا وسمعنا الكثير من الأصوات النّشاز التي أصبحت أبواقاً مأجورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر (ّساجدة الموسويّ ورعد بندر وأديب ناصر وعبّاس الجنابيّ وهادي العكايشي وعباس جيجان وإقبال فليّح وفاطمة اللّيثيّ) وغيرهم الكثير.هنا أدرك الصّدر الثّاني أهمّيّة الدّور الكبير الذي يُمكن أن ينهض به الشّعر والشّعراء من جهة، ومن جهةٍ أخرى أن الشّعراء شريحة مهمّة من شرائح المجتمع العراقيّ التي ينبغي أن تكون في نفس المسار الذي يسير فيه المجتمع آنذاك، وهو مسار التّحرُّر والخلاص من الظّلم، كما أنّ الشّعراء هم أقرب من غيرهم إلى التّغيير بما يمتلكونه من أحاسيسٍ مرهفة ونفس شفّافة.هنا بدأ الكثير من الشّعراء بالعودة إلى طريق الحقّ، طريق الشّعب وخلاصه، بعد أن شاهدوا قائداً ميدانيّاً فذّاً يدعوهم إلى أن يلتحقوا بركب جماهيرهم، فأصبحوا جنباً إلى جنب مع الجماهير، بل وأصبح لهم الدّور الكبير في مناهضة السّلطة الصّدّاميّة، وهو ما كان يصبو إليه الصّدر الثّاني، حيث ذهب الكثير منهم لقراءة القصائد في حضرته في النّجف الأشرف، وهو إعلان صارخ وصريح للتّمرُّد ضدّ الطاغية وزبانيته، كان ذلك في زمن الموت، والموت فقط.وقد لا نستطيع ذكر أسماء جميع الشّعراء الشّعبيين الذين تأثّروا بالنّهضة الصّدريّة وناصروها بقصائدهم، لكن من أهمّ الأسماء التي لابدّ من ذكرها: (جواد الحُمرانيّ، عبّاس عبد الحسن، محمّد الشّاميّ، حليم الزّيديّ، طالب الدّراجيّ، حمزة الحلفيّ، جليل صبيح، رحيم المالكيّ، غني محسن، عليّ مهودر الحمرانيّ، هاشم العربيّ، نائل المُظفّر، يوسف حسن، عزيز شامخ) وغيرهم الكثير. ومحمّد الشّاميّ هو موضع وَجَعَنا اليوم...محمّد الشّاميّ وقصيدة (الفاتحة):كان من المؤمّل أن أكتب عن هذه القصيدة مع بداية إصدارها، لكنّي كُلّما أعود لسماعها – ودائماً ما أفعل هذا – تُشاركني دموعي في كرنفال الضّيم والوَجَع.ولعلّي أحتاج إلى التّعريف بالشّاعر قبل الدّخول إلى تفاصيل القصيدة، فشاعرها هو الأخ الحبيب والإنسان الشّفّاف الأستاذ محمّد الشّاميّ، وواحد من أبرز شعراء النّهضة الصّدريّة منذ بدايات بزوغ الفجر الصّدريّ وحتّى الآن، فضلاً عن كونه كاتب وصحفيّ، إلاّ أنّه في نفس الآن، من كفاءات (التّيّار الصّدريّ) الذين لم يسأل عنهم (التّيّار الصّدريّ)، بينما يترك مؤسّساته نهباً بيدِ كُلّ من هَبَّ ودبَّ ودرج وسفل!..قصيدة (الفاتحة):لن أتحدّث كثيراً عن القصيدة من زاويةٍ فنّيّة كنصٍّ شعريّ، إستوفى كُلّ إشتراطات الإبداع، لكنّي وددت الحديث عنها، لما تركته - وما زالت – من آثارٍ ودموع، لا تنتهي طالما أنا أستمع لها.إستمعت للقصيدة أوّل مرّة وأنا في السّيّارة من خلال صوت إذاعة (العهد)، والغريب الذي حَدَث، أنّني لم أتمالك نفسي وبكيت بطريقةٍ شُبه مجنونة، حتّى الآن لا يُمكنني إيجاد أيّ تفسير لها.تكمن روعة القصيدة، في كون شاعرها الشّاميّ محمّد، هو من الذين إستوعبوا أبجديّات الضّيم الصّدريّ/ العراقيّ، لهذا تمكّن من إختزال الوَجَع بكلّ حمولاته، ولعلّ هذا لا يفهمه إلّا من عرف بياض الصّدر عن قُرب.أستطاع الشّاعر محمّد الشّاميّ، بتأثيث قصيدته على أتمّ وجه من قاموس الوجع الصّدريّ الكبير، فضلاً عن الإختيار الدّقيق للكلمات، فمفردة (الفاتحة)، لها وقع خاصّ في الوجدان العراقيّ، بالإضافة إلى إيقاعاتها اللّفظيّة ودلالاتها السّمعيّة، فهي دائماً ما تأخذنا إلى عوالم الموت والفقد والدّموع، ولا أعتقد أنّ هناك مفردة أُخرى غير (الفاتحة) يُمكنها أن تلعب هذا الدّور الفجائعيّ.من كلمات القصيدة:(صار حفنه سنين يا سيّد وراكما هي جنهه سنين، جنهه البارحهيَلّي كلّشي إنطيت وي دمّك بلاش وما ردت من عدنه بس الفاتحه)الشّاعر هُنا يؤكّد على خاصيّة الحضور الذي يتمتّع بها السّيّد الشّهيد محمّد الصّدر في قلوب مُحبّيه على الرّغم من تقادم الزّمن الذي قارب السّتة عشر عامّاً، إلّا أنّ ما زال حاضراً وبقوّة، وكأنّ ما حدث كان بالأمس.(وما ردت من عدنه بس الفاتحه)، هنا الإشارة واضحة إلى ما كان يطلبه السّيّد محمّد الصّدر لنفسه من الجماهير بعد رحيله، حيث كان يقول: (أسألكم الدّعاء والفاتحة). ..(يا غريب النجف يا سيّد الرجال):هنا تتجلّى براعة الشّاعر في تشخيص وإختزال ما كان ي
من يحاول قراءة المشروع التّغييريّ للسّيّد الشّهيد الصّدر الثّاني، يستطيع أن يدرك وبوضوحٍ بأنّ من جملة الأهداف التي كان ينشها في نهضته الإصلاحيّة الكبيرة، هو تجفيف منبع الخوف والخنوع داخل المجتمع، وتحريره من أغلال الإستلاب والتّجهيل، وتربيته – أيّ المجتمع - تربية شُجاعة وواعية، تتناسب والعبقرية الكبيرة التي كان يتمتّع بها على مستوى الفكر والقيادة.لقد كان الصّدر الثّاني، حريصاً كُلّ الحُرص على إستيعاب جميع طاقات المجتمع الإبداعيّة وفي مختلف المجالات، وخلال الفترة القصيرة التي تصدى فيها لقيادة المجتمع ميدانيّاً، تمكّن من إستقطاب الكثير من شرائح المجتمع العراقيّ، ويعود هذا، لأنّ الصّدر الثّاني هو من صنف المبدعين الحقّيقيين، لذا كان شديد الإهتمام بالمبدعين، وكثيراً ما كان يُقيم المسابقات والمعارض الإبداعيّة في مختلف المجالات، مثل الرّسم والشّعر وكتابة القصة وغيرها، وكان يتابع الأعمال المشاركة بدقّةٍ متناهية، ويخصّص لها الجوائز والمكافآت.في فترة الثّمانينيات تَمكّن (صدّام حسين) من جعل الشّعر بصورةٍ عامّةٍ والشّعر الشّعبيّ بصورةٍ خاصّة، أداة من أدواته القذرة، وقد رأينا وسمعنا الكثير من الأصوات النّشاز التي أصبحت أبواقاً مأجورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر (ّساجدة الموسويّ ورعد بندر وأديب ناصر وعبّاس الجنابيّ وهادي العكايشي وعباس جيجان وإقبال فليّح وفاطمة اللّيثيّ) وغيرهم الكثير.هنا أدرك الصّدر الثّاني أهمّيّة الدّور الكبير الذي يُمكن أن ينهض به الشّعر والشّعراء من جهة، ومن جهةٍ أخرى أن الشّعراء شريحة مهمّة من شرائح المجتمع العراقيّ التي ينبغي أن تكون في نفس المسار الذي يسير فيه المجتمع آنذاك، وهو مسار التّحرُّر والخلاص من الظّلم، كما أنّ الشّعراء هم أقرب من غيرهم إلى التّغيير بما يمتلكونه من أحاسيسٍ مرهفة ونفس شفّافة.هنا بدأ الكثير من الشّعراء بالعودة إلى طريق الحقّ، طريق الشّعب وخلاصه، بعد أن شاهدوا قائداً ميدانيّاً فذّاً يدعوهم إلى أن يلتحقوا بركب جماهيرهم، فأصبحوا جنباً إلى جنب مع الجماهير، بل وأصبح لهم الدّور الكبير في مناهضة السّلطة الصّدّاميّة، وهو ما كان يصبو إليه الصّدر الثّاني، حيث ذهب الكثير منهم لقراءة القصائد في حضرته في النّجف الأشرف، وهو إعلان صارخ وصريح للتّمرُّد ضدّ الطاغية وزبانيته، كان ذلك في زمن الموت، والموت فقط.وقد لا نستطيع ذكر أسماء جميع الشّعراء الشّعبيين الذين تأثّروا بالنّهضة الصّدريّة وناصروها بقصائدهم، لكن من أهمّ الأسماء التي لابدّ من ذكرها: (جواد الحُمرانيّ، عبّاس عبد الحسن، محمّد الشّاميّ، حليم الزّيديّ، طالب الدّراجيّ، حمزة الحلفيّ، جليل صبيح، رحيم المالكيّ، غني محسن، عليّ مهودر الحمرانيّ، هاشم العربيّ، نائل المُظفّر، يوسف حسن، عزيز شامخ) وغيرهم الكثير. ومحمّد الشّاميّ هو موضع وَجَعَنا اليوم...محمّد الشّاميّ وقصيدة (الفاتحة):كان من المؤمّل أن أكتب عن هذه القصيدة مع بداية إصدارها، لكنّي كُلّما أعود لسماعها – ودائماً ما أفعل هذا – تُشاركني دموعي في كرنفال الضّيم والوَجَع.ولعلّي أحتاج إلى التّعريف بالشّاعر قبل الدّخول إلى تفاصيل القصيدة، فشاعرها هو الأخ الحبيب والإنسان الشّفّاف الأستاذ محمّد الشّاميّ، وواحد من أبرز شعراء النّهضة الصّدريّة منذ بدايات بزوغ الفجر الصّدريّ وحتّى الآن، فضلاً عن كونه كاتب وصحفيّ، إلاّ أنّه في نفس الآن، من كفاءات (التّيّار الصّدريّ) الذين لم يسأل عنهم (التّيّار الصّدريّ)، بينما يترك مؤسّساته نهباً بيدِ كُلّ من هَبَّ ودبَّ ودرج وسفل!..قصيدة (الفاتحة):لن أتحدّث كثيراً عن القصيدة من زاويةٍ فنّيّة كنصٍّ شعريّ، إستوفى كُلّ إشتراطات الإبداع، لكنّي وددت الحديث عنها، لما تركته - وما زالت – من آثارٍ ودموع، لا تنتهي طالما أنا أستمع لها.إستمعت للقصيدة أوّل مرّة وأنا في السّيّارة من خلال صوت إذاعة (العهد)، والغريب الذي حَدَث، أنّني لم أتمالك نفسي وبكيت بطريقةٍ شُبه مجنونة، حتّى الآن لا يُمكنني إيجاد أيّ تفسير لها.تكمن روعة القصيدة، في كون شاعرها الشّاميّ محمّد، هو من الذين إستوعبوا أبجديّات الضّيم الصّدريّ/ العراقيّ، لهذا تمكّن من إختزال الوَجَع بكلّ حمولاته، ولعلّ هذا لا يفهمه إلّا من عرف بياض الصّدر عن قُرب.أستطاع الشّاعر محمّد الشّاميّ، بتأثيث قصيدته على أتمّ وجه من قاموس الوجع الصّدريّ الكبير، فضلاً عن الإختيار الدّقيق للكلمات، فمفردة (الفاتحة)، لها وقع خاصّ في الوجدان العراقيّ، بالإضافة إلى إيقاعاتها اللّفظيّة ودلالاتها السّمعيّة، فهي دائماً ما تأخذنا إلى عوالم الموت والفقد والدّموع، ولا أعتقد أنّ هناك مفردة أُخرى غير (الفاتحة) يُمكنها أن تلعب هذا الدّور الفجائعيّ.من كلمات القصيدة:(صار حفنه سنين يا سيّد وراكما هي جنهه سنين، جنهه البارحهيَلّي كلّشي إنطيت وي دمّك بلاش وما ردت من عدنه بس الفاتحه)الشّاعر هُنا يؤكّد على خاصيّة الحضور الذي يتمتّع بها السّيّد الشّهيد محمّد الصّدر في قلوب مُحبّيه على الرّغم من تقادم الزّمن الذي قارب السّتة عشر عامّاً، إلّا أنّ ما زال حاضراً وبقوّة، وكأنّ ما حدث كان بالأمس.(وما ردت من عدنه بس الفاتحه)، هنا الإشارة واضحة إلى ما كان يطلبه السّيّد محمّد الصّدر لنفسه من الجماهير بعد رحيله، حيث كان يقول: (أسألكم الدّعاء والفاتحة). ..(يا غريب النجف يا سيّد الرجال):هنا تتجلّى براعة الشّاعر في تشخيص وإختزال ما كان ي