اخبار العراق الان

مقبرة اليهود العراقيين.. تحاصرها التجاوزات

مقبرة اليهود العراقيين.. تحاصرها التجاوزات
مقبرة اليهود العراقيين.. تحاصرها التجاوزات

0000-00-00 00:00:00 - المصدر: جريدة الصباح


شير خزعل خلف أسوار عالية على مشارف مدينة الصدر شرق العاصمة بغداد وفي منطقة (الحبيبية)، يرقد أربعة آلاف يهودي عراقي في مقبرة هي الأكبر للطائفة اليهودية في العراق والتي شيدت في بداية سبعينيات القرن المنصرم، لتكون بديلا عن المقبرة القديمة في منطقة النهضة وسط المدينة، ففي العام 1965 تم تخصيص قطعة الأرض التي تعود ملكيتها الى رجل يهودي اسمه (مياح دانيال) كان قد تبرع بها ومبلغ مليون دينار عراقي في ذلك الوقت. وحتى يومنا هذا ما زالت المقبرة تستقبل جثث الموتى من الطائفة اليهودية، فلم يبق من يهود العراق سوى 7 أشخاص تتراوح أعمارهم بين الأربعين والثمانين عاما، بعد أن كان عددهم 32 شخصا قبل العام 2003 وأكثر من 130 ألفا في خمسينيات القرن الماضي، آخر رجل يهودي دفن بالمقبرة كان قبل ثلاث سنوات ليتناقص عدد اليهود المتبقين في العراق الى 6 أشخاص فقط. استذكار خلال حقبة حكم حزب البعث في العراق 1968 - 2003، كان محظوراً على العراقيين تناول قضية هجرة اليهود ومساهماتهم في الحياة العراقية، حتى تم طمس كل ما يتعلق بآثارهم وحياتهم السابقة في العراق. وبعد العام 2003 شرع العراقيون باستذكار يهود بلادهم وآثارهم وفضح الأساليب التعسفية في تهجيرهم، بعد أن عاشت هذه الطائفة في العراق منذ ما يزيد عن 2500 عام في مدن بابل وبغداد والموصل ومدن أخرى. شخصيات معروفة في المقبرة ترقد جثامين لشخصيات كانت معروفة ومشهورة في زمانها، ففي المقبرة يوجد قبر الطبيبة (فيوليت شاؤول طويق) التي كانت مديرة مستشفى الواسطي ببغداد، والطيار (ساسون) الذي شارك في حرب العام 1948 ضد إسرائيل، كما توجد في المقبرة في طرف منعزل خمسة قبور لخمسة أشخاص أعدموا في ساحة التحرير العام 1969 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل. رواد المقبرة قبل العام 2003 كان بعض الأشخاص يزورون الموتى بين فترة وأخرى، إلا أنهم انقطعوا عن زيارة المقبرة بعد ذلك التاريخ، وظلوا يسألون عن موتاهم من أنحاء العالم المختلفة، بعض المسلمين ايضا يزورون المقبرة، وهناك قصص وحكايات تتداول عن تبرك بعض النساء بأحد القبور يعود لرجل يهودي يسمى السيد بليبل يعود نسبه للنبي موسى (عليه السلام) فبعض النسوة يزرن القبر لإيفاء النذور ومسحه بالحناء تبركا وعرفانا بتحقيق المراد، ولا يقتصر الأمر على السيد بليبل فقط، بل توجد طوائف أخرى تزور المقبرة لغرض الإنجاب، بعد أن تقوم المرأة (المجبوسة) كمال يقال عنها في اللهجة العامية بالقفز فوق سبعة قبور ليهود متوفين منذ عشرات السنين. يهود العراق أغلب المهاجرين من الطائفة اليهودية ولدوا في الأزقة والأحياء البغدادية الأصيلة القريبة من نهر دجلة، ودرسوا في المدارس الحكومية الى جنب أبناء المسلمين وباقي الأقليات الأخرى فأخذوا عنها الروح العراقية والشعور بالانتماء للوطن الأم، فلم تكن النعرات الطائفية ذات قيمة في ذلك الوقت في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، الكاتب والقاص العراقي اليهودي سامي موريه ألَّف كتاب بغداد حبيبتي تحدث فيه عن خلاصة ذكرياته في العراق وبغداد بصورة خاصة وذكر في كتابه أن اليهود العراقيين كانوا من أكثر الأقليات تأثرا بالعادات والتقاليد والثقافة العربية، إذ كانوا يشاركون بقية الأديان الأخرى جميع مناسباتهم الدينية والوطنية، كما أن شخصيات مهمة من العراقيين اليهود كان لهم تأثير بالغ في المجتمع العراقي من خلال نشاطهم الاجتماعي، فالطبيبة فيوليت كان بيتها هو موقع فندق بابل الحالي وسط بغداد وكانت تسمى (أم البغداديين) لنشاطها في مجال الطب وإدارة المستشفى الذي يقدم خدماته لجميع أبناء مناطق بغداد والمدن الأخرى، كذلك بيت مناحيم دانيل الذي يشغله منتدى المسرح في شارع الرشيد حاليا، إذ كان دانيل يساعد اليتامى والمحتاجين عبر نشاط شخصي، كما أن ساسون حسقيل هو أول وزير مالية يهودي عراقي حافظ على أموال الدولة العراقية وفرض شروط محددة على الحكومة البريطانية أثناء مفاوضاتها على بيع النفط. دم القلب الروائي اليهودي شموئيل موريه رئيس رابطة الجامعيين العراقيين ألف كتابا عن (اشتياق وذكريات اليهود العراقيين الى بغداد) عنوانه يهود العراق ذكريات وشجون يقول فيه: عندما أكتب بالعربية فأنا أكتب بدم القلب، فاللغة العبرية هي صديقة أو زوجة ولكنها ليست (الأم)، أكتب بالعبرية في بعض مؤلفاتي ولكنها لا تستطيع أن تلعب بنياط قلبي كما تفعل اللغة العربية فهي اللغة التي تعلمتها منذ الصغر ودرستها في المدرسة عندما كنت طفلا. إدارة المقبرة قبل العام 2003 كانت وزارة الأوقاف العراقية هي المسؤولة عن إدارة المقبرة، وبعد دخول القوات الأميركية الى بغداد انتقلت الإدارة الى الطائفة اليهودية. قال حارس المقبرة زياد محمد فاضل البياتي وكنيته أبو عمر: أنا أعمل هنا منذ العام 1980 بعد أن ورثت العمل عن والدي، الناس هنا يحترمون هذا المكان خاصة وانه يضم آلاف الأموات، والمسلمين يحترمون كرامة الإنسان في حياته ومماته، ولم يحاول أحد أن يقتحم المقبرة أو يدخلها عنوة، لكن الجنود الأميركان في العام 2003 ضربوا جدار المقبرة بالدبابات وأحدثوا فيه ضررا بالغا، بسبب استخدام المقبرة من قبل جنود النظام السابق كموقع لإطلاق الصواريخ في حرب العام 2003، ولم تتبن أي جهة حكومية مسؤولية إصلاح الأضرار. مبينا أن أرض المقبرة تعود ملكيتها الى اليهودي العراقي مياح دانيال صاحب سوق شارع النهر وهو يسكن في مدينة لندن حاليا، وقد تبرع بها في العام 1965 لتكون مقبرة للطائفة اليهودية، وللمقبرة خمسة أضلع غير متساوية في الطول، يتراوح طول كل ضلع فيها 250 مترا، إذ تتراوح مساحتها الكلية بحدود الخمسة دونمات تحوي أربعة آلاف قبر، وآخر شخص دفن فيها كان في العام 2012 واسمه ناجي أبو سعد وهو رئيس الطائفة في العراق. وأغلب العائلات اليهودية الموجودة حاليا تسكن في مدينة أربيل، فقبل سقوط النظام كان عدد العائلات اليهودية في العراق يتجاوز الـ42 عائلة وحاليا لا يزيد عددهم عن 35 عائلة، ويقومون بإدارة أملاكهم وعقاراتهم من هناك، فبعض المحال والبيوت مؤجرة وتستوفى الإيجارات لأصحابها، وأغلب أملاك اليهود مؤجرة لأشخاص وأصحاب مهن وحرف، ولم تصادرها الدولة أو تستحوذ عليها كما يشاع. تخوف وتجاوز وأضاف البياتي: الطائفة اليهودية تتخوف من الأوضاع الحالية ووجود جماعات منفلتة يمكن أن تعتدي عليهم، بالرغم من أن علاقاتهم بالمسلمين كانت جيدة ويشتركون في عادات وتقاليد موروثة بحكم التعايش في الحي والزقاق والمدينة والوطن، لكن الظروف الأمنية التي حدثت بعد العام 2003 اضطرت أصحاب الأملاك والتجار الى إدارة أملاكهم عن طريق وسطاء أو وكلاء من المسلمين تخوفا من الاعتداء من قبل بعض المتطرفين حتى ان بعض الأشخاص قاموا باستغلال عملية التجاوزات وبناء بيوت على سي