إصلاح الخطاب الثقافي أم المؤسسة الثقافية؟
ترددت مفردة الاصلاح في وسائل الاتصال المختلفة في هذا العام بصورة خاصة لاسيما بعد ان قدمت الحكومة الخامسة برنامجها الحكومي لاصلاح ما أفسدته السياسات السابقة التي توالت على حكم العراق منذ نشأة الدولة العراقية وحتى يومنا هذا.
هذه حقيقة لا بد لنا من الاقرار بها قبل نبدأ في الدخول لمناقشة هذا الموضوع وكأنه أمر جديد او واقع لم يعايشه او يتآلف معه الانسان العراقي، فقد إرتهن الخطاب الثقافي العراقي اما الى مشروع الحكومات الدعائي او الخطاب الايدولوجي للاحزاب السياسية في فترات مختلفة والذي توارثته بعد نيسان 2003 الاحزاب الدينية او السياسية النائشة او العريقة، اذ انها لم تفكر بانتاج خطاب ثقافي جامع للعراقيين وانما بقيت بنمطية الخطاب الدعائي الايدولوجي الذي ينظر على اساس الكسب العددي والمادي على حساب الثوابت الوطنية والمصلحة العليا.
هذه الظاهرة العامة التي اتسم بها الوضع الثقافي العام في العراق ادت الى عدم انتاج خطاب ثقافي وطني شامل وجامع لكل الطوائف والمذاهب والاتجاهات، وذهبت دعوات انتاج وانضاج خطاب الثقافة الجامع من قبل عدد من الكتاب الكبار والرموز الثقافية والفكرية ادراج الرياح لان اصحاب هذا الخطاب راحوا ضحية خطابهم هذا في قعر المعتقلات او السجون او التشريد والهجرة حيث كانت السلطة وفي كل الأوقات اقوى من المثقف وهي المهيمنة على مقدراته الحياتية والثقافية وخلقت منه تابعا لا قائدا لمشروع التغيير.
من هذه المنطلقات فإن مسؤولية النهوض بالمشروع الاصلاحي للبنية الثقافية في العراق لاتقع على عاتق المؤسسة الثقافية الرسمية والمتمثلة في وزارة الثقافة اوالمؤسسات التربوية والجامعية او مؤسسات المجتمع المدني الثقافية بما فيها اتحاد الادباء والكتاب في العراق او المنظمات والجمعيات المهنية والثقافية وكذلك في المؤسسات التربوية والجامعية، وانما هي مسؤولية تضامنية يشترك فيها الجميع افراداً
ومؤسسات.
اتخذت وزارة الثقافة عدة خطوات اجرائية بصدد احداث بعض الاصلاحات في هيكل المؤسسة الثقافية بشكل عام وقد أثارت تلك الخطوات العديد من الآراء بين مؤيد ومعارض لها لاسيما معارضة المتضررين من هذه الخطوات، فقد علت أصوات بعض الموظفين ممن كانوا يتنعمون بالامتيازات الثقافية في مؤسسات داخل البلاد او خارجها من دون ان يكون لهم موقع او حضور في الوسط الثقافي او ممن يمتلكون خبرة او خدمة وظيفية طويلة وانما هم من المقربين لاصحاب القرار في ادارة مفاصل الوزارة حتى وصلت الجرأة بأحدهم ان يصدر امر تعيين لابنه وينسبه الى مركز ثقافي خارج العراق في ان واحد، وادرك وزيرالثقافة فرياد رواندوزي الكثير من هذه الامور التي تدلل على الفساد الاداري في ادارة المؤسسة الثقافية والتي جعلت من نفسها طاردة للثقافة والمثقفين وابقت على موظفين اداريين بعيدين عن المشروع الثقافي العام، لذلك كان لزاما على المسؤول الاول في الوزارة ان يتخذ خطوات اجرائية جدية تؤكد المضي في اصلاح المؤسسة الثقافية الرسمية لننتقل بعد ذلك الى اصلاح الخطاب الثقافي وتشذيبه من الشوائب الفكرية المفتتة لبنية المجتمع العراقي.
اذ وجهه خطواته الاولى باتجاه دوائر لم تتمكن من اثبات حضورها على الرغم من الملاك الوظيفي الذي تضمه تلك الدوائر والدعم المالي، فقد افشلت تلك الدوائر لتعيين مقربين من المسؤولين لادارة تلك المفاصل وتهميش الكفاءات الحقيقية ذات الاختصاص من تولي مسؤولية ادارة تلك الدوائر او المشاريع الثقافية، لذلك اضطر وزير الثقافة الى الغاء قناة الحضارة الفضائية وكذلك جعل جريدة الاتجاه الثقافي جريدة الكترونية بعد ان كانت ورقية وكذلك الغاء المراكز الثقافية في الخارج التي كانت عبارة عن اماكن للنزهة وليس للثقافة، وكذلك في دمج عدد من الدوائر المتشابهة او المتقاربة في الاختصاص لاسيما بعد الغاء وزارة السياحة ودمجها بوزارة الثقافة، ولايمكن ان تتوقف الاجراءات الاصلاحية في الوزارة على هذه الخطوات وانما هناك العديد من الخطوات التي لا بد من اتخاذها على مستوى الاصلاح واعادة تقويم الاداء الثقافي لمؤسسات الوزارة على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية والتي اوصلتنا الى هذا المستوى من الخراب الثقافي العام الذي افشل اهم مشروع ثقافي رصدت له الدولة مليارات الدولارات وذهبت هباء الا وهو مشروع بغداد عاصمة الثقافة، لذلك لا بد من اعادة النظر ودراسة واقع وجدوى مؤسسات الثقافة، والتوزيع العلمي المدروس للثروة البشرية الثقافية التي تمتلكها الوزارة ولايعترف بها المسؤول الاداري لانه يتعامل معها وكأنها الأقل شأناً لأن موقعه الوظيفي أعلى شأنا وتلك هي مصيبة الثقافة في التعامل مع المثقفين من استعلامات الوزارة وحتى المواقع العليا، ويكون الاحترام الثقافي فقط لاغراض التصوير او الاعلان الاخباري، لذلك فقبل ان نبحث عن انضاج خطاب ثقافي جامع شامل لكل العراقيين ينبغي ان نبني سلوكا ثقافيا وظيفيا داخل المؤسسة الثقافية ينصف المثقف والاديب ويعزز من قيمته، وان لايضطر المسؤول الاول في الوزارة لفتح بابه لكل المثقفين لسماع شكاواهم وحلها جراء الغبن الوظيفي او امور اخرى.
اذ ان المسؤول الاول ليس معنيا في ان يتكدس اكثر من اربعمئة صحفي واديب من خيرة ادباء العراق المبدعين في شتى المجالات في دائرة واحدة من دوائر الوزارة وتذهب دائرة اخرى الى التعاقد مع ادباء وصحفيين من خارج الوزارة لادارة مشاريعها الثقافية وهم في القياسات الابداعية والثقافية اقل رتبة من الاخرين، وان بيتا من البيوت الثقافية في محافظة ما يضم مايقرب من تسعين موظفا واخر في محافظة اخرى يديره ثلاثة موظفين او ان محافظة فيها ثلاثة بيوت ثقافية واخرى فيها بيت واحد او لايوجد، وبيوت تصدر صحفا ورقية واخرى لاتملك المال لاقامة اصبوحة ثقافية لمناقشة واقع الثقافة والابداع في هذه المحافظة وتلك.