العبادي يحسم اصطفافه: أنا أميركي
0000-00-00 00:00:00 - المصدر: الاخبار
دا خلال اليومين الماضيين أن حيدر العبادي يغامر بالعراق. رئيس الوزراء العتيد أعلنها جهاراً من دون أي مواربة. بل عبّر عنها بقرارات لا تقبل أي التباس: في الصراع الدائر في العراق أنا مع... أميركا. إيلي شلهوب. يوم الثلاثاء لم يكن يوماً عادياً في العراق. حدثان مفصليان كشفا المستور. تعيين عماد الخرسان أميناً عاماً لمجلس الوزراء، وتسريب رسالة لأبو مهدي المهندس يستجدي فيها حيدر العبادي دعم الحشد بالموارد الضرورية لأدائه مهماته في مقارعة المجموعات التكفيرية المسلحة. أهمية قرار التعيين أنه يحسم اصطفاف العبادي في لعبة المحاور الإقليمية، إلى جانب الولايات المتحدة، ويأتي في سياق تحضير الخرسان لتولي رئاسة الوزراء خلفاً للعبادي عندما يحين موعد مغادرته الحكم. من هنا يصبح من غير المستغرب وصف هذه الخطوة بأنها «انقلاب» بدأ عملياً مع المؤامرة التي دبرت في ليل وأدت إلى إقصاء نوري المالكي من رئاسة الوزراء برعاية المرجعية وبدعم واشنطن، وتواصلت في محاربة «الحشد الشعبي» وفصائل المقاومة والتضييق عليها بطرق وآليات مختلفة، بينها تقطير الدعم المالي والتسليحي لها، واستكملت برزم ما عرف بالإصلاح السيسي التي أصدرها العبادي بقرارات منفردة وبدعم علني واضح من كل من بريطانيا والولايات المتحدة، وأيضاً بمباركة المرجعية، من دون أن ننسى رفضه المطلق وتصديه لأي محاولة لتحرير غرب العراق من قبل «الحشد» بذريعة وجود خطوط حمراء أميركية. طبيعة الشخصية التي اختارها العبادي لأمانة مجلس الوزراء لا تترك مجال لأي التباس: عراقي نجفي الأصل، أميركي الهوية والانتماء، عمل مساعداً لشؤون إعادة الأعمار لجي غارنر، الحاكم الأميركي الأول لعراق ما بعد الاحتلال، قبل أن يكمل مسيرته مع خلفه بول بريمر. كان محط ثقة الأخير إلى الحد الذي أوكله فيه مهمة قناة الوصل بينه وبين مرجعية النجف. بل إن توقيت القرار يحمل دلالات بالغة: في ظل انقسام حاد حول الدور الروسي في العراق، بين طرف يضغط بقوة على العبادي للطلب من موسكو المشاركة في العمليات القتالية ضد «داعش»، في مقابل ضغوط أميركية تزداد حدة على رئيس الوزراء للتبرؤ من الحضور الروسي وتقديم ضمانات بالحؤول دون تجاوز دوره حدود التنسيق الأمني مع سلطات بغداد. اللافت في القرار المذكور أنه يأتي أيضاً في ظل شائعات عن أنه واحد من رزمة تعيينات تشمل فريق من العراقيين الذين تدربوا على أيدي الأميركيين وعملوا في السنوات الأولى للاحتلال في فريق بريمر. من بينهم محمد البياتي مستشاراً أمنياً لرئيس الوزراء. وعدنان الزرفي، محافظ النجف السابق الذي أُقصي من منصبه بقرار قضائي بعد إدانته بالفساد، مديراً لاستخبارات وزارة الداخلية، وهو المنصب الذي شغله في سنوات سابقة. ومصطفى الكاظمي وكيلاً لوزير الداخلية. ولعل الأبرز من بين هؤلاء، جبار الجبوري، الذي عين رئيساً لقوات تحرير الموصل من دون علم وزير الدفاع خالد العبيدي. مناهضو العبادي، الذين بدأ ممثلوهم في البرلمان بجمع التواقيع لاستجواب رئيس الوزراء بهدف إقالته، يتهمونه بتنظيم انقلاب على «الحشد الشعبي» الذي يبدو واضحاً أنه لن يترك قرارات من هذا النوع تمر من دون رد فعل عنيف، لا أحد يعلم مداه، خاصة في ظل حديث متداول عن حملة اغتيالات يجري الإعداد لها لاستهداف شخصيات أساسية فيه، من بينهم هادي العامري وأبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي. أما مؤيدوه فيرون أنه مكبل اليدين، في ظل إدراكه لمخاطر معاداة واشنطن لأسباب تتعلق به شخصياً، من جهة، وبمصالح العراق من جهة أخرى لما يتمتع به العم سام من قدرات تجعله قادراً على أذيّة بغداد بطرق مختلفة، لعل أولها ماليّ. يضيفون أن الهدف الأساس للعبادي هو الحفاظ على وحدة العراق. غاية لا يمكن تحقيقها، من وجهة نظره، إلا بتحرير غرب العراق في مهمة يعتقد العبادي أنها مستحيلة بواسطة «الحشد الشعبي» لاعتبارات مذهبية وإقليمية ودولية. واقع عبرت عنه رسالة (نصها على الموقع الإلكتروني) أبو مهدي المهندس الذي شكا فيها «الموازنة الهزيلة» لقوة عسكرية من المتطوعين «تتحمل مسؤوليات جسيمة وهي إدارة معركة ضخمة... من دون بنى تحتية وبأسلحة وأعتدة أغلبها خفيف ومتوسط» وتضطر فيها «في كل معركة إلى التوسل والاستجداء أحياناً». كذلك طالب العبادي بضرورة «إعادة النظر بالإدارة الحالية للمعركة، فمن الضروري أن تكون لكم هيئة ركن حقيقية تضم الدفاع والداخلية والحشد، أو قيادة عمليات مشتركة تقوم بإعداد وتوزيع الأموال والإمكانات والأسلحة والأعتدة بحسب متطلبات المعركة ولمن يحارب من دون تفريق». يبدو واضحاً أن العبادي لا يزال يتصرف من موقع قوة، برغم انفراط عقد التحالف الذي أتى به إلى سدة رئاسة الوزراء، مع الخلافات التي نشبت بينه وبين كل من التيار الصدر والمجلس الأعلى على خلفية استفراده بقرارات مصيريّة، بينها رزم «الإصلاحات» التي أصدرها تباعاً من دون أي تشاور معهما. العارفون في بواطن الأمور يؤكدون أن العبادي لا يزال يحظى بدعم مرجعية النجف، أو بالحد الأدنى لم تقرر هذه المرجعية بعد رفع الغطاء عنه. كذلك فإنه يحظى بدعم غير مسبوق من كل من واشنطن ولندن. والأهم من الاثنين أنه يدرك أن الطرف الآخر يعلم علم اليقين أن إقصاءه من الحكم سيدخل البلاد في فراغ سلطة لا أحد يعرف متى يخرج منها، في ظل ما يعتقد من وجود استحالة على التوافق على اسم رئيس وزراء جديد على خلفية الاصطفافات الحالية وموازين القوى المحلية والإقليمية الحالية. من هنا يبدو تعيين عماد الخرسان بمثابة ورقة احتياط تحتفظ بها الولايات المتحدة لليوم الذي تجري فيه إقالة البعادي أو استقالته إذا ما بلغت الضغوط حداً ما عاد قادراً على تحمله، وهو ما يبدو أنه أمر لن يطول انتظاره.