عن العلم والنشيد الكوردستانيين
تعرض الوطن الكوردي للتقسيم في فترتين تاريخيتين متتاليتين تفصلهما مدة زمنية تزيد عن أربعة قرون ( التقسيم الأول في عام 1514، التقسيم الثاني في عام 1916).
في أعقاب التقسيم الثاني، الذي جرى خلال الحرب العالمية الأولى، بدأ الشعور القومي الكوردي يتعاظم رداً على تصفية الدولة العثمانية (في مرحلة ما قبل انهيارها) للإمارات الكوردية المستقلة من جهة وعلى سياسة انكار الوجود الكوردي وبالتالي التنكّر لحقوق الشعب الكوردستاني من جهة أخرى.
ولكن مع تقسيم كوردستان بموجب هذه الاتفاقيات المبرمة بين القوى المهيمنة، فقد الكورد تدريجياً وبمرور الزمن الشعور بالوحدة الجغرافية لوطنهم سيما وأنّ الحدود المرسومة لم تترسخ بمرور هذا الزمن فحسب بل وبسبب التناقضات والصراعات والنزاعات بين الدول المتقاسمة لكوردستان في مراحل زمنية متعاقبة وطويلة أحياناً (الحرب العراقية-الإيرانية والقطيعة بين النظامين لفترة طويلة إلى حين سقوط النظام العراقي)، (الصراع بين النظامين السوري والعراقي والقطيعة بينهما لفترة طويلة إلى ما قبل سقوط نظام صدام بقليل)، (الخلاف التركي- السوري واحكام الحدود بين البلدين وتحصينه بالألغام وكلّ وسائل المنع) أصبحت هذه الحدود - التي حفُرِت في جغرافية وطن واحد وحجزت بين أبناء شعبٍ واحد- لفترات زمنية طويلة عصية على العبور والاجتياز. وبذلك تعمّق الاحساس بالقطيعة بين أبناء الشعب الكوردي (المقسوم) بين الدول وترسّخت في الذهن الشعبي والعقل السياسي فكرة أجزاء كوردستان وساد الشعور بالاغتراب بل والتمايز بين أبناء الشعب الكوردستاني في الأجزاء المقتَسَمة بين دول المنطقة. وقد ساهمت تعقيدات الوضع السياسي في المنطقة التي تضمّ كوردستان في إرغام القوى السياسية والحركات التحريرية في كلّ جزء من كوردستان على أخذ هذا التجزيء بالاعتبار في سياساتها وتحديد مطالبها ومشاريعها لحلّ القضيّة الكوردية في الجزء الذي تناضل فيه من كوردستان. ثم أنّ ظروف النضال الشاقة في ظلّ المعادلات الدولية والإقليمية غير المواتية للكورد، أرغمت، في معظم مراحل النضال التحرري الكوردستاني، الحركة التحررية في جزء من كوردستان على إقامة علاقات وتحالفات (اضطرارية وغير متكافئة) مع أنظمة الحكم في الأجزاء الأخرى. وقد أدّت هذه العلاقات في أحيان كثيرة إلى الاضرار بالعلاقات الكوردستانية وخلق نوعٍ من التنافر وصل أحياناً إلى حدّ التباغض بين أبناء كوردستان المجزّأة.
في مرحلة تصاعد الوعي القومي، صُمّم العلم الكوردستاني من قبل البدرخانيين في عام 1919، وخلال تصاعد مدّ النضال التحرّري الكوردستاني منذ عشرينيات القرن العشرين، أصبح هذا العلم الرمز المشترك لجميع الثورات الكوردية مروراً بجمهورية مهاباد في شرقي كوردستان ووصولاً إلى إقليم كوردستان في جنوبها ككيانين كوردستانيين يشكّلان علامة بارزة في تاريخ الكورد المعاصر. إضافة إلى اعتماده من قبل الأحزاب الكوردستانية في أجزاء كوردستان وكذلك في المهاجر.
وفي مرحلة تصاعد النضال التحرري هذه نفسها، كتب الشاعر الكوردي دلدار في أحد معتقلات ايران (عام 1938) نشيد (أي رقيب)، تعبيراً عن توقه وشعبه إلى الحرية والاستقلال، لينشد لاحقاً في ساحة جارجرا نشيداً رسمياً لجمهورية مهاباد وليغدو بعد ذلك النشيد الوطني الكوردستاني الجامع.
وعلى مرّ مراحل النضال التحرري الكوردستاني، ظلّ وحدهما هذا العلم وهذا النشيد قاسماً مشتركاً وموحّداً للشعور والوعي القوميين وعاملاً عابراً لتلك الحدود المحفورة بإزميل المصالح الدولية كعلامة على الظلم التاريخي المفروض على الشعب الكوردستاني. فالكورد بأجمعهم يرفعون هذا العلم ويردّدون هذا النشيد. ومن الافتراء القول بأنّ هذا العلم وهذا النشيد يخصان حزباً كوردستانياً معيناً أو جزءاً كوردستانياً دون غيره، وإنّ الخروج على أيّ من هذين الرمزين الوطنيين الكوردستانيين بدون إرادة شعبية جامعة تمثلها مؤسسة شرعية للشعب الكوردستاني هو خيار سياسي ينطلق من قاعدة الاستغناء عن المشروع الوطني الكوردستاني وتهديم هذا القاسم المشترك الموحّد والعابر للحدود.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية