تشاؤم من إيجاد حل سياسي في سوريا -
عبّر معارضون سوريون عن تشكيكهم في إمكانية الحل السياسي في سوريا في ظل تضارب أجندة اللاعبين الدوليين وغموض القرارات الأممية، التي "ميّعت" مطالب الثورة، ولم تكن على مستوى طموحات الشعب السوري.
بهية مارديني: أكد محمد خليفة المعارض والكاتب السوري أن مفهوم الحل السياسي في سوريا منذ البداية كان "مبّهًما وغامضًا يفتقر إلى المحددات، وكانت الدول المعادية للثورة تستعمله في خطابها بطريقة مراوغة لإخفاء غايتها الحقيقية، وهي إجهاض الثورة ومنعها من تحقيق أهدافها في إسقاط النظام، الذي يعتبر أمرًا محالًا بدون التخلص من مؤسساته ومنظوماته الأمنية الإرهابية أولًا".
أثمان باهظة
لذلك اعتبر في تصريح لـ"إيلاف" أنه "أمكن لهذه المؤسسات الوقوف بقوة ضد أي استجابة لمطالب الشعب بالتغيير والانتقال السلمي لنظام تعددي وديمقراطي، حتى لو افترضنا وجود جناح عاقل في النظام مستعد لهذه الاستجابة، وأمكنها أيضًا فرض الخيار الأمني والسير عليه منذ اليوم الأول للانتفاضة الشعبية السلمية إلى هذه الساعة".
الأطراف الدولية المتمسكة بهذه المقولة الغامضة، وخاصة واشنطن وموسكو وطهران، كانت، بحسب خليفة، "تبرر موقفها بالحرص على بقاء الدولة وحماية السلم الأهلي". ولأن هذا الموقف يعكس قصورًا عميقًا في فهم طبيعة "الدولة" و"النظام" في التجربة السورية أوضح خليفة "لقد تحمل شعبنا نتائجه أثمانًا باهظة".
وحدد المعارض السوري "كيف أدى ذلك التمسك الأجوف بمبدأ الحل السياسي إلى عكس مراميه المعلنة"، موضحًا أنه "انقلب إلى "فيتو" دولي على انتصار الثورة أولًا، وأعطى - ثانيًا - النظام بوليصة تأمين على بقائه، طالما واصل جرائم الإبادة والتدمير الشامل".
عكس المنطق
وأشار إلى أن مآلات الامور تجري عكس المنطق، حيث "إن المنطق السليم يقول إن مبالغة النظام في جرائمه ضد الإنسانية واستعمال الأسلحة المحرّمة وجذبه للقوى المتطرفة كان يحتم تدخل النظام الدولي بالقوة وبسرعة لإسقاطه من دون انتظاره حتى يقتنع من تلقاء نفسه، ويقبل الجلوس على طاولة التفاوض مع معارضيه، وهي فكرة شيطانية تنطوي على استخفاف عنصري بأرواح السوريين".
وحول مقولة حتمية الحل السياسي في سوريا وعدم وجود بديل منه، بذريعة الحرص على الدولة السورية، اعتبر أنها "مقولة مضللة وخدعة كبرى"، وعلينا أن نقوّم نتائج الإصرار عليها طوال خمس سنوات، لنلاحظ أنها أدت عمليًا إلى انهيار (الدولة)، لا إلى بقائها".
وأعرب عن أسفه لـ"أنه لا حل سياسيًا في الصراع السوري، لأن النظام لن يقبل بأي تنازل أو تراجع أو مساومة على استبداده الشمولي التوتاليتاري، خصوصًا وهو يعلم في قرارة نفسه أن القضاء الدولي سوف يطاله هو وعصاباته مهما طال الزمن ومهما حصل على ضمانات مؤقتة، وسيكون مصيره كمصير سلوبودان ميلوسيفيتش سفاح البوسنة وكوسوفو وصربيا".
فرض الحل العسكري
ولفت خليفة إلى "أن الدول الحليفة للأسد، والتي تتشدق أكثر من غيرها بالحل السياسي كحل وحيد، وخاصة روسيا وإيران، هي نفسها التي تحاول بكل قوتها الحربية فرض (الحل العسكري) الذي يخدم أجندتها بدون انتظار للمفاوضات مع الطرف الآخر، الذي ترفض الاعتراف به وبحقوقه أصلًا أي إنها تشترط على المعارضة السورية والثوار التزام طريق الحل السياسي وتقديم أقصى التنازلات، بينما تصرّ هي على اتباع الحل العسكري".
وعلى مدى خمس سنوات، وردًا على سؤال حول كيف يمكنه تقويم مساعي الدول المعنية بالملف السوري، التي انبثقت من مسار فيينا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، أجاب "أنها تسير على السكة الرخوة نفسها التي سارت عليها المساعي التي سبقت جنيف 2 وأدت إلى فشله، بعد شهر واحد من بدء المفاوضات فيه، برعاية الأمم المتحدة وعشرات الدول. ويمكننا القول إن خريطة الطريق التي توصلت إليها المجموعة الدولية في فيينا 3 يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر)، وما تلاها من جهود توّجها قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2254 ما زالت تسير في الاتجاه الخاطئ، الذي فرضته الدبلوماسية الروسية - الإيرانية بقوة السلاح من ناحية، ودبلوماسية واشنطن الضعيفة التي تفتقر إلى أي استراتيجية - كما قالت صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة الماضي - من ناحية أخرى".
قرار مجلس الأمن الإشكالي
وشدد خليفة على "أن قرار مجلس الأمن الجديد 2254 لا يتضمن حلولًا محددة لكثير من النقاط والإشكاليات السياسية المعقدة التي أفشلت مفاوضات جنيف 2، وفي مقدمتها مصير رأس النظام، ومصير مؤسساته الإرهابية، وإجراء انتخابات في غياب ملايين الناخبين ووجود الأجهزة المذكورة، ولا يزال الروس وحلفاؤهم الإيرانيون يعتبرون المعارضة السياسية والعسكرية جماعات إرهابية تستحق الإبادة، ويعلنون استمرار قصفهما، حتى بعد قرار وقف إطلاق النار، ويرفضون الضغط على الأسد لتقديم أي تنازل، بما في ذلك الإفراج عن مائتي ألف معتقل".
تمييع مطالب الشعب
ورأى أنه "لا يزال المفهوم الروسي والإيراني للحل السياسي يعني استسلام المعارضة ، وإعادة السلطة إلى الأسد على الأراضي التي فقدها، مقابل بضع وزارات في حكومة يشرف عليها، والتعاون معه عسكريًا تحت مظلة القوة الروسية لمحاربة داعش والنصرة وأحرار الشام. أي إن موسكو وطهران ومعهما الأسد يحاولون تغييير الأولويات المنطقية وفق الأجندة التي طرحها الكرملين منذ آب (أغسطس) الماضي، أي إنشاء تحالف ضد الإرهاب وترك مسألة تغيير النظام للسوريين أنفسهم، ولكن كيف..؟؟ لا جواب!".
وانتهى إلى القول إن "ما يجري في الواقع تمييع لمطالب الشعب السوري واحتواء للمعارضة الثورية واستبدالها بمعارضة من قماشة النظام !!".
شارك جوني عبو الصحافي والإعلامي السوري رأي محمد خليفة حول القرار الأممي الأخير الخاص بسوريا. وقال لـ"إيلاف" إنه تمييع لمطالب الشعب السوري ولنتائج مؤتمر الرياض، رغم تكليف المملكة العربية السعودية دوليًا بجمع المعارضة استنادًا إلى مؤتمر فيينا.
وأضاف "القرار 2254 خطوة في الاتجاه الصحيح عمومًا من حيث إجماع العالم على حل سياسي". ولكنه استدرك إن "هذا القرار الذي صدر من مجلس الأمن لم يكن على مستوى طموحات الشعب السوري، فهو لم يكن ملزمًا للأطراف بوقف إطلاق النار، كما إنه ميّع نتائج مؤتمر الرياض".