تشكيك في بريطانيا في إستطلاع حول المسلمين والارهاب -
شككت وسائل إعلام بريطانية، في استطلاع رأي نشرته "ذا صن" وخلصت فيه إلى أن واحدا من كل 5 بريطانيين مسلمين يتعاطفون مع الارهاب، في حين توجه قراء بالشكوى للمنظمات المعنية، على ما يرونه استطلاعا غير علمي ومظلل.
ميسون أبو الحب: قبل أسبوع، نشرت صحيفة "ذا صن" البريطانية واسعة الانتشار تقريرا تحت عنوان "واحد من كل خمسة بريطانيين مسلمين يتعاطفون مع الجهاديين".
وناقش تقرير لاحق نشرته بي بي سي هذا العنوان متسائلة على ماذا اعتمد ومن اين جاءت هذه الاحصائية.
ولاحظت بي بي سي أولا أن هذا العنوان أثار ردة فعل لدى المسلمين البريطانيين الذين اعترضوا في الحال على الرقم (1 من كل 5) حسب تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر فيما تلقت المنظمة المسؤولة عن متابعة الصحف الفين وستمائة شكوى.
ويبدو ان صحيفة "ذا صن" اعتمدت في هذا الرقم على بحث اجرته مؤسسة معنية بالمسوحات واستطلاعات الرأي تحمل اسم سرفيشن Survation.
وأجرت المؤسسة البحث اعتمادا على اتصالات بالهاتف مع الف مسلم بريطاني بعد وقوع هجمات باريس الاخيرة. وكان احد الاسئلة التي طرحتها هو اي من الجمل التالية اقرب الى وجهة نظرك؟
- أتعاطف كثير مع الشباب المسلمين الذين يغادرون بريطانيا للانضمام الى المقاتلين في سوريا.
- اتعاطف بعض الشئ مع الشباب المسلمين الذين يغادرون بريطانيا للانضمام الى المقاتلين في سوريا.
- لا اتعاطف مع الشباب المسلمين الذين يغادرون بريطانيا للانضمام الى المقاتلين في سوريا.
- لا ادري.
ولم ترد كلمة "جهاديين" لا في العنوان ولا في الاسئلة.
ولهذا الامر اهمية باعتبار أن ليس كل شخص يسافر الى سوريا سيقاتل بالضرورة في صفوف ما يدعى بالدولة الاسلامية والجماعات الاسلامية الاخرى، بل ربما يذهب للانضمام الى جماعات معارضة لتنظيم داعش.
وجاءت نتيجة الاستطلاع كما يلي: عندما اجاب المستطلعة آراؤهم على السؤال، قال 4% بأنهم يتعاطفون كثيرا و14% يتعاطفون بعض الشئ، ليصبح المجموع 19% وهي النسبة التي استخدمتها صحيفة "ذا صن"
تعاطف ؟
هناك ايضا كلمة "تعاطف" وهي كلمة غير واضحة وغير محددة المعنى ويؤثر استخدامها على دقة النتائج حسب قول ماريا سوبوليوسكا الخبيرة في استطلاع آراء الاقليات في جامعة مانشستر.
ونقرأ في قاموس اوكسفورد تعريفين لكلمة تعاطف: شعور بالشفقة والالم لمصيبة شخص آخر.
وتفاهم بين الناس، شعور مشترك.
وتساءلت سوبوليوسكا "ترى هل اراد الذين اجابوا على اسئلة الاستطلاع القول إنهم شعروا بان الوضع صعب بالنسبة للمسلمين في مختلف انحاء العالم بسبب الحروب والنزاعات الكثيرة؟ او ربما بسبب الافكار السائدة في اوربا الغربية ما يعني ان الشعور باليأس يدفع الشباب الى الارهاب؟" واضافت "هل هو تفهم عاطفي؟ ام هو دعم ضعيف او باطني للارهاب؟ اعتقد حقيقة ان اعتباره دعما باطنيا للارهاب فيه تجاوز كبير".
إعتراض آخر
ولاحظ هذا الفرق ايضا شخص ساهم في انجاز الاستطلاع ثم كتب دون ذكر اسمه على موقع اخباري يحمل اسم فايس Vice قائلا إنه لا يشعر بالراحة للطريقة التي تم بها عرض قضية معقدة مثل هذه.
واضاف "لا احد من الذين طرحتُ عليهم السؤال الخاص بشيء من التعاطف، يساند الجهاديين. إحدى النساء اجابتني بطريقة منطقية على كل سؤال وقالت إن ديفيد كامرون ربما يكون محقا بقصف سوريا وان على المسلمين ادانة الهجمات الارهابية التي تجري باسم الاسلام. ولكنها قالت أيضا إنها تتعاطف بعض الشيء مع الشباب البريطانيين المسلمين الذين ينضمون الى المقاتلين في سوريا ثم شرحت بالقول "إنهم مغسولو الأدمغة. اشعر بالاسف عليهم". وعندئذ وضعت اشارة على "اتعاطف بعض الشئ مع الشباب المسلمين الذين يغادرون بريطانيا للانضمام الى المقاتلين في سوريا".
لماذا تعاطف؟
وتساءلت بي بي سي عن سبب استخدام كلمة "تعاطف"؟ ثم نقلت عن باترك برايون المسؤول في مؤسسة سرفيشن للاستطلاع قوله "جاء اختيارها مقصودا كي تطابق صياغة استطلاع رأي سابق اجري عن هذا الموضوع في وقت سابق من هذا العام، وللتمكن من المقارنة".
ولكن عندما نقارن هذه النتائج مع نتائج استطلاع اجرته فضائية سكاي نيوز في آذار الماضي يظهر الاستطلاع الجديد تراجع تعاطف المسلمين البريطانيين مع الأشخاص الذين ينضمون الى المقاتلين في سوريا.
وكان الاستطلاع السابق قد طرح السؤال نفسه على مشاركين غير مسلمين فعبر حوالى 1 من كل 7 عن بعض التعاطف على الاقل.
أما في الاستطلاع الذي نشرت "ذا صن" نتائجه فلم يشمل غير المسلمين.
وتعتقد سوبوليوسكا أنه كان يجب طرح سؤال مختلف على المشاركين كي نعرف بالتحديد كم نسبة من يؤيد بالفعل أفعال المقاتلين في سوريا.
مثلا "انا اؤيد ما تقول"، حسب قولها ثم اقترحت استخدام كلمة دعم مثلا كأن نقول "هل تؤيد اعمالا مثل هجمات شارلي ايبدو او هجمات باريس؟" ثم اكدت الخبيرة ان نتيجة الاجابة على هذه الاسئلة ستكون 2 او 3 او 4 او ربما 5 بالمائة فقط".
ولاحظت الخبيرة ايضا أن عددا من الاستطلاعات سأل مسلمين بريطانيين بعد هجمات لندن في عام 2005 أسئلة مباشرة عما إذا كانوا يؤيدون الهجمات او انهم يجدونها مبررة واضافت "هذا السؤال عن دعم واضح يؤدي عادة الى الحصول على ارقام اقل - ما بين 2% وهي نسبة لا اهمية لها احصائيا لان هامش الخطأ يقدر عادة ب 3% و 9% في بعض الحالات - وهذه رسالة واضحة مفادها أن نسبة قليلة وضئيلة جدا من المسلمين البريطانيين ربما يحملون افكارا مؤيدة فعلا لمثل هذه الهجمات الارهابية".
نأي
ومنذ نشر تقرير "ذا صن"، نأت مؤسسة سرفيشن بنفسها عن تفسير الصحيفة للنتيجة. وقال برايون "لا نؤيد او ندعم الطريقة التي اختارتها لعرض القصة ولا العنوان"، واضاف "صدمنا بذلك".
من جانبها نشرت صحيفة "ذا صن" بيانا جاء فيه "ليس من مسؤولية مؤسسة استطلاع ان تدعم او لا تدعم تفسير هيئة التحرير لنتائج مسح او استطلاع. "ذا صن" نشرت بشكل صحيح وواضح ما جاء في نتيجة الاستطلاع وبضمنها الاسئلة كاملة".
واضاف البيان "تبقى الحقيقة بأن اقلية مهمة من المسلمين تتعاطف مع اعمال المتطرفين. وهذا موضوع يستحق الحديث عنه وتعتقد "ذا صن" ان من الملائم طرح هذا الموضوع للنقاش".
في هذه الاثناء نشرت التايم شقيقة "ذا صن" تقريرا اعتمد على الاستطلاع نفسه ولكنها الحقته بتصحيح قائلة إن عنوان "واحد من كل خمسة مسلمين بريطانيين يتعاطفون مع تنظيم داعش"، "مضلل".
استطلاع دولي
وعلى الصعيد الدولي، نشر مركز بيو للابحاث مؤخرا تقريرا عن المواقف ازاء تنظيم داعش في 11 بلدا "فيها عدد سكاني مسلم كبير".
وجاء في نتائجه "من نيجيريا الى الاردن الى اندونيسيا عبر المستطلعة آراؤهم عن وجهات نظر سلبية جدا ازاء تنظيم داعش"، ثم "توجد في هذه الدول مجموعات سكانية مختلطة عرقيا ودينيا، لكن الجميع عبروا عن وجهات نظر سلبية إزاء تنظيم داعش بغض النظر عن هذه الفروقات".
واظهرت النتائج ايضا ان الفروق بين آراء المسلمين وغير المسلمين في لبنان وبوركينا فاسو وماليزيا لم تظهر تقريبا رغم ان 20% من المسلمين في نيجيريا عبروا عن وجهة نظر مؤيدة لتنظيم داعش مقارنة ب 7% لدى المسيحيين.
وكان الاستثناء الوحيد باكستان حيث ظهر أن 62% ليس لديهم رأي واضح عن داعش.
وقال ستيفن كول الخبير في علم النفس السياسي في جامعة ماريلاند. "في دول مثل لبنان، ظهر أن 100% لا يؤيدون، وبذا فالصورة سلبية بشكل عام".
ولكنه قال ايضا إن بعض الاشخاص قد يجدون افكار تنظيم داعش جذابة، لاعتقادهم "بالتزامه بالشريعة وبسبب فكرة عن عدم وجود فساد فيه او لانه يقف ضد القوى الغربية التي يعتبر الكثيرون انها معادية للاسلام".