علم كوردستان ويقين أنقرة
بعد التغيير في العراق، قطع اقليم كوردستان شوطا كبيرا في طريقه من أجل توطيد علاقاته وتعامله مع دول العالم، وفي التطور العمراني والنهوض الاستثماري، بخطوات ثابتة وتحدي كبير للصعاب والمعوقات، وبشكل فاق التوقعات تدفقت نحوه رؤوس أموال كبيرة ومئات الشركات من أنحاء العالم، لتنفيذ مشاريع عملاقة، وفي المجال الدبلوماسي افتتحت فيه عشرات القنصليات وممثليات الدول، وهذا يعني إن الاقليم إستطاع بجدارته ان يؤسس لنفسه، وان يفرض نفسه ككيان فيدرالي ديمقراطي، وأن يضطلع قيادته السياسية بدورحاسم في إتخاذ القرارات المصيرية..
تركيا الجارة، أقتنعت بضرورة الاعتراف بحكومة الاقليم وتغيير سياساتها تجاهه، وتوصلت الى حقيقة مفادها، ان السلام لن يعم، واي خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة لن تنجح، اذا لم تؤخذ وجهة نظر اقليم كوردستان في الاعتبار، لذلك عمدت الى توسيع آفاق تعاونها الاقتصادي والدبلوماسي معه، فإفتتحت قنصليتها في اربيل، ويمكن اعتبار يوم 29 أذار 2011 صفحة مهمة من صفحات علاقات الإقليم مع تركيا، ذلك اليوم الذي تجرأ فيه رئيس وزراء تركيا، الرئيس الحالي للجمهورية السيد رجب طيب اردوغان بزيارة أربيل على رأس وفد رفيع المستوى مع أكثر من مائتي تاجر وخبير تجاري واقتصادي وسياسي. في تلك الزيارة وقف اوردغان كرئيس لحكومة تركيا أمام راية كوردستان، وذلك الوقوف بحد ذاته، أعتبر إنجازاً تأريخياً وتحولاً مهما و إنعطافة كبيرة في السياسة الخارجية التركية إزاء اقليم كوردستان، لأن الحكومات التركية السابقة كانت لاتقبل بكلمة كورد وكوردستان وطبعاً كانت تعتبر القبول بالوقوف أمام، أو بجانب، علم كوردستان ضرباً من الخيانة..
انقرة (اليوم)، ترى كل شىء بأم عينها، وتستطيع قراءة خريطة الصراع، وهي على يقين بأنها مستهدفة وبإن معالم المنطقة وحدودها وخارطتها الجغرافية تتغير، وتواجه تأزيما متصاعدا، من الداخل والخارج، المعارضة في الداخل، ورغم بيانات التضامن الكلامية، تحاول الحصول على مكاسب أكثر في ظل التهديدات الخارجية ولوعلى حساب تقزيم دولتهم، إضافة الى الحرب التقليدية المفتوحة على عدة جبهات مع حزب العمال الكوردستاني ومؤيديه، وفي الخارج، دول عدة تتمحور حول الدب الروسي المندفع نحو منطقة تتزاحم فيها الجيوش والجماعات المسلحة، وتحاول أن تستفيد من صعوبات وتعقيدات اصدار القرار الامريكي وحلف الناتو والمواقف المضطربة لبعض الدول الاوروبية تجاه تركيا، لذلك تحاول صياغة مشروع من أجل محاصرة وتحجيم دور تركيا الاقليمي، لتنال منها ومن مصالحها وجهودها في كل المجالات، ولتصبح أنقرة بعيدة عن كل القرارات في المنطقة، وليصبح المدعومين من قبلها، أو المؤيدين لها، وحتى غير المعادين لها، فريسة للإرهاب والارهابيين في مناطق تواجدهم.
لذلك تحاول (تركيا) الاحتفاظ بنفوذها في الداخل ومصالحها الاقتصادية في الخارج، وتبحث عن طريقة للتوافق حول ترتيبات أعادة التموضع والاعتماد على الارقام المهمة التي توصف بالإعتدال والتعقل في المعادلات الاقليمية، وعن أصدقاء لهم مصالح ومنافع متبادلة معها. كما أن التطورات التي تشهدها المنطقة، والمواقف الداعمة بقوة للكورد، والمؤشرات التي تؤكد بأن الولايات المتحدة الامريكية والعديد من دول وشعوب العالم ستلتزم سياسيا واخلاقيا بالدفاع عن الكورد، كلها كانت وراء التوجه التركي العقلاني والواقعي نحو الاقليم، وتوصلها الى يقين مفاده بإن علم كوردستان سيرفع في كل العواصم آجلاً أم عاجلاً، لذلك رفعته بجانب علمي العراق وتركيا أثناء الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس مسعود بارزاني الى تركيا، لكي تتعود على مشاهدته ..
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية