تنظيم «الدولة الإسلامية» لن يتبدّد حتّى وإن هزم في سوريا والعراق.. وهذه الأسباب
سبق لنا وأن كتبنا عشرات المقالات المتعلقة بالأحداث التي تعيشها المنطقة العربية، والتي ألقت بظلالها على العالم بأسره وأكدنا في أكثر من مرة أن الحرب الكونية على الإرهاب اليوم مختلفة تمامًا على الحرب على تنظيم القاعدة لعدة أسباب ذكرتها كبرى مراكز الأبحاث والمجلات الأمريكية المختصة في الشأن الدولي والأمني في العالم.
إن تنظيم الدولة الإسلامية استطاع أن يدخل إلى العمق الفرنسي ضاربًا بذلك القبلة السياحية الأولى في العالم “باريس” في اختراق استخباراتي من الدرجة الأولى منفذا بذلك وعيده المتكرر للحكومة الفرنسية بأنه سيستهدف فرنسا في عقر دارها ناقلًا المعركة من الحدود السورية العراقية إلى الحدود الفرنسية البلجيكية بأقل التكاليف.
فقد ذكرت وكالة رويترز للأنباء يوم الجمعة أن الهجمات التي نفذها متشددون في باريس الأسبوع الماضي وأودت بحياة زهاء 130 شخصًا، ودفعت إلى شن موجات من الغارات الجوية على سوريا وإطلاق تحذيرات أمنية في أنحاء العالم من المحتمل أن تكلفتها كانت ضئيلة بلغت نحو سبعة آلاف يورو (7500 دولار) في حين أعلنت فرنسا وبلجيكا عن تدابير أمن إضافية تتكلف مليار يورو نتيجة لتلك العمليات.
كانت هذه الهجمات التي لم تستلزم أكثر من بنادق كلاشينكوف وذخيرة وأحزمة ناسفة بدائية الصنع وسيارات وشقق سكنية مستأجرة تذكرة بأنه بثمن قليل يمكن تنفيذ أعمال قتل عشوائي وبث الخوف والفوضى في تطور جديد لم يسبق له مثيل في تاريخ الجماعات الجهادية التي لم يسبق لها أن تستهدف فرنسا بهجوم مماثل على غرار تفجيرات لندن ومدريد التي من المؤكد أنها كلفت خزينة تنظيم القاعدة أكثر بكثير من 7500 دولار، ففي هجمات 11 من سبتمبر أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك قالت لجنة التحقيق المستقلة في تلك الأحداث إنّ تلك الهجمات بلغت تكلفتها ما بين 400 ألف و500 ألف دولار، وهو مبلغ يشمل تدريب الطيران للخاطفين والرحلات الجوية ومصاريف المعيشة خلال فترة التدريب والتحضير.
إن العالم اليوم يختلف كثيرًا عن عالم الأمس ولعل دوس الديمقراطية عقب الهجمات الإرهابية في الدول التي تفتخر بنموذجها الديمقراطي دليل صريح وكافٍ على أن الماضي يختلف عن الحاضر، كما أنّ تصريحات المسؤولين الأمريكيين في أكثر من مناسبة على أن الحرب ضد تنظيم الدولة ليست سوى حرب طويلة الأمد وحرب أجيال يمكنها أن تمتد إلى داخل دول التحالف الدولي في المستقبل لم تكن مجرد تصريحات استهلاكية من دهاة ومهندسي السياسة العالمية.
عند سؤال الخبراء العسكريين والخبراء في الجماعات الجهادية عن طبيعة الحرب الجديدة بعد أن أعلن زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي عن إقامة الخلافة وكسر الحدود، سيجيبون بكل ثقة في النفس: “إن الحرب الكونية ضد تنظيم الدولة اليوم هي حرب متوازنة ولا متوازية”، مستشهدين على هذا الطرح بقاعدة مهمة في الحرب اللّامتوازية مفادها أن الضربة الأولى يجب أن تكون جاهزة وفي نفس الوقت يكون الإعداد للتالية مستمرًا، والثانية يجب أن تكون أقوى وأضر من الأولى حتمًا وإلا ضاع النصيب من مبدأ الانتصار، فكل ضربة يجب أن تكون أفتك من التي سبقتها.
في أقل من أسبوعين، زار مقاتلو التنظيم 3 قارّات و3 دول وقتلوا وجرحوا المئات، وهذه القارات على التوالي هي: إفريقيا، آسيا، أوروبا، وذلك بإسقاط طائرة ركاب روسية في محافظة سيناء المصرية ومقتل أكثر من 200 سائح روسي، ثم تفجيرات انتحارية في لبنان في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، ثم هجمات متزامنة في فرنسا وتحديدًا 6 أهداف في العاصمة باريس.
لقد انتقلت “الدولة الإسلامية” لمرحلة هجوم العدو البعيد، وترتكز هذه المرحلة أساسًا على استهداف كل جامد ومتحرك لدول التحالف التي تقاتله في سوريا والعراق، ولا تفريق بين مدنيّ وعسكريّ في هذه المرحلة لأنهم كلهم مشاركون في الحرب عليها حسب ما يصرح به مسؤولوها وأمراؤها ومنظروها، وهو ما دفع الساسة الغربيين إلى التأكيد على أنه يجب شن حرب جوية شاملة ضد تنظيم الدولة قبل أن تنقل حرب العصابات لأوروبا، بل وصل الأمر ببعضهم إلى وصف ما بنته ونفذته القاعدة في عقدٍ قامت به “الدولة الإسلامية” في أشهر معدودة.
إن الإجماع قد انعقد في أوساط النخب السياسية والخبراء في الدول الغربية على أن مسلحي تنظيم الدولة يخططون لحرب عصابات في أوروبا بل ذهب مسؤول سابق في المخابرات البريطانية إلى ما هو أبعد من ذلك قائلًا إن القنابل بالتأكيد لن تغلب “الدولة الإسلامية” لأن محاربتها صراع أجيال ما يعني أن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا والعراق لا يعني بالضرورة اندثاره واختفاءه وتدميره بل ستبقى خلاياه النائمة ناشطة في كل أنحاء العالم منتظرة فرصة الهجوم.
في الأخير لا يمكننا أن نفوت الفرصة وأن لا نوجه عزاءنا لكل المضطهدين في العالم في إفريقيا وآسيا وأوروبا، وعلى رأسهم الفلسطينيين ونقول لهم أنتم لا تساوون جناح بعوضة عن النظام الدولي وهيئاته الأممية لأنه عجز طيلة عقود من الزمان أن يخرج بقرار ينصركم ويعيد لكم حقوقكم، ولكن في المقابل لم يدخر جهدًا في نصرة الدول الحاكمة فعليًّا في العالم وكان آخرها موافقة مجلس الأمن بالإجماع على القرار الفرنسي الذي اقترحته في مجلس الأمن بعد أيام من الهجمات الإرهابية التي استهدفتها، وما كان من الأمم المتحدة إلا أن تلبي النداء مسرعة داعية الدول إلى محاربة الدولة الإسلامية في سوريا و العراق.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست