الغارديان: تعلم كيف تتعلم.. 5 دراسات تخبرك كيف يعمل العقل
يساعد عدد قليل من الدراسات الكلاسيكية على تحديد الطريقة التي نفكر بها بشأن علم التعلم. لا تعتبر الدراسة الكلاسيكية كلاسيكية لمجرد أنها تكشف النقاب عن حقيقة جديدة، ولكن لأنها تدل بدقة على حقيقة عميقة حول كيفية التعلم، وتظهر في كثير من الأحيان في نفس الوقت افتراضاتنا غير المبررة حول كيفية عمل عقولنا.
تعرّف الدراسة الكلاسيكية المسار الذي سيسلكه البحث – سواء للتأكيد أو الدحض أو التحفظ على الاكتشاف الأصلي – وتساعدنا على إعادة تنظيم عملية التعلم لتكون أكثر فعالية.
أنا طبيب نفساني، لذلك لن يكون مستغربًا أن الدراسات الكلاسيكية التي اخترتها تتعلق بالعمليات العقلية بدلاً من العمليات الاجتماعية المنخرطة في عملية التعلم. ربما يختار أشخاص آخرون خمس دراسات غيرها، ولكن هذه اختياراتي.
1- «حرب الأشباح» الخاصة ببارتليت
كان فريدريك بارتليت طبيبًا نفسيًا من جامعة كامبريدج استخدم قصة من التراث الأمريكي الأصلي تسمى حرب الأشباح لإظهار شيء أساسي عن ذاكرتنا. ترتبط القصة، ودراسة الأبحاث التي استخدمها فيها، بكتابه “التذكر” الصادر عام 1932.
حرب الأشباح هي قصة شابين خرجا في رحلة صيد سارت على نحو خاطئ، بعد تورط أحدهما في غارة على قرية أخرى برفقة بعض الأشباح. تحوي الحكاية بعض العناصر المألوفة، ولكنها أيضا تضم بعض الجوانب غير العادية بعض الشيء في الثقافة الغربية: مثل الأشباح، والجرح المميت الذي لا يضر، وأحد الرجال يموتون بعد أن يخرج “شيء أسود” من فمه.
أخبر بارتليت بعض الناس بقراءة القصة وبعد ذلك اختبر قوة ذاكرتهم على مدى فترات تتراوح بين 15 دقيقة و 10 سنوات لاحقة. وقد وجد، بطبيعة الحال، أنه كلما تأخر الاختبار، كان الناس أقل دقة في تذكر الرواية. ولكن النتيجة الأكثر أهمية تتعلق بطبيعة المغالطات التي وقع فيها الناس. رأى بارتليت كيف أن أخطاء الذاكرة تجعل الناس يميلون إلى التركيز حول العناصر غير المألوفة. وتذكر الناس أشياء يحتفظون بنموذج جيد لها في ذاكرتهم (مثل رحلة الصيد)، ولكن تكون ذاكرتهم سيئة بشأن الأشياء التي لا يحتفظون لها بنماذج جيدة في مخيلتهم (مثل الأشباح أو الجراح). يجري إسقاط هذه العناصر، أو تشويهها في ذاكرتهم، وذلك لتتناسب مع التوقعات المعقولة. أصبحت الزوارق قوارب، على سبيل المثال، أو تم التعرف على الجرح المميت على الفور على أنه قاتل.
وأظهرت الدراسات التي أجراها بارتليت أن الذاكرة هي عملية بناءة، وليست شيئًا مثل جهاز تسجيل الفيديو، ولكن شبكة من الروابط للذكريات الدقيقة – والذكريات الكاذبة معقولة – يتم بناؤها كلما كانت هناك حاجة إليها.
إن التعلم ليس مجرد عملية إدخال ذاكرة جديدة مثل تخزين ملفات جديدة على قرص الكمبيوتر. بل تحتاج إلى دمجها في ما تعرفه بالفعل، وتعمل على الربط بين المعلومات القديمة والجديدة إذا كنت تريد تذكرها بنجاح.
2- فئران وحمام سكينر
يشتهر بي إف سكينر بأنه أبو العلوم السلوكية، وهي مدرسة علم النفس المعروفة عن تمارين السلوكيات في الحمام والفئران. وحتى يومنا هذا، يسمى قفص الفئران ذو الرافعة ومتاهة الطعام صندوق سكينر. وكان إنجازه العظيم هو إظهار كيف يمكن لجداول التعزيز، مثل إيصال حبيبات الغذاء للفئران الجائعة، أن تعدل السلوك.
كانت إحدى ادعاءات سكينر الرئيسية أنه مع ظروف الممارسة الصحيحة – مما يعني أن السلوك الصحيح يكافأ بشكل مناسب – فإن أي مهمة يمكن استخلاصها باستخدام روابط بسيطة. وهذا يعني أن أي شيء يمكن أن يشكل روابط بسيطة، حتى الحمامة، يمكنها تعلم الكثير من المهام المعقدة.
وكان الفريق الذي علم الحمام التمييز بين لوحات بيكاسو ومونيه في عام 1995 ينتسب فكريًا لسكينر. ومثله، اعتقدوا أننا نقلل من قوة الممارسة والثواب في تشكيل السلوك. وبعد أسابيع قليلة من التدريب، لم يكن بمقدور الحمام فقط التفرقة بين لوحات بيكاسو ومونيه، ولكن اتسع إطار تعلمهم ليشمل التمييز بين الأعمال التكعيبية والأعمال الانطباعية بشكل عام.
بالنسبة لعالم السلوكيات، الافتراض الرئيس هو أنه حتى التعلم المعقد يحظى بدعم من المبادئ الأساسية في تكوين الروابط، والممارسة والثواب. لكنه يظهر أيضًا أنه يمكنك تدريب حمامة على التفرقة بين رينوار وماتيس، ولكن هذا لا يعني أنها تعرف الكثير عن الفن.
3- أنظمة الذاكرة غير الاجتماعية
نقول: “انه مثل ركوب الدراجة” على وجه التحديد لأن هذا النوع من الذاكرة يبدو مختلفا عن أنواع الأشياء التي ننساها بسهولة، مثل الأسماء. ما لا جدال فيه الآن هو أن ذكريات مختلفة معتمدة من قبل مناطق تشريحية مختلفة من الدماغ.
أظهر العمل الرائد بقيادة لاري سكوير أن المرضى الذين يعانون من صعوبة في تذكر أحداث في حياتهم لم يجدوا صعوبة في أداء مهارة جديدة تعلموها. فقد أكد تصوير الدماغ التقسيم الأساسي للعمل بين ما يسمى الذاكرة التقريرية، المعروفة باسم الذاكرة الصريحة (الوقائع والأحداث)، والذاكرة الإجرائية والذاكرة الضمنية المعروفة أيضًا باسم (العادات والمهارات).
يتيح لنا علم الأعصاب أن نفهم الحقيقة المزعجة التي تقول إن لديك فكرة عما تعلمته حتى الآن دون اكتساب المهارة، أو يمكنك الحصول على المهارات دون أن تبصر. وفي أي مهمة معقدة، ستحتاج إلى كليهما على حد سواء. ربما المائة سنة القادمة من بحوث علم الأعصاب حول الذاكرة سوف تخبرنا بكيفية تنسيقها.
4- داخل عقل عظماء الشطرنج
تميل الدراسات المعملية حول التعليم إلى أن تطلب من الناس تعلم شيء جديد. وثمة نهج آخر هو النظر إلى الخبراء والتمعن في كيفية فعلهم ما يفعلونه بشكل جيد.
كان أدريان دي غروت محترف شطرنج هولندي وكذلك طبيبًا نفسيًا. بدأت دراسته لطريقة تفكير خبراء الشطرنج بدراسة حديثة للخبرة. كانت إحدى استنتاجاته أن أساتذة الشطرنج لديهم ذاكرة مذهلة للأنماط على رقعة الشطرنج – ولديهم القدرة على تذكر مواقع جميع القطع بعد نظرة سريعة فقط. وأظهرت أعمال المتابعة أن لديهم هذه القدرة فقط إذا ما كانت الأنماط تتفق مع المواقف المحتملة في لعبة شطرنج قانونية. ولكن عندما يتم وضع القطع بشكل عشوائي، تكون ذاكرة أساتذة الشطرنج سيئة مثل أي شخص آخر.
تؤكد النتيجة فكرة أن المعرفة هي شبكة من الروابط – فعندما يكون لديك متجر كبير من المعرفة فمن السهل التعرف على الأنماط وهكذا نتذكر مواقع كل القطع. وهذا يساعدنا أيضًا على أن ندرك ما هو الخطأ في فكرة تدريب الدماغ. إن مهاراتنا وذكرياتنا ليست مثل العضلات. فأنت لا تصبح أفضل في تذكر الوجوه من خلال ممارسة لعبة تذكر الأرقام، وحتى لو كنت تتدرب لتصبح بارعًا في الشطرنج، فإنك لن تطور بالضرورة ذاكرة أفضل في مجالات أخرى من حياتك.
5- ممارسة إريكسون المعتمدة التي امتدت إلى 10000 ساعة
اشتهر أندرس إريكسون بادعائه أن جميع الفنانين من الطراز العالمي بينهم قاسم مشترك هو أنهم استثمروا 10000 على الأقل في الممارسة المتعمدة. تعني الممارسة المتعمدة ممارسة منظمة وحثيثة تركز على الحد من أوجه القصور والأخطاء الخاصة بك، وتدفعك باستمرار نحو التحسين من نفسك.
الممارسة المتعمدة ليست لطيفة، ولكن سواءً ما إذا كان المجال هو التزلج على الجليد أو الشطرنج، فإن الشيء الذي ميز أفضل من احتلوا الوصافة هي الطريقة التي رتبوا بها حياتهم لتحديد أولويات الممارسة. وإلى جانب التأكيد على القاعدة الذهبية للتعلم – عليك أن تتدرب – فإن فكرة إريكسون لديها أيضًا اتجاه قوي من المساواة. لا تقلق بشأن الموهبة الفطرية، فقط اعثر على وسيلة للتدرب.
لا توجد دراسة مثالية. وحتى بدون عيوب، هناك محاذير حول الكيفية التي ينبغي أن تطبق بها تلك الدراسات، والانحرافات التي شابت الكيفية التي جرى تفسيرها بها، ولكن هذه الدراسات تحدد كيف يفكر علماء النفس بشأن التعلم.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».