عندما يتسرب التضليل لعقولنا فنقتل دعوتنا.. شباب الإخوان
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
ليس عندهم ديمقراطية بل تفرد بالقرار، إنهم يقتلون الإبداع، ويمنعون أتباعهم من مجرد التفكير حتى أصبحوا خرفانا تساق؟!
لا شك أن بُعد العهد عن حضن الدعوة وتعاهد أبنائها في خارج المعتقل بعدم التواصل أو داخله بغياب المعلومة، له أثر في نفوس الشباب يكبر أو يصغر على اختلاف الأفراد وصفاتهم الشخصية والقدرة الفكرية والثقافية، فيتأثر الفرد بما يدور حوله من تضليل عن صفات الدعوة ومسيرتها لا سيما فيما تمر به اليوم من ابتلاءات وفتن لا شك أن لها تأثيرًا عميقًا في الصف الإخواني على اختلاف شرائحه.
وربما يصل التأثير إلى الأثر السلبي في نفوس البعض نحو الدعوة التي نشأنا في كنفها سواء منذ نعومة الأظفار في الأشبال للبعض، أو مرحلة التكوين الفكري والشخصي في الثانوي والجامعة للبعض الآخر، ومع عمق ما غرسته الدعوة في نفوسنا قد يصل التحول في هذه المرحلة للأسف إلى انتكاسة نتيجة الضغوط المختلفة علينا ومن حولنا، كأن يتأثر أحدنا بما يقال أن الدعوة تمنع التفكير والتجديد والإبداع، فينفجر الذات ربما دون شعور بإعادة تقييم والتشكيك في كل شيء، وقد يصل في بعض الأوقات (وإن كانت نادرة جدا) إلى ثوابت الدين ومسلمات الدعوة أو على الأقل إعادة التفكير فيها.
الدعوة وتنشئة الفرد
قد يغيب عن بعضنا تذكر كيف بدأت معه الدعوة وكم من الجهد بذلت كي تصل به إلى أهم صفة في الداعية وهي (الفهم)، أتذكرون الفهم؟ وكيف أنه الانطلاقة إلى خضم الدعوة وبعدها العميق؟ كيف نقلتنا الدعوة من دائرة مليئة بالسلبيات إلى دائرة أقرب إلى المثالية نعيش فيها تعينه على الطاعة والفهم العميق للدين؟ هل يوجد أحد من أبناء الدعوة لم يواجه صعوبات عند اختلاطه بعامة الناس في سوق العمل والحياة بعد تخرجه في الجامعة؟ وقد صدم من صفات وتعاملات المجتمع من اختلاط وكذب وخديعة وتسلق أكتاف الآخرين.. إلخ.
وربما احتاج كثير منا إلى دورات أعدها الإخوان لأبنائهم عن كيفية مواجهة المجتمع بعد التخرج، ومواجهة الحياة العامة في الجيش وسوق العمل والزواج بعد المحضن الذي كان يعيش فيه، والذي وفرته له دعوته المباركة في شبابه وأثناء مراحل دراسته وبنائه الفكري والثقافي والأخلاقي.
كيف غيرت الدعوة من نظرتك للحياة؟ بأنها ذات معنى كبير، أهمها الربط بالآخرة وأنها طريق إليها، حتى رحلات البحر والفسح والخروجات والإسكتشات، ألم يُقَلْ لك أن جميع المخلوقات تكبر وتتعلم طريقة حياتها وتتزوج وتنجب؟ وكذلك كل الناس، فما الفرق بين البشر وباقي المخلوقات وبين البشر العاديين والمسلم المتميز؟ وبذلك صارت الحياة بناء ووسيلة لبلوغ السعادة هنا وفي الآخرة، وذلك على خلاف كثير من الدعوات التي كانت تحرم مجرد (لعبة كرة القدم في الحدائق والمتنزهات)!
أتذكر معي كيف سطروا معك قصص التفوق والنجاح والتميز في أيام الثانوي والجامعة؟ وكيف غرسوا فيك أن تميزك هو لبنة في بناء الأمة فكن طبيبا أو مهندسا ومدرسا أو حتى عاملا أو فلاحا شرط أن تكون مسلما فسوف تقف يومًا ما على ثغر من ثغور الأمة تكلف بحمايته.
كم من الأزمات التي مررت بها في حياتك الشخصية بكل جوانبها وعاونوك أن تخرج منها وأعطوك الفرصة كاملة أن تخرج أشد وأقوى أمام مصاعب الحياة وتحدياتها.
يوم أن لجأت إليهم لتتزوج كيف صوروا لك الزواج؟ وغيروا نظرتك له عن نظرة العوام، وبحثت معهم عن ابنتهم العفيفة المحجبة، والتي ستر الحجاب جسدها بينما لم يمنعها عن انطلاق روحها وعقلها وتفوقها وإبداعها، فواصلت دعوتها وتحدت عقباتها، وكم ساعدتك ووقفت بجوارك وأعانتك وتحملت معك أعباء الدعوة برضا وسعادة وصبر، وهي أيضا الطبيبة والمهندسة والمربية وسيدة البيت المسلمة بحق.
كم من الأفكار التي دارت وتولدت في عقلك وروحك أثناء دورات التنمية البشرية والقائد الناجح والتخطيط والتقييم والتقويم والمشاريع الخاصة، وكم من النماذج الناجحة والتجارب الصاعدة التي قابلتها وتعلمت منها سواء من المهنيين أو رجال الأعمال أو حتى الموظفين، في الجامعة والنقابة والقسم والشعبة حتى في السجن!
هل تعلم أن جماعة الإخوان استحدثت قسم التنمية الإدارية قبل أن تُنشئ الدولة المصرية وزارة التنمية الإدارية بفترة طويلة، وكم من أبناء الدعوة أبدع وانطلق في مشروعه الخاص من هذا القسم، منهم من وصل إلى العالمية في هذا المجال (التنمية البشرية)!
أتذكر لقاءات نقل الخبرات والندوات وتلخيص الكتب، والتوصية بالقراءات والتحليل الفكري والسياسي، وكم المناقشات في الحركة بالدعوة والمغامرات مع المدعوين، ومشاكسات السلطة وتطاول الأمن، كم أكسبك من الخبرات والتربية الروحية والفكرية والنفسية السليمة؟
هل تعلم كم ينفق عامة الناس من مال ووقت ومجهود كي يحصل ربما على عُشْر ما حصلت عليه أنا وأنت من خبرات ودورات وتدريب وتثقيف في ظل رعاية وتربية هذه الدعوة لنا؟
أخي..
دقائق وقيم رحلتك مع دعوتك وكيف غيرت فيك؟ وكيف أكسبتك صفات وجعلتك مختلفًا عن (الناس العاديين) ولا تنسى وأنت تقيم أنهم مجتمع بشري يطرأ عليه الخطأ والاختلاف مع الاجتهاد، لكنهم لا شك مجتمع مختلف عن عموم الناس بتميزه الذي يشهد به الجميع وأنت أولهم، بدليل (الناس العاديين) أما أنت بدعوتك لست عاديا بل أنت مختلف بل متميز، فكم مرة قيل لك أنت شكلك إخوان فشعرت بالفخر والتميز عن أقرانك؟
أصابك مس ضلالهم
قالوا إنك لا تفكر ولا تبدع وانظر إلى فلان كان من الإخوان فلما بدأ في التفكير والنقد لم يتحملوه، فلما تركهم أبدع وأصبح أفضل مما لو بقي تحت وصايتهم، فليس عندهم تقبل لفكرة الرأي الآخر فلا شورى ولا اقتراح، فالمرشد وكهنوت الكبار في مكتب الإرشاد هم الفصل في كل شيء، وانظر كيف وصل بهم الحال إلى السجون والمعتقلات، بينما انظر إلى من تركوهم كيف أبدعوا ونجحوا وتقدموا وأصبحوا نجومًا لامعة في مجالات مختلفة، حتى وصل أحدهم في ملف حقوق الإنسان ما شاء الله إلى الدفاع عن حقوق الشواذ؟!
أخي..
ما الذي يطبع التربية في صفات الشخص فيجعلها تغير في طريقة حياته وتفكيره ونظرته إلى كل ما حوله وما بداخله؟ هل الدروس واللقاءات والقراءة والدورات التدربية، أم الأحداث والوقائع والمواقف؟
هل يمكن أن يحدث تغيير في الأمم والجماعات دون وقوع هزة عنيفة وضربة مزلزلة تقلب الموازين، فتغير ما بداخل الكيان والأفراد وتجعل الجميع يعيد الصياغة والتفكير ويرسمون طريقهم من جديد؟
هل يمكن أن نعرف مدى صحة الطريق دون أن نقع في أخطاء نتعلم منها ونغير بها وجهتنا؟ مع العلم أن الخطأ يكون على قدر الهدف الذي تسعى إليه وتأثيره يكون أيضًا على قدر التحدي الذي تواجهه، فهل يمكن أن يعرف الإنسان مرضه دون أن تضرب شدة الألم جنبات جسده؟ فيعاني بعدها هول الصدمة ومرارة الجراحة والدواء، ناهيك عن نظرة الشفقة في عيون المحيطين به؟
أيهم يا أخي أعمق تغييرًا وأكثر تفكيرًا وتجديدًا وأوسع إبداعًا وأقوى طاقة وعزيمة الآن بعد الانقلاب؟
الإخوان؟ أتباع مبارك والعسكر؟ العلمانيون؟ حزب الكنبة؟ أم سلفية برهامي وما شابهه؟ سأترك لك الإجابة.
لو كانت دعوتك ورجالها بهذا الفشل الذي خدعوك به كيف أخرجوك أنت؟ وكيف إذا صنعوا رجالا يقهرون المحن ويتغلبون على المستحيل؟ لو كانوا فشلة لما ربوك على القيم والخلق ونصرة الحق والمظلوم، لو كانوا فشلة لباعوا قضيتهم بعرض الدنيا وربوك على ذلك ترضى بما يُلقى إليك من فتات الدنيا، إن الفاشل والمتردد والمتسلط لا يخرج مثلك أنت، قارن بين دعوتك وكل من حولك في أتون الحدث، معركة الجمل والحرس والمنصة والنهضة ورابعة وغيرهم كثير، أين كان الآخرون وأين كنت أنت ودعوتك؟
إن الفشلة لا يخرجون إلا مثلهم فانظر ابن من أنت فأنت على شاكلته؟!
لماذا أخذتك رحى التضليل من حولك ضد دعوتك؟ وهي التي تتغير الآن بمعنى كلمة التغيير وأنت أحد أهم مظاهره، تتغير بالمحن التي تفجر الطاقات فتبدع وتجرب فتفشل، ثم تكرر فتنجح، فليس النجاح تجربة واحدة كما صوروا لك.
إذا رأيت في نفسك تغييرًا حقيقيا اليوم فالفضل لله ثم لدعوتك أيضًا، فهي كانت السبب في تعرضك لصهر المحن ومرارة التجارب بالسجن أو بالطرد أو بفقد الأحبة، فتعيد صياغة نفسك من جديد، وما أنت فيه اليوم من تغيير لست وحدك بل كل دعوتك على اختلاف تكوينها مع تنوع التغيير وتدرجه.
فتخيل لو لم تكن هنا الآن ومكانك مثلا في صف العسكر (أعاذنا الله وإياك) هل كنت ستتغير أم سيظلون يطرقون على تغييب عقلك واللعب على مشاعرك بالوطنية المزيفة بينما يسرقون قوت يومك؟ وماذا لو كنت من حزب الكنبة هل كانت ستتغير سلبيتك أم ستزداد سلبية وخوفا في ظل حكم عسكري نقاشه بالرصاص وأغلال الحديد وحبال المشنقة، فمن الفائز بالتغيير إذا؟
للأسف كلهم كما هم؛ فلا يزال الأزهر والكنيسة خداما للنظام، ولا تزال العلمانية وما شابهها عونا وتشريعا له حتى مع قمعه لهم، ولا يزال برهامي وأتباعه مخبرين لديه، وعبيد البيادة يزدادون ولعًا وشوقًا بالخائن الكذاب (والحبل على الجرار).
سواك أنت أيها الداعية المتميز، فانظر كيف اصطفاك الله من بين الجميع لوقفة مع دعوتك تجدد بها العهد، وتعيد بها العمل، وتستعيد بها النشاط، وترسم طريقا تشقه في شدة الصعاب نحو المجد والرفعة التي تنتظر أمتنا، وهي قريبة إن شاء الله.
فالله الله في دعوتك وفي إخوانك وفي نفسك، كفانا سماعا للكذب والإفك، فلسنا نحن الذين نتأثر بسحرة الفرعون حتى وإن احترفوا وأجادوا، فأنا وأنت أعلم بدعوتنا ومنهجها وطريقها وسنن الله فيها.
فمن للأمة الغرقى إذا كنا الغريقينا
ومن للغاية الكبرى إذا ضمرت أمانينا
ومن للحق يجلوه إذا كلت أيادينا
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست