التحالف الإسلامي العسكري.. الأهداف المعلنة والخفية!
أعلنت السعودية وبشكل مفاجئ ليل الرابع عشر من الشهر الحالي، عن تشكيل عسكري يضم 34 دولة إسلامية وذلك بهدف محاربة الإرهاب, حيث لقي هذا الإعلان ترحيب جميع الدول والمنظمات المنخرطة والمهتمة بالشأن السوري, في حين أن دولا أخرى قد صمتت ولم تبد أي ردود أفعال سلبية كانت ام إيجابية, كإيران والعراق المحكوم إيرانيا, ربما لعلمها أن هذا التحالف لن يشكل خطرًا عليها كونه يستهدف بالدرجة الأولى التنظيمات الجهادية السنية في المنطقة.
أهداف التحالف المعلنة:
الإعلان المفاجئ عن هذا التشكيل العسكري الأمني يطرح وبلا أدنى شك العديد من التساؤلات المهمة لجهة فاعليته ومدى إمكانية انخراطه عسكريًّا على الأرض، سواء في سورية أو العراق، والأهم من ذلك الأسباب الحقيقية لهذا التشكيل العسكري والأمني, حيث إن هذا التحالف لن يكون عسكريا فقط بل سينسق في كافة المجالات العسكرية والأمنية والمالية والثقافية, وبالتالي فإن الأهداف المعلنة تتمثل في محاربة الإرهاب من خلال التنسيق الأمني ولاحقا من خلال قوات عسكرية على الأرض.
من هنا لا يمكن لنا أن نفصل هذا التشكيل عن مجمل الحراك الدولي الخاص بالشأن السوري، وهو ما يمكن اعتباره أحد مخرجات ونتائج اجتماعات فيينا الثلاثة التي تم التوافق فيها على إنجاز عملية سياسية، تبدأ بمفاوضات قد تستمر لستة أشهر يليها فترة انتقالية مدتها سنة ونصف، وهو ما يؤكد أن هذه العملية السياسية لا تهدف إلى إسقاط نظام الأسد بل إلى ترميمه، وبما تيسر من فصائل سورية مسلحة وافقت على الانخراط في العملية السياسية.
اجتماع أطياف من المعارضتين العسكرية والسياسية السورية في الرياض هو أحد مخرجات اجتماعات فيينا أيضًا, لأنه يصب في خانة فرز الفصائل المسلحة والتيارات السياسية الموافقة على الانخراط في العملية السياسية, التي لا يبدو أنه سيكتب لها النجاح، فالثقل الحقيقي للمشاركين في اجتماعات الرياض لا يعتبر ذا شأن كبير يمكن التعويل عليه في حماية العملية السياسية والتصدي لرافضي الحل السياسي وقتالهم, خاصة في حال تأكد انسحاب أحرار الشام التي لا يزال موقفها من المؤتمر غامضًا.
من جهة أخرى، فإن إعداد القوائم الخاصة بالفصائل المسلحة المصنفة إرهابية من وجهة نظر المجتمع الدولي قد تمت وبالتنسيق مع نظام الأسد وروسيا, فزيارة علي مملوك للأردن كانت في إطار المشاورات المتعلقة بهذه الفصائل وصولا إلى اتفاق حول القائمة النهائية التي ترضي جميع الأطراف، وذلك حسب المعطيات المتوفرة لدى أجهزة مخابرات البلدين، ومدى ارتباط بعض هذه الفصائل بأجهزة الاستخبارات المحلية والإقليمية والدولية التي تدير شأن الكثير من الفصائل السورية من خلال غرفتي الموك في الأردن والموم في تركيا.
أهداف التحالف العسكري غير المعلنة:
التحالف العسكري الذي أعلن عنه لن يكون بوارد التدخل في سورية ضد نظام الأسد؛ لأن قرار التدخل بيد القوى العظمى, وأي تدخل مباشر سيجعل هذا الحلف في مواجهة مباشرة مع كل من روسيا وإيران، وسينقل الصراع إلى مستويات جديدة لا يمكن لحلف كهذا تحمُّل تبعاتها.
من هنا يمكننا اعتبار أن عملية تشكيل الحلف العسكري الجديد قد تمت بالتنسيق مع باقي الأطراف الدولية المنخرطة بالشأن السوري خاصة والمنطقة العربية عموما، وهو ما يفسر الترحيب الدولي الكبيرالذي قوبل به الإعلان عن هذا التشكيل, وبالتالي يمكننا القول أن مهام التحالف قد لا تقتصر على بلد بعينه، وقد نرى قريبًا قوات هذا التحالف تعمل في أكثر من دولة كالعراق وسورية وليبيا. لكن ما هي الأهداف غير المعلنة لهذا التحالف؟
في ما يخص الشأن السوري:
الأول: عملية إسناد للفصائل السورية التي تسمى معتدلة ومساعدتها في قتال التنظيمات الجهادية ورافضي التسوية السياسية.
الثاني: ستوكل لقوات هذا الحلف الإسلامي مهمة الفصل بين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وتلك المعروفة بحاضنة النظام الشعبية، وذلك في مسعى لطمأنتها والتكفل بحمايتها.
الثالث: العمل على منع انهيار النظام بمؤسستيه الأمنية والعسكرية.
فيما يخص الشأن العربي والإقليمي:
أولا: سيشكل هذا التحالف الذي أخذ الطابع السني ورقة ضغط على إيران الشيعية وحلفائها.
ثانيا: قد يتم تكليف هذا التحالف بعملية إسناد للقوات الليبية في قتالها ضد تنظيم الدولة، خاصة بعد جمع الأطراف الليبية المتناحرة في المغرب وتوقيعها اتفاق تقاسم السلطة.
ثالثا: قد يشارك الحلف بريًّا في عمليات ضد تنظيم الدولة في العراق، وخاصة في مدينة الموصل.
الغرب ومعه روسيا يدركون حقيقة أن الانخراط في المعارك البرية على الأرض السورية سيكلفهم غاليًا، خاصة بعد فشل إيران وميليشياتها في تحقيق أي تقدم على الأرض، بل وفشلها في منع انهيار نظام الأسد لولا التدخل الروسي الذي وفر غطاء جويًّا من خلال أكثر من 3000 طلعة وغارة جوية خلال شهرين من التدخل العسكري, لذلك فإن عملية الاستفادة من الأدوات المحلية في المنطقة والتي ثبتت نجاعتها ونجاحها تستطيع تجنيب الغرب فاتورة الدم باهظة الثمن لأي تدخل عسكري على الأرض.
من المرجح أن تكون القوات المصرية والأردنية إضافة إلى الفصائل السورية هي نواة هذا التشكيل العسكري الجديد الذي سيتولى كل من التحالف الدولي وروسيا إسناده جويًّا, حيث تشير معلومات يتم تسريبها عن وجود قوات عربية في العراق وذلك تحضيرًا لعملية اجتياح الموصل, وكذلك ما سرب عن وجود قوات أردنية في كردستان العراق ومنذ حوالي العام ويقدر عددها بحوالي 3000 جندي.
اليوم يمكننا القول أن الثورات المضادة لربيع العرب قد نجحت في فرض أجندتها بعد إخراج كل من مصر وتونس من معسكر الثورات، إضافة إلى إشغال الليبيين بحروب وصراع على السلطة, حيث بات الشعبان السوري والعراقي يتحملان العبء الأكبر في فاتورة الدم التي تدفعها شعوبنا.
إن انخراط الدول المصنفة إسلامية في الصراع السوري حماية لمنظومة الحكم الأسدي لن يسهم في وقف المأساة، ولا وضع حد لنزيف الدم السوري، لا بل إنه سيسهم في تعميق الجراح وجر المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى صراع ستكون نتيجته المزيد من الفوضى والدماء التي ستسيل في دول جديدة.
التقارب الروسي الأمريكي، واجتماعات البلدين الماراثونية، والاتفاق على مشروع قرار في الأمم المتحدة بخصوص سورية؛ تعطي الانطباع بأن التحالف الإسلامي هو جزء من الحراك الدولي, الذي تتوضح ثورته إذا ما علمنا أن السعودية قد رفعت استثماراتها في مصر إلى 30 مليار دولار، إضافة إلى 3 مليارات أخرى نفقات تمويل وتسليح القوة المنوي تشكيلها والتي تتألف من 30000 جندي مصري سيشكلون نواة القوة العسكرية لهذا الحلف الجديد, حيث من المتوقع أن تساهم دول خليجية أخرى في تقديم المزيد من الدعم للنظام المصري.
بقي أن نقول أن نظام الأسد وإيران وروسيا هم الرابح الأكبر من أي تدخل عسكري عربي إسلامي في سورية؛ لأنه وبكل تأكيد سيعمل على فرض تسوية سياسية لا تقضي بإسقاط نظام الأسد المجرم الذي عاث فسادًا في سورية لنصف عقد من الزمان، دون حسيب أو رقيب، بل وبغطاء أممي فاضح, ليسجل أنه النظام الطائفي العنصري الأكثر في العصر الحديث.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست