الطلاب ونظام مابعد 3 يوليو: الفجوة تستمر في الاتساع!
منذ بيان 3 يوليو 2013 تتسع الفجوة تدريجيا بعد نظام ما بعد 3 يوليو والشباب عموما وبالأخص منهم فئة الطلاب، تلك الفجوة التي أصبحت أكثر وضوحًا إلى درجة دفعت الإعلام الموالي للنظام للتحدث عنها وبالأخص مع العزوف اللافت للشباب عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية لاستكمال خارطة الطريق.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على علاقة الطلاب بنظام ما بعد 3 يوليو وأسباب اتساع الفجوة بينهما، وبعض الأساليب التي يحاول النظام القيام بها لاجتذاب الطلاب، مشيرين في البداية إلى الأزمة الأخيرة التي حلت بين اتحاد طلاب مصر ووزارة التعليم العالي بالتحدث عن ماهيتها وأسبابها وأبرز ردود الأفعال تجاهها.
ما الذي حدث في انتخابات اتحاد طلاب مصر الأخيرة؟
في مطلع الشهر الجاري أجريت انتخابات اتحاد الطبة في مصر بعد عامين من التوقف، ليشارك فيها 30% من الطلاب – وهي نسبة تعدت مشاركة المصريين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة- وتنتهي بفوز الطالب عبد الله أنور رئيسًا لاتحاد طلاب مصر والطالب عمرو الحلو نائبًا له، والذين أكدا على “حياديتهم” و
تغيير الصورة الذهنية السلبية المعروفة عن الاتحاد ليكون بمثابة نقابة طلابية تتعامل مع الطلاب على أساس واحد وتفتح بابها للجميع. كما أكد الاتحاد المنتخب على سعيه لتشكيل لجنة للخدمات الطلابية والحقوق والحريات وعمل قاعدة بيانات لأسماء الطلبة المفصولين والمحبوسين احتياطيًّا لمساعدتهم قانونيا ولم يرفض الاتحاد فكرة التظاهر داخل الجاممعة على اعتبار أن 80% منها تعبر عن مطالب فئوية للطلاب وليست “سياسية”.
وبعد أسبوعين من نجاح الاتحاد ماطلت وزارة التعليم العالي في إعلان نجاحه رسميا، وفي تلك الفترة شكك وزير التعليم العالي أشرف الشيحي في “الانتماءات السياسية” لـ”الاتحاد الجديد الذي لم يأتِ على هوى البعض ولكنه كان قانونيا” على حد تعبير المستشار القانوني للجنة العليا للانتخابات الطلابية في وزارة التعليم العالي الدكتور سيد العربي عميد كلية الحقوق بجامعة حلوان، وأثناء الانتخابات انسحب نائب رئيس اتحاد جامعة الزقازيق محمد السبكي، ليترشح بعد ذلك أحمد حسن العزازي وينجح بالتزكية بعد الموافقة “القانونية” من لجنة الانتخابات بعد مشاورات استمرت ساعة ونصف أفضت في النهاية إلى إمكانية ترشح “العزازي” قانونيا ونجاحه بالرغم من عدم تدوين اسمه في الكشوف الانتخابية، ولكن يبدو أن ذلك الاجراء ظلت اللجنة الانتخابية مُحتفظة به في “أدراجها” لحين التعرف على نتيجة الانتخابات “التي لم تأتِ نتائجها على هوى البعض”، لتعلن اللجنة العليا للانتخابات مؤخرا قبول طعن يشكك في سلامة الإجراءات القانونية لانتخاب نائب رئيس اتحاد جامعة الزقازيق والآثار المترتبة عليه، لتلغي الانتخابات الطلابية المرتبطة بانتخاب الرئيس ونائبه فقط “دون فحص الطعون من قبلي”، على حد وصف العربي المستشار القانوني للجنة العليا للانتخابات الطلابية.
ردود الأفعال
“أدركنا جميعا أن لا حياة ديموقراطية بانتظارنا في مصر كما اعتقدنا ولو للحظة”.
هكذا علق اتحاد طلاب مصر على قرار لجنة الانتخابات الأخير ، وأضاف الاتحاد في بيان وقعت عليه 17 جامعة من بين 23 جامعة مصرية: “اليوم فُتح الباب على مصراعيه لنرى الوجه الحقيقي لانتصار المصالح والهوى على القرارت المصيرية في هذا البلد الأمين، حيث قررت اللجنة العليا للانتخابات والوزارة أمس رفض “اتحاد طلاب مصر” المنتخب وإعادة انتخاب رئيسه ونائبه لأسباب غلب عليها (المسكوت عنه) عن المعلن، وأطاحت بصوت الطلاب لتبقي هي الصوت الوحيد الباقي رغم أنف أصحاب الحق، وهم يظنون أنهم جعلوا من الشباب أضحوكة ولعبة بين الأصابع؛ يستطيع كل من هب ودب أن يدهسه بقدمه”، وأعلن الاتحاد في بيانه عن نيته لعقد اجتماع الأحد 27 ديسمبر يعقبه مؤتمر صحفي ليعلنوا فيه عن “موقفهم من هذه المهزلة”، مُحذرين: “على الباغي تدور الدائرة”.
وتضامن مع الاتحاد العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاج #ادعم_اتحاد_طلاب_مصر، في الوقت الذي رفضت فيه 7 حركات طلابية – من بينهم طلاب 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وطلاب حزب الدستور – قرار الوزارة مطالبين بإقالة الوزير، كما امتد الغضب لعدد من الشخصيات العامة؛ إذ رفضت 400 شخصية سياسية وبرلمانية وإعلامية قرار الوزارة، من أبرزهم عدد من المرشحين للرئاسة السابقين، كخالد علي الذي “رأى في القرار رسالة واضحة بأن هذا النظام لا يحترم القانون ويطبقه فقط عندما يكون في صالحه، بينما يعصف به عندما لا يرضى بنتائجه”.
كما عبر كل من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والسيد حمدين صباحي عن رفضهما لقرار الوزارة في تدوينات لهما على موقع التواصل الاجتماعي تويتر:
لصالح من؟
يأتي قرار الوزارة الأخير في صالح محمد بدران منافس عبد الله أنور في رئاسة اتحاد مصر، فبدران الذي كان رئيسًا لاتحاد طلاب مصر في الفترة الماضية كان على “هوى الوزارة” بحسب مراقبين، وقد تصاعد الدور السياسي لبدران المُلقب بـ”فتى السيسي المدلل” بشكل ملحوظ منذ بيان 3 يوليو 2013.
فبعد 30 يونيو انغمس بدران في الحياة السياسية بدعمه لحملة “مستقبل وطن” لدعم خارطة الطريق وبعد ذلك استكمل دعمه للسيسي من خلال مشاركته الفاعلة في حملته الانتخابية، وقبيل تشكيل الدستور اختير بدران عضوًا في لجنة الخمسين ممثلا عن الطلاب، ثم تم اختياره نائبًا للجنة صياغة الدستور، وبعد ذلك أصبح بدران رئيس حزب “مستقبل وطن” ممثلا بذلك أصغر رئيس حزب في مصر ، وحصد الحزب – الذي يراه محللون أنه مدعوم من الدولة – على 50 مقعدًا في البرلمان بما فيهم نواب الحزب الذي نجحوا وهم على قائمة “في حب مصر”، وامتد طموح بدران ليتعدى “عضوية البرلمان” معلنا عن سعيه بأن يصبح رئيس وزراء مصر، ولقب “فتى السيسي المدلل” – الذي لا يحبه بدران – قد ترسخ بشكل كبير عندما كان رئيس الحزب الوحيد الذي يرافق السيسي على “يخت المحروسة” في حفل افتتاح مشروع قناة السويس.
ويرى محللون أن سر علاقة بدران بالسيسي ونظام ما بعد 3 يوليو، تأتي من رغبة النظام في الظهور على أنه يقف بجوار الشباب، تلك الفئة التي عزفت – بشكل لفت نظر النظام والإعلام المؤيد له – عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية واستفتاء الدستور عقب 3 يوليو، وكثير ما يُتهم النظام بمعاداة الشباب وتهميشهم.
وأما عن تمسك النظام ببدران بشدة وعدم وجود هامش لظهور توجه طلابي معارض للنظام، فيرى محللون أنه تأتي من رغبة النظام في تلميع بدران دون غيره في هذه الفترة، مشيرين إلى أن العمل الطلابي دائمًا ما يكون نواة للقيادة السياسية في وقت لاحق، ومن الأمثلة على ذلك أن نائب رئيس حزب الوسط عصام سلطان كان رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة في أثناء حكم مبارك في العام الجامعي 1985-1986، كما أن رئيس حزب الوسط أبو العلا ماضي انتُخب رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة المنيا قبل أن يتم انتخابه نائب رئيس اتحاد طلاب مصر أثناء حكم السادات في العام الجامعي 1978-1979، كما أن رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح قد رأس اتحاد طلاب مصر في فترة السادات وكان له مواجهة مباشرة وقوية شهيرة مع الرئيس السادات نفسه، كما أن المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي عمل نائبًا لرئيس اتحاد طلاب مصر أثناء حكم السادات.
لماذا تتعنتت الدولة تجاه اتحاد طلاب مصر؟
قاطع طلاب الإخوان المسلمين انتخابات اتحاد الطلبة الأخيرة، كما أنهم عندما شاركوا في الانتخابات التي أجريت في عهد مرسي فقد خسروا في معظمها
حيث تغيب سيطرة الإخوان على الاتحاد منذ سنوات، ولا شبهة في كون الاتحاد الأخير على وجه الخصوص إخوانيًّا، ومع ذلك تعنتت الدولة تجاهه ومالت للطلبة التي تضمن ولاءهم مثل “محمد بدران”، ويرجع محللون سبب ذلك إلىى أن مواقف الاتحاد الجديد من الطلبة المفصولين والمعتقلين وفكرة التظاهر بالجامعة كان سببًا في مماطلة الوزارة، كما أن تلك المماطلة أظهرت النظام ويكأنه لا يقبل باتحاد مُنتخب أو أي سلطة منتخبة قد تمارس سلطاتها بما لا يتسق مع رغبات الدولة.
كما أن تظاهرات الطلاب بشكل عام مثلت مصدر إزعاج كبير للدولة بعد 3 يوليو 2013، وحاول النظام إيقافها بالقتل تارة وبالاعتقال تارة وبالفصل تارة أخرى عن طريق الشرطة أو شركة “فالكون” لتأمين الجامعات، وقد أظهر المجتمع الطلابي بشكل عام تضامنًا مع بعضهم البعض في عدة مناسبات من أبرزها مقتل “محمد رضا” وبراءة مبارك؛ وقد كان لقتل طالب الهندسة محمد رضا برصاص وزارة الداخية سببًا رئيسيًّا في غضب طلاب جامعة القاهرة ضد ممارسات الداخلية، وقد أبدت الحركات الطلابية المتنوعة مرونة كبيرة نسبيًّا في العمل معا عما أبداه الكبار من السياسيين ليتظاهروا مُجتمعين أمام قبة جامعة القاهرة مع وجود بعض المناوشات لعدم الالتزام بالهتافات المحددة، ولكن بعد ذلك اتجه الطلاب إلى ميدان التحرير بعدما خلى ميدان النهضة من مدرعات قوات الأمن عقب مقتل “رضا”، لتعلو هتافات مناهضة للنظام والسيسي في أول مرة بعد بيان 3 يوليو 2013 قبل أن تأتي قوات الأمن لتفض التظاهرات، ولقد توحد الطلاب في مناسبة أخرى داخل الجامعات وبالأخص جامعة القاهرة عقب الحكم ببراءة الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
انتهاكات قوات الأمن ضد طلاب مصر
في هذا الجزء نرصد انتهاكات قوات الأمن المصري منذ 30 يونيو 2013 وحتى 15 ديسمبر 2015، من خلال من ما رصده “مرصد طلاب حرية” وهو منظمة معنية الشأن الطلابي في مصر.
ويوثق الإحصاء التالي الانتهاكات منذ 30 يونيو 2013 وحتى 21 فبراير2015:
بينما يوثق هذا الإحصاء
الانتهاكات في الفترة من 1 يناير 2015 وحتى 15 ديسمبر 2015:
فيما وثق “مركز عدالة للحقوق والحريات” – منظمة غير ربحية مستقلة – حجم الانتهاكات في الفترة من 12 ديسمبر وحتى 25 ديسمبر الجاري ليصل إلى 21 حالة قبض تعسفي و19 حالة فصل تعسفي وحالتين اختفاء قسري.
انتقام خاص من طلاب جامعة الأزهر
كانت تظاهرات جامعة الأزهر المتواصلة والكبيرة مع بداية العام الدراسي الذي عقب بيان 3 يوليو 2013 تمثل مصدر قلق دائم للسلطات المصرية، وبالأخص أن موقع جامعة الأزهر بالقاهرة يقترب بشدة من ميدان “رابعة العدوية” الذي شهد عملية الفض الدموي لاعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في أغطس/آب 2013.
وفضلا عن الانتهاكات التي تعرض لها طلاب جامعات مصر عمومًا، فقد كان لطلاب جامعة الأزهر عمومًا وبالأخص فرع “القاهرة” ما يمكن وصفه عقابًا جماعيًّا لطلاب الأزهر المغتربين؛ إذ مُنع كل طلاب وطالبات جامعة الأزهر فرع القاهرة لعام دراسي كامل من السكن في “المدينة الجامعية” للطلاب والطالبات، تلك المدينة التي تمثل مساكن للطلاب المُغتربين الذين يأتون من محافظات بعيدة عن القاهرة، وهي مساكن مدعومة حكوميًّا يدفع الطلاب لها مبلغًا رمزيًّا في مقابل السكن والطعام والشراب، وهو ما دفع الطلاب المُغتربين إلى تأجير شقق خاصة باهظة الثمن قريبة من الجامعة التي تتمركز في منطقة “مدينة نصر” الراقية، وكان الطلاب المغتربين يضطرون لمشاركة عدد كبير من الطلاب في الشقة الواحدة حتى يتمكنوا من تقليص مبلغ الإيجار الكبير حينما يُقسم عليهم جميعا.
وأما ما يمكن وصفه “عقابًا جماعيًّا” لكل طلاب جامعة الأزهر على مستوى مصر هو عدم تمثيل “جامعة الأزهر” في اتحاد طلاب مصر الجديد الذي انتظره طلاب مصر بعد غياب عامين، حسبما أكد أحمد البقري نائب اتحاد مصر السابق ورئيس اتحاد جامعة الأزهر خلال مداخلة له عبر قناة الشرق.
يسعى النظام المصري الحالي إلى تقليص الفجوة بينه وبين الطلاب، إلا أنه لا يبدو أن أدواته القمعية تسعفه. على مستوى الرئاسة فقد دشن الرئيس عبد الفتاح السيسي “البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة” و “والذي يهدف إلى تخريج قيادات شابة قادرة على الإدارة وتولي المسؤولية والمناصب القيادية ، وفقًا لأساليب الإدارة الحديثة من خلال 7 دورات تدريبية تستهدف التقيق السياسي والاقتصادي والإعلامي” بحسب الرئاسة المصرية، ويستهدف البرنامج الطلاب والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 سنة وتحدث السيسي عن البرنامج قائلا: “إن البرنامج يهدف إلى تأهيل 2500 شاب وشابة سنويا كمرحلة أولى”، وأكد: “إن الدولة المصرية صادقة في تمكين الشباب، ومصر الجديدة ماضية نحو المستقبل الذي يمثله الشباب الواعد”. إلى غير ذلك من المشروعات التي يتبناها النظام رغبة في استقطاب الشباب، لكن لا يعرف بالتحديد مدى النجاح الذي يمكن أن تحققه مثل هذه المبادرات في الوقت الذي يقدمها بيد، بينما يفرغ الأخرى لممارسة القمع والتنكيل والإطاحة بالمؤسسات الطلابية المنتخبة.