جائزتي نوبل والسعفة الذهبية.. من الذهب الأخلاقي
كرامة الشخص الذي يستخرج الذهب من الأرض، لا تقل أهمية عن كرامة الشخص الذي يشتريه.
الذهب من مصدر أخلاقي، أو كما يطلق عليه البعض “الذهب الأخلاقي ethical gold”، عبارة تحمل الكثير من الاعتبارات، فتُشير إلى أن الذهب مُستخرج من مناجم تحملُ شهادة “فيرمايند”، مما يعني أنه غير مُقترنٍ بانتهاكاتٍ لحُقوق الإنسان أو صراعاتٍ دموية، أو تدهور بيئي.
يكفي أن تعرف أن 5 جرامات من الذهب، تدخل في إنتاج خاتم للزواج، قد ينتج عنها ما يعادل 20 طنًّا من مُخلفات التعدين، معظمها مُلوثة للبيئة، جائزتي نوبل للسلام، والسعفة الذهبية، كلاهما يحمل في ذاته قيمة مؤثرة، ولن يكون لهما معنى، في حالة صنعتهما من ذهب، ربما يكون داعمًا للحروب والنزاعات الأهلية، أو سُخر في استخراجه عمالة الأطفال غير المشروعة، أو تسبب في أضرار صحية وبيئية.
صُنعت جائزة نوبل هذا العام ولأول مرة في تاريخها من الذهب الأخلاقي، بينما صيغت السعفة الذهبية منه، منذ عامين، ويُعد ذلك في حد ذاته تطورًا فاصلًا في الترويج لقضية الذهب الأخلاقي، مثلما لعبت السينما من قبل دورًا هامًّا في محاربة الألماس الدموي، والذي جسد قصته فيلم “الألماس الدموي” الذي قام ببطولته ليوناردو دي كابريو Leonardo DiCaprio عام 2006.
فلم تعد الجائزتان ترمزان لقيمتهما فقط، بل أصبحتا رمزًا لأفضل إنتاج من الذهب – كونه من مصدر أخلاقي.
مجال التعدين ليس فيه ضمير، هذا ما أشار إليه من قبل “جريج فاليريوGreg Valerio” الصائغ والناشط في صناعة المجوهرات العادلة، في تصريحات صحفية، كما أوضح أنه خلال زيارته الأولى لمناجم الذهب بالهند، رأى فيها العبودية، حيث عمالة الأطفال غير المشروعة، والأشخاص الذين يعملون في الحرارة الرهيبة، وشدد على انتشار الأمراض في كاليفورنيا، نتيجة استخدام الزئبقجا السام في استخلاص الذهب، الذي يُلقى به في مستجمعات المياه.
أشارت تقارير سابقة لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، أن الأطفال الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم ثماني سنوات يعملون في مناجم ذهب، ويتعرضون لمخاطر جسيمة على صحتهم بل وعلى أرواحهم، حيث يواجه العمال الأطفال، وكذا الأطفال الذين يعيشون بالقرب من مواقع التعدين، خطرًا شديدًا من التسمم بالزئبق، فيهاجم الزئبق الجهاز العصبي المركزي ومن الممكن أن يسبب العجز مدى الحياة للأطفال، حيث تتصاعد الأبخرة السامة عند مزج الزئبق بخام الذهب المستخرج من الأرض، لاستخلاص الذهب النقي.
وفي مناجم الذهب بالسودان تنتشر حالات إصابة بالفشل الكلوي والعقم وإجهاض الأجنة وسط المعدنين، بالإضافة إلى هجرة الأسماك جراء استخدام الزئبق في المناطق القريبة من نهر النيل، هذا ما أكدته “حنان الأمين” رئيسة المبادرة البيئية للتنمية المستدامة.
نشأت هيئات غير حكومية، وغير ربحية، حاولت التصدي للأساليب غير القانونية وغير الأخلاقية للمناجم، فتأسس “التحالف من أجل المناجم المسؤولة ARM”، وهو منظمة كولومبية ظهرت عام 2004، وأصبح لها فروع في أميركا اللاتينية وإفريقيا وآسيا، وتمنح هذه المؤسسة شهادة “فيرمايند Fairmined”، وهي شهادة تُمنح لمناجم الذهب، التي تعمل وفقًا لأساليب مشروعة وأخلاقية، فلا تكون داعمة للحروب والنزاعات، بالإضافة إلى التزامها بقوانين العمل واحترام البيئة، والحد من الآثار الضارة للتعدين غير القانونية، (مثل تقليل انبعاثات الزئبق بنسبة تقارب 60 أو 90 بالمئة، أو التحول إلى استخدام السيانيد في عمليات الاستخراج)، وضمان التخلص من مخلفات الإنتاج بشكل آمن، وضمان حقوق وسلامة العُمال.
فضلًا عن دعمهم لخطوات إنهاء عمالة الأطفال غير المشروعة، وكذلك الابتعاد عن التهجير القسري للسكان.
حصلت العديد من المناجم حول العالم على شهادة فيرمايند، منها 5 مناجم في كولومبيا، ويعد منجم إكويره Íquira الواقع بمدينة هويلا Huila أول منجم في كولومبيا يحصل على هذه الشهادة، ويليه منجم لا يانادا “الأرض الذهبية”، ومنجم كودميّا Coodmilla، ومناجم أخرى مثل de Agosto دي أغوستو 15 في بوليفيا، و منجم «أوريلسا» الواقع في صحراء جنوب البيرو.
وأشارت مديرة منجم أوريلسا “ماريا روزا باهويلو” في تصريحات صحفية: “التزامنا بمعايير فيرمايند، وتعليم السكان أيضًا ضرورة الاهتمام بالبيئة التي يعيشون فيها، ومن ثم نقل هذه المسؤولية إلى الأجيال القادمة، وبواسطة التعدين المسؤول من الناحية البيئية والاجتماعية يمكننا إحداث تغيير، وخلق المزيد من الوظائف اللائقة لتحسين نوعية الحياة في المجتمع كله”.
وفي فيديو بثته قناة الجزيرة مباشر، صرحت نائبة وزير المناجم في كولومبيا “ماريا ايزابيل اويوكا”، ” نبذل جهدًا كبيرًا في كولومبيا لمراقبة مصادر الإنتاج، وتحسين معايير العمل، كي يكون إنتاج الذهب قانونيا، لكنها أيضا مسؤولية المشترين”.
كما تسعى السلطات الكولومبية إلى تحديد ضوابط قانونية لقطاع المناجم وإبعاده عن النزاعات الدموية في بلد تمارس 63 % من الأنشطة في هذا القطاع على نحو غير قانوني.
فيديو لتصريحات نائبة وزير المناجم في كولومبيا، ومدير تصميم شوبارد
تعد شوبارد هي أول شركة للمجوهرات في العالم تعمل لصالح عمَّال المناجم، وتساهم في تحسين حياتهم من خلال منحهم الضمان الاجتماعي، وفي الوقت نفسه حماية الموارد الطبيعية، والحصول على شهادة فيرمايند Fairmined، كما أبرمت مجوهرات شوبارد اتفاقية مع شركة PX Précix السويسرية لتكرير الذهب، والتي تستخدم نظم معالجة للذهب غير مُضرة بالبيئة، حتى توسع تصديرها من مجوهرات ذات مصدر أخلاقي.
وفي تصريحات صحفية أشارت “كارولين شوفيليه” مديرة التصميم في شوبارد، “اخترنا توقيع عقد شراكة مع PX Précix نظرًا لخبرتها القيّمة فـي مجال تكرير المعادن الثمينة، كما تشجّع على اعتماد الممارسات البيئية اللائقة وقابلية اقتفاء أثر المعادن”
لم يتوقف دور شوبارد عند ذلك، حيث قامت بطرح مجوهرات من الذهب الأخلاقي مثل مجموعة Palme Verte، كما طرحت الساعة الأولى في العالم المصنوعة من ذهب ذات مصدر أخلاقي، بالإضافة إلى ساعة أخرى تحمل اسم “L.U.C XP Fairmined Watch”.
فضلا عن قيام شوبارد بتصنيع السعفة الذهبية للمرة الأولى، من الذهب الأخلاقي، للدورة 66 من مهرجان كان السينمائي، حيث صُنعت من الذهب المُستخرج من منجم “لايانادا” بكولومبيا، الحائزعلى شهادة “فيرمايند”، وقالت “كارولين شوفيلية”: “كان من البديهي بالنسبة لي أن تكون السعفة الذهبية مراعية للبيئة، لذا هي تُصنع منذ عامين بذهب مستخرج من منجم يحترم الشروط البيئية في كولومبيا، وهذا ما يزيد من قيمة الجائزة”.
فيديو يوضح مراحل صناعة السعفة الذهبية من إنتاج شوبارد
عندما تسلمت اللجنة الرباعية التونسية جائزة نوبل للسلام لهذا العام، لم يكن وحدهم الذين شعروا بالفخر، فقد كان هناك أيضًا مجموعة من عُمال منجم إيكويرا بكولومبيا، في نفس ذات الشعور بالفخر، فهي أول ميدالية في تاريخ نوبل تُصنع من الذهب الأخلاقي، وبالتحديد من منجمهم.
فيديو يضح تصنيع جائزة نوبل من الذهب
يبلغ وزن جائزة نوبل يبلغ 150 جرامًا من الذهب عيار 18 قيراطًا، ويبلغ قطرها 63 مم، وتعد دار سك العملة النرويجية، هي الجهة المسؤولة عن تصميم وإنتاج جائزة نوبل، والتي قامت بدورها بالتعاون مع المنظة غير الربحية “التحالف من أجل المناجم المسؤولة ARM”، لإنتاج الجائزة من الذهب الأخلاقي، من أجل تسليط الضوء على المشاكل التي يُعانيها عُمال مناجم الذهب في الدول الفقيرة في العالم.
صُنعت الجائزة من الذهب الأخلاقي، المُستخرج من منجم إيكويرا Íquira بمحافظة هويلا، بكولومبيا والحاصل على شهادة فيرمايند.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست