محاولة ناصرية لفهم السياسة السعودية (9) – نهاية الطريق وسؤال المستقبل؟
“إن العالم مسرح يا جرتشيانوا ولكل امرئ دور على خشبته ولكن دوري يا جرتشيانوا دور حزين”
مسرحية تاجر البندقية – وليام شكسبير
ماذا بعد الرحلة الطويلة التي صحبتكم فيها طيلة أكثر من شهرين في الحديث عن المملكة العربية السعودية مع التركيز على أهم المحطات في علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية (الحامي الأكبر وصاحب صك الأمان لها) تلك الرحلة التي طفنا فيها شرقًا وغربًا ذهابًا وإيابًا صعودًا وهبوطـًا؟ ماذا أردت أن أقول من كل هذا العرض طيلة الأسابيع المنقضية؟
وأجيب بأنني أردت من عرضي لمجمل تاريخ المملكة مع المنطقة والحوادث والرجال وضع الأسباب كي نستطيع استخلاص النتائج من الأسباب وإلا لو كنت وضعت النتائج مباشرة دون عرض الأسباب قبلها أكون كمن (وضع العربة أمام الحصان) كما يقولون.
إنني أعترف باستفادتي كثيرًا من قراءة كتابي (الأمير) لـ(نيقولو مكيافيلي) و(مقدمة ابن خلدون) للعلامة (عبد الرحمن بن خلدون) فقد كان مكيافيلي يعطي (للأمير) رخصًا مفتوحة للتصرف بغض النظر عن أي رادع أخلاقي مما عنون تحت مقولة (الغاية تبرر الوسيلة) وبهذا يكون مكيافيلي هو أول من وضع لبنات نظرية (البرجماتية) قبل كل من (تشارلس بيرس، وسبنسر، ووليام جيمس) بمئات السنين.
ومما يروى عن أطروحة (الأمير): (أن والي مصر الكبير (محمد علي) باشا سمع بتلك الأطروحة وطلب من رجاله أن يأتوه بها، وبدأ أحد خاصته يقرأها عليه حتى وصل إلى النصيحة التي تقول: (يا أيها الأمير إن أردت أن تقضي على أعدائك فاقض عليهم جماعة وليس فُرادى) فقال محمد علي لمن يقرأ: (اصمت فإني أعلم منه بذلك، فقام بعمل مذبحة القلعة الشهيرة!).
وقد كان ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع يتحدث عن أحوال الممالك والملوك في فترات الصعود والهبوط، وقد ساعدني هذان المرجعان في محاولة فهم الحالة السعودية.
إن شكري عميق لعميد المؤرخين العرب العلامة الدكتور (عاصم دسوقي) على تشجيعه لي بكلماته الرقيقة وسعة صدره في تلقى أسئلتي وإجابته عليها بدون أي تكبر أو تعال، وتوجيهاته التي بالتأكيد استفدت منها كثيرًا، وكذلك للدكتور (صفوت حاتم) الذي أعطاني بعضًا من ملاحظاته ولكن حالت مشاغله متابعة ملحوظاته لي، وكذلك صديقي العزيز فيلسوف الناصريين المنتظر (شادي الشربيني) الذي كان حريصًا على متابعة ما أكتبه وإعطائي نقده المفيد بفكره المنظم وعقله المتقد دومًا.
إن شكري الكبير وعرفاني لكل من قرأ واهتم بما كتبت قابلاً مادحاً أو رافضًا ناقمًا، ورغم أن سلسلة المقالات هذه قد واجهت بسببها عواصف مليئة بأحط الأوصاف وأفظع الشتائم، إلا أنني كنت دائمًا أذكر نفسي بمقولة الأديب اللامع وأحد رواد الاشتراكية الفابية جورج برنارد شو: (إنهم يقولون، ماذا يقولون، دعهم يقولون).
يتبقى كلمة أوجهها للكبار أو للشيوخ الذين يعايروننا نحن الشباب بأننا لم نفعل شيئًا مثلهم وأقول بأن هؤلاء الشيوخ لم يسمحوا لنا بفعل شيء، ولعلي من المؤيدين للرأي القائل إن المشكلة على امتداد العالم العربي هي أن: (هناك جيل رافض أن يموت وجيل غير قادر على أن يولد).
حتى حينما قام جيلنا بقيادة الثورات في العالم العربي فقد أفشل الشيوخ تلك الثورات عندما قاموا بالقفز عليها ومحاولة استغلالها لمصالحهم الشخصية وعقد تفاهمات مع قوى هي من الأصل ضد الثورة، وبهذا يكونون قد طعنوا تلك الثورة في الظهر بخنجر مسموم، ولعلي أعتقد أن جيل الشيوخ لا يستطيع أن يقف ويقول لنا ما قاله رئيس وزراء بريطانيا الأسطوري (ونستون تشرشل) حينما قال: “لقد كانت تلك أروع أيامنا” فنظرة واحدة على امتداد عالمنا العربي تكفي لكي نكتشف أننا أصبحنا نعيش في مأساة حقيقية. ولقد كان يقال يومًا “إنها أمة عربية واحدة من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر”.
فما الذي جرى للخليج وما الذي أصاب المحيط؟ فالخليج لم يعد ثائرًا ولكنه أصبح (محمية أمريكية علنية بدون خجل أو حياء) والمحيط لم يعد هادرًا ولكنه أصبح (في حالة دوار تجعله يمد يده دائمًا إلى الخليج طالبًا الصدقة والمعونة، بعد أن تخلى عن كل قيمه التي علمها للخليج ولم تعد القيمة هي المعيار ولكنه السعر) وبذلك (نزل بدوره من مُعلم صاحب مبدأ وقيمة إلى عامل بأجره وأجر).
“يا قيس هذا عالم طينته التجبر
تطغى على رائدها صحراؤه وتغمُر
وغاية الممعن في نظامه التحير
مهما علمت عنه فالذي جهلت أكثر”.
مسرحية مجنون ليلى – أحمد شوقي
إن المملكة التي أنشئت بمغامرة من الملك عبد العزيز عندما قام وبعض من رجاله لا يزيد عددهم على ستين رجلاً ودخلوا الرياض فجأة واستطاعوا اقتحام حصن أميرها (عجلان) عامل (بن الرشيد) وانطلق عبد العزيز بعد ذلك ليوسع ملكه.
إن الملك (عبد العزيز) بوعيه الغريزي أدرك أنه لن يستطيع أن يسيطر على كل تلك المساحة الكبيرة من الأرض التي استولى عليها بغير طريقين، إما إخضاع القبائل التي عليها بالسيف وإما التفاهم معهم وشراؤهم بالذهب على طريقة (سيف المعز وذهبه) ولكن المشكلة أن الملك (لا يملك العدد الكافي من الرجال ولا العتاد لكي يُخضع كل تلك القبائل والمعضلة الأكبر أنه أيضًا لا يمتلك الذهب الذي يغدقه على تلك القبائل لشرائها أو بالقليل شراء شيوخها).
وكان الحل العبقري الذي وجده مؤسس السعودية هو (مصاهرة) القبائل الكبيرة أي (أن يقوم الملك عبد العزيز بالزواج من القبائل ذات الوزن والتأثير!) وهو بذلك يشبه أمراء أسرة (الهابسبورج) في أوروبا الذي يقال إنهم: (وسعوا ملكهم في غرف النوم أكثر مما وسعوها في ميادين القتال!).
إن الملك بعد أن استتب له الوضع في الجزيرة العربية بعد المصاهرات القبلية! كان عليه أن يجد لنفسه (لقب) يقدم به نفسه أمام حكام المنطقة في ذلك الوقت (أسرة محمد علي في مصر) وأبناء (الشريف حسين في كل من العراق وسوريا والأردن) وكان أن اختار لقب معبأ بالإيحاءات الدينية والدنيوية معًا وهو لقب (خادم الحرمين الشريفين) وبهذا يكون (قد جمع المجد من طرفيه ليصبح معه الدين والدنيا في لقب واحد)! لمعرفة التفاصيل عن اللقب وأصله راجع هذا الرابط
إن المملكة السعودية التي اكتُشف بداخلها (كنز) وهو (البترول) ومن ثم (الكنز ومن ثم الدولة) تصبح في خطر دائم وداهم، والخطر له مصدرين/ مصدر داخلي (الشعب السعودي ذاته) والخوف الدائم من (الثورة)، ولعل ذلك كان السبب في (كراهية) كل حكام المملكة الذين خلفوا (عبد العزيز) لم يشذ منهم أحد من (سعود وحتى سلمان) لكل (صوت قومي) ثوري يدعو إلى (التجديد والاستقلال والعدالة الاجتماعية ومن ثم إعادة اقتسام الثروة والسلطة) من (جمال عبد الناصر مرورًا بصدام حسين وبينهم معمر القذافي) للتفاصيل مراجعة الرابطين التالين: الرابط الأول، الرابط الثاني
ومصدر خارجي إقليمي/ فدول الخليج كلها، وعلى رأسها السعودية لا تستطيع مواجهة قتال حتى وإن امتلكت السلاح، والشاهد أن الوضع الجغرافي لدول الخليج والسعودية منها يضعها وسط حصار من القوى المحلية والإقليمية، وعلى خطوط التماس بين تيارات مذهبية وفكرية، فالخريطة الجغرافية تظهر أن دول الخليج كلها ومنها السعودية محاطة بدول مجاورة ليست أقوى منها فحسب، وإنما إلى جانب قوتها لها مطالبها القديمة أو الجديدة، وهي مطالب هاجعه كسيف في غمده يمكن إشهاره في لحظة.
هناك إيران وهناك العراق وللاثنين مطالب في دول الخليج: حقوق تاريخية – حدود – عصبيات – نفوذ – أمن، وهناك مصر وسوريا ونفوذهما السياسي واصل ودورهما في التوازنات مطلوب، وهناك عند الجنوب الشرقي وعند الشمال الغربي العسكرية الباكستانية والعسكرية التركية وكلاهما موجود وراء الإطار الإقليمي المباشر، ويمكن أن يكون له ما يحلم به خصوصًا مع باكستان مع وجود تأثير هندي قوي في الخليج مع وجود جاليات آسيوية كبيرة في الخليج، وهناك في الأعماق خلافات أسر وتصادم شيع وثارات قبائل ومنافسات تمتد من قصور الأمراء إلى إسطبلات الخيل، وهناك وراء الأفق أساطيل لقوى عظمى وقواعد وإمدادات جراره. (1) (هيكل حرب الخليج)
5 – ينبني على ذلك أنه مادامت (الثورة ممنوعة) على الشعب فـ(الاختلاف والتمرد) ممنوع على الأمراء، فالأسرة السعودية لم تسامح أبدًا الملك (سعود) بعد أن خلعته وأسقطت فترة حكمه كاملة، حتى في صور الملوك المتعاقبين على العرش كما فعل الشيوعيون في الاتحاد السوفييتي السابق بالنسبة لزعمائهم الذين سقطوا في الصراعات الداخلية للحزب فامحى كل أثر لهم حتى في الصور والقواميس ودوائر المعارف.
6- إن المملكة التي لا تستطيع أن تخوض حربًا والوقوف عسكريًا للحفاظ على مصدر ثروتها وقوتها وهو (البترول) ضد أي من القوى الإقليمية كان يجب أن تجد من يحميها وسط هذه المنطقة المتفجرة من كل جانب؛ فالمنطقة مليئة بخلافات أسر وتصادم شيع و ثارات قبائل ومنافسات تمتد من قصور الأمراء إلى إسطبلات الخيل.
7 – وعندما بدأ البترول السعودي يطفو على السطح كانت تلك هي اللحظة نفسها التي قررت الولايات المتحدة ألا تعود إلى عزلتها مرة ثانية (كما فعلت بعد الحرب العالمية الأولى) وكان ذلك بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، وقررت بعدها أن تقوم بوراثة الإمبراطوريات القديمة (بريطانيا وفرنسا) وأن تتحكم بموارد البترول في العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط.
وعلى ظهر الطراد الأمريكي (كوينسي أعطى الرئيس الأمريكي (روزفلت) ما أراده (عبد العزيز): “المال والحماية والتعهد بكفالة العرش، ومن ثم الحكم في نسل المؤسس للسعودية”. وكان التعهد الذي قدمه روزفلت لعبد العزيز كالتالي:
(أود أن يصبح مفهومًا بوضوح أن بإمكان المملكة العربية السعودية أن تعتمد على صداقة الولايات المتحدة وتعاونها في كل ما يمس سلامتها وأمنها). (2) وهذ التعهد يعطيه كل رئيس أمريكي لكل ملك جديد في السعودية من (عبد العزيز وحتى سلمان) وقد ظل سرًا حتى أعلنته وزارة الخارجية الأمريكية في بيان رسمي سنة 1963م كتهديد لمصر الناصرية في ذلك الوقت، لمراجعة تفاصيل اللقاء يرجى مراجعته على هذا الرابط.
ولعل السعودية في هذه النقطة تتشابه مع إسرائيل فالسعودية ارتبطت ببريطانيا في البداية، وإن كان ذلك قد تم على مضض لأن الملك عبد العزيز لم يكن يرتاح للسيد الإنجليزي لأنه يتعامل معه بتكبر وتعال، ولكن بمجرد أن وجد أن شمس الإمبراطورية البريطانية تغرب لهث للوقوف على أبواب السيد الأمريكي صاحب الشمس المشرقة لكي يأخذ منها الحماية من الأعادي! الشريف حسين وأبنائه الذين كانت الكراهية بينهم واصلة إلى الأعماق لدرجة جعلت شاعر بلاط الملك (عبد العزيز) “فؤاد حمزة” (وقد أصبح فيما بعد سفيره في تركيا) يلقي قصيدة يسخر فيها علنـًا من دخول نجل الشريف حسين الملك (فيصل) إلى دمشق وكانت بداية القصيد بيتًا يقول: “بسيفك لا بسيف الإنجليز… دخلت الشام إيزي ثم إيزي”. مستعملاً كلمة (easy) ومعناها (سهل) لتكملة الشطرة الثانية من بيت الشعر!.
وكذلك فعلت إسرائيل فهي ارتبطت في بداياتها بالإمبراطورية الفرنسية، وبمجرد أن شحبت أضواء باريس جرت على الفور لتلتحق بشمس الإمبراطورية البريطانية في (لندن)، وبعد معركة السويس مع مصر (الناصرية) 1956 حولت عطاءها على الولايات المتحدة، وتلقت البركة من البيت الأبيض في (واشنطن) لتتلقى منه هي الأخرى الحماية من العرب الأشرار! وعلى رأس هؤلاء زعيم الأشرار (جمال عبد الناصر) كما قال (موشي ديان) لـ(ماك جورج باندي) مستشار الأمن القومي في إدارة (كنيدي). (مذكرات ماك جورج باندي).
لكن الفرق أن إسرائيل بعد فترة شبت عن الطوق وأصبحت تمتلك قراراها الذي به تستطيع أن تقول لراعيها الذي يصرف عليها ويعطيها السلاح والهبات بملء الفم (لا) sorry!.
( فمثلاً/ حينما كان المفاوض الإسرائيلي مع نظيره الإسرائيلي في واشنطن في إحدى جلسات التفاوض اقترح المفاوض الفلسطيني اقتراحًا وقال إن (الإدارة الأمريكية توافق عليه وتأييده) – فما كان من (يوري سافير) رئيس الوفد الإسرائيلي أن قال لنظيره الفلسطيني: (إن المخول بالقبول أو الرفض هي الحكومة الإسرائيلية المنتخبة ديموقراطيًا في تل أبيب وليس الإدارة الأمريكية في واشنطن، وأنا هنا من يمثلها وأنا أقول لك إن اقتراحك مرفوض، وأضاف لا تتخيل لأننا موجودون في واشنطن فسنقبل ما تقوله لنا الخارجية الأمريكية ولا حتى البيت الأبيض مثل ذلك يمكن أن يحدث معكم وليس معنا، نصيحتي لك أفق من هذا الوهم سريعًا!). (مذكرات دينس روس).
وأما الأخوة السعوديون فهم مازالوا لم يشبوا عن الطوق بعد، برغم مشاركتهم بكل الأشكال وبكافة الصور في كل المخططات الأمريكية، وبرغم كل الأموال التي دفعوها في الماضي ويدفعونها في الحاضر، وأغلب الظن سوف يواصلون دفعها في المستقبل مادام البئر مازال به بترول لم ينضب! للسيد الأمريكي، إلا أنهم وحتى هذه اللحظة لا يستطيعون أن يقفوا أمامه إلا منكسرين مطاطين الرأس شاحبين الوجه، وكل مناهم نظرة رضاء من السيد الجالس على الكرسي الرئاسي في البيت الأبيض.
وفي أحد الاجتماعات بين الزعيم (جمال عبد الناصر) والملك (فيصل) في عام 1966 قال الرئيس المصري الثوري للملك السعودي الرجعي!: (إن الولايات المتحدة لا تريدنا أصدقاء بل تريدنا عملاء وعلى أفضل الأحوال تابعين لها، وأنا لا استطيع لعب هذا الدور، وعلى فرض أنني قبلت بذلك فإن الشعب المصري سيرفض) وأكمل حديثه قائلاً: (إن الفرق بيننا وبين إسرائيل أننا لا نستطيع أن نكون ملتصقين بأمريكا، هم يستطيعون أما نحن إذا فعلنا نفقد استقلالنا فورًا). (الانفجار/ لمحمد حسنين هيكل)
“لا يمكننا أن ندخل في باب القدرة على ذبح أقران المرء من المواطنين، أو الغدر بالأصدقاء، أو عدم الوفاء، أو التجرد من الشفقة والتدين، وقد يصل الإنسان بهذه الوسائل إلى السيادة بالفعل، بيد أن هذه الوسائل لا تُكسبه مجدًا”. الأمير – مكيافيلي
8 – تأسيسًا على كل ما سبق فإن حكام المملكة من (عبد العزيز) مرورًا بـ(سعود) و(فيصل) و(خالد) و(فهد) و(عبد الله) و(سلمان) مرجعيتهم (الأمن) أي (أمن الأسرة والثروة والسلطة) الذي يوفره الأجنبي لهم وفق العهد الذي يعطيه لهم السيد الأمريكي منذ مؤسس المملكة (عبد العزيز) وحتى يومنا هذا – ومن كل ذلك نجد أن مرجعيات أي طرف هي (تربيته ونشأته ورؤيته لعالمه ودوره فيه ومسئوليته إزاء هذا الدور وتقديره هو وليس تقدير غيره لترتيب التناقضات التي تمثل المخاطر والتهديدات المحتملة أمامه) وفيما يتعلق بالملوك العرب كلهم وليس ملوك السعودية فقط فإنه يمكن ملاحظة ما يلي:
أن رؤيتهم لمصلحة أوطانهم ولأمن هذه الأوطان يرتبط ارتباطـًا وثيقـًا بفكرة النظام الملكي من البداية حتى النهاية.
أن النظم التي اختلط فيها (أمن الوطن) بـ(أمن الملك) قامت بحقائق الواقع العربي الحديث على أسر حاكمة تنافست مع أسر حاكمة أخرى، وكان الحَكم النهائي بين الطرفين قوى أجنبية (بريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية).
أن الاتصال والتعاون بهذه الأسر الحاكمة ومع القوى الأجنبية ارتبط تقليديًا بمصالح أمن وثروة يستحيل حماياتها دون هذا الاتصال والتعاون وتحويله إلى استراتيجيات، وهو أمر لابد من إعلانه وإشهاره ليؤدي دوره في التأثير على (الخصوم) قبل أن تفرض الظروف ضرورة (ردعهم).
أن عقيدة أي مَلك على عهدة السيد (كمال أدهم) مدير مخابرات السعودية في عهد الملك (فيصل) وصهره أيضًا هي: (المحافظة على المُلك – والأسرة – وبقاء العرش – واستمرار توارثه بسهولة ابنًا عن أب) وذلك هو ضمان الاستقرار الملكي. لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة هذا الرابط.
أن هناك نظمًا ثورية ظهرت في العالم العربي ومهما كانت الأسباب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي دعت هذه النظم فإن ظهورها كان خطرًا على الملوك ومعاديًا لهم مباشرة ومهددًا لأوطانهم من وجهة نظرهم، ثم إن ظهور بعض هذه النظم استقطب مشاعر كتل كبيرة من رعايا الملوك رغم إرادتهم وتحديًا لسلطانهم (النظام المصري الناصري) مثال.
يزيد على ذلك أن اعتقاد الملوك العرب عامة والسعوديين خاصة، اعتقادهم إلى درجة اليقين بأن (النظم الثورية) لا تستطيع أن تتحدى (الدول الكبرى) في المنطقة وبالتبعية (إسرائيل) ومحاولة مثل هذا التحدي هو (مغامرة طيش) كلاهما مُرتد على أصحابه وربما على غيرهم. (هيكل – عام من الأزمات)
وتطبيقـًا لذلك فإن الملك (سعود) لديه رخصة لمحاولة اغتيال (جمال عبد الناصر) بكافة الأشكال وبكل السُبل عدة مرات وضرب الوحدة المصرية السورية مثلاً.
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (فيصل) لديه الرخصة لتكملة حرب أخيه (سعود) ضد حركة القومية العربية والمشاركة مع القوى الإمبريالية في (تصفية) مركزها في (القاهرة) حتى لو أدى ذلك إلى الاستعانة بالمرتزقة الأجانب من كل حدب وصوب لكي يجعل اليمن (مقبرة كبيرة للجيش المصري إذا لم ينسحب منها) حسب وصفه وتعبيره، وحتى لو اضطره ذلك إلى الاستعانة بالعدو الفارسي الإيراني الشيعي في (طهران) متمثلاً في ( الشاه) كي يناصره ضد عدوه العتيد (جمال عبد الناصر) في (القاهرة).
حدث في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم الذي انعقد بعد نكسة يونيو 1967 أثناء مداولات القادة العرب في الأوضاع وقتها وتم التطرق إلى الموقف الأمريكي وقتها أن قال الملك فيصل للزعيم جمال عبد الناصر: (فخامة الرئيس، أرجوك أن تتدخل للتخفيف عني، ففي كل مرة يتحدث واحد من الإخوان عن موقف الأمريكان أجد الكل ينظر نحوي كأنني أنا وكيلهم المعتمد هنا.)! (هيكل – الانفجار – 1967)!
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (خالد) لديه الرخصة للاستعانة بقوات خاصة فرنسية كي تقوم بتصفية العائذ بالحرم (جهيمان العتيبي) ومن معه ويدور قتال فتاك في أرض الله الحرام وبجانب الكعبة ذاتها بين مسلمين وبين جنود فرنسيين مسيحيين.
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (فهد) لديه الرخصة لتمويل أغلب العمليات الأمريكية (القذرة) على طول العالم وعرضه وعلى سبيل المثال: (فقد تبرعت السعودية في دفعة واحدة بمبلغ 35 مليون دولار للمساعدة على إسقاط نظام الساندينستا في نيكاراجوا من أجل خاطر العيون الأمريكية الزرقاء!) هذا إلى جانب ما دفعته في تمويل (حرب أفغانستان أكثر من ألف مليون دولار تبركًا بالشعر الأصفر الأمريكي.!
للمزيد من التفاصيل راجع هذا الرابط
ويحق للملك (فهد) أيضًا الاتفاق ولا أقول التآمر على دولة عربية وإسلامية أخرى وهي (العراق) مع السيد الأمريكي صاحب صك الأمان للسعودية وملوكها والجلوس مع مندوب الحامي الأكبر (ديك تشيني) في (جدة) ودعوة القوات الأمريكية بعدها إلى أرض الحرمين رافعين شعار(الدفاع عن السعودية وتحرير الكويت) بينما الملك (يعرف أن الباطن شيء آخر) وأن تلك القوات قد جاءت (لتدمير العراق) بخطة سميت (المجد للعذراء).
وللأسف ظهرت صور لجنود أمريكيين يكتبون على الصواريخ التي ستقذف بها العراق: (نادوا على الله فإن لم يسمع لكم نادوا على الجنرال شوارتزكوبف).
ولسوء الحظ فإن هذا الاسم الرمزي يستعيد للأذهان أصداء صليبية سُمعت من قبل؛ فحين دخل الجنرال البريطاني (اللنبي) فاتحًا القدس يوم 9 ديسمبر 1917 كانت قولته المشهورة: (الآن انتهت الحروب الصليبية).
وحين دخل الجنرال (جورو) دمشق يوم 21 يونيو 1920 توجه مباشرة إلى قبر صلاح الدين ووقف أمامه ووضع قدمه عليه وقال قولته المشهورة: (ها قد عدنا يا صلاح الدين).
لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة الرابطين التاليين: الرابط الأول، الرابط الثاني.
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن السعودية من حقها ومن حق ملوكها وعلى رأسها الملك (فهد ومن خلفه إلى اليوم) أن يتحدثوا ليل نهار عن أنهم ليسوا لهم علاقة بإسرائيل بينما الجميع يعلم أن العلاقة بين المملكة وإسرائيل صارت علنية منذ حرب الخليج 1990عندما ذهب سفير المملكة السعودية الأمير (بندر) إلى اللوبي اليهودي في واشنطن راجيًا إياهم أن يمنعوا إسرائيل من الرد على صواريخ صدام حسين العراقية حتى لا ينفك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد العراق.
فقد دعا السفير السعودي (بندر بن سلطان) بموافقة الملك (فهد) أبرز أعضاء المؤتمر اليهودي الأمريكي وعلى رأسهم (هنري سيجمان) لمقابلته وتم بالفعل وحضره كل من: (أفي بارنز) وهو من المقربين وقتها لرئيس وزراء إسرائيل (إسحاق شامير) وقد روى (سيجمان) تفاصيل هذا اللقاء وقال: (إنه أثناء اللقاء سأل الأمير بندر سؤالاً محددًا قال فيه: (إنني أريد أن أسألك يا سيادة السفير هل بلادك بعد أن تنتهى هذه الأزمة سوف تعلن بلا قيد أو شرط اعترافها بحق إسرائيل في الوجود؟ وهل أنت مستعد لأن تؤكد لنا أن بلادك سوف تقوم بتطبيع علاقاتها بالكامل مع إسرائيل؟ ورد (بندر) طبقـًا لرواية سيجمان قائلاً: (نعم هذا بالضبط ما أقوله). وروى (سيجمان) أيضًا تفصيلات مما سمعه وفد المؤتمر اليهودي الأمريكي من الأمير (بندر) وبينه:
أن (بندر) قال لهم: (إنه نصح الإدارة الأمريكية بأن تستعمل حق الفيتو ضد قرار يدين إسرائيل بسبب عدوانها على المسجد الأقصى، وكان رأيه أن أية إدانة لإسرائيل تعتبر في جزء منها انتصارًا لصدام حسين ولكن الإدارة الأمريكية لم تأخذ برأيه ولم تستعمل حق الفيتو مراعاة للأطراف العربية في التحالف العسكري ضد العراق). ( مذكرات الأمير بندر وما نشر في جريدة (الجيروساليم بوست) في عددها الصادر في 8 يوليو 1991 (ولم تكذبه السعودية لا وقتها ولا بعدها).
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (عبد الله) لديه الرخصة كي يفتح أرضه وحدوده (للحق كان معه دولة (الكويت) في الموقف نفسه) لدولة أجنبية (جيش الولايات المتحدة) لتجتاح دولة عربية أخرى وهي (العراق) واحتلال عاصمة الخلافة العباسية (بغداد) وإسقاط نظام الحكم فيها جهارًا نهارًا.
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (سلمان) ونجله! لديهم الرخصة كي يقوما بعمل تحالف وقيادة جيوشه وطيرانه تحت مسمى (عاصفة الحزم) لضرب دولة عربية من (أغلب وأفقر وأضعف) الدول في الأمة العربية (اليمن) لعزل رجل كانت المملكة ذاتها مدافعة عنه وقت ثورة شعبه عليه (علي عبد الله صالح)! وفي سبيل هذا الهدف يحل قتل الرجال والنساء والأطفال وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها خدمة لمصالح الأمة، ولإبعاد (الغمة الفارسية الإيرانية عن أعين الإمة العربية)! ورغم ذلك كله ورغم كمية المتفجرات التي ألقيت على الفريق الآخر إلا أن التحالف الذي تقوده السعودية لم يحقق نصرًا حاسمًا رغم مرور كل تلك الشهور!.
وتطبيقـًا لذلك أيضًا فإن الملك (سلمان) ونجله! أيضًا لديهم الرخصة أن يكملا ما بدأه الملك (عبدالله) في محاولة إسقاط النظام السوري حتى لو كان كلفة ذلك أن يتم تدمير الوطن السوري بأكمله، وعلى رأسه عاصمة الأمويين (دمشق) ذاتها، وأن يُشرد ملايين السوريين في بقاع الأرض المختلفة، ناهيك عن الآلاف من القتلى على الجانبين، وناهيك عن مليارات الدولارات المهدرة على تلك الحرب التي اندلعت منذ سنوات، وناهيك عن تغذية نار التطرف التي أنتجت آخر حبة في عنقود المنظمات الإرهابية (داعش) بعد أن كانت المملكة السعودية مشاركًا كبيرًا وضالعًا أساسيًا في إنشاء منظمة (القاعدة) مع السيد والحليف الأمريكي.
كل ذلك مباح والمبرر موجود وجاهز وهو: (المحافظة على المُلك – والأسرة – وبقاء العرش – واستمرار توارثه بسهولة ابنًا عن أب). (رحم الله مكيافيلي).!
“كيف في رأيك أن أُعامل اللصوص بطريقة فعالة؟
إنك يا سيدى إذا لم تطمع في أشياء لا تخصك فإنهم لن يسرقوا حتى لو أنك استأجرتهم لذلك”
كونفوشيوس للحاكم تشي
9 – تحدثنا عن (هاجس الأمن والثورة) لدى الأسرة في السعودية، والآن نتطرق إلى (هاجس الثروة) إن المملكة العربية هي أهم وأكبر المصدرين للنفط، وذلك يسبب مشاكل، فإذا كان للفقر مشاكله فللغنى أيضًا مشاكله، وإن اختلفت الأسباب والمسببات، فإذا نظرنا إلى مصدر الثروة سنجد (النفط) ومن يسيطر على النفط؟
سنجد أسرة (عبد العزيز) والمشكلة أن السلطة والثروة تفوقان الخيال في السعودية، وانتقال المُلك من فرع إلى آخر في أسرة يبلغ تعدادها أكثر من سبعة آلاف من الذكور كفيل بأن يُحدث زلازلاً يسبب هزات كبرى وتصدعات وشقوق تراها العين، ولعل ذلك بدا ظاهرًا عندما قام الملك (سلمان) بخلع أخيه الأمير (مقرن) من ولاية العهد رغم مرسوم ملكي من أخيه الملك السابق (عبد الله) بعدم جواز إلغاء تعيين (مقرن) وعهد بولاية العهد إلى الأمير (محمد بن نايف) وعين ابنه الأمير (محمد بن سلمان) ولي ولي العهد ووزير الدفاع والمسئول عن مصدر الثروة (النفط) ليصبح الفتى الصغير (كقيصر في روما) داخل الأسرة السعودية، وربما لا يغيب عن الذاكرة أن أميرًا من فرع سعود كان هو الذي أقدم على قتل الملك (فيصل) سنة 1975 نتيجة لضيق أحس به بعد تحول السلطة والثروة من فرع إلى فرع داخل الأسرة.
للمزيد من التفاصيل عن الأحوال الداخلية في السعودية يرجى مراجعة على هذا الرابط.
إن الصراع على اقتسام الثروة سبب عفن الفساد وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن الأمير (سلطان) وزير دفاع المملكة الأسبق ووالد الأمير (بندر)! وشقيق الملك (سلمان) لا زالت تطارده فضيحة حصوله على عمولة تقدر بمئات الملايين من الدولارات بسبب صفقة أسلحة بين السعودية وبريطانيا يطلق عليها صفقة (اليمامة) وما يزال الموضوع مفتوحًا حتى الآن ويلقي بظلاله على العلاقات البريطانية السعودية حتى الآن، وتقوم الحكومة السعودية بضغوط غير عادية على كل حكومة تأتي في إنجلترا من أجل إغلاق الملف.
لمزيد من التفاصيل شاهد هذا الرابط.
“أحببتُ العدل وكرهتُ الظلم ولهذا أمُوتُ منفيًا.” هيلد برانت
وبعد تُرى كيف سيكون المستقبل في المملكة العربية السعودية؟
علمًا بأن المملكة كانت تعتمد في حل تناقضاتها الداخلية وصراعاتها الخارجية على المال. فالمملكة تعودت أن تحل مشاكلها بالعطايا وتحصل على دورها بالمنح، واليوم وفي ظل تدني أسعار النفط لأجل تُشير كل التوقعات إلى أنه سيطول ومع الصرف على تمويل الحرب في سوريا وفي اليمن بالإضافة إلى المتطلبات الخارجية الأخرى (شراء ولاءات وذمم سياسيين وإعلاميين.. إلخ) وبالطبع هناك المتطلبات الداخلية كل ذلك حتمًا سيشكل عبئًا على كاهل المملكة.
وفي ظل تغير شديد على الساحة الدولية من خفوت أمريكي صار ظاهرًا للعيان، وصعود في اللهجة الروسية وتقدم الصين خُطوة للأمام في الصراع السوري، ولو على استيحاء بجانب روسيا، وتمدد إيران ومحاولة حصار السعودية من أطرافها وجوانبها (العراق واليمن والبحرين) وهي من الأصل (موجودة في لبنان عن طريق حزب الله) وبالطبع في (سوريا)، وفي ظل (ريبة اختلافات بين القيادتين المصرية والسعودية والتوجس منها وظهورها) رغم نفي مستمر من كل من الرياض والقاهرة يؤكدا الظاهر المحسوس أكثر مما ينفيه كل بالإضافة إلى صراع على السلطة في المملكة سيزيد مع الأيام، وذلك حتمًا سيكون ارتداداته على الداخل السعودي شديدًا وكبيرًا، وأخيرًا فأن هناك أسطورة يونانية تقول: (إن الآلهة عندما تغضب على أحد وتريد معاقبته لا تفعل غير أن تسلط عليه نفسه وكفى).
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست