هل الرمادي نموذج لهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" بالعراق؟ - بي. بي. سي.
مايكل نايتس
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى
رفعت قوات الأمن العراقية العلم العراقي على مقار الحكومة المحلية في مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول، وهو ما يعد مؤشرا على عودة القوات الحكومية إلى وسط المدينة بعد عدة أسابيع من القتال العنيف.
ويقتصر وجود تنظيم "الدولة الإسلامية"، على مخابئ في منطقة سوفيا، وهي منطقة ريفية إلى الشمال الشرقي من المدينة، وفي مواقع صغيرة "تمثل المؤخرة" داخل مركز المدينة المدمر.
وستستمراعتداءات تنظيم الدولة داخل المدينة، بين الحين والآخر بما في ذلك تفجيرات انتحارية بسيارات ملغومة وهجمات لعرقلة الاستقرار، ولكن من غير المرجح أن يتمكن التنظيم من السيطرة الكاملة على المدينة بنفس الطريقة التي حدثت في مايو/ آيار 2015.
وبالنسبة للتنظيم فإن خسارة مدينة الرمادي كانت أمرا حتميا منذ البداية، لكن فرض السيطرة الدائمة على المدينة لم يكن هدفه. فقد كان، بدلا من ذلك، يستخدم الرمادي بشكل متكرر لتشتيت انتباه قوات الأمن العراقية عن مهاجمة معقل التنظيم في الموصل، التي تبعد 450 كيلومترا إلى الشمال.
وفشلت محاولات التنظيم الاستيلاء على الرمادي في نفس الوقت الذي سقطت فيه مدينة الفلوجة القريبة في أواخر ديسمبر/ كانون الاول عام 2013.
كما خاض معركة استنزاف لمدة 16 شهرا من الضواحي الريفية في الرمادي، في محاولة لهزيمة وحدات قوى الأمن الداخلي. وعندما استولى الجيش العراقي على تكريت في أبريل/ نيسان عام 2015، كان تنظيم الدولة قادرا على القضاء على مقاومة قوات الأمن العراقية في الرمادي، ومرة أخرى استخدام المدينة لتشتيت جهود قوى الأمن الداخلي بعيدا عن الموصل طوال 226 يوما.
ومع انحسار العمليات العسكرية في الرمادي، فإن التنظيم يدرك الآن أن الحدث الرئيسي المتمثل في معركة الموصل سوف يبدأ الآن.
وقد يحاول تنظيم الدولة شن هجوم تضليلي آخر ولكن القوات العراقية والسورية أفضل استعدادا الآن ومدعومة بطائرات مقاتلة من قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة.
على الأرجح، فإن المراحل التحضيرية البطيئة لمعركة الموصل سوف تتكشف الآن في النصف الأول من عام 2016.
وسوف تدمر في البداية الحصون التالية لتنظيم الدولة، في منطقة القيارة، مركز تكرير النفط، وغيرها من المدن على وادي نهر دجلة جنوبي الموصل.
وستطوق المدينة ببطء في فصل الصيف مع تكثيف الغارات الجوية على مراكز قيادة داعش وأهداف لوجستية. ثم سيبدأ الهجوم عندما تنكسر حدة درجات الحرارة في خريف عام 2016.
قوة محترفة
وعلى الرغم من أن التنظيم استفاد من استخدامه الرمادي كعامل تأخير، فإن قوات الأمن العراقية وقوات التحالف تعلمت أيضا من هذه التجربة.
وشهدت الرمادي تعاونا وثيقا بين قوات الأمن العراقية وقوات التحالف للحصول على معلومات استخباراتية مفصلة للغاية حول مواقع العدو وبعد ذلك استخدام القوة الجوية لاستهداف على وجه التحديد تلك التمركزات .
واستعرض الجيش العراقي أيضا مستويات التدريب وكذلك المعدات التي حصل عليها من الائتلاف.
ويعد "اختراق الأسلحة المجتمعة" أحد القدرات الجديدة للجيش العراقي، الذي يتمثل في المقدرة على مسح عشرات العبوات الناسفة في مناورة واحدة مع المعونة من معدات إزالة الألغام المقدمة من الولايات المتحدة.
وعزز المهندسون العسكريون مع الجرافات المقدمة من الولايات المتحدة الدفاعات بسرعة وسمحت للقوات العراقية بصد الهجمات المضادة للتنظيم.
وأظهرت قوى الأمن الداخلي أنه يمكنها بناء جسور جديدة بسرعة، لتحل محل تلك التي تهدم. وجميع هذه المهارات ستكون مفيدة في الموصل.
وتعد المعركة هي الأخيرة في سلسلة العمليات التي يظهر بها القادة العسكريين المحترفين كمسؤولين عن عمليات عسكرية رئيسية، وليس قادة الميليشيات.
كان هذا هو ما حدث في تكريت وبيجي، حيث حاول قادة الميليشيات وفشلوا في الاستيلاء على المدينة لعدة أشهر.
وفي النهاية، رجحت القوات الخاصة العراقية المحترفة، وضباط الجيش، مدعومة بقوة جوية لقوات التحالف، كفة القوات العراقية في كلا المنطقتين في غضون أيام.
وتمثل هذه الديناميكية أهمية كبيرة لأن قادة الحشد الشعبي مثل أبو مهدي المهندس، المصنف أمريكيا كإرهابي عالمي، أو هادي العامري، ربما سيسعيان للعب أدوار رئيسية في تحرير الموصل.
ولكن الديناميكيات السياسية المحلية - وخاصة أن الطابع السني هو الغالب في مدينة الموصل - تشير إلى أن قوات الحشد الشعبي لن يرحب بها باعتبارهم محررين، أكثر من أنهم محتلون أجانب.
ويجعل هذا من المهم أن يكون الهجوم على الموصل - مثل عمليات حاسمة في تكريت وبيجي والآن الرمادي - تحت قيادة قوى الأمن الداخلي المهنية تحت قيادة وطنية.
إعداد أفضل
وهناك تحد آخر يتمثل في استقرار الحكومة العراقية في مدينة الرمادي، في الوقت الذي تهدأ فيه وطأة المعركة.
والإعلان الجديد عن 50 مليون دولار كجهود دولية لإعادة الخدمات الأساسية إلى المدينة، بالإضافة إلى خطط لإحلال الأمن بالتعاون بين قوات الأمن السكان السنة، سوف يكون لها تأثير مهم على إعادة توطين السكان المحليين والاستقرار على المدى الطويل من المدينة. ويعطي المثال السابق في تكريت أسبابا للتشجيع.
وتعرضت تكريت لأضرار كبيرة أثناء القتال لتحريرها من قبضة مقاتلي تنظيم الدولة، وتعرضت أيضا للنهب من جانب ميليشيات الحشد الشعبي في الغالب بعد ذلك. ولكن الاستقرار بعد المعركة تلاشى أيضا بشكل غير متوقع.
ويدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) برنامج إعادة التوطين بنجاح، مع رؤية المشردين داخليا وهم يعودون إلى المدينة، وكيف تتعامل معهم الميليشيات بضبط النفس.
وسيكون من الضروري مضاعفة خطة إعادة التوطين والاستقرار التي ستجري في "اليوم التالي" في مدينة الموصل، وهي أكبر 15 مرة من تكريت، وثلاثة أضعاف نسبة الرمادي.
ونتيجة لذلك، فقد أعطت الرمادي الحكومة العراقية وقوات الأمن فرصة نادرة لإعداد أفضل للمعركة وإجراءات مرحلة ما بعد الصراع في الموصل.
وإن لم تسقط الرمادي، فقد تبوء قوات الأمن الداخلي بالفشل بسرعة في الموصل. وعلى الرغم من أن العملية ربما كانت بطيئة، فإن الحملة العراقية لتحرير الموصل قد تكون الآن على أرض أكثر صلابة.