عن إمبراطورية المفاعلات النووية الروسية العالمية التي لا نعرفها
في مطار القاهرة الدولي يوم الإثنين الموافق التاسع عشر من أكتوبر بعد الظهيرة بقليل هبطت الطائرة الخاصة بـ(سيرجي كيريينكو) الرئيس التنفيذي لعملاق الطاقة النووية العالمي (روساتوم) للمرة الثانية، كانت الأولى في فبراير برفقة (فلاديمير بوتين) الرئيس الروسي، أما الزيارة الثالثة فكانت منذ أقل من شهر في الخميس التاسع عشر من نوفمبر الماضي، على مدار العام وفي الثلاث زيارات تفاوض سيرجي، رئيس الوزراء السابق في عهد يلتسن، على بناء أول محطة نووية تحتوي على أربعة مفاعلات في مصر، في الزيارة الأخيرة وعندما هبطت طائرته في مطار القاهرة كانت الأمور محسومة تمامًا، والنتيجة بعد بضع ساعات من الوصول متمثلة في توقيع الاتفاق النهائي بينه وبين وزير الطاقة والكهرباء “محمد شاكر” بحضور الجنرال (عبد الفتاح السيسي) الرئيس المصري الحالي، بعد التوقيع أصبحت الأمور في يد (روساتوم)، المجموعة المملوكة للحكومة الاتحادية الروسية والتي تمثل الذراع الروسي النووي، والتي تتولى مسئولية جميع أنشطة موسكو النووية السلمية منها والعسكرية.
في الكرملين بداية العام الحالي أيضًا لم يختلف المشهد كثيرًا، الرابع عشر من يناير وسيرجي يمثل العنصر الأساسي المشترك في الصورة كما هي العادة، يجلس وعلى يمينه بوتين ثم (فيكتور أوربان) رئيس وزراء المجر ثم السيدة (سوزانا لازلو نيميث) وزيرة التنمية المجرية، ويشترك الأربعة في توقيع الاتفاق الجديد لبناء مفاعلين جديدين في مدينة باكس، المدينة الصغيرة النووية التي تحتوي على محطة الطاقة الذرية الوحيدة في المجر، اتفاق فاجئ الجميع تقريبًا ودفع الاتحاد الأوروبي لوضع المجر تحت مطرقة المحكمة الأوروبية، لكن أوربان أصر على المضي قدمًا فيه، إنها روسيا وسيرجي مرة أخرى.
ولأن سيرجي ومن ورائه موسكو لا يتوقفان تقريبًا فلم تكن بداية العام الحالي الثنائية ما بين القاهرة وبودابست كافية، لذلك وفي الأردن وقع سيرجي اتفاقًا في الثلاثاء الرابع والعشرين من مارس لبناء محطة بها مفاعلين نوويين بقدرة ألفين ميجاوات في منطقة العمرة شمالي العاصمة عمان، إنها المحطة النووية الأولى للأردن كمصر تمامًا، وبنظرة أقرب للثلاث اتفاقيات سنجد عوامل مشتركة أخرى غير موسكو والطاقة النووية، سوف تقرض موسكو الثلاث دول مليارات الدولارات لتغطية تكلفة الإنشاء، ستحصل مصر على 25 مليار دولار، وهي تمثل 85% من تكلفة إنشاء المحطة على أن تتحمل القاهرة الـ15% المتبقية، وستحصل المجر على قرض روسي قدره عشرة مليارات يورو سيغطي 80% من التكلفة، أما الأردن فستعطيها موسكو عشرة مليارات دولار، وهو ما يوازي 49% من تكلفة المحطة في العمرة، فضلًا عن إدارة كل هذه المحطات فيما بعد عن طريق أطقم روسية في أغلبها، ومع كل ذلك فإن العام الروسي لم ينتهِ بعد!
تحت سماء سان بطرسبورغ الصافية وفي الخميس الثامن عشر من يونيو تولى بوتين فتح طريق جديد أمام (روساتوم) بدلًا من سيرجي، فبعد انعقاد جلسة مباحثات ثنائية بينه وبين الأمير (محمد بن سلمان) ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي كانت من ضمن الأهم على هامش المنتدى الاقتصادي الروسي الدولي، وقع الطرفان ست اتفاقيات أهمها اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، لم تكن المملكة العربية السعودية الوحيدة التي وقعت معها (روساتوم) مذكرة تفاهم تمهيدًا لبناء محطة أو محطات نووية، سبقها جنوب إفريقيا وفنلندا وإيران والهند وكازاخستان وتركيا في ما قبل أزمتها الأخيرة مع موسكو، ويحاول الدب الروسي جاهدًا وضع قدمه في أمريكا اللاتينية أيضًا، ولو رسمنا خريطة افتراضية لاتجاهات روسيا في مجال الطاقة النووية لوجدنا أنها تحاول بإصرار وضع قدم في كل مكان إستراتيجي أو له أهمية جيوسياسية حالية أو محتملة تستطيع أن تصل إليه، هذا التخطيط بالتأكيد ليس عشوائيًّا ويطرح أسئلة في غاية الأهمية أبسطها (ما الذي تحاول روسيا فعله بالضبط؟).
(1) أوراق الهيمنة
في السياسة الدولية هناك مصطلح يتكرر كثيرًا ويعرف بـ(عقيدة الأطراف)، المصطلح الذي صاغه مهندس الدولة الصهيونية (ديفيد بن جوريون) لافتكاك أي دولة أو كيان من حصار ما حول أي منهما، فعندما تكون الدولة محاصرة بنفوذ وهيمنة دولة أو دول أخرى فعليها أن تحاول بسط نفوذها في الدولة المحيطة بالحلقة المحاصِرة لها، باختصار فقد ابتدع (بن جوريون) مبدأ (حاصر حصارك) بمعناه الفعلي.
بالرغم من أن روسيا تسوق نفسها على أنها قوة عظمى فإن هذا هو تسويق إعلامي لا أكثر والحقيقة أن روسيا ليست بهذه القوة، وما يعتمد الكثيرون عليه في تقييم أوراق الهيمنة الروسية يصب غالبًا في المجال العسكري من حيث امتلاكها لجيش ضخم وتكنولوجيا عسكرية متطورة وورقة الردع النووي، لكن بالنظر إلى عصر كهذا فإن القوة العسكرية لا تبدو بهذه الفاعلية ما لم تؤازرها أوراق الهيمنة الأخرى الاقتصادية والعلمية والناعمة، وروسيا تفتقد للأوراق الثلاث بكل تأكيد، فضلًا عن أن قوتها العسكرية غير النووية لا تمتلك فارق التطور والتنوع الذي تمتلكه الولايات المتحدة مثلًا؛ مما يعطي واشنطن يدًا أعلى عند التدخل العسكري وغزوها لأي دولة أخرى.
فيما بعد كارثة (تشرنوبل) اكتسبت الصناعة النووية السوفيتية ومن بعدها الروسية سمعة شديدة السوء لم يكن لها أن تمحى بسهولة، ولأنه في هذا الوقت كان الاعتماد على المفاعلات النووية كمصدر للطاقة الكهربائية مقتصرًا على دول قليلة كبرى فقط، فضلًا عن أن العالم حينها كان لديه وفرة في مصادر الطاقة الأساسية الأخرى وعلى رأسها النفط مقارنة بالوضع والتعداد السكاني العالمي الحاليين، لذلك لم يكن هناك سوق حقيقي لبناء المحطات النووية، في النصف الثاني من العقد الألفيني تغير كل ذلك عندما وقع (بوتين) أمرًا رئاسيًّا بتحويل وزارة روسيا الاتحادية للطاقة الذرية والتي عرفت باسم (الوكالة الروسية الاتحادية للطاقة النووية) إلى مجموعة تمت تسميتها بـ(روساتوم) مع تغيير هيكل العمل فيها بالكامل، حينها وضعت روسيا ثلاثة أهداف إستراتيجية للمجموعة، أولها أن تؤمن بيئة مستقرة للأسلحة النووية الروسية مع الاستمرار في تطويرها، والثاني أن تصل بالمحطات النووية لتوليد ما قدره 30% من احتياجات روسيا للكهرباء في عام 2030، والثالث أن تضمن لروسيا موقعًا قياديًّا في السوق العالمي لتكنولوجيا الطاقة النووية، الهدف الذي يبدو أن روساتوم ناجحة فيه حتى الآن.
في عام 2011 وبعد كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني بدا وأنه هناك اتجاه عام للتخلص من الطاقة النووية والاستعاضة عنها بمصادر الطاقة المتجددة، اتجاه بدأت فيه اليابان بالطبع وتبعتها ألمانيا بخطة لإيقاف كل المفاعلات النووية في عام 2022، وتبعتهما دول أخرى في هذا الصدد خاصة في أوروبا، لكن الروس بدا وأنهم يسيرون في اتجاه مضاد للعالم، يطورون مفاعلاتهم أكثر ويرفعون درجات الأمان وإجراءات الفحوص الدورية، ويضعون من خلال روساتوم إستراتيجية تهدف إلى الاستحواذ على ثلث سوق الطاقة النووية العالمي بالكامل بحلول عام 2030، فهم الروس لاحتياجات الطاقة العالمية كان بسيطًا وفعالًا، لا يمكن للعالم الاستغناء عن مصدر طاقة شديد الفاعلية ونظيف ولا ينضب كالطاقة النووية على الرغم من مخاطره في حالة حدوث كوارث مع وجود مشكلة التخلص من النفايات النووية التي تمثل صداعًا لأي دولة، لكن المخاطرة تبقى محدودة مقارنة بتكلفة المصادر الأخرى، فضلًا عن دخول الكوكب في مرحلة تناقص الوقود الأحفوري وصولًا إلى مرحلة النضوب في خلال الخمسين إلى المائة عام القادمة، والطاقة النووية الآن توفر للعالم 11% من إجمالي الكهرباء المستهلكة سنويًّا بينما في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) والتي تحتوى على أكثرية الدول الكبرى فإن الطاقة النووية تزودهم بخمس احتياجاتهم من الطاقة، فهم الروس النتيجة الحتمية فيما بعد فوكوشيما: حتى لو حدثت كارثة ثالثة فالعالم ليس جاهزًا للاستغناء عن مصدر كهذا.
(2) دولة روساتوم!
كيف تحافظ على سجلٍ خالٍ من الهزائم؟!
ربما تكون (روساتوم) هي المجموعة الوحيدة في العالم القادرة على إجابة هذا السؤال، في خلال الأعوام القليلة الماضية، ما يمكن أن نحدده بأقل من خمسة أعوام، لم تخسر المجموعة مناقصة واحدة مفتوحة في أي مكان في العالم، فازت بكل العقود التي تنافست عليها بشكل مثير للاهتمام ووصلت قيمة صادراتها وعقودها إلى 300 مليار دولار، رقم يمثل زيادة أكبر بخمس مرات ونصف عما كانت عليه صادرات المجموعة منذ بداية عام 2011، في 2012 امتلكت المجموعة أوامر توريد مواد نووية وبناء مفاعلات بـ66.5 مليار دولار، في عام 2013 تجاوز الرقم 73 مليار دولار وفي العام الماضي وصل إلى 101.4 مليار دولار، وأحد أهداف المجموعة الرئيسية زيادة هذا الرقم ليتجاوز المائة وخمسين مليار دولار في عام 2020، رقم يمثل الناتج المحلي لعدة دول نامية.
نموذج مجسم لمفاعل الطاقة النووية VVER-1200 الذي ستبنيه روساتوم في فيتنام
تتكون المجموعة من 350 شركة ومنظمة يعملون جميعًا تحت اسم روساتوم، ويعمل لديها الآن أكثر من ربع مليون شخص في روسيا والعالم، وهي الرقم واحد عالميًّا في توريد اليورانيوم المخصب حيث تبلغ حصتها من سوق اليورانيوم العالمي (مصدر الطاقة النووي الأساسي) 36%، وتزود روسيا بـ17% من احتياجاتها للطاقة الكهربائية، وتنفق روساتوم يوميًّا مليون يورو على بحوثها العلمية وتجاربها المختلفة، وهي الكيان الوحيد في العالم الذي يمتلك أسطولًا من السفن المخترقة للجليد العاملة بالطاقة الذرية، والأولى عالميًّا أيضًا في عدد المفاعلات التي تديرها حيث شيدت 29 مفاعلًا في مختلف دول العالم واتفقت أو تشيد حاليًا 11 مفاعلًا آخر، كيان بهذا الحجم يمثل بالفعل تجسيدًا لدولة داخل دولة!
في الاجتماع الخامس والستين لمجلس إدارة المجموعة في 31 أكتوبر من العام الماضي وضع الأعضاء اللمسات الأخيرة على الإستراتيجية العامة لروساتوم حتى عام 2030، وتم تقسيم الخمسة عشر عامًا القادمة على مرحلتين، الأولى لـ2020 والثانية لـ2030، مع فهم عميق للتحديات التي تواجه الطاقة النووية، في الاجتماع كان الأمر الرئيسي واضحًا: إن أردنا أن نصبح القوة العالمية الأولى فينبغي أن نقدم المحطات النووية على أنها مصدر طاقة لا يمكن رفضه، نطور التكنولوجيا النووية ونخفض التكاليف، عندها سيتوسع سوق العمل النووي أكثر، حسنًا، إنهم ناجحون جدًّا في ذلك حتى الآن!
(3) اِبْنِ، تملك، أدر!
الآن لدينا معطيات بسيطة، أولها أن روساتوم متعاقدة على مشاريع محطات نووية في 18 دولة تقريبًا من المفترض أن تسلم في الفترة من 2015 إلى 2025، وثانيها أن هذه المشاريع ستتحمل موسكو من قيمتها الإجمالية مبلغًا يوازي 88 مليار دولار لأن عشر من هذه الدول على الأقل نامية لا تستطيع تحمل التكلفة الإجمالية للمحطات، وثالثها حالة الضعف التي يمر بها الاقتصاد الروسي حاليًا تحت وطأة مطرقة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والعزل الدولي الذي تتحكم فيه، ورابعها أن روساتوم أو موسكو بمعنى أدق ليست جمعية خيرية تعطي قروضًا بهذه الضخامة، وبابا نويل بالتأكيد ليس حقيقيًّا، فما هي الخدعة هنا بالضبط؟!
الحقيقة أنه ليست هناك خدعة بقدر ضرورة معرفة نموذج إدارة الأعمال الشهير (BOO) والشائع في مجال الطاقة عمومًا وهو أحد النماذج العدوانية لإدارة الأعمال، والثلاثة أحرف هم اختصار لـ(Build, Own, Operate) أو (اِبْن، تملك، أدر)، يقوم النموذج ببساطة على تحمل تكلفة أي مشروع من بدايته لنهايته أو تحمل النسبة الأكبر من هذه التكلفة بالتالي يكون للشركة المنفذة ملكية هذا المشروع وحقها الأصيل في إدارته، نموذج الـBOO هو الأساس في أي تعاقد تقوم به روساتوم في أي مكان في العالم، وعندما تنتهي المجموعة من بناء المحطة يكون لـ(Atomstroyexport)، جناح التصدير في المجموعة بجانب شركة Rosatom Overseas، النصيب الأكبر من الأرباح الناتجة عن الطاقة الكهربائية المتولدة لمدة لا تقل عن عشرة أعوام.
في الدول العادية غير النووية تأتي عروض روساتوم لتشكل مجموعة من الإغراءات التي لا يمكن رفضها، إنهم لا يقدمون عروضًا لبناء مفاعلات نووية فقط، وإنما تشمل عروضهم للحكومات أيضًا بناء مراكز أبحاث وتطوير للطاقة النووية بالإضافة إلى مراكز متخصصة في تطوير النظائر المشعة المستخدمة في المجال الطبي، ويأتي مع عرض بناء المحطة من الألف للياء إيفاد طاقم من خبرائها لإدارتها والتحكم بها مع عرض التخلص من النفايات النووية كذلك، أما في الدول النووية فالأمر مختلف قليلًا، فمثلًا وبالرغم من العقوبات الدولية (الأمريكية للدقة) على روسيا فإنه هناك مجالات تعاون محددة لا يمكن المساس بها وعلى رأسها الطاقة النووية، وموسكو تتعاون مع واشنطن منذ عشرين عامًا على الأقل في هذا الصدد، وفي ديسمبر من عام 2013 تم الوصول بنجاح لنهاية الاتفاق الشهير المسمى بـ(ميجا طن إلى ميجاوات) والذي وقعه الطرفان في عام 1993 بعد مفاوضات استمرت عامين قبلها، والذي نص على تحويل 500 طن من اليورانيوم عالي التخصيب المأخوذ من رؤوس نووية سوفيتية قديمة إلى يورانيوم منخفض التخصيب تم استخدامه، وما زال في المفاعلات النووية الأمريكية، لذلك فإن منازل ومنشآت كثيرة في الولايات المتحدة مدينة بالفضل لموسكو بالرغم من كل شيء.
فيما بعد التشغيل تتحمل روساتوم جميع المخاطر المحتملة فضلًا عن أن الأرباح الناتجة لا تضاف للدخل القومي الروسي بل يعاد تدويرها واستثمارها بمعنى أوضح، هذه النقطة تعد بمثابة دليل إضافي على أن إنشاء المفاعلات النووية ليس عملًا تجاريًّا بحتًا بقدر ما هو ورقة غير مألوفة للهيمنة السياسية فيما بعد، أو لاكتساب نفوذ كبير على أقل تقدير إن كانت الدولة المقام فيها المحطة/ المحطات ذات ثقل سياسي ودولي.
(4) الأرض النووية
في الثاني من فبراير لعام 2012 أعلنت (روساتوم) عن استقدام الخبير الفنلندي ذائع الصيت (يوكا لاكسونين) المدير العام لسلطة الأمان النووي والإشعاعي الفنلندية (STUK) لتعينه في منصب نائب رئيس شركة (Rosatom Overseas)، الجناح الخارجي للمجموعة والمسئول عن عقد الصفقات وتصدير التكنولوجيا النووية الروسية ونشرها، عندما أتى لاكسونين وفي أول ملاحظة له قال إن قوانين السرية النووية المعمول بها منذ أيام الاتحاد السوفيتي في 1950 وحتى الآن لا تصلح وستعرقل جهود المجموعة في الوصول لقيادة العالم النووي الصناعي، لفهم أكثر فإن قوانين الاتحاد السوفيتي السارية حتى الآن تمنع إعلان أي تكنولوجيا نووية روسية أو تقديم عرض معلوماتي مختصر بها لأي دولة أخرى، ما يعترض عليه لاكسونين لسبب بسيط: هذه القوانين لن تصلح مع الدول الكبرى النووية التي تمتلك المعرفة اللازمة وتريد التأكد من إجراءات السلامة والأمان.
النقطة بالغة الأهمية في روساتوم أن معاملاتها وتفاوضها واتفاقاتها مع الدول النووية مختلفة تمامًا عن الدول التي لا تمتلك أي معرفة، بحد تعبير لاكسونين نفسه فإنه (لا يمكنك أن تبيع شيئًا في صندوق أسود، التشريعات والقوانين القديمة مفيدة لجميع منافسينا)، قاصدًا أوروبا التي تحاول روسيا جاهدة في خمس دول منها على الأقل إقامة محطات نووية وإدارتها مع تكهنات بتفاوض روسي بريطاني طويل الأمد لتنضم لندن للقائمة إن صحت التوقعات، وهو نفس لاكسونين الذي قال أيضًا إن (الدول عديمة الخبرة النووية لا يمكنها أن تطلب بنفس القدر) قاصدًا متطلبات العالم النووي!
على الرغم من التوسع فإن روسيا ستواجه عدة مشكلات في الفترة القادمة يأتي على رأسها تورطها العسكري الخارجي الذي أتاح للولايات المتحدة عزلها اقتصاديًّا بدعم دولي واسع، هذا العزل أثر على صندوق الثروة السيادي والذي انخفض محتواه ليصل إلى 78 مليار دولار، وهو ما كانت تعتمد عليه موسكو بشكل رئيسي في تمويل تعاقدات روساتوم الخارجية، والمشكلة الأخرى الهامة صراعها مع الاتحاد الأوروبي حاليًا الذي يمتلك قوانين رادعة في مجال السلامة البيئية، والذي ربما يفرض عقوبات مالية وغرامات ستتحملها المجر التي تصر على المضي قدمًا في باكس 2 إن لم ينل المشروع موافقة الاتحاد، وهو نفس ما ستتعرض له أي دولة أخرى عضوة فيه، ستؤجل روساتوم بالتأكيد بعض المشاريع لكن الإستراتيجية الكلية للمجموعة ما زالت على ما يرام.
منذ خمس سنوات، في الصفحة السادسة من تقرير (روساتوم) السنوي لعام 2010 قال سيرجي إن المجموعة تواصل تطوير إستراتيجيتها الفعالة من أجل استمرار ريادتها العالمية لقطاع التكنولوجيا النووية السلمية، حسنًا، العبارة التي أتت كجملة إنشائية في ما بدا أنها كلمة تقليدية لرئيس تنفيذي يفتتح بها أي تقرير لمجموعة عالمية بدأت تظهر آثارها للجميع، واكتسبت معناها تمامًا بعد خمس سنوات، لقد أصبحت روساتوم بالفعل المورد الأول لليورانيوم عالميًّا في مسعاها للهيمنة المطلقة على السوق النووية في 2030، وما يبدو أنه إمبراطورية روسية نووية تنهض ببطء وكفاءة يوضح أن موسكو ناجحة تمامًا في مسعاها حتى الآن.