اخبار العراق الان

هكذا تغيّرت خريطة النفوذ في الشرق الأوسط لعام 2015

هكذا تغيّرت خريطة النفوذ في الشرق الأوسط لعام 2015
هكذا تغيّرت خريطة النفوذ في الشرق الأوسط لعام 2015

2015-12-30 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست


خلال العام الجاري، برزت العديد من القضايا والصراعات داخل منطقة الشرق الأوسط، لتحدد مراكز الدول في النظام الدولي، طبقًا لمدى قدراتها على تثبيت إستراتيجيتها في الواقع السياسي، ومدى قدراتها الدفاعية والعسكرية والاقتصادية.

بالتزامن مع بروز هذه القضايا والصراعات، ظهر فاعلون جُدد في مُحددات هذه القضايا بعد أن كانت تعيش عزلة إقليمية، مقابل تراجع لأدوار دول كانت مؤثرة على مسارات متعددة لتفعيل مساعيها لقيادة الشرق الأوسط.

خلال السطور التالية، نحاول رسم خريطة للأوزان الدولية للقوى المهيمنة على الشرق الأوسط، وعوامل النفوذ لكل دولة، وكذا التعرف على الدول التي تراجعت فاعليتها في محيطها الخارجي.

المُهيمنون على الشرق الأوسط

  1. إيران


على المستوى الاقتصادي:

تعاظم النفوذ الاقتصادي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عقب الإفراج عن الأموال الإيرانية المُجمدة التي بلغت 100 مليار دولار، وهو ما انعكس على تدفق الاستثمارات الإيرانية عقب رفع العقوبات في العديد من الدول أبرزها سوق العقارات في دبي، وتركيا، وعمان، والعراق، بالإضافة إلى اختراق اقتصادات الدول العربية ذات الموقع الحيوي الجيوستراتيجي مثل السودان والجزائر وموريتانيا، بجانب كونها ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم.

وتُظهر الأرقام بلوغ الاستثمارات الإيرانية 12 مليار دولار في العراق، وسيطرتها على خليج عدن ومضيق باب المندب عبر التغلغل في الاقتصاد اليمني بعد سيطرة الحوثيين على السلطة، فضلًا عن دعمها لبقاء الطائفة العلوية ماليًّا واقتصاديًّا بغض النظر عن التحولات السياسية.

على المستوى العسكري:

نجحت إيران خلال العام الجاري في قيامها بأوّل تجربة حيّة لنظام الدفاع الجوي «بافار-373»، بجانب عرضها لأوّل صورة لأحد الصواريخ الخاصة بنظام «بافار»، وهو يشبه إلى حدّ بعيد الصاروخ المستعمل في «إس 300».

تمثّل التجربة بدء اكتمال الحلقة الأخيرة في منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، والتي تتكوّن من أنظمة عدّة، بعضها تطويرٌ لأسلحة أمريكية قديمة، وبعضها الآخر استنساخٌ لرادارات وصواريخ أجنبية، ومنها ما هو مزيجٌ بين الاثنين.

بجانب هذا، استطاعت إيران تطوير قدراتها البحرية المتطورة والقادرة على غلق مضيق هرمز في حالة تعرضها لهجوم، وهو ما يمثل تهديدًا إستراتيجيًّا، ليس لدول الجوار وحدها، وإنما أيضًا لأمن الطاقة في العالم أجمع، بجانب التسريبات التي كشفت عن قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية إيرانية خلال 3 سنوات من الآن.

انعكست هذه القوة العسكرية، في إرسالها قوات لسوريا والعراق، بجانب المساعدات الإيرانية المتمثلة في المعدات والتجهيزات، وولاء جماعات مقاتلة محليًّا تدعم هذه القوة كحزب الله في لبنان وسوريا والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق.

القوة الناعمة:

شكلت القوة الناعمة إحدى أدوات إيران الفاعلة خلال العام، والتي تمثلت في تأسيسها مراكز تعتبر مرجعية الشيعة في كل الشرق الأوسط وازدهار صناعة السينما الإيرانية، وحصول أغلب أفلامها على جوائز عالمية فضلًا عن تأسيسها لعدد من الجامعات المتقدمة نسبيًّا.

وقد انعكس هذا النفوذ في دبلوماسية نشطة في مجال المفاوضات والتوسط في الصراعات والتأثير على القيادات الإقليمية، خاصة بعض التفاوض النووي المعقد.

“ميشيل دن” الباحثة بمركز كارنيجي للأبحاث والدراسات السياسية، تبرهن “لساسة بوست” تعاظم هذا النفوذ قائلة: “إن النفوذ الإقليمي الإيراني كان دافعًا لإبرام الاتفاق النووي الإيراني”، مضيفة أن نفوذ إيران الإقليمي يتفوق على نفوذ كافة القوى في الشرق الأوسط، لقدرتها على طرح مشروع إقليمي رغم كافة الموانع التي واجهتها وتثبيته على أرض الواقع”.

2.السعودية


على المستوى الاقتصادي:

شكلت الأزمة التي شهدها سوق النفط العالمي بعد انخفاض سعر برميل خام برنت من قرابة ١١٠ دولارات في مطلع ٢٠١٤ ليصل لما دون ٥٠ دولارًا بنهاية العام، في أزمة اقتصادية كبرى للمملكة، حيث تراجع الاحتياطي السعودي من 904 مليارات ريال (241.2 مليار دولار)، وهو أعلى معدل له على الإطلاق في بداية العام، إلى 659.8 مليار ريال (175.8 مليار دولار) بنهاية العام، وتخطى عجز موازنتها هذا العام ١٠٪ من الناتج المحلي بما يتخطى ١٠٠ مليار دولار.

عسكريًّا ودبلوماسيًّا:

بالتوازي مع تداعيات أزمة النفط العالمية على السعودية، سعت السلطة الجديدة الحاكمة في المملكة إلى البدء في تنفيذ سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة على مسارات متعددة في تفعيل مساعيها لقيادة الشرق الأوسط.

تبدت هذه المساعي في نجاح المملكة العربية السعودية في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، وتحديد أولوياته يُبرز الخطوات الحثيثة التي تمضي فيها السعودية لقيادة الشرق الأوسط، خصوصًا أن خطوة تشكيل التحالف تأتي بعد قدرة المملكة على تجميع كافة الفصائل السورية المُسلحة في سوريا بالرياض بما فيهم حركة “أحرار الشام”، وإطلاق بيان مُشترك تحت رعايتها.

يبدو كذلك أن السعودية هي المُتحكم الأول في تحديد البوصلة الداخلية للتحالف العسكري من خلال تحديد ماهية التنظيمات الإرهابية المُخول للتحالف مواجهته، وتصنيف من سيُطلَق عليه إرهابي ومن لن يُطلق عليه إرهابي. يظهر ذلك بوضوح في نجاح التصميم السعودي على حضور حركة “أحرار الشام” لمؤتمر المُعارضة السورية في الرياض.

برزت هذه الإستراتيجية الجديدة أيضًا في هندسة أول حرب تقودها السعودية تحت مسمّى “عاصفة الحزم” ضدّ اليمن بعد شهرين فقط من توليه منصب وزير الدفاع السعودي، والإمدادات المالية التي ترسلها المملكة للجماعات المقاتلة المحلية التي تدين لها بالولاء في سوريا واليمن، ونشاط في الدبلوماسية والمفاوضات والتأثير في الصراعات كما يظهر في الأزمة السورية، بين مصر وتركيا، وتحييد مواقف مصر بدعمها المالي، ومد أواصر العلاقة مع حركة حماس.

القوة الناعمة:

تكتسب المملكة قوتها الناعمة في سعيها المحموم لقيادة الشرق الأوسط من هيمنتها الروحية على نموذج الإسلام السني بصفتها أرض الحرمين الشريفين، إذ صارت المرجعية الدينية السلفية أداة المملكة في مد خيوطها للشرق الأوسط، والتي سعت لتعظيمها من خلال عدد من الجامعات والمؤسسات التابعة لها.

لكن هذه القوة الناعمة التي سعت المملكة لتوظيفها في معاركها دومًا، تواجهها حربًا ضروسًا من الغرب الذي يشن هجومًا متواصلًا على الأيديولوجية الدينية السعودية واصفًا إياها بأنها مصدر محتمل للتطرف، وهو الأمر الذي يبث القلق لدي الأسرة الحاكمة، والتي تحاول وتسعى لمواجهته بتعزيز جهودها في مجال مكافحة الإرهاب لتحسين صورتها لدي الغرب.

أنور عشقي، المستشار السابق لمجلس الوزراء السعودي، ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بمدينة جدة، يعتبر أن مرحلة الملك سلمان تختلف تمامًا عن مرحلة الملك عبد الله من حيث التوجهات، والأهداف، والسياسات العامة للمملكة، يقول لـ”ساسة بوست”: “الإستراتيجية الجديدة للمملكة جعلتها تدخل في تحالفات جديدة، دبلوماسية نشطة في مجال المفاوضات والتوسط في الصراعات والتأثير على القيادات الإقليمية، ونتائج هذه الإستراتيجية تتجلى في بروز المملكة كفاعل مهم في القضية السورية، وقضية الإخوان المسلمين، والحرب على الإرهاب”.

الفاعلون الجدد

  1. السودان


تعاظمت أهمية دولة السودان في صراعات الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة، لتبرز كفاعل رئيسي في التحالفات الإستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، ودولة مُهمة ونافذة في العالم العربي، ومُتحكم رئيسي في أبرز الملفات، وحليف إستراتيجي للمهيمنين في الشرق الأوسط.

كحليف إستراتيجي لإيران في المجالات العسكرية والدفاعية والأمنية، نما النفوذ السوداني في الصراع المكتوم بين إيران ودول الخليج ليمنحه قدرًا كبيرًا من الخروج من العُزلة الدولية، ودورًا مهمًا في مسارات هذا الصراع على النفوذ، يسعى طرفا هذا الصراع لكسبه.

في المساعي التركية لتمديد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وإنشاء تحالفات إستراتيجية تدعم مواقفها، سعت حكومة رجب طيب أردوغان إلى مد أواصر العلاقة مع السودان، انطلاقًا من أهميتها التي تتعاظم في المنطقة العربية، لينتهي الأمر إلى تحالف إستراتيجي بين الدولتين.

سد النهضة الإثيوبي, الذي يعد أضخم سد لتوليد الكهرباء على مجرى النيل الأزرق، تُمثل السودان فيه الطرف الذي يمارس نفوذه على مصر، التي ترى فيه تهديدًا وجوديًّا لها، وتخشى أن يقلل حصتها من مياه النيل.

تتولى السودان دور الوسيط بين إثيوبيا والسعودية؛ في تسهيل الاستثمارات السعودية داخل إثيوبيا، والتي وصلت قيمتها إلى 13 مليار دولار، بجانب الوعود الإثيوبية للسودان بتوفير الطاقة الكهربائية مجانًا، والتوتر القائم بين مصر والسودان يجعل من السودان لاعبًا فاعلًا في هذه الأزمة، يُملي شروطه علانية مقابل سعي مصر لتحييده.

ميشيل دان، كبيرة الباحثين لشئون الشرق الأوسط بمركز كارنيجي، تبرر لـ”ساسة بوست” دوافع هذا الدور النافذ للسودان قائلة: “السودان دولة مهمة في تفاعلات المنطقة، وبرز هذا الدور مؤخرًا بعد تغير تحالفات المنطقة، وبروز أهميتها في تثبيت هذه التحالفات على أرض الواقع”.

2.عُمان


خلال العام الحالي، سعت “سلطنة عمان”، الدولة ذات نظام الحُكم الملكي للنأي بمملكتها عن رياح التغيير التي هبت على العالم العربي، تسعى لتعظيم نفوذها كجسر دبلوماسي لإنهاء النزاعات في منطقة الشرق الأوسط بدبلوماسية شديدة الدهاء، تتلمس خطواتها في سرية شديدة لتنال ثقة معظم الفاعلين في منطقة الشرق الأوسط، ويتعاظم دورها السياسي.

في خضم الأزمة المُتصاعدة منذ سنوات بين إيران والغرب، لعبت الدبلوماسية العُمانية دور الوسيط في الترتيب للتفاوض بين الطرفين بتنظيم اجتماعات سرية بين دبلوماسيين وقادة أمنيين من كلا البلدين في “مسقط”، منذ عام 2011 في محاولة للوصول إلى أرضية مشتركة، والتي نتج عنها اتفاق جينيف، واتفاق مؤقت حول البرنامج النووي الإيراني في نوفمبر2013.

سعت عُمان للعب دور فاعل في الأزمة اليمنية منذ اندلاع الاشتباكات، مُتخذة لنفسها موقعًا محايدًا تجاه أطراف الأزمة لتكتسب نفوذًا كوسيط سلام موثوق فيه، من كافة أطراف الأزمة مع بعض التحفظ من جانب دول مجلس التعاون الخليجي.

لم تغب “عمان” كذلك عن مسرح الأزمة السورية، بل كانت في مُقدمة الوساطات بتنظيم العديد من اللقاءات السرية بين كافة الفاعلين في الأزمة السورية “بمسقط” من خلال دورها كصديق إيران الوحيد في مجلس التعاون الخليجي، وشراكتها الدفاعية الوثيقة مع حلفائها الغربيين، وكذلك شركائها في مجلس التعاون الخليجي، والذين تتشارك معهم التعاون الاستخباراتي بموجب اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي لمكافحة الإرهاب.

دول تراجع نفوذها في 2015

  1. مصر


شكلت التحديات الاقتصادية التي تمثلت في تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي عاملًا رئيسيًّا في تراجع النفوذ المصري في قضايا الشرق الأوسط، إذ يُستدل على ذلك من عامل الإسناد المالي الخليجي والسعودي بشكل خاص للنظام المصري الذي منح الرياض ورقة ضغط لا يمكن الاستهانة بتأثيرها، وتحييد موقف مصر من الأزمة السورية، والتراجع عن موقفها المتسق مع السياق السياسي التي تعيشه وتحالفاتها في المنطقة من دعم بشار الأسد، وكذلك عدم المُمانعة في إعادة التواصل مع تركيا بوساطة سعودية.

كذلك تراجع الدور المصري في القضية الفلسطينية خصوصًا بعد رفض المقاومة الفلسطينية للمبادرة المصرية، وبعد تأخر الوسيط المصري في التحرك في العديد من الأزمات الأخيرة، وذيوع صوت الآلة الإعلامية المصرية التي تخون كُل فلسطيني، وتعتبره تهديدًا للأمن القومي المصري.

كذلك محدودية الدور في أزمة مصر المائية مع دول حوض النيل وعلى رأسها إثيوبيا تثبت تراجع الدور المصري لأدنى حدوده التاريخية، خصوصًا مع غلبة نفوذ السودان في هذا الملف.

كبيرة الباحثين في المجلس الأطلسي آميهوثورن توضح في تصريحات لـ”ساسة بوست” أسباب تراجع هذا الدور إلى الحصار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه مصر، بجانب انصراف اهتمام سياسة مصر الخارجية للقضايا هامشية كقضية مقعد مصر في مجلس الأمن أو تحسين صورتها في الخارج وانحسار دورها تدريجيًّا في قضايا الشرق الأوسط الهامة، أو التحالفات الإستراتيجية التي من شأنها إعادة صياغة شرق أوسط جديد.

2.تركيا

يعتبر تقييم الدور التركي في المنطقة أحد الأمور الأكثر إثارة للجدل. بشكل عام ربما يكون عام 2015 قد شهد في معظم فتراته تراجعًا نسبيًّا لقدرات تركيا السياسية على تثبيت إستراتيجيتها في ضوء النظر لنتائج هذه الملفات والتحالفات، وهي النتائج المُخيبة للآمال لجمهور أردوغان في العالم العربي خصوصًا المنتمين للتيار الإسلامي وذلك حال مقارنتها بالدور التركي، خلال آخر 6 سنوات في المنطقة، الذي شهد بروزًا لافتًا في مُعظم القضايا المحيطة به.

استمرار عدم قدرة جماعة الإخوان المسلمين على تحقيق أي مكاسب خارجية أو داخلية في القضية المصرية بالتزامن مع خسارة حركة النهضة التونسية لنتيجة الانتخابات التونسية، وانحدار الحراك في ليبيا إلى حرب أهلية، وتوتر العلاقات مع روسيا، مع خسارتها الرهان على جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تعتقد أن وصولها للحكم في عدة بلدان عربية سيدفع حلمها في القيادة الإقليمية.

كذلك بالنظر لنتائج الدور التركي في التأثير على مسارات القضية السورية، نجد تراجعًا لقدراتها على تغيير الواقع على الأرض في سوريا، خصوصًا بعد التدخل الروسي في سوريا، وسعي روسيا لتفكيك الجيش السوري الحر ومكونات الإسلاميين الأكثر اعتدالًا، وتفكيك شامل للمعارضة السياسية في الخارج والتي سعت تركيا لتسويقها دوليًّا كبديل لنظام الأسد. كذلك فإن العلاقات بين تركيا والعراق ليست في أفضل أحوالها.

كذلك أشار مراقبون إلى تراجع تأثير حزب أردوغان في تركيا “حزب العدالة والتنمية” بعد وقوع عدد من الهجمات الإرهابية في الأراضي التركية، واشتداد المواجهة مع الأكراد، واتهامات لمسؤولين في حزب أردوغان في العديد من قضايا الفساد أبرزها التلاعب في صفقات “النفط مقابل الغاز” التي نفذتها طهران مع أنقرة خلال عامي 2012/2013، ولكن نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي أجريت مطلع نوفمبر/ تشرين الأول أظهرت بشكل كبير قدرة الحزب على استعادة قدر كبير من شعبيته الداخلية بعد أن نجح في تحقيق أغلبية مريحة ضمنت له تشكيل الحكومة بمفرده.

samate.wpengine.netdna-cdn.com/wp-content/uploads/480651818