مُترجَم: المسيحية تموت في أمريكا
26
Follow @ndivingoddessلماذا قد تحاول فهم أمور معقدة، مثل الخصائص السكانية المتعلقة بانهيار معتقدك، بينما يمكنك إلقاء اللوم على المثليين والليبراليين لشنِّهم حرب على الدين؟ هناك الآن اعتقاد بين اليمين المسيحي ومعظم المرشَّحين الجمهوريين للرئاسة بأنَّ الولايات المتحدة تضطهد المسيحيين والمشاريع المملوكة لمسيحيين، وأنَّ الدين نفسه يتعرَّض للهجوم.
لنأخذ تيد كروز مثالًا، فقال: «لقد رأينا حربًا على الإيمان، إنَّ سياسات أوباما، وعداء هذه الحكومة للحريات الدينية، وعداءها للمسيحيين في الحقيقة، أحد أكثر جوانب حكومة أوباما إثارةً للقلق».
لماذا نجحت كثيرًا هذه الأسطورة الغريبة القائلة بأنَّ المسيحية تتعرَّض للاعتداء في أكثر الدول النامية دينيًّا على الأرض؟ لأنَّها حقيقية نوعًا ما، فالمسيحية الأمريكية في تراجع، ليس بسبب (حرب على الإيمان)،ولكن بسبب مجموعة من الاتجاهات الاجتماعية والديمغرافية، والمثليون والليبراليون ليسوا سوى كبش فداء.
تجد فكرة تعرُّض المسيحية للاضطهاد صدى في الانطباعات الذاتية التي تعود إلى ألفية كاملة بالشهادة المسيحية، حتى عندما كانت الكنيسة تسيطر على نصف الثروات في أوروبا، كانت تدَّعي أنَّها رعيَّة الفقراء والمهمَّشين. وسواء كان هذا صحيحًا أم لا من ناحية الحقيقة، فإنَّه صحيح تمامًا من ناحية الأسطورة، فالمسيح نفسه تعرَّض للاضطهاد، بل الصلب في النهاية، لذا فمن الطبيعي أن ينظر الكثير من المسيحيين إلى فقدان المسيحية لأرضها في أمريكا على أنَّه نتيجة للاضطهاد.
لقد انخفضت نسبة السُكَّان الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين من 78,4 بالمائة في 2007 إلى 70,6 بالمائة في 2014 وفقًا لتقرير أصدره مركز بيو للأبحاث هذا العام، وانخفضت كل من الانتماءات الإنجيلية والكاثوليكية والبروتستانتية الرئيسة.
بينما يقول 30 بالمائة من اﻷمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 عامًا أنَّ ليس لديهم انتماءً دينيًّا (وتصل نسبتهم بين كل الأعمار إلى 23 بالمائة). ويقول 40 بالمائة تقريبًا ممَّن تزوَّجوا منذ عام 2010 حتى الآن إنَّهم في زواج مختلط الديانات، ممَّا يعني أنَّ هناك الكثير من الأفراد الذين يعتنقون المسيحية، وينتمون إلى أُسَرٍ لا يعتنق الجميع فيها المسيحية.
تحدث هذه التغيرات لعدة أسباب: التعليم العلماني، والتعددية الثقافية، والأعراف الاجتماعية المُتغيِّرة، والمساحة العلمانية للرأسمالية الاستهلاكية وثقافة المشاهير، والثورة الجنسية (بما فيها النسوية وحق المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيًّا في المساواة)، والتغييرات الدستورية والقانونية (مثل منع الصلاة في المدارس العامة وتعيين حق دستوري للزواج المثلي)، وانهيار الأسرة الأولية، وتراجع أشكال معينة من الأُسَر، وارتباط الدين عمومًا بالدوغما البالية عديمة المعنى. أشار تقرير بيو أيضًا إلى أنَّ الأمريكيين يُغيِّرون دينهم الآن أكثر من ذي قبل، وعندما يُغيِّرون دينهم، يبتعدون على الأرجح عن المسيحية ولا يتجهون نحوها.
وهكذا فعلى الرغم من أنَّ التغيرات في الأخلاق العامة، فيما يخص المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيًّا (وكيفية معاملة القانون لهم)، جزء من التحول الشامل، إلَّا أنَّهم جزء واحد فقط من مجموعة معقدة تعقيدًا هائلًا من العوامل، وأنا واثق أنَّني نسيت بعض أهم العوامل. والتيار المتدفق المستمر من الفضائح الجنسية، من رجال الدين الكاثوليكيين، وحتى فضيحة جوش داجر، يُشكِّل على الأرجح عاملًا مساعدًا.
ولكن لا يحب أحد الرجوع إلى مجموعة من الأسباب لتفسير انهيار العالم الذي نشأ فيه والقيم التي يُقدِّرها، ومن ثم يأتي بكبش الفداء: الحرب على الدين واضطهاد المسيحية.
من الأسهل كثيرًا تفسير التغيرات بالإشارة إلى سبب واحد خبيث، بدلًا من الاضطرار إلى فهم عدد من الاتجاهات الديموغرافية المعقدة. بالإضافة إلى أنَّه إذا كان الإيمان بالمسيحية في تراجع لأنَّها تتعرَّض للهجوم، فيمكن عكس هذا التراجع إذا أمكن بنجاحٍ دفع الهجوم. تخلط حجة اليمين الأمريكي القائلة بأنَّ (الحرية الدينية) تتعرَّض للاعتداء الحقيقةَ والخيال ليقدموا للمؤمنين تفسيرًا أبسط وأكثر استساغةً، بدلًا ممَّا يحدث بالفعل، وهو تراجع بطيء يبدو نهائيًّا للمسيحية الأمريكية.
لنأخذ عيد الميلاد على سبيل المثال، فالفكرة الغريبة القائلة بأنَّ هناك (حربًا على عيد الميلاد) تقودها النخبة الليبرالية ⎼ وهي حاملة لأكواب ستاربكس ⎼ هي فكرة سخيفة، حتى إذا كان اليمينيون يصدقونها على نطاق واسع، إذ لا تتسبَّب تحية موظفي المحلات للزبائن بعبارة «عطلة سعيدة» في نزع الروح المسيحية من عيد الميلاد، بل هي نتيجة له، يحتفل نصف المسيحيين تقريبًا بعيد الميلاد باعتباره عطلة اجتماعية، وليست دينية، فيحتفلون ببابا نويل وأشجار عيد الميلاد، وليس بالطفل يسوع، ولذا فهذا ما تحتفل به المحال التجارية، فهذه رأسمالية، وليست مؤامرة.
ولكن للأسف حتى إذا كانت الحرب على الدين خيالية، فالدفاع ضدها حقيقي جدًا ومؤذ جدًا، ففي هذا العام فقط قدَّمت 17 ولاية تشريعات لحماية (الحرية الدينية)، ليس فقط من خلال إعفاء الكنائس والمنظمات الدينية (بما فيها الوهمية التي تتأسَّس للتهرُّب من القانون) من قوانين الحقوق المدنية وقوانين العنف الأسري، وحتى قسم أبقراط الطبي، ولكن أيضًا من خلال إعفاء الأفراد ومشاريع الأعمال الربحية.
لقد رأينا بالفعل أطباء أطفال يرفضون معالجة أطفال؛ لأنَّ أبويهم مثليون، ومَن ينتهكون زوجاتهم يقولون: إنَّ من واجبهم الديني ضرب زوجاتهم، والأمر الأشهر هو أنَّ الشركات التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، مثل هوبي لوبي، يمكن أن تكون لها معتقدات دينية تسمح لها برفض توفير تأمين صحي لموظفيها على هذا الأساس.
وفي هذه الأثناء يبدو أنَّ قصة (الحرب على الدين) تكتسب أرضًا، فوفقًا للبيانات التي جمعها المعهد العام لأبحاث الدين، تعتقد نسبة 61 بالمائة من الإنجيليين البيض أنَّ الحرية الدينية الآن مُهدَّدة، (يؤمن بهذا 37 بالمائة فقط من المسيحيين غير البيض، ممَّا يوحي بأنَّ ما يحدث حقًّا هو تآكل لسُلطة البيض المسيحية، فإضفاء اللون البني على أمريكا يحدث بالتوازي مع نزع الروح المسيحية من أمريكا)، ويعتقدون أنَّهم قد خسروا الحرب الثقافية، وأنَّ على المثليين ومزدوجي الجنس والمتحولين جنسيًّا الآن أن يشفقوا عليهم.
بمعنى آخر، (الحرية الدينية) ليست مجرد تكتيكًا، فهي اعتقاد راسخ وسط اليمين المُتدين، يؤدي إلى اعتقاد آخر بأنَّنا نعيش الآن في آخر الزمان، وهو ما تصدقه نسبة مذهلة من الإنجيليين الأمريكيين تبلغ 77 بالمائة.
علينا ألَّا نُفكِّر أنَّ كيم ديفيس ومَن على شاكلتها تُحرِّكهم الكراهية، بل يُحرِّكهم في الحقيقة الخوف، الذي له أساس واقعي، ولكنَّهم يُعبِّرون عنه بقصص خيالية، المسيحية تخسر الحرب بطريقةٍ ما، ولكن المحاربين على الجبهة الأخرى ليسوا النشطاء المثليين أو ليبراليي الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وإنَّما قوى اجتماعية مجهولة هي العلمنة والتمدُّن والتنويع.
ليس هناك شخص شرير يُحرِّك خيوط التغير الاجتماعي، ولكن التفكير الأسطوري ⎼ مثل مفهوم الله نفسه ⎼ يخلق تجسيدًا للشر الذي يقاتل في الحرب على الحرية الدينية، والحرب على عيد الميلاد، والحرب على المسيحية، وهؤلاء الأشرار الحاقدون شيطان معاصر، تجسيد خيالي لكل القوى الفوضوية المعقدة التي تُهدِّد استقرار النظام الديني.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».