القمع عبر الحدود: كيف تضيق الإمارات على المعارضين خارج حدودها؟
في صيف عام 2009، أطلق عدد من الناشطين الإماراتيين موقعًا إلكترونيًا لتبادل النقاشات حول الوضع الداخلي الإماراتي، ونقد السلطات الإماراتية، ومناقشة مستقبل الدولة بمجرد آراء تُطرح، فانتهي الأمر بكتم أصوات هؤلاء المعارضين.
ومنذ ذلك الوقت وحكومة الإمارات تفعل كل ما بوسعها لإخراس أي صوت ينتقدها، من الاعتقال إلى سحب الجنسية، هذه أساليب تستخدم داخل حدودها، حيث قبضتها الأمنية تُمكنها من فعل ذلك بسهولة، لكن كيف تتعامل حكومة الإمارات مع معارضيها الذين فروا خارج البلاد؟ سؤال يحاول تقرير “ساسة بوست” التالي الإجابة عنه، حيث يستعرض سياسة الخطف والاعتقال والمراقبة وسحب الجنسية واعتقال الأبناء ومنع سفرهم كوسائل لضرب المعارضين في خارج الإمارات، والتي كان آخرها خطف المعارض الإماراتي عبد الرحمن خليفة السويدي بالتواطؤ مع حكومة إندونيسيا.
.
صفقات ورشاوى لدول من أجل تسليم المعارضين
لا تكل أجهزة الأمن الإماراتية من العمل على مستوى دولي لملاحقة المعارضين في الخارج، أبرمت اتفاقات أمنية مع عدة دول كي تتمكن أجهزتها من خطف المعارضين السياسيين الذين خرجوا من أراضيها.
ويؤكد تقرير منظمة “إعلاميون حول العالم”، بفيينا على أن:”جهاز الأمن في الإمارات، يواصل ملاحقة الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان باستعراض مذل لمن يمتلك قرار هذا الجهاز من شخصيات أمنية وتنفيذية في أبو ظبي لشخصية حقوقية وخيرية ليست متورطة بأية أعمال جنائية أو عنف سياسي، تلاحق دوليا وبما يسيء لسمعة الدولة التي تتورط في العمل البوليسي”.
ففي 21 أكتوبر الماضي (2015) اعتقلت السلطات الأندونيسية المعارض الإماراتي عبد الرحمن خليفة السويدي، وهو أحد أبرز المعارضين الإماراتيين في الخارج، وتهمته الإماراتية: “الانتماء لجمعية الإصلاح، المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين في الإمارات”، لذلك هو من بين المحكومين غيابيا بالسجن 15 عامًا في قضية تعرف بـ “الإمارات94 ” أما إندونيسيا فقد اعتقلت السويدي بسبب “إقامته غير الشرعية”، وفي الأيام الأولي لهذا الاعتقال كُشف أن حكومة الإمارات تضغط على الحكومة الإندونيسية من أجل تسليم السويدي واعتقاله، فقد كُلفت السفارة الإماراتية بالضغط على إندونيسيا لتسليم “السويدي”، وحينها قيل إن إندونيسيا لن تقدم على تسليمه إلى الإمارات خوفًا من المساءلة الداخلية والملاحقة القانونية أمام القضاء وأمام مجلس الشورى، لكن في الثامن والعشرين من ديسمبر (2015) سلمت أندونيسيا السويدي لدولة الإمارات في عملية سرية، إذ قام 11 شخصا 5 عناصر من المخابرات الإماراتية و 6 من المخابرات الاندونيسية باقتياد السويدي إلى مطار “هانج ناديم باتام” حيث تم ترحيله على متن طائرة خاصة إلى أبو ظبي.
وأكد تقرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني على أن:”السلطات الإماراتية قد تسلمت معتقل الرأي عبد الرحمن بن صبيح السويدي بالفعل من نظيرتها الإندونيسية، وأن عملية التسليم قد تمت بطريقة غير قانونية على يد بعض المتنفذين الفاسدين في الحكومة الإندونيسية بالتعاون مع ضابط أمن إماراتي يدعى عبد العزيز الشامسي، كان مسئولاً عن متابعة قضية بن صبيح في مراحلها المختلفة، من مراقبته إلى القبض عليه في إندونيسيا، وصولاً إلى ترحيله لأبوظبي”. ثم جاء تأكيد رسمي من قبل المتحدث باسم الشرطة الإندونيسية “أجوس ريانتو”، حينما قال:”قبل نحو ثلاثة أيام أُرسل عبد الرحمن خليفة بن صبيح إلى موطنه بناء على طلب من شرطة الإمارات لأنه ارتكب مخالفة في موطنه .. في إندونيسيا انتهك قواعد خاصة ببطاقات الهوية الإندونيسية”.
وقد أكدت منظمة “إعلاميون حول العالم” ومقرها فيينا أن:”السلطات الإماراتية دفعت رشاوى ضخمة لعناصر في المخابرات الإندونيسية لتسليم الناشط الإماراتي عبد الرحمن خليفة بن صبيح السويدي، وذكر تقرير المنظمة المنشور على الموقع الإلكتروني لها أنه “بعد أكثر من شهرين من ضغوط أبوظبي عبر جهاز الأمن وبالمال السياسي الفاسد، والذي اشترى عناصر مخابراتية أكثر فسادا في جهاز المخابرات الإندونيسي، وفي انتهاك واضح للقوانين والأعراف الدولية التي تحظر تسليم اللاجئين والناشطين السياسيين تسلمت أبو ظبي الناشط الإماراتي الإصلاحي عبد الرحمن بن صبيح السويدي من الأمن الإندونيسي في جاكرتا فجر السبت الماضي”، وأشارت المنظمة أن العملية تمت من خلف حكومة جاكرتا ومؤسساتها القضائية والشرعية وبمقايضة مالية ضخمة على شكل رشاوى دفعها جهاز الأمن في أبوظبي لفاسدي المخابرات الإندونيسية.
ملاحقة المعارضين خارج الحدود
في أغسطس الماضي، اعتقلت السلطات التايلاندية المعارض الإماراتي عثمان المرزوقي، كان الرجل يفكر حينها في تركها تايلاند والاستقرار في تركيا أو ماليزيا كما قال أحد أصدقائه، لكن جاء قرار اعتقاله بطلب من الحكومة الإماراتية قبل أن ينفذ ما خطط له متخوفًا من هذا المصير.
وسرعان ما أعرب معارضون إماراتيون عن تخوفهم من قيام حكومة تايلاند بتسليم المرزوقي إلى الإمارات، فأطلقوا هاشتاق “لا تسلموا عثمان للإمارات”، ودعوا المنظمات الدولية إلى التدخل لمنع تسليم المرزوقي من التسليم للأمن الإماراتي الذي يترصد للمعارضين في الخارج.
ولم يستبعد المحللون أن تقوم تايلاند بتسيلم المرزوقي بسبب انخفاض مستوى الحريات فيها مؤخرًا بشكل لافت، لذلك لم يتوقع أن تهتم تايلاند بـ”الاتفاقيات الدولية التي تحظر تسليم أي مطلوب لأية دولة إذا كان يتهدده خطر التعذيب، أو اعتقال على خلفية نشاط سياسي”، وهو أمر حدث من قبل تايلاند سابقاً عندما قامت بتسليم مجموعة من مسلمي الإيغور للصين التي تنتهك حقوق الإيغور بشكل كبير.
سحب الجنسية الإماراتية من المعارضين بالخارج
وثقت عدة حالات نزعت منها الجنسية الإماراتية من معارضين بالخارج، فالحكومة الإماراتية لم تكتف بسحب الجنسية من المعارضين داخل الإمارات، بل لاحقت أيضًا من هم خارج الإمارات أيضًا لمجرد أرائهم المعارضة للممارسات الحكومة.
وجعلت حكومة الإمارات من وجود جنسية آخريnلدي هؤلاء المعارضين مبرر لسحب جنسيتهم الإماراتية، إذ تمنع العديد من الدول الخليجية، حيازة جنسية إضافية للجنسية الأم، إلا بالرجوع إلى وزارات الداخلية للحصول على إذن بإقرار الطلب.
وتعود قضايا سحب الجنسية من المعارضين الإماراتيين إلى عام 2012، عندما قضت محكمة إماراتية بسحب الجنسية من 7 إماراتيين على خلفية دعواتهم لإصلاحات سياسية.
منع سفر عائلات المعارضين حتى لو مرضى!
لا تتواني السلطات الإماراتية عن منع أهالي المعارضين الإمارتين في الخارج من لحاق زوجاتهم وأبنائهم بهم، وهي تضيق بشكل واضح ومقصود على من تربطه بالمعارض صلة قرابة، ولعل في حكاية الشاب العشريني “محمد” خير مثال، فمحمد الذي لا يتكلم ولا يتحرك بدون مساعدة، وهو ملقي على ظهره طول الوقت بسبب إصابته بالشلل الدماغي، منعه جهاز الأمن الإماراتي قبل نحو الأسبوعين من السفر إلى بريطانيا؛ حيث يوجد والده المعارض والناشط الإماراتي أحمد محمد الشيبة.
هذا الشاب الذي تناولت صحيفة “الاندبندنت” البريطانية قصته في تقرير صحفي مطول لم يتمكن حتى الآن من الالتحاق بعائلته التي استطاعت الإفلات من الأمن الإماراتي بعد معاناة ومضايقة كبيرة، ولم تتمكن عائلته من العودة للإمارات للوقوف معه في المستشفى الشارقة التي نقل إليها بسبب معاناته الجسدية والنفسية.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن سفارة الدولة في لندن رفضت التعقيب على تساؤلاتها بشأن مأساة محمد، وهذا يعني أن هناك شيء يُخفي ولا تجرؤ على نفي ما يمكن تأكيده والتحقق منه كما ذكرت الصحيفة.
اعتقال عائلات المعارضين
في أكثر من حالة، قام الأمن الإماراتي باعتقال أقارب لمعارضين إماراتيين حتى لو كن نساء، وتعد قضية اعتقال السلطات الإماراتية لبنات المعارض العقيد محمد العبدولي أبرز تلك الاعتقالات خاصة أن هذا المعارض استشهد عام 2013 عندما قرر القتال إلى جانب صفوف المعارضة السورية، وبقيت جثته خارج الإمارات بسوريا (الرقة)، وسبق وأن اعتقلت السلطات الإماراتية العقيد العبدولي عام 2005، لمدة أربعة شهور، بسبب “توجهاته الفكرية القريبة من جماعة الإخوان المسلمين” كما قيل.
إذ اعتقل الأمن الإماراتي في الثاني والعشرين من نوفمبر (2015) الشقيقات مع شقيقهن مصعب عدة شهور، ثم أطلق سراحهن دون محاكمة أو أية تهمة،وتساءل حينها الأمين العام لحزب الأمة، الدكتور حاكم المطيري قائلا:”هل تدفع أسرة الشهيد محمد العبدولي، الذي وقف مع الشعب السوري المضطهد، ثمن جهاد والدها دفاعا عن أمته”!
أما المعارض الإماراتي إبراهيم آل حرم فقال: “هل تعرفون ما هو العار؟ العار أن تعتقل الفتيات، وهل تعرفون قمة العار؟ أن يكنّ بنات لشهيد وهب روحه دفاعا عن شرف الأمة، وتابع آل حرم القول:”بالأمس يتغنون بتعيين امرأة رئيسة للمجلس الوطني الشكلي، واليوم يختطفون فتيات جريمتهن أن والدهن شهيد”!
وفي حادثة بارزة أخرى، اعتقل جهاز الأمن الإماراتي زوجة الناشط الحقوقي الإماراتي محمد صقر يوسف الزعابي “عائشة إبراهيم الزعابي”، والزعابي المقيم في بريطانيا حاليًا، اعتقلت زوجته عندما كانت برفقة والدها إبراهيم الزعابي وطفلها الرضيع، عند نقطة حدودية مع دولة عُمان على طريق حتا.
وقال محمد صقر يوسف الزعابي، في اتصال هاتفي مع المرصد الأورومتوسطي: إن” اعتقال زوجته جاء على خلفية نشاطه في حقوق الإنسان وتوثيق قضايا معتقلي الرأي في الإمارات خلال المدة الماضية، حيث ذكر إنه كان يعمل في الجهاز القضائي في الإمارات كوكيل نيابة، وتم إحالته للتقاعد في نيسان/إبريل من العام ٢٠١٢ قبل البدء بقضية ما عُرف إعلاميا باسم قضية “الـ 94 ناشط”.
رجال أمن إماراتيين لمراقبة المعارضين في دول غربية
في ساحة الأمم المتحدة بجنيف، وقف عشرات المتظاهرين يوم الثلاثين من أكتوبر(2014) بعد أن دعتهم 12 منظمة حقوقية دولية للتظاهر، كانت اللافتات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين المواطنين والعرب في سجون الإمارات، كما نددوا بالاعتقالات التعسفية، والممارسات القمعية في الإمارات.
بين هؤلاء المتظاهرين وقف رجال أمن إمارتيين يصورون المحتجين، في محاولة لتتبع وملاحقة كل من يندد بسياسة حكومة الإمارات حتى لو خارج حدودها، لكن ناشطين ومغردين تمكنوا من تصويرهم والتأكد من هويتهم كموظفين من الأمن الإماراتي.
السلطات الإماراتية لا تكتفي بقمع المعارضة واحتجاز الكثير من نشطاء المجتمع المدني، وتعذيبهم في داخل سجونها، بل تلاحق من قررت هي ترحيله، خاصة المدافعين عن حقوق الإنسان، أو من استطاع الهرب من الإمارات والنجاة بنفسه.