اخبار العراق الان

انتفاضة القدس.. وبلورة واقع ميداني جديد

انتفاضة القدس.. وبلورة واقع ميداني جديد
انتفاضة القدس.. وبلورة واقع ميداني جديد

2016-01-03 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست


عبد الله العقادFollow @akad20222

(1)

تدخل الانتفاضة الثالثة للشعب الفلسطينيّ في الضفة الغربيّة والقدس شهرها الثالث، وقد باتت واقعًا لا يمكن إغفاله أو تجاوزه، في ظلّ إدراك دولة الاحتلال أنّ التنسيق الأمنيّ يُصبح أضعف مع مرور كلّ يومٍ وبعد كلّ هجوم فلسطينيّ.. وبالتالي فإنّ زوال السلطة الفلسطينيّة هو مسألة متى وليس هل!

ولعل ما أشار إليه المُحلل الإسرائيليّ، (آفي إيسخاروف)، “من أنّ الطرفين (التنسيق الأمني وسلطات الاحتلال) باتا على اتفاقٍ ودرايةٍ وتسليم بأنّه لا يُمكن وقف قطار الانتفاضة الثالثة الذي انطلق في أوائل شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، فإنّ التنسيق الأمنيّ بين تل أبيب ورام الله ما زال مُستمرًا وبوتيرةٍ أعلى”.

وحتى تستمر الانتفاضة في وتيرتها المتصاعدة في منحنى خطير بحسب المُحلل في موقع (تايمز أوف إزرائيل): “إنّه بمعدلٍ تقريبيٍّ يوجد يوميًا ثلاثة مُنفذي عمليات فدائيّة ضدّ (إسرائيل)، وهو رقمٌ لا يُمكن تخيلّه من ناحية، وهو خطيرٌ جدًا من الناحية الأخرى”.

(2)

فإنّ هذا الواقع الذي تفرضه الانتفاضة على الاحتلال والبيئة المريحة له، يعدّ إنجازًا وطنيًا يجدر الحفاظ عليه وتثميره سياسيًا، وذلك من خلال تجاوز كلّ تعقيدات الإقليم وحالة تضارب المواقف بين الأقطاب فيه، والذي بدوره ينعكس مباشرة على الجبهة الداخلية في صيغة تعارض في الأجندة لدى القوى الفلسطينية يمُسّ جوهر قضيتنا الوطنية ونصاعة عدالتها.

وهذا ما يعكس غياب الموقف المُوحّد والرؤية الواضحة بين مجموع القوى الوطنية والإسلامية، في تحديد الأهداف المرحليّة التي يمكن تحقيقها من خلال الانتفاضة الباسلة، وتكتيكاتها العمليّة، في خطة استراتيجية شاملة.

ولكنّ الواقع الثوري يُلقي بالمسؤولية الوطنيّة؛ لإحداث اصطفاف فعلي، يأخذ نحو تشكيل منهجية وطنية ولو بحدها الأدنى, بحيث يلتقي عليها الكل الوطنيّ؛ لإنجاز ولو مرحلة في طريق التحرير والعودة.

وإنه لمن الجدير أن نُلفت إلى أهميّة استمرار هذه الانتفاضة في حُلّتها الشّعبية، والنّأي بها عن التّأطير الفصائلي الحزبي، وإن كان هذا لا يَعني بحال إغفال الواقع الحزبي الفصائلي المتنوع القائم بكل تجلياته في الساحة الوطنيّة، والذي يُشكّل في جوهره قوة ومنعة من خلال إشراك الكل الوطني بكافة أطيافه في الدعم والإسناد لهذه الانتفاضة، بما تحمله من طابع شعبي عام.

غير أنّ المطلوب اجتنابه هو ما وقعت فيه الانتفاضة الثانية من سرعة تحزيبها وتأطيرها حتى وصل الأمر إلى إغراقها في دوامة تشكيلات عسكرية لتيارات تتجاذبها توجهات مختلفة واتجاهات متباينة..

وهذا ما أعطى الذريعة لأصوات دعت إلى رفض ما سمي بـ(عسكرة الانتفاضة) والتي وجدت لها في حينه صدًى واسعًا، في ظلِّ ما أحدثته حالة الفوضى التي نتجت عن تفلت وانفلات من بعض ميليشيات مسلحة؛ وذلك لغياب الموقف الوطني الحاسم والقادر على وقف التجاوزات التي ضربت الساحة الفلسطينية.

(3)

ومن الجميل أن العقل الجمعيّ للشعب الفلسطيني قادر على الفرز والإبداع وهو ينحو في اتجاه مراكمة جوهر نجاح الانتفاضتين السابقتين، الأولى في استمرار مسيرة النّضال الشّعبيّ الجماهيريّ، وفي الثانية قدرتها على تحقيق الإنجازات الميدانيّة, حيث شكل الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات المقامة على أرضه علامة بارزة في مسيرة المقاومة الفلسطينيّة.

مع ضرورة تبني برنامج سياسي موحد وواقعي يأخذ في عين الاعتبار الأسباب التي أدت إلى اندلاع انتفاضة القدس، وهي الجرائم التي يقوم بها قطعان المستوطنين وإرهاب منظم، ومواصلة الكيان لسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وبناء جدار الفصل العنصري، وعزل القدس وتهويدها بالكامل وسياسة تقسيم الحرم القدسي زمانيًا ومكانيًا.

وكذلك حصار قطاع غزة المستمر منذ عقد كامل، وهذا في مجمله رفض عملي لإنهاء الاحتلال، أو حتى التقدم الجدي نحو حل أي من القضايا النهائية؛ ولهذا أصبح من الواجب وطنيًا العمل المشترك بين كل القوى الوطنية على أساس وثيقة الوفاق الوطني القاضية بتفعيل الإطار المؤقت لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية لمواجهة التهديدات وتجاوز التحديات بأقل التضحيات.

(4)

وعليه فإنه لمن المَعيب أن يتوحد الشعب الفلسطيني في ميادين المواجهة مع الاحتلال والساحة الفلسطينيّة ما زالت تعيش أخطر حالة انقسام سياسي، وقد تعدى هذا الانقسام النطاق السياسي والتنظيمي والأيديولوجي إلى الجغرافية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

فإذا كان الشباب الفلسطينيّ هو من أشعل نيران الثورة فليبادر دون انتظار لبلورة إطارات من العمل الشبابي المشترك، في كل الضفة والقدس وكذلك في قطاع غزة، والعمل على تفعيل مجموعة نشاطات سياسية وجماهيرية تعكس واقعيًا الشراكة الوطنية، في ضوء برنامج سياسي تتحدد فيه أهداف الانتفاضة وأشكال النّضال الوطنيّ فيها؛ كي تكون معالجة جذريّة وحقيقية لحالة الفرقة والانقسام؛ وإلا سنبقى ندور في حلقة مُفرغة نبيع الوهم ونلاحق السراب!

(5)

وإن كان الحديث عن وحدة الموقف الفلسطيني يثير الخوف عند من يخشى الاندثار، فإنّ ما نطرحه يعكس برنامجًا وطنيًا جامعًا لا يقتضي بحال تذويب ألوان الطيف السياسي في لونٍ واحد أو تغييب التعددية التنوعية، بل ذلك التنوع يعدّ في كثير من الأحيان مطلبًا دينيًا قبل أن يكون وطنيًا.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست