الانشقاقات الكُبرى داخل «إخوان الأردن»: التنظيم يتصدع
تعيش جماعة الإخوان المسلمين في الأردن مرحلة فاصلة من عمرها بعد موجات الانقسامات التي عصفت بالتماسك التنظيمي الذي شكل عاملًا داعمًا لمسار التنظيم في مرحلة زمنية مُعينة، والتي عززها دخول السلطة على خط الأزمة باستصدار قرارات عمقت من هذه الخلافات التنظيمية.
خلال السطور التالية، ترصد “ساسة بوست” مراحل تطور الخلافات بين التيارين الرئيسيين المختلفين في إخوان الأردن، والأسباب الحقيقة وراء الخلاف، وأثره على الساحة السياسية في الأردن، وعلى جماعة الإخوان المسلمين بشكل عام.
300 عضو يستقيلون.. أزمة الانشقاق تتجدد
خلال عام 2015، تعرضت جماعة الإخوان المسلمين، التي لا تعمل بشكل رسمي في الأردن، إلى العديد من الصدمات والانقسامات الداخلية، وكانت أبرزها الضربة الأكبر التي تلقتها الجماعة على مدار تاريخ تواجدها داخل الأردن، في شهر مارس، عندما حصلت قيادات مفصولة من الجماعة على رأسهم المراقب العام الأسبق لها، عبد المجيد الذنيبات، على شهادة تسجيل من الحكومة الأردنية لـ”جمعية جماعة الإخوان المسلمين”، والتي أصبحت بعد ذلك الممثل الشرعي للإخوان لدى الدولة.
وتعود واقعة الانشقاق على خلفية اتهامات ما يعرف بتيار “الحمائم”، و”اللجنة التحضيرية لإصلاح جماعة الإخوان المسلمين”، لقيادة الجماعة الحالية ممثلة في المكتب التنفيذي، الذي يرأسه الدكتور همام سعيد، بقيادة تيار إقصائي، وبالعمل على تحريك تنظيم سري داخل الجماعة، وبتزوير الانتخابات من خلال “شراء الأصوات” و”شراء الذمم”، بينما رد المكتب باتهام معارضيه برفض الخضوع لنتائج الانتخابات.
ثم تجددت أزمات الانقسامات الداخلية داخل التنظيم، بإعلان 300 عضو في بداية العام الجديد استقالتهم من حزب “جبهة العمل الإسلامي”، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن.
وتضم الاستقالات الأولى من نوعها منذ تأسيس الحزب، قياديين بارزين أبرزهم الأمين العام السابق لحزب الجبهة؛ الشيخ حمزة منصور، والمراقب العام السابق لإخوان الأردن؛ سالم الفلاحات، ونائب المراقب العام السابق؛ الدكتور عبد الحميد القضاة، والقيادي جميل أبو بكر، ولم يُعلن عن استقالة القياديين، عبد اللطيف عربيات وإسحق الفرحان، ضمن الدفعة الأولى.
لماذا تعيش الجماعة موجة انقسام كُبرى؟
إحدى المشاكل عمومًا التي لها علاقة بطبيعة الانقسامات الكُبرى داخل جماعة الإخوان المسلمين، مرتبطة بطبيعة البنية الداخلية للتنظيم، وهرمية الجماعة إذ أنَّ النسبة الكبيرة من قيادات الحركة الإسلامية في العالم العربي، هم «تكنوقراط»، أي أنهم بعيدون عن التخصصات الاجتماعية والإنسانية، ومتخصّصون في الجانب العلمي، وطابع تفكير هؤلاء في الغالب ميكانيكي، بعيد عن النقد ورحابة إدارة الخلافات، وفقا للتحليلات.
كذلك تجسدت أزمة تنظيم الإخوان في الجمود التنظيمي الهيكلي، الذي ظلت الجماعة تتباهي به أمام كافة التنظيمات السياسية المتشرذمة، واستخدمته في تجنيد أعضاء جُدد لها.
ظل التنظيم ينأى بنفسه عن أي مراجعة داخلية متحايلًا على أوضاعه بحجج عن تفجر الأوضاع وحماية للتماسك، مُفضلًا بقاء الأمور على وضعها أمام المتغيّرات العميقة في بنية النظام الإقليمي والمحلي والدولي، والمتغيّرات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة التي رافقت موجات الربيع العربي، وهو ما أدى بالجماعة إلى انقسامات كُبرى عجزت عن احتوائها مؤخرًا.
الأجهزة الأمنية.. تفتيت الحركة لتجنب مواجهة النظام
برز دور الأجهزة الأمنية في الأردن في أزمة تنظيم الإخوان المسلمين الأخيرة، في تسارع وتيرة الانقسامات وتأجّجها باصطناع اضطرابات خارجية، والتدخل في سير المناوشات بين الفريقين باستصدار قرارات إدارية لصالح أحد الفريقين،عمقت من هذه الانقسامات، فضلًا عن منح هذا الفريق شرعية تمثيل التنظيم.
تمثل دور الأجهزة الأمنية في سعيه لتفتيت الحركة من خلال إثارة المشاكل الداخلية بين أعضائها، لتجنيبها كُلفة صدام مع الحركة وأعضائها، مُحققة هدفها الرئيسي في تقييدها وتحجيمها عبر انقسامات تحدّ من قوَّتها في الشارع، خصوصًا مع شعبيتها التي اكتسبتها بعد الربيع العربي وصعود جماعات الإخوان إلى الحكم في أكثر من دولة.
تشكلت أدوار الأجهزة الأمنية في أزمة الإخوان في قرار صادر من محكمة أمن الدولة “عسكرية” في 15 فبراير، بالسجن مدة عام ونصف على نائب المراقب العام للجماعة الشيخ زكي بني إرشيد، بعد أن أسندت له تهمة تعكير صفو علاقات المملكة بدولة الإمارات العربية المتحدة، إثر منشور له انتقد فيه سياسات دولة الإمارات تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
وكذلك منحت الدولة مراقب عام جماعة الإخوان المسلمين السابق عبد المجيد الذنيبات، ترخيص جمعية جديدة باسم “الإخوان المسلمين” في شهر مارس الماضي، وذلك بعد إعلان انشقاقه عن الجماعة الرسمية، في محاولة اعتبرها باحثون محاولة من الدولة لتجذير الخلاف بين الجبهتين، وقطع كافة السبل أمام الوساطات المحتملة لرأب الصدع.
حول هذا الموضوع، يقول المراقب العام لجمعية الإخوان التي حصلت حديثًا على الترخيص والتابعة لوزارة التنمية السياسية، عبد المجيد ذنيبات، إنهم قاموا بهذه “العملية التصحيحية” بهدف إعادة الأمور إلى نصابها وفك الارتباط بين جماعة الإخوان المسلمين بالأردن التي تم تأسيسها على أساس أنها فرع مرتبط تنظيميًّا بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، موضحًا أن دور الحكومة جاء من منطلق حرصها على تطبيق القانون، واستجابت لطلب تأسيس الجمعية الجديدة عندما قُدم وفقا للشروط المطلوبة.
أسطورة التنظيم الدولي وحركة حماس
تشكل العلاقة مع التنظيم الدولي وحركة حماس أحد أسباب الأزمة الجذرية لجماعة الإخوان في الأردن. بحسب رئيس اللجنة التحضيرية التي تقدمت بطلب ترخيص الجماعة عبد المجيد ذنيبات، فإنها كانت جزءًا من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأن الوقت حان لتصبح جماعة أردنية غير مرتبطة بالتنظيم الدولي.
بحسب الباحث “أبوفراس الهلالي”، “فالتنظيم الدولي” هو إحدى “الأساطير المؤسسة” لسوء الفهم حول جماعة الإخوان، حيث أن هذا التنظيم – الذي لا يمثل سوى جهة استشارية لا تتدخل حقيقة في قرارات الفروع – أصبح سيفًا مسلطًا على جماعات الإخوان في أكثر من بلد، وهو ما يتفق مع أحد التصريحات السابقة لـ”عبد المجيد ذنيبات” أن “التنظيم الدولي لا يتدخل في الجماعات (الفروع) ولا في سياساتها وانتخاباتها”، وأن دوره يقتصر على النصح والأفكار والخطط العامة، مضيفا أن “التنظيم الدولي لم يتدخل في الأزمة الحالية لأنه لا يتدخل في الشؤون الداخلية (للفروع)”.
كذلك شكل الاتهام الذي وجهه “شرف القضاة” رئيس مجلس علماء الإخوان المسلمين في الأردن، أعلى سلطة دينية وشرعية داخل الجماعة، ويضم العلماء الشرعيين في الجماعة، ويختلف عن مجلس الشورى، يوم 23/2 بوجود تنظيم سري يقود الجماعة مرتبط بحماس، مرتبط بتيار الصقور الذي يقوده المراقب العام للجماعة “همام بن سعيد”.
هذا الاتهام الذي نفته حركة “حماس”، التي تتمتع بعلاقة وثيقة مع النظام الأردني، مؤكدة على عدم وجود تنظيمات سرية أو علنية تتبع حماس في الأردن، مطالبةً الأطراف المختلفة داخل جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين بعدم إقحام حماس في خلافاتهم الداخلية.
تراجع الاتهامات لحركة حماس الفلسطينية، وتقارب العلاقات بينها وبين المملكة يُعزز من فرضية إقحام حماس في قضايا التنظيم الداخلية حيث يتم “استثمار حماس لتعزيز المواقع التنظيمية لصالح جبهة “الذنيبات”، وكسب مساحات إضافية من التأييد لها”.