الجزائر وإيران، علاقة مصالح أم خضوع للأقوى؟
46
Follow @AtiqDzلم يشكل غياب الجزائر عن التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية ضد “الإرهاب” مفاجأةً لدى أوساط الرأي العام الدولي؛ فالجزائر التي رفضت التدخل عسكريًّا في مالي وليبيا واعترضت على التحالف العسكري العربي في اليمن، ما زالت ترفض الحلول العسكرية على حساب الحوار السياسي والذي تعتبره الدبلوماسية الجزائرية خطًا أحمر. فرفضها الضمني لخطوات السعوديين والقطريين يجعلها قريبة بشكلٍ ما مما يطلق عليه “المشروع الإيراني الروسي في المنطقة” حسب صيرورة الأحداث الجارية.
وهناك دوافع عديدة، جعلت الجزائر تنحو هذا المنحى السياسي في دبلوماسيتها تجاه الشرق الأوسط، ولعل أبرز هذه الدوافع هو علاقتها المتينة بإيران منذ خمسة عشر عامًا، والصراع مع السعودية ومصر والمغرب على القوة والنفوذ بالدول والأقاليم العربية، كما أن للأوضاع الاقتصادية خاصة ما تعلق بأسعار النفط تأثيره على التقارب الجزائري الإيراني.
الجزائر وفية للمعسكر التقليدي
الجزائر التي التزمت الصمت في الثورة الليبية والمصرية والتونسية واليمنية عند بداياتها، لم تتعامل بنفس المسافة مع سوريا عند اندلاع ثورتها، فاعتبر النظام الجزائري الوحيد – تقريبًا – الذي دعم نظام بشار الأسد ورفض التصويت بالقمم العربية للاعتراف بالمعارضة السورية باعتبارها ممثلًا شرعيًّا للشعب السوري، بل قام بجهود كبيرة لإقناع بقية الدول العربية بدعم الأسد على حساب المعارضة المسلحة، التي يصفها بجماعات خارج القانون.
والمتابع للعلاقات الخارجية للجزائر، يدرك دعمها ووقوفها مع الأصدقاء التقليديين لما يسمى بدول عدم الانحياز والمعسكر الشرقي ممثلا في روسيا، إيران، مصر، فنزويلا، كوبا، نيجيريا، العراق، الصين وكوريا الشمالية، فهذه الدول شكلت في وقت سابق العصر الذهبي لدول الجنوب وقاد زعماؤها أمثال كاسترو وشافيز وبومدين وعبد الناصر وصدام دولهم لتحقيق انتصارات دولية بحسابات اشتراكية، جعلت منهم رموزًا كبارًا لدى شعوبهم.
وتكررت الزيارات بين المسؤولين في الجزائر وإيران في الآونة الأخيرة، حيث قام نائب الرئيس الإيراني إسحاق جاهنغيري منذ أسبوعين بزيارة إلى الجزائر، وشارك الوزير الأول عبد المالك سلال بقمة الدول المنتجة للغاز بالعاصمة الإيرانية طهران قبل شهر من الآن. وتكاثفت الزيارة بعد الاتفاق النووي الإيراني وتعقد الأوضاع في سورية واليمن.
كما قام سابقا وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بزيارة إلى الجزائر، وسلم ظريف رسالة إلى بوتفليقة من الرئيس روحاني، وأكد المسؤول الإيراني أن الجزائر وإيران بحاجة إلى العمل سويًا، في رد على الجهود التي يبذلها معسكر السعودية بالمنطقة، والتزام الجزائر الصمت إزاء هذه التحركات تجاه الدول العربية.
موقع الجزائر من الصراع في سورية واليمن
وبالعودة إلى الأحداث الجارية بالمنطقة العربية، خاصة في الحقل السوري واليمني، نجد أن النظام الجزائري ينحاز إلى طرف على حساب آخر، فروسيا وإيران وأذرعها المختلفة تقود هجمات عسكرية و”حروب عصابات” من أجل تثبيت نظامي الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن، والسعودية بتحالف عسكري إسلامي عربي تقود عمليات عسكرية هي الأخرى بسوريا ضد بشار الأسد، وباليمن ضد الحوثيين.
فالجزائر غائبة تمامًا عن التحالف العسكري السني العربي سواء في سوريا أو اليمن، ولم تكتف بالصمت تجاه المعسكرين المتصارعين في المنطقة، بل تبذل جهودًا دبلوماسية كبيرة لدعم نظام بشار الأسد، الذي تعتقد أنه آخر نظام في معسكر الممانعة سيسقط من قبل الإمبريالية الأمريكية، وهذا ما يفسر وقوفها وتنسيقها الكبير مع روسيا وإيران في المنطقة.
ولعل الأذرع الإعلامية للنظام الجزائري تثبت ذلك؛ فالكثير من صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات الخاصة المحسوبة على السلطة في البلاد، تدعم بشار الأسد والحوثيين، في حين تقود هجمات تشويه كبيرة تجاه تركيا في صورة رئيسها رجب طيب أردوغان. والذي تعتبره هذه الأوساط الإعلامية الداعم الأول لتنظيم داعش ومهندس الفوضى الخلاقة التي تميز المنطقة العربية منذ 2011 وإلى الآن.
الجزائر-إيران، مصلحة اقتصادية تدفع إلى الاقتراب أكثر
تحاول الجزائر التقرب أكثر من محور إيران سياسيا واقتصاديا، فتبادل الزيارات مؤخرًا عاد إلى أوج قوته بين البلدين منذ خمسة عشر عامًا، أي مع استلام خاتمي وبوتفليقة مقاليد الحكم، وكانت العلاقة بين إيران والجزائر متوترة في أعقاب العشرية السوداء التي مرت بها هذه الأخيرة، وقامت إيران عام 1993 بمحاولة لدعم الحزب المنحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس) والجماعات المسلحة ضد السلطة الحاكمة، ردت عليها الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية نهائيًّا.
وعلى أثر الأزمة الاقتصادية المرتقبة لدول النفط، تعتقد أوساط في النظام الجزائري أن السعودية وحلفاءها في الخليج يتآمرون من أجل خفض أسعار النفط في السوق الدولية من خلال عدم التعاون بمنظمة أوبك، وعدم تخفيض الإنتاج اليومي للنفط حتى تستقر الأسعار بشكل يسمح للجزائر بالحفاظ على موازناتها المالية.
ودعا عبد المالك سلال الوزير الأول الجزائري، الفاعلين الأساسيين في السوق البترولية إلى التوصل إلى اتفاق حول مستويات الإنتاج على نحو يسمح بتقويم مستدام للأسعار. وأكد خلال قمة الدول المنتجة للغاز بالعاصمة الإيرانية طهران، على أهمية التوصل إلى صياغة اتفاقات طويلة الأمد على صعيد إنتاج واستهلاك الغاز وتنويع استهلاكه في مختلف القطاعات.
ويضيف رئيس اللجنة العليا للتعاون الجزائري الإيراني، عباس أخندي؛ أن منظمة أوبك ضعيفة من الداخل، ويقصد عدم تعاون دول الخليج بخصوص تثبيت الأسعار، يقول أخندي “لقد فقدت أوبك السيطرة على الأسعار في السوق النفطية”، وهذا يعني أن تشكيل كارتل إيراني جزائري فنزويلي داخل أوبك لن يؤثر ولا يمكن حدوثه، لأن المنظمة في وضع ضعيف، في حوار للوزير الإيراني مع يومية الشروق.
ويشير الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي أن الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب، سيعود بالفائدة على الجزائر من خلال تنويع الاستثمارات الإيرانية، وهذا مع نية الحكومة الجزائرية للتوجه نحو سوق مفتوحة تقلص من التبعية النفطية، وفي حوار لوزير السكن الإيراني ورئيس لجنة التعاون بين البلدين عباس أخندي، مع يومية الشروق، أكدّ على رفع العقوبات التي تسمح باقتناء طائرات لدعم الأسطول الجوي الإيراني، واستثمار الأموال المحجوزة في البنوك الأجنبية بعديد الدول منها الجزائر، حسب قوله دائمًا.
تحديات وتهديدات في مستقبل العلاقة الجزائرية الإيرانية
وفي المقابل من ذلك، تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لتصدير النفط الأمريكي بعد 40 عامًا من امتناعها عن ذلك، وستضاعف إيران من إنتاجها للنفط حسب تصريح للمسؤولين في المرحلة المقبلة، ما يعني استمرار متاعب الجزائر في الأزمة الاقتصادية التي دافعها أن أكثر من 96% من مداخيل الجزائر هي عائدات حقول النفط والغاز، كما أن السعر المرجعي بقانون مالية 2016 هو 37 دولارًا للبرميل، في حين تراجع إلى أقل من ذلك في الآونة الأخيرة بالسوق الدولية.
وبهذا الخصوص يقول البرلماني لخضر بن خلاف أن زيارة المسؤولين الإيرانيين في الآونة الأخيرة إلى الجزائر، تأتي استمرارًا لزيارة المسؤولين الأجانب للبلاد بعد تمرير قانون المالية، ومحاولة الغرب والشرق للاستثمار بالجزائر، واستغلال ضعف النظام الجزائري من أجل تقوية مصالحهم أكثر بالمنطقة.
ويعتبر ملف الشيعة، أحد الملفات التي تقلق الجزائريين في عقائدهم، حيث يقدر عدد الشيعة حسب مصادر رسمية أكثر من 3 آلاف شيعي يتوزعون في مناطق مختلفة من البلاد، وتحارب الحكومة الجزائرية ممثلة في وزارة الشؤون الدينية أي حملة تشيُّع في أوساط المجتمع، فالحكومة الجزائرية تؤكد على الفقه المالكي باعتباره مذهبًا وحيدًا يجب اتباعه، وتخشى من الاختلاف في المذاهب والأعراق التي يعتبرها الساسة دافعًا قويًّا لإشعال حرب طائفية بالمنطقة.
وفي ندوة أقامتها يومية البلاد، أكد المشاركون بها أن السفارة الإيرانية في الجزائر تضخ أموالا كبيرة من أجل نشر التشيع، وتستخدم أدوات عديدة وفضاءات متعددة من أجل التمكين للتشيع، ولعل الانتصارات التي حققها حزب الله جنوب لبنان عام 2006 والدعم الذي تحظى به المقاومة في غزة من قبل إيران، جعل تيارًا كبيرًا من الشعوب العربية ومنهم الجزائريين يبدون تعاطفًا كبيرًا مع الشيعة. لكن سرعان ما تغيرت الأوضاع واختلت الموازين بعد أحداث العراق ومشاركة الحرس الثوري في الحرب داخل الأراضي السورية، والاجتياح الحوثي لمؤسسات الدولة باليمن.
ويعتبر ملفا التعاون الاقتصادي والمد الشيعي أهم التحديات التي تواجه الجزائر في العلاقات مع إيران؛ فالمد الشيعي لإيران انعكس على جميع البلدان التي نجح في بناء حاضنة مجتمعية بها بالوبال والاقتتال الطائفي مثلما يحدث في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن. وتبحث إيران، عن طريق الجزائر؛ على بوابة لها في الشمال الأفريقي اقتصاديًّا وفكريًا.