اخبار العراق الان

عاجل

أن تحلمي كرجل

أن تحلمي كرجل
أن تحلمي كرجل

2016-01-03 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست


حين كنت صغيرة كنت أحلم بأن أكون جندية، هكذا وبدون أيّة مقدّمات أجبت المعلّمة في الصفّ الثاني، وحين أخبرت المعلّمة أمّي بذلك ضحكت الاثنتان لأنّني أتصرّف كالرجال، وهنا بدأت أعي بأنّ الرّجال يمتلكون خيارات أكثر في أحلامهم من الفتيات.

كان الحلم قد تبدّد من دون أيّ مجهود يذكر، حين أدركت بأنّني فتاة، ولا أمتلك وطنا كي أكون جنديّة فيه، أنا حتّى لا أمتلك مسافتي الخاصّة كي أتحكّم بها.

بدأت الأشياء التي يسمح لي أن أقولها أو أفعلها تقدّم على شكل محاضرات صباحيّة من قبل أمي، وفي المدرسة، وفي محاضرات الماجستير حتّى، كنت فتاة، وأكثر ما يمكنني فعله هو رسم الكحلة فوق عيني ووضع الأحمر على شفتيّ، وتحضير عشاء شهيّ في نهاية اليوم.

كبرت وأنا أرى التمييز في كلّ شيء، حتّى الأحلام. كان بإمكان أخوتي مثلا أن يكونوا مهندسين وطيّارين أو حتّى رجال فضاء. في حين أنا أرى الفتيات من عمري يحضّرن لوضع أحلامهنّ داخل علبة مقفلة ويرمينها في جارور دولاب لا يصله النّور أبدا. ويمسكن بسكّين المطبخ بدلا من إيجاد خيط لملاحقة أحلامهنّ.

هل كان عليّ أن أبدّل حلمي برأس بصل؟ مضحك ها؟

وأدركت بأنه كي أحلم كرجل يتطلّب منّي أن لا أتصرّف كفتاة.

كانوا يقايضون الحلم بأدقّ تفاصيلي الطبيعيّة. بأن أكون امرأة، لكنّني حتّى الآن لا أكفّ عن التفكير بالحلم كرجل. وأتساءل ماذا يحوي الفضاء كي لا يحقّ لي أن أصل إليه. أو ما هو مقدار شدّة الشمس التي يستطيع رجل فقط أن يتحمّلها.

هل كانت النّساء اللواتي ربّينني على الخجل هناك يوما كي يقرّرن ما أستطيع تحمّله أو لا، وهل تشعر معلّمة الصفّ الثاني بأنّها قد وصلت الجزء الأكبر من داخلي وقتلته حين سخرت منّي، وبأنّ أمّي قد أخذت منّي شغفي حين شدّت على يدها كي “تكسّر رأسي”.

أنا الآن أكره الأحلام التي تخذل، وأكره كلّ شيء لا يكتمل، وأركض وراء أطراف البدايات والنهايات وكلّ معطيات المسائل حين أرغب بتحقيقها، وأمتلك كومة جديدة من الأحلام التي لن توقفني عنها ضحكة معلّمتي أو أمّي أو حتّى سخرية رجال بلدتي الذين لا يلقون بالا للمستوطنات التي تبنى كلّ يوم فوق الجبل المقابل لبلدتنا.

لو امتلكوا حلم فتاة حين كنت في السابعة من عمري ولم يكتفوا بإقناعي بأنّني لا أستطيع أن أصبح جندية لربّما باتت هناك كتيبة منّا.

لكنّهم فعلوا..

ومع مرور الوقت أقنعت نفسي بأن لا أكفّ عن الحلم حتّى وإن اضطررت لأن أتصرّف كالرّجال كي أحلم كرجل، أنا الآن أمتلك كومة منها، ولا شيء يستطيع أن يأخذ حلما واحدا منّي مهما كان صغيرا.

بل.. لا حلم صغير أبدا مهما بدا كذلك..لا رجال يحلمون أفضل من الفتيات..

الأحلام الكبيرة لا تحتاج رجالا.. هي تحتاج الإيمان بها كي تتحقق.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

أن تحلمي كرجل