اخبار العراق الان

للكبار فقط .. يسقط جيلكم!

للكبار فقط .. يسقط جيلكم!
للكبار فقط .. يسقط جيلكم!

2016-01-04 00:00:00 - المصدر: ساسة بوست


“يسقط كل من خان عسكر فلول إخوان”، “ياعبيد ياولاد المرة تفويضكم جابنا لورا”.

شعاران بل إن شئت فقل عنوانان يلخصان قصة مرحلتين عاشتهما مصر من بعد فبراير 2011 ويوليو 2013.

الأول اتخذته الحركات الليبرالية والقوى الثورية الشبابية في اتهام الإخوان بخيانة الثورة عندما تساهلوا مع العسكر في إدارة البلاد ولعبة السياسة، ووصفها البعض بأنها صفقات لمكاسب ضيقة، والثاني رفعه الإسلاميون وفي القلب منهم الإخوان في اتهام أتباع السيسي ومفوضيه على الدماء التي ارتكبها بعد 3 يوليو ولاينكر أحد هذا الحق وسيأتي اليوم الذي سنحاسب فيه كل من شارك في الدماء طيلة كل الأعوام السابقة.

ولكن تخطى هذا الشعار في اتهامه لكل الحركات الليبرالية الأخرى وقطاعات من الشعب المغيب سواء من شارك أو لم يشارك في التفويض أو من سكت وآثر السلامة أو تكلم بعد فترة وزُجّ به في السجون.

بعيدا عن معترك الصواب من الخطأ والحقيقة من السراب لأن كلا من الطرفين محق وكل منهما مخطئ غير أن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن هناك فائز بين الطرفين هو “الطرف الثالث”، الطرف الذي تعاون معه كلا الطرفين لتحقيق أهداف خاصة وتصفية حسابات ضيقة أغرقت الوطن أيا كان مبرر كليهما.

ولكن تُرى من أتى بهذا الطرف؟

مَن أوقعنا في الفخ

مَن المتسبب في كل هذا العبث الذي حدث وإن لم نحسمه سيستمر حدوثه إلى أن نُمحى من على وجه هذا الوطن إن لم نكن ننقرض بالفعل؟

لا أجد سببًا جذريًّا أوصلنا إلى هذه المرحلة السوداء التي أُغرق فيها الوطن (وأتناول في هذا المقال ناحية القوى السياسية والشعب فقط ولا أنفي طرف العسكر والدولة)، سوى النخبة المتحكمة في كل هذه الكيانات أو التيارات، وأخص بالذكر كهول جيل هذه النخبة، إسلاميًّا كان أم ليبراليًّا أم أكاديميًّا أو تكنوقراط، حتى مؤسسات المجتمع المدني لم تخلُ من سيطرتهم. وكأنه كتبت لهم حياة أخرى بعد موت أعمارهم على حساب حياتنا التي لم نرَ فيها طعم السياسة أو الحكم أو المعارضة.

فهذه جماعة الإخوان تعيش أزمة حقيقة فاض بركانها لايستطيع أحد أن يغفل البعد الأكبر فيها، وهي تسلط النخبة التاريخية القديمة على كل مفاصل الجماعة وتوجهاتها التي أثبتت الأيام انحراف مسار عملها وأخطاء سياسية أخرى وإدارية لابد لها من وقفة يحسمها شبابها، وها هو حزب النور المتولد من الدعوة السلفية الذي مارست قيادته الدعارة السياسية والمتاجرة بالدين أثناء حكم الإخوان وحكم السيسي، ومن هنا حصل انفصام وتزمجر شهده الجميع بين قطاع من الشباب السلفي وبين ما يمارسه قادة الحزب الذين أوردوه المهالك حتى انقلب السحرعلى الساحر وما “صفر” الانتخابات منا ببعيد.

ومن ناحية أخرى ترى المجتمع المدني أو القوى الليبرالية والشبابية عجزت أن تجد من يمثلها أو ينوب عنها في عمليات الحكم أو المعارضة سوى نخبة متهالكة، وما جبهة الإنقاذ منا ببعيد حتى انتخابات الرئاسة الأولى في 2012 التفت حول مرشح من النخبة المشوهة مستمر إلى الآن في مسرحية العسكر وصفه البعض “كُمبارس السيسي” والآخر لاتعلم منه ماذا يريد وما منهجه الصريح وما زاده في صحراء هذا الوطن.

والكثير من الشخصيات التي خُدعنا فيها وأظهرت الأيام تساقطها في محطات الشدة.

روح الشباب وجثة النخب

أيادي هذه النخب المرتعشة التي تساهلت مع العسكر والدولة العميقة في الكثير، باحثين للثورة عن طوق نجاة لطيف في بحر لجّي يغشاه موج الفساد.

وحساباتهم الضيقة التي جعلت من كرههم البعض في حين غرة منهم، مبررًا للاستنجاد بمن أغرق الوطن وجعله ظلمات عليهم قبل غيرهم. لاشك أن استبدال وإزاحة هذه النخب القديمة أصبح لزامًا على الجميع واستبدالهم بميكانيكية عمل شبابية كخطوة أولى داخليًّا لتلافي أخطاء الماضي واستلهام الحالة الثورية الحقيقية التي تبني حياة سياسية ومجتمعية جديدة.

نجمل بعضًا من أسباب هذه المفارقة:

  • دائمًا ما يتميز الشباب بالهمة العالية والمجازفة للوصول للحل الأمثل، هذه المخاطرة الإيجابية تفتقدها النخبة القديمة التي تؤثر السلامة دائما وبالتالي لا يوجد مانع لديها في إغراق مركب الوطن بأكمله للحفاظ على خشبة كيانها التي تترأسه إن كانت تسعى حقا للحفاظ عليه! أم الحفاظ على نفسها؟
  • الثقافة والانفتاح والإلمام بمختلف العلوم ومعطيات القياس وبالتالي القدرة على الإدارة السليمة والاجتهاد الصائب أعلى من غيرهم الذين جفت قواميسهم عن ترجمة الأحداث المعاصرة والسياسة الحالية.
  • نقاء النفوس فلا يدفنون الحقد أو الحسابات الضيقة في صدورهم، على عكس ماورثه الماضي في النخب القديمة.
  • الاستعداد للعمل المشترك والتعاونية في الحكم أو المعارضة أو لعبة السياسة أعلى بكثير لدى الشباب من غيرهم الذين غرّهم منصبه القيادي وحساباته الشخصية الدفينة.
  • النخب القديمة في أي كيان أو مؤسسة لا تخلو الآن من احتمالية الاختراق أو العمالة المباشرة أو غير المباشرة للأجهزة الأمنية القمعية داخليا أو ربما للعدو والأنظمة السلطوية عالميا، وهؤلاء نراهم أمام أعيننا يتساقطون كل يوم وماخفي أعظم.

غير أن الثمن المر الذي يدفعه الوطن من عبث هذه النخب هو أطهر الشباب الواعي في القبور أو السجون أو المطارد يبحث عن جسر يعبر عليه الوطن من هذه الغوغاء، الشباب الذين يدفعون ضريبة أخطاء غيرهم سواء كانوا من المسميات الحزبية الكرتونية التي قادتها نخبة من جيل عفا عليه الزمن وما زال يماطل في الحصول على زمن آخر على حساب حياتنا، أو كانوا من عامة الشعب الذي قتلنا بصمته طيلة شبابه وحين فنى عليه الدهر الآن يقتلنا بصوته في عمر شيخوخته.

يسقط جيلكم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست