بعد أن اتهمت السعودية إيران بدعم التنظيم: ما حقيقة علاقة إيران بتنظيم القاعدة؟
في غضون سويعات قليلة، وصلت العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين إيران والسعودية إلى سقف مرتفع من التصعيد، بعد أن قامت المملكة بتنفيذ حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، فقام محتجون إيرانيون بحرق السفارة السعودية في طهران، والقنصلية العامة في مدينة مشهد، وهو ما جعل المملكة تقطع كافة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وتتبعها عدة دول عربية في هذا القرار، أبرزها السودان والبحرين، بعد أن اتهمت المملكة السلطات الإيرانية بالتحريض ضدها والتباطؤ في حماية منشآتها الدبوماسية.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية السعودية عادل الجبير مساء أمس، اتهم الجبير إيران هي أنها “نظام يشكل ملاذًا آمنًا على أراضيه لزعامات تنظيم القاعدة الإرهابي منذ عام 2001” وتابع الوزير القول: “النظام الإيراني وفر الحماية لعدد من المتورطين في تفجير أبراج الخبر بالمملكة العربية السعودية عام 1996” وبعيدة عن هذه الاتهامات السعودية المعتادة، يتساءل تقرير “ساسة بوست” التالي، عن حقيقة وجود علاقة بين إيران وتنظيم القاعدة رغم الاختلاف الأيدلوجي والطائفي بين الطرفين، وهل دعمت إيران القاعدة حقا كما تشير الاتهامات السعودية؟
(1) بدايات علاقات القاعدة بإيران
في عام 2001 غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان، معقل تنظيم القاعدة، ومع سقوط حكومة طالبان، سارعت قيادات القاعدة وذويهم إلى الهرب، فكانت إيران أحد الوجهات، إذ استقبلت أكثر من 100 من أعضاء وعناصر القاعدة وعائلاتهم، وسكن هؤلاء في بيوت تحت رعاية “الحرس الثوري” حيث نشأت علاقات مباشرة بين بعض رموز القاعدة مباشرة مع الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية.
يقول رئيس قسم الدراسات الأمنية في المعهد الملكي للخدمات المشتركة في بريطانيا “جوناثان إيال”: “أنّ إيران قد منحت اللجوء لعناصر عدة من تنظيم القاعدة بعد عام 2001، بما في ذلك عناصر من قياداتهم” وأكد التقرير الرسمي للجنة التحقيق في أحداث 11 سبتمبر المنشور في عام 2004 على أن: “تعامل إيران مع تنظيم القاعدة سابق لهذا التاريخ، إذ يعود لفترة التسعينيات إبان تواجد قيادات التنظيم في السودان، نظرًا لتوطد علاقة الإيرانيين بالنظام السوداني هناك، ووجود مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين”.
وتعد واحدة من أبرز الدلائل على علاقة إيران بالقاعدة، حادث تفجير الرياض، إذ كشفت مكالمة هاتفية من سيف العدل، أحد قياديي القاعدة المقيمين بإيران، حوت معلومات حول التفجير، وقد ردت إيران على ذلك بأنها لا تدري كيف تمكن معتقلو القاعدة لديها من توجيه تنفيذ عمليات عن بعد.
من جانبها، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن لجنة خاصة بالتحقيق في هجمات 9/11، ذكرت أنه: “على الرغم من عدم توفر أدلة على علم طهران بهجمات القاعدة على الأراضي الأمريكية إن هناك دليل قوي على تسهيل إيران لحركة تنقل عناصر من القاعدة، سواء في الدخول أو الخروج من أفغانستان قبل 11/9، وأن بعض هؤلاء كانوا من منفذي تلك الهجمات الإرهابية”.
كما تستدل الصحفية على هذه العلاقة بتقارير نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية في 30 مايو(2013) جاء فيها أن: “ما زالت إيران غير مستعدة لمحاكمة زعماء من القاعدة تواصل احتجازهم، وترفض التصريح عن أسماء أولئك العناصر الرفيعة في القاعدة المعتقلين لديها. كما سمحت إيران لعناصر من القاعدة بالتنقل بسهولة عبر أراضيها”.
من جانبه، قال المدير السابق لوكالة الاستخبارات العسكرية، الجنرال ميشيل فلين، أن: “هناك رسائل تفضح دورا إيرانيا، ونفوذا ومعرفة بتحركات عناصر من القاعدة عبر الأراضي الإيرانية”، وأوضح أن: “هذه الرسائل تشير إلى علم السلطات الإيرانية بجميع الأعمال التي نفذها تنظيم القاعدة ضد الأمريكيين في العراق وأفغانستان”.
وفي يوليو(تموز)2011، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على ستة من عناصر القاعدة مقيمين في إيران، وحينها قال نائب وزير الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين أن:”على جانب آخر من دعم إيران اللامحدود للإرهاب، هناك صفقة إيرانية مع القاعدة، التي يسمح بموجبها بتنقل الأموال والعناصر عبر أراضيها”.
(2) تعاون رغم الخلاف
إيران “دولة شيعية” وتنظيم القاعدة “جهادي سني” هذا الخلاف الأيدلوجي الطائفي لم يحُل دون عمل الطرفين في اتجاه واحد بدافع المصالح المشتركة.
هذا الاختلاف الأيدلوجي، الذي استخدمه من كلا الطرفين في تأكيد العداء والاختلاف بينهما، سرعان ما كان يذوب في محيط ما يتشاركه الطرفان من أعداء مشتركين من دول عربية وغربية، وكما يقول المحللون أن إيران دائما “قادرة على تجاوز خلافها الأيديولوجي في سبيل مصلحتها البراجماتية في الشرق الأوسط” أي أنها سعت إلى التعامل والتعاون مع تنظيم القاعدة لتحقيق مصالح أساسية بالنسبة لها، خاصة على صعيد العداء مع الولايات المتحدة ودول الخليج العربي، ويري المحللون أن إيران كانت تستضيف عناصر القاعدة بصفتها نوعا من الضغط على الغرب بمساندة تنظيمات تعمل ضده.
ويرى محللون أن الطرفين يتبادلان العداء كلاميًا في سبيل التعتيم على تلك العلاقة، والعمل بالسر ضد عدوهم الرئيس “الولايات المتحدة الأمريكية” و”أنظمة الخليج” وهذا دافع براجماتي لدى الطرفين لتبني كل منهم مواقف مرنة تجاه الآخر. ودفع هذا العداء الطرفان إلى التنسيق من أجل تنفيذ مخططاتهما وتوظيف إمكانيات كلٍّ منهما للآخر في ظل ظروف فرضها الواقع، فحاجة تنظيم “القاعدة” الذي ضيق عليه ماسة للانتفاع من الدعم المالي واللوجستي الإيراني، ويقول المراقبون أن: “علاقة القاعدة مع إيران كانت ترجع إلى رغبة التنظيم في الحصول على التكنولوجيا النووية والأسلحة الفتاكة التي ستجعله يحقق أهدافه بأسرع وقت ممكن”. وربما تكون علاقة إيران بحركة حماس وسائر الحركات السنية على الأراضي الفلسطينية قد شجعت رموز القاعدة على إمكانية الاستفادة من بعض العلاقات مع طهران.
(3) شكوك متبادلة
من أجل مصالحها السياسية، وهي الدوافع التي دفعت إيران لاستضافة تنظيم القاعدة؛ فساومت؛ ووشت استخباراتيا بالتنظيم مستغلة وجود عناصره على أراضيها. وتشير تقارير إلى أن إيران عرضت صفقة على الإدارة الأمريكية في عام 2003 مفادها “أن إيران مستعدة لتبادل بعض الشخصيات البارزة في تنظيم القاعدة مع قادة إحدى الجماعات الإيرانية المعارضة والمسجونين في العراق، وهي منظمة مجاهدي خلق”.
تعد عملية اغتيال نجل بن لادن “سعد” بواسطة طائرة أمريكية بدون طيار على الحدود الإيرانية الباكستانية أحد أبرز الدلائل على دور إيران المزدوج، فابن لادن أشار إلى أن وشاية إيرانية للولايات المتحدة الأمريكية تمت بواسطة عملاء أبلغوا عن رحلات سعد من إيران وإليها، وهذا ما مكن الطيران الأمريكي منه.
لم يكن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يخفي شكوكه في أن براغماتية إيران قد تدفعها للعب دور مزدوج. وعدة دلائل أكدت على ذلك، منها رسائل وجدت في “أبوت آباد” التي قُتل فيها، حيث حذر إحدى زوجاته المقيمات في إيران من احتمال تتبع المخابرات الإيرانية لها أثناء ذهابها إليه.
(4) كيف انعكس الصراع بسوريا والاتفاق النووي على العلاقة بين إيران والقاعدة؟
بعد إبرام إيران للاتفاق النووي مع الغرب يونيو الماضي، توقع مراقبون أن تقوم إيران بتغيير سياستها مع التنظيمات الجهادية التي تعاديها الولايات المتحدة والغرب، في محاولة لتحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع الغرب التي أضرت بها كثيرًا خلال السنوات الماضية.
لذلك قرأ محللون ومسؤولون أمريكيون قرار إيران بطرد المتحدث الرسمي السابق للقاعدة صهر أسامة بن لادن “سليمان أبو غيث” دليل على تغير سياسة إيران تجاه القاعدة، وقالوا أن: “قيام إيران بطرد مسؤول كبير في تنظيم القاعدة يومئ بتصدع في هذه الجماعة الإرهابية التي طالما مُنحت ملاذا آمنا داخل حدودها” كما جاء في تقرير صحيفة واشنطن بوست، وذكر أحد الخبراء في مكافحة الإرهاب إن: “الطريقة التي طُرد بها أبو غيث بدت محسوبة، مما يدل على أن إيران بدأت تصير أكثر انزعاجا لاستضافة هؤلاء الرجال”.
وفيما يتعلق بالحرب في سوريا يعتبر الأمر مختلفا نوعًا ما، حيث تدعم إيران النظام السوري في حين تصنف القاعدة ضمن الفصائل التي تقاتل ضد النظام. ومع ذلك تشير تقارير إلى أن إيران قد سمحت باستخدام الأراضي الإيرانية كطريق عبور للتنظيمات الجهادية من أفغانستان وإليها “لنقل الأموال والمقاتلين عبر إيران لدعم نشاطات القاعدة في جنوب آسيا”. وكما يقول ديفد كوهين وكيل وزير الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إن: “نفس شبكات العبور ترسل الأموال والمقاتلين لسوريا، حيث المقاتلون الإسلاميون المرتبطون بالقاعدة يقاتلون ضد القوات الموالية للحكومة المدعومة من إيران”.
ورغم تصلب موقف إيران تجاه القاعدة بعد الحرب السورية والاتفاق النووي إلا أن الخبراء يقرؤون حرص إيران على “عدم قطع حبلها الموصول مع التنظيمات الجهادية تحسبًا لأي طارئ في هذه العلاقة التي لا تزال هشة بين إيران والغرب خاصة، يقول المحللون والمسؤولون الأمركيون إن: “إيران على ما يبدو سعت لإمساك العصا من المنتصف، بمنح ومنع الخدمات بالتناوب للحفاظ على التبعية، هذه الإستراتيجية ساعدت في ضمان أن القاعدة لن تهاجم الحكومة الإيرانية، وسمحت لإيران بالحفاظ على خيار العمل مع الجماعة لتنفيذ هجمات ضد أهداف غربية في حال تعرض إيران للهجوم”.