بزوغ فجر الأدب
كان شتاء عام 2007 قد اقترب على الانتهاء حين أنهى الكاتب روايته الأولى لتصدرها دار ميريت للنشر والتوزيع إلى النور بعنوان ” فيرتيجو” من تقديم الكاتب المصري صنع الله إبراهيم معلقاً على أحداث الرواية وموهبة كاتبها الشاب أحمد مراد. كان حينها لا يزال الكاتب صاحب الثلاثين عاماً مجهولاً فى الأوساط الأدبية،اسم جديد لم يبزغ نجمه بعد،خاصة وأنه لم يكن من المترددين على تجمعات المثقفين،ولا هاويا لحضور حفلات التوقيع.
فى نفس الأيام،وقبل هذا التاريخ بخمس سنوات وبالتحديد فى العام 2002 صدرت رواية عن نفس الدار ” ميريت” – بعد أن تم نشرها على حلقات فى جريدة أخبار الأدب لرئيس تحريرها جمال الغيطاني – أثارت ضجة فى الأوساط الأدبية لطبيب أسنان من أسرة أرستقراطية يُدعي علاء الأسواني وحملت الرواية عنوان عمارة يعقوبيان تيمناً بعمارة كائنة بمنطقة وسط القاهرة تحمل نفس الاسم.
الضجة التى أثارتها عمارة يعقوبيان لكاتبها الطبيب علاء الأسواني كانت ناتجة من مضمونها القوي الذى تناول تغيرات هامة طرأت على المصريين فى الخمسين عاما الأخيرة من تاريخهم، وركزت على التحول الاجتماعي والسياسي الذي حدث لمصر خلال تلك الفترة التى يراها البعض مظلمة فى التاريخ،أو ما يطلق عليه علماء الاجتماع عصر الاضمحلال،وذلك من خلال عدد من الشخصيات التى وظفها الكاتب فى بناء روائي مُحكم اتخد من المكان بطلاً له يجمع بين مختلف شخصيات عمله،والتى مثلت كل شخصية منهم على حدا بعداً هاماً فى المجتمع المصري.
بداية من زكي الدسوقي الأرستقراطي الغارق فى ثبات الماضي إلى الحاج عزام الصاعد من طبقة اجتماعية دنيا ليصبح نائبا فى البرلمان عن دائرة قصر النيل،حتى حاتم رشيد الصحفي المرموق رئيس تحرير المجلة الفرنسية الشهيرة. كل هؤلاء كانوا يمثلون فى عالم الأسواني كيانات منفردة بصراعاتها النفسية وتغيراتها الاجتماعية ليعبروا بصدق عن التغير فى فكر وسلوك المجتمع إلى الأسوأ نتيجة للفساد السياسى الذى مرت به مصر فى سنواتها السابقة على كتابة الرواية.
تربعت الرواية على عرش الروايات الأكثر مبيعا ًلمدة اقتربت من الخمس سنوات حتي العام 2007، وانهالت عليها دور النشر الأجنبية حتي تمت ترجمتها إلى أكثر من 17 لغة،ولمعت قصتها فى أعين صناع السينما حتى نجح الكاتب وحيد حامد فى صياغة النص السينمائي من النص الأدبي بعد أن ابتعد الكاتب عن خوض تجربة الكتابة السينمائية،فتم إنتاج الفيلم بمجموعة ضخمة من نجوم الفن تحت إخراج المخرج الشاب مروان حامد .
وعلي الجانب الآخر كانت الأرصفة ورفوف المكتبات تمتلئ بنسخ عديدة من رواية ” فيرتيجو “،لم تلفت أنظار القراء،ولا حتى لاقت من اهتمام النقاد شيئا،ويرجع ذلك إلى ضعف فنيات العمل من سرد وحوار ووصف،وربما كانت التجربة التي أثارتها الرواية،وحسبت لها فيما بعد كونها عودة لظهور أدب الجريمة مرة أخرى.
تتناول الرواية من خلال بطلها المصور الشاب أحمد كمال جريمة قتل جعلته الصدفة البحتة يلتقط صور لمعركة دموية نشبت بين كبار رجال الأعمال فى بار “فيرتيجو”،والذي يرتاده صفوة المجتمع. ثم تتوالي الأحداث بعد ذلك من محاولة البطل الخروج من خيوط الجريمة وتفسير أحداثها. ورغم أن الرواية اتخذت من المكان بطلاً لأحداثها،لكن الخط الدرامي الذى حافظ عليه الكاتب كان الجريمة لتقل بطولة المكان أمامها.
الرواية على المستوى لم تحقق نجاحا يُذكر مقارنة بالأولي، وتأخر نجاحها حتى عام 2010 حين ظهرت التجربة الثانية لأحمد مراد فى الكتابة الأدبية من خلال رواية “تراب الماس” أكد من خلالها الكاتب على أنه روائي يملك أدوات أدب الجريمة بشكل مُحكم،وقادر على صياغة حبكة درامية متماسكة، فعاد الاهتمام بعمله الأول ليتحول إلى مسلسل درامي من بطولة الفنانة هند صبري في موسم مسلسلات رمضان للعام 2012 .
وفى ذات شتاء العام 2012 انتهي أحمد مراد من عمله الروائي الثالث بعنوان:”الفيل الأزرق” متخذا كعادته من الجريمة حبكة درامية،مع إضافة بعد نفسي لأبطاله،وحاول الكاتب التغاضي عن الأخطاء التى وقع فيها خلال أعماله السابقة،وظهر تحسن واضح فى أسلوبه السردي،وأكد على أنه يتربع على أدب الجريمة في مصر،وحاول أيضاً أن يتفادي خطأ ترك كتابة سيناريو وحوار مسلسل فيرتيجو لكاتب آخر،فحين ذاع صيت الرواية تعاون مع المخرج مراون حامد فى كتابة النص السينمائي للعمل حين تقرر تحويله لفيلم يحمل نفس الاسم من بطولة كريم عبد العزيز.
مع تغيير بسيط فى المعالجة السينمائية وتغيير النهاية تحت إشراف كاتبها،نجح الفيلم على المستوي الجماهيرى،فقد بلغت إيراداته فى دور العرض 35 مليون جنيها مصريا،واعتبره البعض عودة قوية للسينما الجماهيرية النظيفة،ذلك إلى جانب حصده لعدد من الجوائز كجائزة لجنة التحكيم فى مهرجان بروكسل.
ثم تأتي رائعة صُنع الله إبراهيم “ذات” كان لابد لهذه الرواية أن تُكتب أمس. اليوم. أو حتى فيما بعد. وكأن صنع الله إبراهيم أحترف تشريح مجتمعنا وما طرأ عليه من تغييرات، فجاء كتابه كتطبيق عملى لنظرية الحراك الاجتماعى التى وضعها جلال أمين فى كتابه:”ماذا حدث للمصريين”. وتلخص المصريين عند الكاتب فى عدد من الشخصيات كشخصية ذات وزوجها عبد المجيد وسميحة والشنقيطى. ليؤكد صُنع الله إبراهيم بأسلوبه السلس المُبهر أن الأدب هو مرآة صادقة لمجتمعه.
إلى أن تم تحويل العمل الأدبي إلى مسلسل من بطولة النجمة نيلي كريم يحمل نفس الاسم،وكانت المعالجة الدرامية من نصيب الموهوبة مريم نعوم،ورغم اختلاف بعض أحداث المسلسل عن النص الروائي،إلا أن المخرجة المتميزة كاملة أبو ذكرى أضافت تفاصيل هامة لكل مشهد وحلقة من حلقات المسلسل.
عودة الأدب إلى الشاشة مرة أخري،سيأتي بثماره في دعم الأعمال الجيدة،خاصة وإن كانت الروايات من نوع الأدب السياسي كعمارة يعقوبيان. دائما الأدب قادر على تشكيل الوعي طالما جاءته الفرص ليتحول إلى صورة فى شكل عمل سينمائي أو تليفزيوني. وربما تحويل أعمال أخرى للشاشة مثل واحة الغروب لبهاء طاهر،والتى تعكف عليها حاليا مريم نعوم،وإنتاج فيلم تراب الماس عن رواية تحمل ذات الاسم لأحمد مراد سيكون بمثابة إضافة قيمة للسينما والتليفزيون.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست